Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعيد أغنية صحراوية المغرب إلى سنوات "الجمر والرصاص"؟

وقف عرض "زنقة كونطاكت" بسبب "مغنية انفصالية" وفريق الفيلم ينفي تسييسه ونقاد: "القرار متسرع"

يشير مراقبون إلى أن العمل الفني لا يمكن أن يكون محايداً وبالتالي عليه احترام التوجه السياسي العام (مواقع التواصل)

أثار الفيلم السينمائي المغربي "زنقة كونطاكت" للمخرج إسماعيل العراقي جدلاً واسعاً في المملكة على إثر استخدامه أغنية للفنانة الصحراوية الراحلة مريم منت حسان، المعروفة بدعمها لجبهة البوليساريو، وبالخصوص لأن الفيلم تلقى دعماً مادياً رسمياً من طرف المركز السينمائي المغربي (المكلف تدبير المجال السينمائي) جاوز 400 مليون درهم (ما يفوق 400 ألف دولار)، في وقت تشكل فيه الصحراء رسمياً أهم قضية وطنية، بالتالي يعتبر الترويج لتوجهاتها بشكل مباشر أو غير مباشر خيانة.

وكان المغرب شهد، خلال مرحلة "الجمر والرصاص" (ما بين السبعينيات والتسعينيات)، قمعاً ممنهجاً للحريات وتجاوزات بشعة لحقوق الإنسان، ورقابة سياسية على المجال الفني، تحسباً لأي تجاوز للخطاب الرسمي للدولة، بالتالي يطرح الجدل الدائر حول الفيلم تساؤلاً حول احتمال عودة تحكم السياسة في الفن بالمغرب.

منع وتوضيح

قرر المركز السينمائي المغربي على إثر الجدل الذي خلفه فيلم "زنقة كونطاكت" وقف عرضه بعد تأكده من كون الأغنية المستخدمة فيه تعود للمغنية "الانفصالية"، موضحاً أن "السيناريو الذي تقدمت به شركة إنتاج الفيلم أمام اللجنة (لجنة الدعم) لا يتضمن نهائياً أية إشارة لاستعمال موسيقى مريم منت حسان، بل يتضمن فقط أن العمل سيتم فيه استغلال مقاطع من أغنية سيدي رداد للمغني فاضول"، مضيفاً أنها "أغنية لا تتضمن أية إساءة لثوابت الأمة المغربية، علماً أن لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية تضم بين أعضائها ممثلاً عن الثقافة الصحراوية الحسانية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه أبدى الباحث في فن الصورة عبدالمجيد سداتي دهشته من قرار المنع، معتبراً أن بلاغ المركز السينمائي جاء ليزيد من تأزم الوضع السينمائي، في وقت حصل فيه الفيلم على التمويل بموافقة لجنة الدعم وبالإجماع، كما حصل على رخصة التصوير، وعلى تأشيرة العرض في القاعات، ثم عرض في المهرجان الدولي للفيلم بطنجة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي وحصل على الجائزة الكبرى، كما عرض في مهرجانات عربية ودولية، بالتالي فإن مرور الفيلم عبر كل هذه اللجان يعني أن المخرج والمنتج احترما كل القوانين الجاري العمل بها، موضحاً أن "القرار جاء متأخراً وفي ظروف غير مفهومة لا ندري من وراءها، وهو قرار متسرع ينم عن جهل أصحابه ومن معهم بأبجدية الفن السينمائي، وعن عدم كفاءتهم في تسيير الشأن السينمائي بالمغرب".

وأنكر فريق عمل الفيلم الخلفية السياسية في اختيار تلك الأغنية، موضحاً أن اختيار الأغاني يكون بدافع جمالي وموسيقي بحت، إذ اختار المخرج أن يضع صوت مغنية بعيداً عما تمثله سياسياً، مشيراً إلى أن "سبب اختيار الأغنية يتعلق بالتوضيح الموسيقي وليس شيئاً أساسياً في التسلسل الفيلمي كما هي الحال دائماً في السينما، وهو ما يبرر عدم ذكره في السيناريو المقدم إلى المركز السنيمائي عام 2017، بمعنى أنه كان يمكن أن يكون المشهد نفسه تماماً من دون موسيقى". وأوضح فريق عمل الفيلم أن المخرج يتحمل وحده المسؤولية الكاملة عن ذلك الاختيار من دون أية نية سياسية.

الرقابة بين الماضي والحاضر

يشير متخصصون إلى أن الجدالات التي تثار عادة حول بعض الأفلام مرتبطة بالجانب الأخلاقي، وأنه لا وجود لتحكم السياسة في الفن المغربي حالياً، إذ يوضح الناقد السينمائي المغربي محمد باكريم، أنه "كان هناك ضغط مجتمعي وردود فعل من منطلقات محافظة حول بعض الأفلام، لكن لم يؤد ذلك إلى منعها، بل عرفت نجاحاً جماهيرياً وإقبالاً من مختلف أوساط المجتمع، مما دفع بالتيار المحافظ إلى التراجع عن بعض أطروحاته المطالبة بفن نظيف، لأنها كانت أكبر دعاية لتلك الأفلام المستهدفة".

 

وأشار إلى أن بعض أصحاب القاعات السينمائية اضطروا في بعض الأحيان إلى الرضوخ لضغط الجمهور عبر سحب بعض الأفلام من العرض أو مطالبة أصحابها بحذف بعض المشاهد أو المقاطع من الحوار على رغم الرخصة الرسمية التي حصل عليها الفيلم.

ويعتبر الناقد السينمائي أن "من حسن حظ السينما المغربية أنها ولدت مستقلة عن إرادة الدولة، وكانت هناك تجربة في هذا المجال في أواخر الستينيات حينما حاولت الدولة إنجاز سينما تحت الطلب ولكنها عرفت فشلاً ذريعاً، ومع بداية السبعينيات فضلت الاهتمام بالتلفزيون وإهمال السينما التي نمت كالطفل المشاغب".

وأضاف أن "غالبية الأفلام المنجزة تتبنى رؤية نقدية إما بشكل مباشر ("ألف يد ويد" لسهيل بنبركة - 1972) أو بشكل مجازي فني ("الشرقي أو الصمت العنيف" لمومن السميحي - 1975). وكان هناك مد وجزر مع المقص السياسي"، موضحاً أن "أكبر رقابة عانت وتعانيها السينما المغربية هي رقابة شباك التذاكر الذي ضرب حصاراً على السينما المحلية، مكتفياً بالانفتاح على سينما معينة (الكوميدية أساساً)".

الفن ليس محايداً

يشير مراقبون إلى أن العمل الفني لا يمكن أن يكون محايداً، بالتالي عليه احترام التوجه السياسي العام. يقول أستاذ الإعلام والتواصل محمد الدفري، إن العمل السينمائي مثله مثل الأدب والسياسة والدين يقوم على خطاب، وأي خطاب يتم تفكيكه على مستوى التلقي من أجل اتخاذ موقف، موضحاً أن المواقف لا يمكن أن تكون منفصلة عن السياسة، لأنها (السياسة) هي النشاط البشري الذي من خلاله يتم تدبير أمور الحياة برمتها، وكل عمل سينمائي يفتقد مرجعية ثقافية ذات حمولة سياسية يعتبر فارغاً.

وبخصوص قضية فيلم "زنقة كونطاكت"، يشير أستاذ الإعلام إلى أن فريق العمل تعامل بسذاجة مع هذه المعطيات، بحيث لم يبحث جيداً عن عنصر في منتهى الأهمية وهو الخطاب الموسيقي الغنائي، باعتبار أن البحث الجيد في هذا الخطاب كان بالتأكيد سيؤدي به إلى التعرف على الخلفيات السياسية للمغنية، مضيفاً أن "توظيف أغنية للمغنية الحسانية المذكورة تم عن جهل بمرجعياتها السياسية، وهنا يكمن الخطأ لأن الزج بمغنية انفصالية في عمل مغربي لم يكن أمراً صائباً، وما كان ينبغي أن يتم بطريقة اعتباطية، ولا يعقل إطلاقاً التذرع بأن الاختيار هو اختيار فني محض ومحايد".

ويشدد على أن "الدخول في نقاش عن كون الفيلم يسيء للقضية الوطنية يمكن قبوله، وهو نقاش صحي ولا حق لبعض الذين يعتقدون أنهم آلهة السينما في المغرب أن يعتبروه نقاشاً نابعاً من الرغبة في قتل السينما والإبداع"، موضحاً أن هذا النقاش صادر عن مجتمع حي متعدد ومتنوع، ولا حق لأحد أن يعتبر نفسه أفضل من الآخر، بالنظر إلى اختلاف مواقف المغاربة من الفن عموماً، لذا يجب توجيه الحوار في هذه القضية نحو وجهته الصحيحة، وتحميل المسؤولية كاملة لمؤسسة المركز السينمائي في ما حدث، وفي منح الدعم لمشاريع صدامية تزيد من الشقاق داخل المجتمع، عوض أن تعمل على تقوية البناء الاجتماعي والارتقاء بالذوق والثقافة، على حد تعبيره.

المزيد من ثقافة