Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يؤثر "غسل الأموال" في أداء المصارف العربية؟ 

يضعف الاقتصاد الوطني ويصم الدول بتمويل الإرهاب وينال منها بجرائم الاتجار بالمخدرات والبشر

تم شطب السودان من قائمة الدول التي لديها قصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عام 2015  (اندبندنت عربية - حسن حامد)

تتنوع صور وأساليب ظاهرة غسل الأموال، وهي أعمال مصرفية غير مشروعة تستخدم لإخفاء مصدر الدخل غير المشروع الناتج من نشاط إجرامي عبر تمريرها بتحويلات ومعاملات معقدة أو من خلال سلسلة من الأعمال التجارية، إذ يتم "تنظيف" الأموال من أصلها غير المشروع وجعلها تبدو كأرباح تجارية مشروعة من مصدر شرعي وإدخالها إلى الدورة المصرفية.

الظاهرة استفحلت خلال العقدين الأخيرين على مستوى العالم، والبلدان العربية ليست استثناء منه، بل إن هذه الظاهرة استفادت من مواقع بعض الدول العربية المميزة، وتتزايد الظاهرة التي يستخدمها أصحاب "الياقات البيضاء" وغيرهم من المجرمين على حد سواء، وتستفيد من حالات المصارف خصوصاً تلك التي تعاني قصوراً تقنياً وبدائية في معاملاتها المالية إذ يصعب هذا الأمر تتبع مصدر هذه الأموال. أو في حال امتلاك القائمين على هذه الجرائم وسائل اتصال حديثة، إذ تجد ثغرات من خلال النظم التكنولوجية ونشاط المصارف في التجارة الإلكترونية وأسواق الأوراق المالية التي تحصل فيها عمليات مضاربات تجارية كبيرة، بيد أن الحاسم لهذه الظاهرة بين النوعين من المصارف هو تقوية سياسات مكافحة غسل الأموال لاكتشاف ومنع هذا النشاط.

وتنطوي عمليات غسل الأموال على آثار اقتصادية بإضعاف الاقتصاد الوطني وإحداث عدم توازن في الأداء المصرفي بدخول أموال ناتجة من جرائم وخروجها بسرعة وبكميات كبيرة وسياسية تنال من هيبة وسمعة الدولة وأمنها وارتباطها بتمويل الإرهاب، واجتماعية بتضمنها جرائم الاتجار غير المشروع في مجالات المخدرات والبشر والاحتيال وتزييف النقد والمضاربات غير المشروعة في أسواق المال والجرائم المنظمة وغيرها.

وهناك العديد من الطرق لغسل الأموال من البسيطة إلى شديدة التعقيد، فواحدة من أكثر الأساليب شيوعاً هي استخدام عمل تجاري قانوني قائم على النقد مملوك لمنظمة إجرامية، وتوجيه النقد المتحصل عليه إلى الحساب المصرفي ثم تسحب بحسب الحاجة ويسمى هذا النوع من الأنشطة التجارية بـ "الواجهات".

مراحل الإفراج

شرح اتفاق فيينا لعام 1988 للأمم المتحدة في أحد مواده عملية غسل الأموال بأنها "تحويل الممتلكات أو نقلها مع العلم أن هذه الممتلكات مستمدة من أية جريمة، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للممتلكات أو لمساعدة أي شخص متورط في هذه الجريمة على التهرب من العواقب القانونية لأفعاله".

وأوضح الاتفاق أن "العملية تمر بثلاث مراحل للإفراج النهائي عن الأموال المغسولة في النظام المالي القانوني، وهي التنسيب، بمعنى نقل الأموال من الارتباط المباشر بالجريمة، والتصفيف وهو تمويه المسار لإحباط المطاردة، والتكامل وهو إتاحة الأموال للمجرم مما يبدو أنها مصادر مشروعة".

 وبعد تأسيس مجموعة العمل المالي (فاتف) عام 1989 ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، للعمل على سن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، أنشئت مجموعة إقليمية على غرار "فاتف" في الـ 30 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا فاتف) ومقرها العاصمة البحرينية المنامة، "بهدف السعي وبشكل مستمر إلى تطبيق ونشر السياسات والمعايير الدولية ذات العلاقة وتعزيز الالتزام بها بشكل فعال، خصوصاً التوصيات الصادرة من مجموعة العمل المالي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

وتضم "مينا فاتف" في عضويتها حالياً 21 دولة عربية، إضافة إلى 18 دولة ومنظمة دولية تشغل مقاعد مراقبين بالمجموعة التي تتمتع بصفة عضو مشارك لدى مجموعة العمل المالية، ومجموعة العمل المالي لآسيا والمحيط الهادئ ومجموعة العمل الـ "أورآسيوية".

وفي الـ 21 من يونيو (حزيران) 2019 وافق الاجتماع العام لمجموعة العمل المالي على منح السعودية مقعد عضو لديها، كأول دولة عربية تحصل على هذه العضوية.

وكانت الرياض حصلت عام 2015 على مقعد عضو مراقب في المجموعة، وبهذه الخطوة يمكن أن يبرز دورها في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح في منطقة جغرافية مهمة تطل على مناطق تحيط بها تعقيدات الجرائم حول عمليات غسل الأموال من جوانب عدة.

ضعف الرقابة

 يقول الأستاذ المشارك بكلية الدراسات التجارية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا محمد الناير إن "لقضية غسل الأموال آثار اقتصادية كارثية على الدول، فهي تنشئ ما يعرف باقتصاد الظل وتؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم وتراجع سعر صرف العملة الوطنية في الدول وتعقيد المشهد الاقتصادي، فحينما يتم إيداع هذه الأموال في الاقتصاد وهي أموال مصدرها غير شرعي ويتم تدويرها، تؤثر سلباً في الاقتصاد بتوفير سيولة زائدة عن الحاجة وتؤدي إلى التضخم، ثم تكتسب شرعيتها لتعود مرة أخرى إلى الخروج من اقتصاد الدولة إلى دول أخرى بالعملات الأجنبية".

وأشار الأستاذ المشارك إلى "مجموعة العمل المالي الدولية وفرعها مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما لديهما من سلطات واسعة، مسؤولة عن تنفيذ حوالى 49 قانوناً يفترض أن تتوافق معها قوانين الدول الأعضاء، فإذا شعرت بأن أية دولة على مستوى العالم خالفت هذا الأمر فتستطيع أن تتخذ إجراءات ضدها وتوجه المصارف على مستوى العالم بألا تتعامل مع مصارف هذه الدولة".

 

 

 وأضاف الناير أنه "مع تأثير غسل الأموال في الاقتصاد إلا أنه على القطاع المصرفي أكثر تأثيراً، لأنه المنفذ الوحيد الذي يتم عبره تنظيف الأموال الناتجة بطرق غير مشروعة، ولأنه البوابة الأولى التي يتم عبرها البدء في عملية غسل الأموال وتقع عليه مسؤولية التحقق من مصدر الأموال التي تودع بكميات كبيرة، لكن هذه الشبكات تتحايل وتجزؤها وتضعها في عدد من الحسابات حتى تكسبها المشروعية، وعليه فلا بد من أن تكون للمصرف أنظمة ومعلومات وتبادل المعلومات الكافية من الجهة التي يحول منها، وهذا أمر مشروع أصبحت تديره الشركات وتأخذ مقابلاً عنه بأن يتم الرجوع للدولة حول مصادر الأموال".

وأوضح، "تنشط هذه العمليات أساساً لدى الدول التي يكون لديها ضعف كبير في أجهزتها الرقابية، مثل بعض الدول العربية والنامية وهي ليست كدول العالم المتقدم التي قطعت شوطاً كبيراً في أنظمتها المتطورة التي تعمل على كشف قضايا غسل الأموال بسهولة ويسر، فالأنظمة المصرفية في الدول العربية لا تزال ضعيفة ولم ترتق إلى مستوى مكافحة غسل الأموال بالصورة المطلوبة".

معايير غير متسقة

 ترأس السودان مجموعة العمل المالي (مينا فاتف) عام 2013، وفي عام 2015 أعلن بنك السودان المركزي أن "مجموعة العمل المالي الدولية قررت شطب اسم السودان من قائمة الدول التي لديها قصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويزيل هذا الإجراء العقبات من أمام التحويلات المالية مما يتيح للبنك المركزي والبنوك السودانية سهولة إجراء التحويلات المالية من وإلى السودان دون قيود".

وأوردت الباحثة ماجدة عبدالمحسن أنه "بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه جعفر النميري عام 1970، قررت حكومته تأميم القطاع المصرفي بأكمله، وبعد سنوات سمحت الحكومة للبنوك الأجنبية بالعمل مع البنوك الوطنية، كما قررت حكومة السودان خلال التسعينيات تغيير النظام المصرفي من نظام تقليدي إلى إسلامي".

وأضافت عبدالمحسن أن "النظام المصرفي في السودان ينقسم إلى البنوك التجارية والمصارف المتخصصة، وهناك ثلاثة أنواع من البنوك التجارية وهي الحكومية والمشتركة (المملوكة للحكومة والقطاع الخاص) والبنوك الأجنبية، وإضافة إلى ذلك فإن معظم المصارف المتخصصة مملوكة للحكومة".

وأوضح الناير أن "السودان تسلم تحذيراً من مجموعة العمل المالي الدولية من وجوده في القائمة الرمادية، لذلك استشعر الخطر لئلا يتطور الأمر إلى مرحلة أعلى ويؤدي إلى إيقاف تعامل المصارف العالمية معه إذا اتخذت ’فاتف‘ قراراً بذلك، وسيكون ذلك أخطر من الحظر الاقتصادي الأميركي، لأن السودان حينها كان يلقى منفذاً من الدول العربية للتعامل معه، فقام السودان بتعديل القوانين حتى تتوافق مع ’فاتف‘".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشرح ذلك الأمر بأن "لدى مجموعة العمل المالي الدولية وحدة تحريات مالية تتعامل مع البنوك الرسمية في كل دول العالم بصورة أساس، وهي تتحرى حينما تشعر بأن هناك شكوكاً حول عملية غسل للأموال أو تمويل للإرهاب فتقوم بالمتابعة والتفتيش".

وواصل، "ترفع الوحدة الأمر إلى النيابة العامة ثم القضاء، وهي السلسلة الصحيحة التي تعتمدها المجموعة، وليس كما حدث من ممارسات قامت بها لجنة إزالة التمكين أو غيرها من الأساليب الأخرى في ظل النظام السابق، إذ لم تتسق مع المعايير التي تنتهجها ’فاتف‘".

دمج المصارف

وأشار الناير إلى أن "عملية غسل الأموال يمكن أن ترتبط بأصول أيضاً، ومن الأمثلة أنه كانت هناك بعض المؤسسات التابعة للقطاع العام في السودان تمت خصخصتها، وكان من المفترض أن تجد مستثمراً جاداً يقوم بتشغيل المؤسسة وضخ الأموال فيها وزيادة معدل الإنتاج وتشغيل عمالة إضافية، ولكن حدث العكس فبقيت معطلة ثم بيع عدد منها، مما أثار الشكوك حول نيات غير جيدة".

وأضاف، "على المستوى العالمي نجد أيضاً أن شراء المؤسسات لتعطيلها وليس لتشغيلها ليثبت صاحبها حينما يبيعها أن هذه الأموال جاءت من طريق بيعها".

وفي تقريرها السنوي الـ 17عام 2021 ذكرت "مينا فاتف" اعتماد اجتماعها العام الـ 32 للمجموعة خلال يونيو تقرير مشروع تطبيقات حول "غسل الأموال الناتج من جريمتي الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين".

واستعرض التقرير "طرق واتجاهات غسل عائدات الأموال المتأتية من الاتجار وتهريب البشر بناء على المعلومات والحالات العملية التي أسهمت بتوفيرها الدول الأعضاء في المجموعة"، وهذه إشارة إلى أن الاتجار بالبشر أصبح عنصراً أساساً في مجال غسل الأموال يضاف إلى تمويل الإرهاب وانتشار التسلح وغيرهما، مما يتطلب تعاوناً بين دول الإقليم وتفعيل وتنسيق الأدوار والتعاون مع المنظمات والمؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية الأخرى لتعزيز الالتزام بهذه المعايير دولياً.

وشدد الناير على "النظر في متطلبات إعادة هيكلة المصارف خصوصاً الضعيفة بالدمج مع مصارف أخرى، أو رفع رأس المال إلى مستوى معقول ليخلق كيانات مصرفية قوية، وبالتالي ستكون لديها القدرة على تمويل مشاريع تنموية أو بعيدة ومتوسطة المدى، كما ستوفر لها القدرة على تقوية الأنظمة الموجودة القادرة على اكتشاف غسل الأموال في مرحلة باكرة حتى لا تعود سلباً على اقتصادات الدول العربية والقطاع المصرفي العربي".

المزيد من تحقيقات ومطولات