Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي يقف خلف تبدل خطاب القوى الموالية لإيران في العراق؟

من شعار "المقاومة" إلى "استعادة هيبة الدولة" وهل ستمثل الحكومة المقبلة منصة لإضعاف التيار الصدري؟

محمد شياع السوداني يقول إن ملف مكافحة الفساد سيمثل أولوية رئيسة لحكومته (أ ب)

يستمر الجدل في شأن السيناريوهات المتعلقة بشكل وسياسات الحكومة العراقية المقبلة خصوصاً كونها تنبثق من "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران والذي يضم داخله أبرز الميليشيات المسلحة، إذ على رغم حديث "الإطار" عن حكومة خدمات وإنجاز، فإن مساراً آخر يجري التحضير له من خلال استخدام عبارات "استعادة هيبة الدولة ومؤسساتها"، ولا يحظى هذا المصطلح بتفاعل إيجابي في الأجواء العراقية، خصوصاً مع الشعور العام بأن الدولة العراقية، ومنذ الغزو الأميركي للبلاد، لم تحظ بأي هيبة وباتت مسرحاً واسعاً للنفوذ الأجنبي وتحديداً نفوذ صانعي القرار السياسي في طهران.

ويرى مراقبون أن هذا السياق يمثل "استعارة جديدة" تمكن قوى "الإطار" من ضرب خصومها السياسيين والحركات الاحتجاجية باستخدام أدوات الدولة من دون الحاجة إلى إعادة ملف الميليشيات إلى الواجهة بشكل صريح.

وفي أول خطاب له بعد تكليفه، قال رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني إن ملف مكافحة الفساد واستعادة هيبة الدولة سيمثل أولويات رئيسة لحكومته.

تبدل الخطاب

ويرى مراقبون أن عنوان "السيادة واستعادة هيبة الدولة" يمثل مساراً جديداً بالنسبة إلى "القوى الولائية" (مصطلح يشير إلى الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران)، والتي لطالما استخدمت شعارات المقاومة وحملات شيطنة كل القوى المناهضة للنفوذ الإيراني في البلد.

وشهدت السنوات الثلاث الماضية ممارسات عدة لميليشيات رئيسة داخل منظومة "الإطار التنسيقي" من بينها عمليات قصف البعثات الدبلوماسية والمصالح الدولية في البلاد، وهو ما يجعل شعار "استعادة هيبة الدولة" الذي ترفعه تلك القوى محل استفهامات عدة بالنسبة إلى الشارع العراقي.

ولا تتوقف الممارسات التي هددت سيادة الدولة عند حدود الاتهام لتلك القوى بالضلوع بقتل المحتجين أو القيام بعمليات قتل طائفي والاستيلاء على منافذ اقتصادية رئيسة، إذ قامت في أكثر من مناسبة باستعراضات مسلحة وسط بغداد واقتحام المنطقة الخضراء الحكومية، فضلاً عن اتهامات طاولتها بالضلوع بقصف منزل رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بطائرة مسيرة وغيرها من الأحداث خلال السنوات الماضية.

وعلى رغم ذلك، تشير تصريحات قوى "الإطار التنسيقي" إلى أن ملف فرض القانون سيكون في أعلى سلم أولوياتها، وتحدث عضو "المجلس الأعلى الإسلامي" علي الدفاعي عن أن "هذه السنة أثبتت أننا بحاجة إلى تفعيل المؤسسات الدستورية، وإلى حكومة قوية تعيد هيبة الدولة وتفرض احترام القانون، ونحن بحاجة إلى أن نعجل بتشكيل الحكومة".

مسار انتقامي

وتواجه حكومة "الإطار"، خلال الفترة المقبلة تحديات كبرى، خصوصاً مع حال الاحتقان التي يشهدها الشارع العراقي، إذ تأتي بعد استقالة نواب "الكتلة الصدرية" وحال الغضب الكبيرة في أوساط التيار الصدري فضلاً عن رفض الأحزاب المنبثقة من الحراك الاحتجاجي لها، مما يجعل احتمالات تفجر الأوضاع مرة أخرى في البلاد قائمة في أي لحظة.

