Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يد الجامعة العربية لا تطال الملف الليبي

تراجع دورها مع توسع التدخلات الخارجية وصراع المصالح الدولية بداية من عام 2013

الاشتباكات بين المجموعات المسلحة باتت مألوفة في طرابلس (أ ف ب)

في عام 2011 أصدرت الجامعة العربية قراراً تاريخياً خاصاً بليبيا، ساند ثورتها الشعبية التي اندلعت في فبراير (شباط) لإسقاط نظام معمر القذافي بعد أربعة عقود من حكمه البلاد، ومهد الإجماع العربي آنذاك للتدخل الدولي وحماية المدنيين في بنغازي من بطش النظام، وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي يرتكز فيها القرار الدولي على توصيات الجامعة وقراراتها في الملف الليبي.

طوال العقد التالي، وبعد تعقد الملف الليبي ونشوء ما عرف لاحقاً بالأزمة الليبية بتفاصيلها التي ارتبط فيها النزاع المحلي بالتدخلات الخارجية تراجع دور الجامعة العربية تماماً، وفشلت في إحداث أي تأثير ملموس لحل هذه الأزمة، على الرغم من أهميتها وتداعياتها الخطيرة على عدد من أعضائها البارزين، مثل مصر والجزائر وتونس وبشكل أقل السودان.

وتتعدد أسباب فشل الجامعة العربية في إمساك زمام الملف الليبي الحساس، إذ يجمع مراقبون أن أبرزها هو الانقسام العربي الذي حدث بداية من عام 2013 تجاه الأزمات الكبيرة التي ضربت دول ما عرف بـ"الربيع العربي"، الذي طال الأزمة الليبية وخلق اصطفافاً عربياً خلف أطراف الصراع المحلي في ليبيا.

بداية مؤثرة وتراجع ملحوظ

تمثلت قرارات الجامعة العربية التي كانت بداية العزلة الدولية لنظام معمر القذافي عام 2011 في فتح قنوات اتصال مع المعارضة الليبية ممثلة في المجلس الوطني الانتقالي، وسارعت إلى تجميد عضوية ليبيا في الجامعة للضغط على نظام القذافي، لتبدأ بعدها مرحلة تراجع دورها في ليبيا، تاركة فراغاً كبيراً فتح المجال أمام دول عربية وأجنبية لسد ذلك الفراغ، وبات تأثيرها لا يتعدى بيانات استنكار وتنديد ووعيد من دون فاعلية على الأرض.

بؤرة نزاع دولي

في سياق متصل، يربط أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية جمال الشطشاط، تراجع دور الجامعة العربية بعد عام 2011 في ليبيا بنقطتين أساسيتين "انقسام أعضائها في شأن هذا الملف وتحوله إلى بؤرة نزاع دولي بين قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، هذا النزاع جعل الجامعة العربية عاجزة عن إحداث أي اختراق للأزمة الليبية، واقتصر دورها على إصدار بيانات الدعم للمبادرات الدولية، التي تأكد تماماً أنها لا تسمن ولا تغني من جوع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الشطشاط أن "العامل الأساسي الذي تسبب بشلل تام وعجز للجامعة العربية عن التحرك الفعال بالملف الليبي، كان النزاع بين ما سمي لاحقاً (التحالف العربي) المشكل من السعودية ومصر والإمارات والكويت والأردن وقطر، وضبابية موقف باقي الدول من هذا الصراع ونأي أغلبها بنفسها عن الدخول فيه، الذي كان في حقيقته صراعاً بين التيارات المدنية والعسكرية وحتى بعض التيارات الدينية ضد تيار الإسلام السياسي والأطراف الإقليمية الداعمة له".
ويعتبر أن "هذا الانقسام العربي ترك آثاراً سلبية على القضية الليبية، فعزز من الانقسام الداخلي عبر دعم الأطراف المتناحرة سياسياً وعسكرياً وأيديولوجياً، ففقدت الجامعة العربية الصدقية قبل التأثير لدى الأطراف المحلية، وانتهت معها كل الفرص لتدخلها في إطار الحل السياسي والمسارات السلمية".

محاولة لاستعادة التأثير

ومع وصول الأزمة الليبية إلى أكثر مراحلها خطورة وتعقيداً بين عامي 2015 و2019، سعت الجامعة لاستعادة دورها المفقود في هذا الملف بضغط عدد من الأعضاء المتضررين من تعقد الأوضاع الليبية، فعملت على إثبات وجودها في الملف الليبي من خلال تنسيق وتأطير المبادرات الفردية للدول الأعضاء، بحيث يتم بحث تلك المبادرات وتنفيذها تحت إشراف الجامعة.

ولتحقيق هذه الأهداف أعلنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، تعيين الدبلوماسي التونسي الراحل صلاح الدين الجمالي، ليشغل منصب ممثلها في ليبيا، عقب اجتماع عقد على مستوى المندوبين الدائمين، تفعيلاً للقرار الصادر عن الدورة العادية الـ146 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، الذي عقد في سبتمر (أيلول) من العام ذاته والمتعلق بتعيين ممثل خاص للأمين العام في ليبيا.

معضلة التدخلات الخارجية

أتت نتائج التحرك الجديد للجامعة العربية في ملف أزمة ليبيا بين عامي 2016 و2019 مخيبة للآمال، وكانت محصلة الجهود الدبلوماسية المضنية للجمالي لوقف النزاعات المسلحة والانقسام السياسي، التي كانت على أشدها وقتها، صفرية تماماً، وكان العامل الأبرز في ذلك حدة التدخلات الخارجية التي صعبت كثيراً مهمته الصعبة أصلاً، بحسب تصريحات له قبل أشهر من وفاته.

وفي هذه التصريحات التي أدلى بها في أبريل (نيسان) 2019، قال الجمالي إن "الاستقواء بالخارج في ليبيا أمر خطير جداً، وهناك تدخلات دولية يومية في ليبيا، ومواقف هذه الدول لا تدعو كلها إلى إيقاف الحرب وإخماد نار السلاح، بل هناك من يشجع على ذلك".
وحول ما قدمته الجامعة العربية لليبيا أشار الجمالي، إلى أن "الأطراف الليبية ليست حريصة على إشراك الجامعة العربية ونحن جاهزون دائماً، لكن على العرب إعطاء الصلاحيات للجامعة العربية لأنه إلى هذه اللحظة هناك من لا يريد ذلك مثل ما هي الحال بالنسبة إلى الدور الأممي والأفريقي والأوروبي، بالتالي فإن علوية قرارات الجامعة مفقودة وليس هناك احترام للقرار العربي".

استسلام للواقع المرير

بعد خمسة أشهر من هذا التصريح، توفي صلاح الدين الجمالي وبدا وكأن موته كان دلالة رمزية على موت الدور العربي لحل الأزمة الليبية، حتى إن الجامعة العربية لم تكلف بعده مبعوثاً جديداً إلى ليبيا، التي أصبح ملفها بالكامل في يد الأمم المتحدة، وتحت رحمة كبارها المتنازعين على تقاسم المصالح فيها.

ومنذ ذلك العام اقتصر دور الجامعة العربية على إصدار بيانات التأييد لكل ما يقر في المبادرات الدولية الخاصة بليبيا.

آمال ضئيلة

ومع اقتراب موعد القمة العربية الجديدة في الجزائر مطلع الشهر المقبل، التي تتزامن مع عودة الانقسام الليبي بين حكومتين في بنغازي وطرابلس، وتعزيز تركيا نفوذها في ليبيا بتوقيع اتفاقية جديدة مع حكومة الوحدة في طرابلس، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، الذي وتر من جديد العلاقة المضطربة منذ سنوات بينها وبين القاهرة، يبقى السؤال ماذا يمكن أن تضيف هذه القمة لليبيا أو كيف يمكن أن تقدم لها الدعم لتجاوز أزمتها الطاحنة؟

يرى الصحافي الليبي محمد الكواش، أن "القمة العربية يمكن من الآن توقع ما ستصدره في شأن الملف الليبي، الذي لن يتعدى حث كل الأطراف على الركون إلى التهدئة والالتزام بالقرارات الدولية والاتفاقات الموقعة بينها سابقاً". ويضيف "في العامين الماضيين شهدنا إجماعاً عربياً على دعم المسار التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة، الذي لم يعد ممكناً حتى في قمة الجزائر، بعد أن حدث في الاجتماع الأخير الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية بالقاهرة وانسحاب الوفد المصري أثناء إلقاء وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، كلمتها في الجلسة التي ترأستها واعترضت مصر على رئاستها لها".

ويوضح أن "هذا الخلاف بين القاهرة وطرابلس، إضافة إلى خلافات طرأت أخيراً بين الجزائر ومصر أيضاً بسبب ما تعتبره الأخيرة انحيازاً من الحكومة الجزائرية لحكومة الدبيبة، مع تداعيات الاتفاقية الموقعة بين تركيا وليبيا، كل ذلك سيفشل أي مشروع قرار عربي موحد ومؤثر ومستقل عن المبادرات الأممية، التي بتنا في ليبيا ننظر إليها كجزء من المشكلة وليس الحل".
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير