Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تدخل منعطفا اقتصاديا بعد عام من أداء الحكومة وترقب الإصلاحات

يرى مراقبون فشلاً في تطبيق الإجراءات مع تفاقم الأزمات يقابله تفاؤل بالاتفاق مع صندوق النقد

أتى تكليف بودن بعد شهرين من عزل رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وتجميد أنشطة البرلمان في 25 يوليو 2021 (أ ف ب)

مضى عام كامل تقريباً على تولي رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن رمضان منصبها وأدائها اليمين الدستورية رفقة أعضاء الحكومة أمام الرئيس قيس سعيد كأول رئيسة لحكومة دولة عربية في فترة تعرف فيها تونس أزمة اقتصادية ومالية حالكة اتسمت بضعف جل المؤشرات الاقتصادية للبلاد.

ومنذ اختيارها من طرف الرئيس سعيد في 29 سبتمبر (أيلول) 2021 استبشر التونسيون بهذا التعيين الاعتباري والرمزي، آملين في أن تتحسن على يدها أوضاع البلاد وتخرج من النفق المظلم الذي دخلته خلال ما وصفوه بـ"العشرية السوداء"، في إشارة إلى حكم الإسلام السياسي للبلاد بعد 2011.

ونجلاء بودن رمضان (63 سنة)، من مواليد 1958 أصيلة محافظة القيروان (وسط تونس)، هي أستاذة تعليم عالٍ في المدرسة الوطنية للمهندسين متخصصة في علوم الجيولوجيا، وكانت تشرف على خطة لتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي قبل تكليفها بمهمتها الجديدة.

عينت بودن مديرة عامة مكلفة الجودة بوزارة التعليم العالي في عام 2011. وشغلت منصب رئيسة وحدة تصرف بحسب الأهداف بالوزارة ذاتها، وكلفت بمهمة بديوان وزير التعليم العالي السابق شهاب بودن في عام 2015.

وعندما عينها الرئيس سعيد، رئيسة للوزراء، أصبحت أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ البلاد، وطلب منها أن تضع في أولوية عمل حكومتها، مكافحة الفساد وإعادة الأمل للتونسيين، قائلاً "قررت تكليفكم تشكيل حكومة جديدة وسيكون هذا لأول مرة في تاريخ تونس، لأول مرة ستتولى امرأة رئاسة الحكومة، وسنعمل معاً بإرادة وعزيمة ثابتة للقضاء على الفساد والفوضى التي عمت الدولة".
وأتى تكليف بودن بعد شهرين من عزل رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وتجميد أنشطة البرلمان في 25 يوليو (تموز) 2021، ليستأثر الرئيس بالسلطتين التنفيذية والتشريعية في خطوة وصفها خصومه بأنها "انقلاب"، بينما قال الرئيس إنها ضرورية لإنقاذ البلد من الانهيار.

من اليأس إلى الأمل

وقال سعيد، عقب أداء حكومة بودن اليمين الدستورية، إن التحدي الأول سيكون إنقاذ الدولة. وأضاف "سنفتح كل الملفات ولن نستثني أحداً. لا مكان لمن يعبثون بسيادة الدولة".
وأكد سعيد، الذي شبه المرحلة بـ"معركة تحرير وطني"، أن الحكومة ستواجه تحديات كبيرة لإنعاش الاقتصاد العليل ومكافحة الفساد، مضيفاً "أنا على يقين من أننا سنعبر معاً من اليأس إلى الأمل ومن الإحباط إلى العمل".

وضع اقتصادي متردٍ

وتسلمت نجلاء بودن مقاليد تسيير البلاد في حالة اتسم فيها الوضع الاقتصادي منذ عقد من الزمن، بالمعاناة من غياب الاستقرار السياسي، الذي لا يزال يضعف رغبة المستثمرين والمانحين الدوليين في صرف الأموال في تونس، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي سنوياً، ما بين عامي 2010 و2020 نحو 0،6 في المئة.

وبسبب الجائحة انكمش الاقتصاد التونسي في عام 2020 بنسبة 8.8 في المئة، فضلاً عن تأثر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14 في المئة من الناتج المحلي الخام، والذي تضرر بشكل كبير.

ماذا تغير بعد عام كامل من عمل بودن؟

ولكن بعد مرور عام كامل على تسلم نجلاء بودن منصبها، فإن السؤال الذي يتبادر إلى أذهان عموم التونسيين والمتخصصين هو هل تغيرت أحوال البلاد وتحسنت الأوضاع الاقتصادية فيها؟

عدد من الباحثين في الشأنين المالي والاقتصادي، أجمعوا على أن رئيسة الحكومة لم تنجح في المهمة التي أوكلت إليها، بل إن أوضاع تونس الاقتصادية واصلت الانحدار وبلغت مستويات يصفها التونسيون بالـ"مخجلة" وغير المرضية، بدليل اصطفاف طوابير المواطنين أمام المخابز والمحلات التجارية لاقتناء المنتجات الغذائية الأساسية المفقودة وآخرها طوابير طويلة للحصول على بضعة ليترات من البنزين.

فشل ذريع

وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي إن بودن "فشلت فشلاً ذريعاً في معالجة الملفات الاقتصادية الحارقة التي تمر بها البلاد". وأكد أن "رئيسة الحكومة التونسية وعلى امتداد عام كامل لم تدر الشأن الاقتصادي بالشكل المطلوب، بل إن تونس غرقت أكثر في المشكلات الاقتصادية والمالية بدليل أن مجمل المؤشرات الاقتصادية والمالية تراجعت بشكل لافت". واستدل الشكندالي في هذا الصدد على أن عدد المشاريع التي أعلنت عنها الهيئة العامة لاستثمار وصل إلى خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذه السنة إلى 14 مشروعاً أجنبياً فقط ملاحظاً أنه رقم هزيل جداً يعكس ضبابية الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد.
وتابع تفسيره قائلاً إن "الاستثمار الخاص تراجع مع أواخر أغسطس (آب) الماضي، بنسبة 24 في المئة، إضافة إلى التراجع البارز للاستثمارات الفلاحية من أربعة مليارات و39 مليون دينار (مليار و237 مليون دولار تقريباً) إلى 383 مليون دينار (نحو 117 مليوناً و300 ألف دولار أميركي)".

وتحدث الشكندالي عن "غياب بوصلة في أداء الفريق الحكومي على امتداد عام كامل لم يعرف خلاله إدارة الازمات الاقتصادية التي لا تزال تعصف بالبلاد"، مرجعاً ذلك إلى "غياب برنامج اقتصادي متكامل يأخذ بعين الاعتبار التطورات السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية".

وانتقد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية سياسة حكومة بودن في تعاطيها مع صندوق النقد الدولي، معتبراً أن "الغاية الأساسية للحكومة هي الحصول على التمويل بقدر ما تبحث عن رسم برنامج اقتصادي واضح يخرج تونس من أزمتها الاقتصادية الآخذة في التعمق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


غياب اليقظة والاستشراف

وعما إذا كانت تداعيات أزمة "كوفيد" واندلاع النزاع الروسي – الأوكراني، شكلت ظروفاً لم تخدم نجلاء بودن في تنفيذ برامجها الإصلاحية، شدد الشكندالي على أنه "كان من الضروري أن تعد برنامجاً بديلاً يأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات عبر تفعيل برامج اليقظة والاستشراف تحسباً لهذه المتغيرات الجيوستراتيجية". وقال إن "حكومة بودن تدير الشأن العام وخاصة الشأن الاقتصادي، كل يوم بيومه من دون تخطيط أو استباق للأوضاع، بدليل إعداد قانون مالية بفرضيات خاطئة لم يتم إلى الآن تعديله".

وفي حين أن الرئيس التونسي ما انفك يتطرق إلى الخطر الداهم الذي دفعه نحو إقرار إجراءات وتدابير استثنائية منذ 25 يوليو (تموز) 2021، فإن "الخطر الداهم الحقيقي" من وجهة نظر الشكندالي، "يتمثل في الأوضاع الاقتصادية المتعكرة والهزات المالية المتواصلة".
ومن مظاهر فشل الحكومة الحالية في إدارة الشأن الاقتصادي، ارتفاع الأسعار، والأخطر من وجهة نظره، غياب عديد من المواد الأساسية من السوق أو صعوبة التزود بها، ما فاقم سخط المواطنين وعدم رضاهم عن الوضع، على غرار ما يحدث في هذه الفترة من تسجيل طوابير أمام محطات بيع المواد النفطية في ظل صعوبة تزود الشركات الحكومية بهذه المنتجات من المزودين العالميين.

مشهد اقتصادي قاتم

من جهته رسم المتخصص في الشأن المالي والمصرفي عز الدين سعيدان مشهداً اقتصادياً قاتماً من خلال تعمق الاقتصاد التونسي في أزمة تلو أخرى، مرجحاً أن "تدخل تونس في دوامة أزمة مالية يصعب الخروج منها". وفي حين لم يشر صراحة إلى فترة وجود نجلاء بودن على رأس السلطة التنفيذية، إلا أنه لمح إلى أنه خلال قيادتها للبلاد، عرفت تونس استفحال تردي الأوضاع المالية والاقتصادية في ظل غياب واضح وصريح للإصلاحات التي قال إنها لم تنطلق بعد وأنها تأخرت أكثر من اللزوم.

وأوضح سعيدان أن "عنوان الفشل البارز يتمثل في عدم التوصل إلى الآن إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بعد 18 شهراً من المفاوضات والمحادثات التي أثمرت فقط عن تطمينات من الجانبين".

كما رأى سعيدان أنه "حتى في صورة التوصل إلى اتفاق ونيل تونس قرض بقيمة ملياري دولار تقريباً، فإن هذا القرض لن يحل مشكلات تونس الاقتصادية باعتباره حلاً مالياً من الصعب أن تقابله إصلاحات في ظل تمسك الاتحاد العام التونسي للشغل بجملة مطالب في مقدمتها رفض رفع الدعم".

ويعتقد المتحدث أن "أزمة المالية العمومية التي تعانيها البلاد انتقلت بشكل صارخ إلى الشركات الحكومية التي صارت عاجزة عن توفير المواد الأساسية على غرار المحروقات والسكر والقهوة والأدوية"، واصفاً الأوضاع بالخطرة وغير المطمئنة.

الأوضاع قد تتعكر أكثر في 2023

ونبه عز الدين سعيدان إلى أن "الأوضاع المالية للبلاد قد تشهد تردياً أكبر من خلال تعمق أزمة الدين الأجنبي الذي سيكون مرتفعاً وأكبر من خدمة الدين الأجنبي لعام 2022". وذهب أكثر في تحذيره من خلال التخوف من تآكل احتياطي تونس من النقد الأجنبي الذي نزل إلى مستوى 106 أيام توريد حالياً مقابل 114 يوماً في الأسبوع الماضي، مشدداً على أنه "في حال بلوغ هذا المخزون مستوى 90 يوماً فإن ذلك يعد من وجهة نظره رسالة إلى الدائنين الخارجيين مفادها أن تونس ستعجز عن خلاص ديونها الخارجية لأن مستوى الاحتياطي من النقد الأجنبي يكفي لشراء الغذاء والدواء والمحروقات فقط. وحينها ستدخل البلاد في دوامة طلب إعادة جدولة الديون وإمكانية التوجه نحو نادي باريس".

غياب الإنجازات والثقة

في سياق متصل، اعتبر أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي للتصرف بتونس، عبدالرحمن اللاحقة، أنه "عادة ترتبط النتائج المسجلة بالبرامج والقرارات المتخذة، لكن حكومة بودن لم تسجل أي إنجاز يحسب لها في المجال الاقتصادي ولا حتى في المجال الاجتماعي بغض النظر عن الاتفاق في شأن زيادة أجور الموظفين".

وأكد أنه "كانت هناك إصلاحات عاجلة كان بالإمكان اتخاذها في الظرف الذي عاشته البلاد، بعد أن خرجت منهكة من أزمة (كوفيد)، غير أن الحكومة الحالية ظلت عاجزة عن اتخاذ القرار المناسب".

ورأى عبدالرحمن اللاحقة أنه "مع حكومة بودن، غابت ثقة المواطن والمستثمر بشكل لافت بدليل الأزمة التي تشهدها البلاد حالياً في صعوبة الحصول على المواد الأساسية الضرورية وغياب شبه كلي للاستثمارات الخاصة بسبب الضبابية وعدم وضوح الرؤية السياسية في البلاد". واعتبر أنه "من دلائل عجز الحكومة التونسية في تطبيق قراراتها أنها أعلنت في شهر أبريل (نيسان) الماضي، اتخاذ أكثر من 50 إجراء لتسهيل مناخ الأعمال وتقليص ثقل القيود الإدارية، لكن هذه القرارات ظلت حبراً على ورق ولم يقع تفعيلها إلى الآن".

ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن "حكومة بودن اعتمدت السياسات الاقتصادية للحكومات السابقة نفسها، بل إن الوضع الراهن تعمق أكثر ودخلنا في أزمة اقتصادية مركبة جداً"، مشيراً إلى "غياب حقيقي لإصلاح الضريبة وتنشيط الاقتصاد".