Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ريشي سوناك ومحاولة الفهم

المتابع للمشهد السياسي الأوروبي ونماذج الديمقراطية الليبرالية الغربية يقف حائراً أمام التلونات

اختيار سوناك رئيساً للوزراء يلقي بظلال من الحيرة والتعجب على تسامح الديمقراطية البريطانية (أ ف ب)

جاء اختيار ريشي سوناك رئيساً لوزراء بريطانيا ليضيف علامة من علامات التعجب والحيرة حول ما يحدث في الديمقراطيات الأوروبية بل الغربية بشكل عام. فقد اختار حزب المحافظين البريطاني، وليس حزب العمال أو الحزب الليبرالي الديمقراطي، رئيس وزراء من أصل هندي للمرة الأولى، السيد سوناك ابن مهاجرين من الهند ويدين بالديانة الهندوسية، أي أنه ليس أبيض وليس مسيحياً. وهذه سابقة لم تحدث في التاريخ البريطاني الديمقراطي. فحزب المحافظين يعد يميناً لا يخلو من العنصريين الذين لا يترددون في التعبير عن عنصريتهم، فهو حزب بنجامين ديزرائيلي ومارغريت تاتشر التي أوقفت منح الجنسية البريطانية بشكل تلقائي لمن يولد في بريطانيا بعد تكاثر الهجرات واستغلال هذه الميزة من بعض المواطنين الذين كانوا يتزوجون من أجنبيات في بلادهم، أو بلادهن، نظير مبلغ من المال كي يحصل على الجنسية بالتبعية بعد أن يلد مولوداً داخل بريطانيا.

وحزب المحافظين هو حزب رئيس الوزراء الأسبق الشهير ونستون تشرشل الذي قال عن الهنود حين كان وزيراً للمستعمرات إنهم "شعب حيواني وديانته حيوانية"، في إشارة واضحة إلى عبادة البقر الهندوسية.

الرمزية الهندية بتولي سياسي هندي رئاسة وزراء بريطانيا العظمى التي استعمرت ونهبت خيرات الهند على مدى قرنين، لم يطغ عليها سوى تزامن اختيار سوناك بيوم عيد "الديوالي"، عيد النور لدى الهندوس.

لكن اختيار سوناك يلقي بظلال من الحيرة والتعجب على تسامح وانفتاح الديمقراطية البريطانية التي خرجت من الاتحاد الأوروبي قبل ست سنوات (2016) بتأثير نزعات انعزالية يمينية تريد الحفاظ على الهوية البريطانية، وهو العام نفسه الذي انتخب فيه الأميركيون رئيسهم اليميني الفوضوي دونالد ترمب، خلفاً لرئيسهم الأسود للمرة الأولى في تاريخهم، وكان اسمه برق حسين أبوعماما! وأبوعماما (أوباما) جاء خلفاً لرئيس يميني من المحافظين الجدد، وكان اسمه جورج بوش الابن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يأتي اختيار سوناك في وقت تنتخب فيه إيطاليا يمينية يعتبرها المراقبون فاشية موسولينية، هي جورجيا ميلوني، وفي وقت يترأس فيه وزراء إيرلندا، المستعمرة البريطانية السابقة، ليو فراكار الهندي الأصل والمثلي الجنس علناً!

الانتخابات الإسبانية المحلية التي جرت في يوليو (تموز) الماضي بمقاطعة الأندلس أتت باليمين الإسباني، مع تصاعد التوجهات اليمينية بين الناخبين الإسبان بالانتخابات العامة المقبلة.

حتى السويد التي عرفت بليبراليتها وديمقراطيتها الاشتراكية، نحت نحو اليمين المتشدد المعادي للهجرات والمهاجرين فخلال انتخابات سبتمبر (أيلول) الماضي.

وكانت المجر اختارت حكومة يمينية متشددة ضد المهاجرين والثقافات "الدخيلة" وتحارب المثلية الجنسية، مما أدى إلى إجراءات أوروبية عقاباً لها على ذلك.

أما فرنسا فهي تتأرجح بين يمين متشدد تمثله الجبهة الوطنية بقيادة ماري لوبان، ويسار مشرذم ويمين وسط مشتت.

المتابع للمشهد السياسي الأوروبي ونماذج الديمقراطية الليبرالية الغربية يقف حائراً أمام تلونات هذا المشهد، فمن منظر بأن الديمقراطيات الغربية على مفترق طرق بين مبدأي الاندماج أو التعددية الثقافية، إلى من يرى أن هذا هو الوضع الطبيعي للديمقراطية وخياراتها. فالناس غالباً لا يختارون الأفضل، لكنهم يختارون الأنسب. والأنسب بالنسبة إلى بريطانيا في هذه الفترة هو سوناك، كما شرح لي صديق إنجليزي ينتمي إلى حزب المحافظين.

نرفع في عالمنا العقال لرجل ذكي مثل سوناك "ما يحقر نفسه من شيء"، كما يقال باللهجة عندنا، أي أنه واثق من قدراته وطموحه يناطح الشهب. وقد كان التعليم النوعي مفتاحه نحو تحقيق طموحه. فهو خريج أكسفورد وستانفورد، وثري ثراء فاحشاً قد يكون مصدراً لناقديه إذا ما فشلت خططه الاقتصادية في انتشال الاقتصاد البريطاني الذي هوت به سلفه ليز تراس نحو الهاوية.

المزيد من آراء