وفي السياق، رأى رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "غالوب" الدولية منقذ داغر أنه قبل الخوض في تفسير خطوات وشعارات "الإطار" خلال المرحلة الحالية "لا بد من معرفة أنه لم يقم على أساس فكري أيديولوجي أو برنامج سياسي واضح، بل هو عبارة عن تجمع انتخابي كان المقصود به قطع الطريق على منافسيه الآخرين من تسلم السلطة وعلى رأسهم التيار الصدري". وأشار إلى أن هذا المسار السياسي الذي تنتهجه قوى "الإطار" يبين أنها "لا تمتلك برامج أو رؤى في ما يتعلق بإدارة الدولة سوى منع وصول التحالف الثلاثي إلى السلطة"، ولفت داغر إلى أن شعار "استعادة هيبة الدولة" تستخدمه هذه القوى للقول إن "في العراق دولة أضاعتها حكومة الكاظمي"، مبيناً أن هذا الأمر يتناقض بشكل كبير مع المشهد العراقي، ولو كانت هناك دولة، لما خرجت الجماهير عام 2019 في احتجاجات كبيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتبدو تلك الشعارات كأنها "محاولات للتنصل من مسؤولية ما جرى في العراق منذ عام 2003"، بحسب داغر الذي أشار إلى أن "كل الحكومات السابقة أسسها الإطار التنسيقي، وحتى حكومة الكاظمي ما كانت لتبصر النور لولا موافقة واتفاق الإطار، إذ كان هادي العامري أحد أهم أعمدة الاتفاق". ورأى أن المرحلة المقبلة في العراق ستشهد "مساراً انتقامياً" من خلال محاولات "إثبات منجز خلال الفترة المقبلة عن طريق نقل الصراع إلى استهداف خصومهم السياسيين"، أما الطريقة الأخرى فستتمثل بـ"محاولات حثيثة لزرع وكلائهم في كل مفاصل الدولة وخصوصاً الأمنية لأنهم فقدوا كثيراً من زخمهم، خلال الفترة الماضية، في محاولة لتعزيز الدولة العميقة التي تعمل لصالحهم".

صراع جديد

وتحاول قوى "الإطار" الترويج لمسارين خلال الفترة المقبلة، فبالتوازي مع "استعادة هيبة الدولة" تتحدث تلك القوى عن ملف الخدمات والإعمار واستثمار الوفرة المالية التي يتمتع بها العراق في الفترة الحالية. ويبدو أن سيناريوهات عدة تقف خلف الحديث عن هيبة الدولة من ضمنها أنه "خطاب دعائي مصاحب لتمرير حكومة السوداني"، لكنه، بحسب رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات أحمد الياسري، يمثل "مقدمة لفصل جديد من الصراع ورسالة تحذير للقوى المعارضة كلها وعلى رأسها التيار الصدري"، ولفت الياسري إلى أن تحليل ماهية الشعار الذي ترفعه قوى "الإطار" يجب أن يسبقه الحديث عن الجهات التي خرقت سيادة وهيبة الدولة في المقام الأول، مبيناً أن قوى رئيسة داخل "الإطار التنسيقي" هي التي أسهمت بشكل دؤوب في خرق السيادة وحصلت بالصدفة على غالبية برلمانية، مضيفاً أن أسباباً عدة كانت تقف خلف خسارة هذه القوى الانتخابات الأخيرة، أبرزها "انتهاك السيادة العراقية" الأمر الذي يضع تساؤلات كبرى أمام هذا الشعار.

خطاب جديد وهدف واحد

ولعل التبدل في خطاب القوى الموالية لإيران في مواجهة التيارات التي ترفع شعار الوطنية قد حصل بسرعة، ولفت الياسري إلى أن تبني شعار "هيبة الدولة" يمثل نقلاً لخطاب الميليشيات مما كان يطلق عليه "مشروع المقاومة" إلى مساحة أخرى أكثر أماناً بالنسبة إلى تلك القوى. وتابع أن قوى "الإطار" تدرك أن استخدام عنوان "المقاومة" الذي كانت ترفعه في الفترة السابقة سيمثل بالنسبة إليها "معضلة كبيرة خصوصاً مع الدعم الأميركي الواضح لتلك الحكومة"، مبيناً أنها تحاول إيجاد "خطاب جديد يؤدي المهمة نفسها". وقال إن ما يجري الآن يمثل تمهيداً تحاول من خلاله القوى الموالية لإيران "صناعة مساحة استهداف جديدة لخصومها تحت عنوان الدولة وفرض هيبتها"، مشيراً إلى أن المهمة الرئيسة لـ"الإطار" هي "محاولة إقصاء التيار الصدري"، والاشتغال بقضية عزل زعيمه مقتدى الصدر "سيتم ابتداءً من خلال السيطرة على أجهزة الدولة، ومن ثم الشروع بعملية العزل وشيطنة التيار الصدري، ومحاولة إظهاره بأنه ضد الدولة".

وتقف عقبات عدة أمام إمكان تنفيذ "الإطار" هذا السيناريو، لعل أبرزها "الفرز الذي حصل في الحالة السياسية العراقية بعد الانتفاضة عام 2019". وأشار الياسري إلى أن الصراع على الساحة العراقية بات محصوراً في ثنائية "الوطنية أو الولاءات الخارجية"، الأمر الذي "يعقد إمكان تماهي العراقيين مع أي استهدافات تقوم بها تلك الجهات وإن كانت تحت شعار الدولة". وختم بأن على السوداني فهم خطورة محاولات طهران استغلال نفوذها للسيطرة على الفائض المالي في العراق في المرحلة المقبلة، لافتاً إلى أنه "على رغم حصول حكومة الإطار على دعم أميركي فإن صانعي القرار في واشنطن لن يسمحوا بأي تجاوز من هذا النوع مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات على الحكومة المقبلة".

مرحلة من الهدوء وتجنب الصدام

في المقابل، قدم رئيس مركز "كلواذا" للدراسات قراءة مختلفة نسبياً لشعارات المرحلة المقبلة التي تتبناها القوى الموالية لإيران. ورأى أن "الإطار" سيحاول "قيادة مرحلة من الهدوء الحذر وتجنب الصدام من جهة، ومن جهة أخرى سيحاول مأسسة وجوده داخل أجهزة الدولة المختلفة من خلال اتباع سياسة القضم أو الخطوة خطوة من أجل عدم إثارة الانتباه أو الصدام مع القوى المناهضة له سواء التيار الصدري أو قوى تشرين"، معتبراً أن هذا الشعار "لا معنى له، بخاصة أن ما كان يهدد الدولة طوال الفترة الماضية قوى السلاح القريبة من إيران، كما أن كثيراً من عمليات الفساد كانت تتم من قبل أحزاب ولجان اقتصادية هي جزء من الإطار التنسيقي"، مبدياً الخشية من أن يتم استخدام هذا الشعار لـ"البطش بالقوى المعارضة أو تكميم الأفواه".

ولفت إلى أن محاولة تحميل حكومة الكاظمي عبء الفشل لعقود مضت تمثل "استراتيجية القصد منها التنكيل بكل ما يرمز إلى معارضة الإطار التنسيقي أو النفوذ الإيراني"، مشيراً إلى أن "بعض الأخطاء التي وقعت فيها حكومة الكاظمي كانت كهدية مجانية تم استغلالها من قبل قوى الإطار". وختم بأن "الإطار" "ينظر إلى هذه المرحلة كفرصة مناسبة لاستهداف الصدريين أو التشرينيين من خلال استخدام موارد الدول التي ستقع بين أيديهم من خلال وجودهم بالسلطة وهيمنتهم على البرلمان"، مبيناً أن هذه الهيمنة ستكون "سلاحاً ذا حدين ومن الممكن أن يؤدي فشل إدارة الدولة في المرحلة المقبلة إلى تقوية معارضي الإطار".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل