Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من المنتصر في الاتفاق اللبناني- الإسرائيلي؟

تل أبيب اعتبرته اعترافاً من دولة عدوة وإيران رأته نصراً كبيراً لـ"حزب الله"

سفينة حربية إسرائيلية ترسو في مياه البحر الأبيض المتوسط ​​قبالة الحدود اللبنانية   (أ ف ب)

كيف يمكن تصنيف اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل؟ هل هو اتفاق سلام؟ معاهدة؟ ترتيبات أمنية؟ أم مجرد اتفاق تجاري بين شريكين على استغلال أراض متجاورة؟

لم يكن خافياً مقدار الاهتمام الدولي بإقرار هذا الاتفاق، فأميركا التي تتوسط لإقراره منذ أكثر من عقد من الزمن وصفه رئيسها جو بايدن بـ"الإنجاز التاريخي"، وفرنسا التي لعبت دوراً في الاتصالات لإنجاحه قال رئيسها إيمانويل ماكرون أمراً مماثلاً، وكلاهما سارعا إلى الاتصال برئيس الدولة اللبنانية ورئيس الوزراء الإسرائيلي للتهنئة والإشادة.

في لبنان كما في إسرائيل تقارب موقعو الاتفاق في موقفهم من الإشادة به. رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد ذهب إلى حد اعتباره اعترافاً من دولة عدوة بإسرائيل وضمانة لأمن الحدود الشمالية للدولة من التهديدات التي يكررها "حزب الله" ومن ورائه إيران منذ أعوام، بينما ذهب معارضو الاتفاق في تل أبيب إلى رفضه واعتباره استسلاماً لـ"حزب الله" وعلى رأس هؤلاء بنيامين نتنياهو الذي يخوض انتخابات مصيرية هذا الأسبوع وهدد بإلغاء الاتفاق في حال فوزه على رأس المعارضة، مع أن كثيرين لا يرجحون ذلك.

معارضو الاتفاق في تل أبيب يذهبون إلى صب المياه في طاحونة "حزب الله" وايران، فيقولون إن الحكومة الإسرائيلية استسلمت للتهديد و"تنازلت عن مساحة سيادية من أرض إسرائيل" لمصلحة لبنان. هذا ما كتبه المعلق الإسرائيلي زلمان شوفال في "معاريف" جازماً أنه "يوجد في الاتفاق ربح تكتيكي قصير المدى لكن خسارة استراتيجية واضحة. فهذا ليس اتفاق سلام أو حتى تطبيع علاقات، يبقى لبنان دولة عدوة، والعنصر السياسي والعسكري السائد فيه (حزب الله) لا يخفي نواياه تجاه تل أبيب، ولا يقلل من ترسانة صواريخه ضدها".

آخرون في إسرائيل يذهبون إلى منظور مختلف. فقد أتاح الاتفاق في الشمال تخصيص نصف الجيش الإسرائيلي لمواجهة الأوضاع المتوترة في الضفة المحتلة، ولم يتحقق ذلك إلا بعد "الإنجاز الكامن في إعادة الاستقرار إلى الحدود الشمالية مع التوقيع على اتفاق الحدود البحرية"، يقول الكاتب تامير هايمن الذي يذهب إلى إثارة مسألة ما بعد الاتفاق في نطاق "تطور جيوسياسي قوامه المنافسة بين الشرق والغرب على تغيير النظام العالمي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أعاد الاتفاق اللبناني- الإسرائيلي الولايات المتحدة إلى المنطقة التي قررت الانسحاب منها تدريجاً، وفي نظر هايمن وزميله مئير بن شباط أن "التدخل الإيراني في أوكرانيا يوفر فرصة لبايدن لتغيير الاتجاه والكسب على كل الجبهات، ليس مع الناتو فقط وإنما إعادة بناء علاقاته مع السعودية ودول الخليج، وسياسة كهذه ستوفر ريح إسناد لاحتجاج المواطنين في ايران".

توفر الحماسة الأميركية لإنجاز الاتفاق البحري فرصة لاجتهادات عدة حول السياسات الأميركية اللاحقة، وسط تعثر المفاوضات النووية مع إيران واندلاع الاحتجاجات فيها وتورطها في الحرب الأوكرانية إلى جانب روسيا.

لكن في إيران لا تزال سردية النظام سائدة. فلا شيء في الداخل سوى مؤامرة أميركية إسرائيلية "عربية" ضد النظام، ولا شيء في الخارج سوى انتصارات للنظام وأنصاره.

لم يتحدث قادة النظام في إيران عن الاتفاق اللبناني- الإسرائيلي، ربما لانشغالهم بالانتفاضة الداخلية ورغبتهم في الحفاظ على استثمارهم الأبرز في لبنان، خوفاً من انفجار داخلي نتيجة الأزمة الاقتصادية أو حرب تقضي على كل شيء.

وتقول التقديرات إنهم أجازوا الاتفاق في حدوده البحرية احتفاظاً منهم بقوة التهويل البري في المستقبل. ضمن هذا المنطق اعتبرت إيران الاتفاق الذي يذكر دولة إسرائيل 27 مرة في نصوصه انتصاراً من جملة انتصارات النظام الخميني في مناطق النفوذ العربية. وها هو خطيب صلاة الجمعة الأخيرة في طهران حجة الإسلام الحاج علي أكبري يقول في خطبته إن "الكيان الصهيوني أجبر على توقيع اتفاق حدودي مع لبنان، وهذا نصر كبير لمؤسس هذا الانتصار العظيم وهو حزب الله اللبناني".

وتابع أكبري سرد الانتصارات الإيرانية أمام جمهور إيراني تطحنه مشكلاته الداخلية، "في العراق فشلت خطط أميركا المعقدة. لقد لاحظتم أن الشعب العراقي بعد أن مر بهذه المؤامرات الأميركية المعقدة، نجح في انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء وهذا يعتبر نجاحاً كبيراً آخر".

في إسرائيل تحدث الرسميون عن انتصارات وفي إيران فعلوا الأمر نفسه. في أميركا وصفوه بـ"إنجاز تاريخي" فماذا حدث بالضبط؟

يقول مسؤول أميركي سابق شارك في المفاوضات إن "حزب الله" تراجع عن شروط سابقة عرقلت الوصول إلى نتائج طوال أعوام والسبب في ذلك الانهيار الشامل في لبنان، ويضيف دبلوماسي عربي أن إيران التي تعتبر لبنان حصناً وموقعاً متقدماً أجازت الاتفاق حفاظاً على هذا الحصن المتقدم ضمن حساباتها الإقليمية الجيوسياسية.

ومهما يكن فإن نتيجتين ترتبتا على هذا الاتفاق غير نتائجه الاقتصادية المأمولة، الأولى أن لبنان الرسمي انضم بعد عقود من استعماله في حروب مديدة باسم التحرير والمقاومة واسترداد فلسطين، إلى سلسلة دول الطوق التي أنجزت اتفاقات مع إسرائيل، أما النتيجة الأخيرة، فتتمثل في تراجع قدرة "حزب الله" على لعب دور المفجر الدائم وسيف التهديد المسلط على إسرائيل لينكفئ إلى اهتمامات داخلية قد لا تكون خطورتها قليلة على طبيعة لبنان الذي نعرفه ويريدها معظم سكانه.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء