Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لولا مونتيس من قصور لودفيغ البافاري إلى بؤس نيو أورلينز الأميركية

الراقصة التي تزوجها التحري شرلوك هولمز فأنجبت له ابنة على شاكلتها

لولا مونتيس تحت ملامح مارتين كارول في فيلم "ماكس أوفولس" (موقع الفيلم)

بما أن الفيلم الذي حققه الفرنسي ماكس أوفولس عند بدايات خمسينيات القرن العشرين يبقى أشهر ما أبقى إلى الأبد ذكر تلك المرأة الرائعة، لولا مونتيس، التي كانت حياتها عند أواسط القرن التاسع عشر حياة غريبة تراوحت بين أرفع مستويات المجد وأحط سنوات البؤس، لا بد من أن نبدأ الحديث عن لولا مونتيس من النهاية. من سنوات بؤسها الأخيرة التي عاشتها في العالم الجديد. ففي نيو أورلينز الأميركية، وتحت خيمة عملاقة، ها قد جاء الجمهور بأعداد كبيرة لاكتشاف نجمة اللحظة التي يسهل اليوم مشاهدتها تؤدي فنها الاستعراضي مقابل سنتات قليلة: لولا مونتيس التي سنكتشف والجمهور معاً أنها كانت ذات يوم راقصة وامرأة شجاعة يحيط بها المعجبون والعشاق من طينة الموسيقي فرانز ليست وملك بافاريا لودفيغ الأول، ولكن كل ذلك المجد سيبدو بعيداً اليوم، إذ يتم تقديم المرأة التي كانت محبوبة في جميع أنحاء العالم كطعم لاجتذاب المشاهدين، وهي التي حكم عليها أن تسترجع كل مساء أبرز معالم وجودها المضطرب، وذلك في عرض بائس نظمته فرقة انضمت إليها فقط لكي لا تجوع.

ابنة من شرلوك هولمز

ومن المعروف أن هذا الفيلم مستوحى من الحياة الحقيقية، التي رواها الكاتب الفرنسي جاك لوران (بتوقيعه المستعار سيسيل سان لوران)، التي عاشتها راقصة القرن التاسع عشر الشهيرة لولا مونتيس، لكنه لم يكن سوى جزء من تراث سينمائي وأدبي ومسرحي كبير تناول حياة تلك المرأة. ففي نهاية الأمر هناك ما لا يقل عن 25 فيلماً سينمائياً ومسلسلاً تلفزيونياً، لاحقت تلك الحياة، كما أن هناك عشرات الأغاني التي تذكرتها بشكل أو بآخر، من دون أن ننسى ما تعتقده الكاتبة كارول نيلسون دوغلاس في سلسلة مغامرات بوليسية أهدتها إلى ذكرى شرلوك هولمز من أن إيرين آدلر إحدى أفتك فاتنات القرن التاسع عشر ومغامراته، إنما كانت ابنة لولا مونتيس من علاقة لها بالتحري اللندني الشهير (!) فيما يعتقد سيسيل سان لوران بصورة أكثر جدية أنها كانت في الحقيقة ابنة لولا من... الملك لودفيغ البافاري.

على خطى أورسون ويلز

ومن الواضح في نهاية الأمر، إزاء هذا كله، بل تحديداً إزاء هذا الخلط بين التاريخ الواقعي للولا والتواريخ المتخيلة لها، أن هذه الأخيرة عرفت كيف تشغل المبدعين ليس فقط بنهايتها المؤسية، بل كذلك بالتبدلات التي طاولت حياتها، بالتالي جعلت منها وتحديداً كما أراد فيلم ماكس أوفولس البديع أن يقول "ترنيمة للأنوثة الخالدة" و"قصيدة شعر باروكي شديد القسوة، متوج بجمال مظلم للغاية"، والحقيقة أن هذا التوصيف قد لا يكون لائقاً بالفيلم المبني على "بذاءة العروض المرتبطة بالفضيحة. فضيحة التبادل بين الحب والمال، وكأنهما شيء واحد في نهاية المطاف"، ومن هنا يجرؤ الفيلم على الغوص في مأسوية النهاية التراجيدية لحياة تلك البطلة ليقول، "لقد سقطت الآن أمام أعيننا، وتحولت حرفياً إلى ما يشبه حيوان أرض المعارض الذي لا يهمه سوى البقاء على قيد الحياة مهما كان الثمن". فهل نضيف هنا أن هذا البعد في فيلم أوفولس كان هو ما أثار نفور الجمهور فانصرف عنه تاركاً المنتجين يشوهونه من دون أن ينقصوا من جماله التشكيلي الذي كان استثنائياً في زمنه؟ لقد دمر تصرف المنتجين مخرج الفيلم فمات حزيناً وغاضباً بعد حين، لكنه مات من دون أن يعلم أن فيلمه سيلقى ترحيباً وإعجاباً كبيرين من جانب نقاد فرنسيين كانوا شباناً وعلى رأسهم جان لوك غودار وجاك ريفيت، كما من سينمائيين يختلفون معهم في السن والذوق الفني والتجربة من أمثال روبرتو روسيلليني وجان كوكتو وجاك تاتي، فيما لم يتردد فرانسوا تروفو في مقارنة مشاهد الذكريات في الفيلم بأورسون ويلز الذي جعل شخصيته في "المواطن كين" تروي الذكريات بطريقة مشابهة.

بين الواقع والخيال

حسناً كل هذا جيد وجميل ولكن هل تراه قدم الحقيقة في سرده لذلك الجزء من الحياة الحقيقية التي عاشتها لولا مونتيس الحقيقية؟ كثر أنكروا ذلك. ولذا لا بد هنا من استعادة بعض تفاصيل حياة تلك الفاتنة كما دونها كاتبو سيرتها للتساؤل عما إذا كان الفيلم، وغيره من الأعمال الروائية الأدبية أو المصورة التي تناولت سيرة لولا قد قدمت قسطاً لا بأس به من الحقيقة وعما إذا كانت قد أنصفتها، أو أن تخييل حكايتها لم يكن أكثر من استخدام لتلك الحكاية استخداماً مثيراً، وتجارياً بالتالي كما استغلت هي نفسها في حياتها، وربما أيضاً كما تستغل مارلين مونرو الآن عبر الفيلم "شقراء" الذي يعرض في هذه الفترة بالذات وكان مناسبة لاستعادة ذكرى لولا مونتيس بالذات، فقد ولدت لولا (إليزا) في غرانج الإيرلندية عام 1821 لأب إيرلندي، وابن باروني إنجليزي وابنة صاحب نزل إيرلندي. وهاجرت العائلة إلى الهند عام 1823. وبعد وقت قصير من وصولهم، توفي الأب بالكوليرا. فتزوجت والدتها في العام التالي وأرسلت إليزا للعيش مع أقارب زوج أمها في بريطانيا. وفي عام 1837، وهي في السادسة عشرة، هربت إليزا مع عشيق والدتها الملازم توماس جيمس وتزوجته. وراحت تخونه لينفصل الزوجان بعد خمس سنوات. وتحولت هي راقصة غريبة الأداء تحت اسم لولا مونتيس.

في "ضيافة" لودفيغ الأول

خلال سنوات المراهقة الأخيرة أدركت لولا المكاسب المالية التي يمكن أن تحققها كمحظية لرجال أقوياء وأثرياء. فكان من بين محبيها في باريس الموسيقي فرانز ليزت وألكسندر دوماس الابن وصولاً إلى فكتور هوغو حين انضمت إلى حاشية جورج صاند. ولاحقاً بفضل ثروة أورثها إياها واحد من عشاقها توفي في مبارزة، غادرت لولا مونتيس باريس إلى ألمانيا حيث خلال رحلة إلى ميونيخ عام 1846، في الطريق إلى فيينا، لفتت لولا نظر لودفيغ الأول ملك بافاريا، والذي تجاوز الستين عاماً، فاتخذها عشيقة له. وأسكنها قصراً صغيراً كان ينصرف فيه إلى كتابة الشعر. وهي راحت تقيم في القصر لقاءات تدعو إليها المعارضين الليبراليين ومناهضي رجال الدين مما أثار استياء السلطات والكنيسة، وتقلصت شعبيتها لدى البافاريين بسرعة، ولكن على رغم المعارضة، وفي عيد مولدها، جعلها الملك كونتيسة لاندسفيلد "للخدمات الفنية المقدمة إلى التاج"، وهو لقب مصحوب بدخل كبير. وكان جراء ذلك أن تفاقم الصراع بين الملك والحكومة وحل لودفيغ الأول وزارته وشكل حكومة جديدة، أطلق عليها المعارضون متفكهين اسم "حكومة لولا". وانتهت تلك الحكاية بإبعاد لولا إلى أميركا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حياة جديدة في أميركا

وهناك في عام 1851، بدأت لولا حياتها الجديدة، حيث نجحت بشكل مفاجئ في البداية في إعادة تأهيل صورتها. وهكذا نراها بين عامي 1851 و1853 تظهر كراقصة وممثلة في شرق الولايات المتحدة، ثم ذهبت إلى سان فرانسيسكو في مايو 1853. وفي يوليو 1853، تزوجت الثري باتريك هال وانتقلت إلى غراس حيث ما لبث هو أن انفصل عن زوجته، لكنها بعد أن بدأ يعنف معها تركته لتتوجه في جولات فنية في أستراليا حققت لها نجاحاً كبيراً، ثم لم تلبث أن عادت إلى الولايات المتحدة لتعيش في نيويورك عاميها الأخيرين وقد أصيبت عام 1860 بجلطة دماغية وبشلل جزئي، لكنها سرعان ما تمكنت من المشي مرة أخرى على رغم عرج طفيف، لكن حياتها كامرأة مرغوبة انتهت بعد ذلك ووجدت نفسها بلا نقود. فراحت تقضي أيامها الأخيرة مع كاهن أملت منه أن يقربها إلى الله، لكنها سرعان ما تخلت عنه. ولا سيما حين راحت تعاني مرض الزهري وأصيبت بالتهاب رئوي وتوفيت قبل عيد ميلادها الأربعين بقليل، في يناير 1861. ودفنت في مقبرة غرين وود في منطقة بروكلين بنيويورك.

ولعل خير وصف أنصف لولا بعد رحيلها كان ذاك الذي خطه غوستاف كلودين وقال فيه "كانت لولا مونتيس ساحرة. كان هناك شيء استفزازي وحسي فيها يجذبنا إليها. كانت بشرتها بيضاء، وشعرها أسود يتدفق مثل براعم زهر العسل، ولها عينان جامحتان ووحشيتان، وفم كان يمكن مقارنته بعد ذلك بزهر الرمان. أضف إلى ذلك خصراً نابضاً وأقداماً ساحرة ونعمة مثالية، لكنها لسوء الحظ لم تكن تملك موهبة راقصة حقيقية".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة