Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يمكن لتركيا أن تكون مركزا لتجارة الغاز الطبيعي؟

بوتين يبحث عن منفذ ويسعى لاستثمار علاقة أنقرة مع الغرب ويمنح أردوغان تمريرة مهمة للفوز بالانتخابات

بوتين يسعى لنقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا بعد تعطل خط أنابيب "نورد ستريم 1"  (أ ف ب)

التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن رغبته في أن تكون تركيا قاعدة غاز تسببت حتماً في إثارة بالبلاد. فكرة كون تركيا قاعدة لتجارة الغاز الطبيعي بالطبع فكرة إيجابية من الناحية النظرية، ومع ذلك نحتاج إلى معرفة أن هناك شروطاً معينة لذلك وفي أحسن الأحوال هناك حاجة إلى فترة بين ثلاث وأربع سنوات.

في خطابه صرح بوتين بإيجاز بأن خط أنابيب "نورد ستريم 1" الذي كان يستخدم لنقل الغاز إلى أوروبا معطل، وأنه يمكنهم بدلاً من ذلك نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.

يعمل هذا النظام الذي يمكن أن نطلق عليه أيضاً مركز تداول الغاز أو تبادل الغاز، بمثابة سوق يتم بها شراء الغاز الطبيعي وبيعه بحرية، على النحو التالي:

يتمكن موردو الغاز من جلب بضائعهم إلى السوق بحرية من دون قيود فنية أو تجارية أو قانونية، وبدورهم يحصل المشترون أيضاً على البضائع من دون قيود وربما يعيدون بيعها وربما يستهلكونها أو يأخذونها إلى مكان آخر.

تتولى مثل هذه المراكز مهمة السوق حيث يجتمع المشترون والبائعون ويتم تحديد السعر وفقاً للعرض والطلب ومنافسة الغاز مع الغاز. حالياً تعمل ثمانية مراكز في أوروبا بخاصة في هولندا بهذه الطريقة.

ولكن لتصبح تركيا واحدة من مراكز تجارة الغاز هناك ثلاثة شروط مهمة يجب أن تحققها:

أولاً: هو ألا تكون هنا حواجز تجارية بمعنى ألا تكون هناك تدخلات خارجية في الأسعار بل تكون السوق نفسها هي المحددة. ثانياً، ألا تكون هناك حواجز قانونية. ثالثاً ألا تكون هناك قيود فنية. فهل الظروف في تركيا مواتية لتحقيق هذه الشروط؟

في ما يتعلق بحالة الحاجز التجاري للأسف لن يكون الجواب على هذا السؤال "نعم" في الوقت الحالي. فمن المؤكد أنه تم التلاعب بأسعار الغاز بطريقة أو بأخرى لمدة 20 عاماً في البلاد، بالتالي لا يتم تحديد أسعار الغاز من خلال ديناميكياتها الخاصة، بل هي في الحقيقة موكولة إلى قرار شخص واحد.

وبالنسبة إلى المتطلبات القانونية، يجب أن يكون دخول وخروج اللاعبين والبضائع إلى هذا المركز مريحاً للغاية. ولسوء الحظ، فإن قانون سوق الغاز الطبيعي الحالي لا يسمح بذلك كما أنه يجب ألا تكون هناك قيود على القدرة التقنية على وصول البضائع، أي الغاز. والحال أنها لا توجد حالياً إمكانية لزيادة الغاز الروسي بشكل إضافي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن هذا المنظور أستطيع القول، بكل أسف، إن تركيا ليست مستعدة في الوقت الراهن لأن تصبح مركزاً للتسويق الغاز إلا عند استيفاء هذه الشروط الثلاثة.

إذن ما الذي يجب أن تفعله أنقرة حتى تتمكن من تنفيذ اقتراح بوتين في أقرب وقت ممكن؟

أولاً يجب اختبار مدى صدق هذه الفرصة الذهبية المقدمة لتركيا. ومن بعد ذلك هناك خطوات مهمة يجب على الأخيرة اتخاذها على الفور حتى تصبح مركزاً لتجارة الغاز الطبيعي.

كخطوة أولى، يجب على الرئيس رجب طيب أردوغان أن يقترح على الروس أن يبيعوا الغاز لتركيا أولاً من خلال خطي "ترك ستريم 1-2 "، أو خط واحد منهما، ثم تعيد تركيا إصداره إلى أوروبا (re-export). في هذه الحالة لن يضطر الأوروبيون إلى التعامل المباشر مع الروس بل سيوردون البضاعة من تركيا علماً أن من المشترين الأوروبيين هما بجوارنا مباشرة: بلغاريا واليونان.

هذه الدول لا تشتري الغاز بسبب شروط الدفع بالروبل، لكنها ستتمكن من شراء الغاز الذي ستبيعه تركيا. ومن الجدير ذكره هنا، أن الغاز الطبيعي يذهب حالياً من تركيا بالفعل إلى المجر وصربيا والبوسنة والهرسك.

الخطوة الثانية هي خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول  (TANAP)الذي يمر من أقصى تركيا إلى أقصاها، ولكن مع ذلك ليس لتركيا سلطة أو نفوذ في ما يتعلق بتجارة الغاز الذي يمر عبرها إلى إيطاليا بالتالي يتم تسعير الغاز أيضاً بحسب السعر المركزي في إيطاليا.

ومن الغريب أن تركيا كانت لديها في بداية إنشاء هذا الخط "تاناب" فرصة أن تقترح تجميع الغاز في منطقة "تراقيا" غرب تركيا، حيث يلتحق بالغاز الروسي ثم بعد إنشاء خط "تاناب" لم تستطع تركيا قول ذلك عند إنشاء خط "ترك ستريم 1-2" أيضاً، حيث إنه في "ترك ستريم" يأتي الغاز إلى تركيا ويذهب إلى بلغاريا عبر خط الأنابيب ولا يكون للأتراك ناقة ولا جمل في الغاز الذي يتدفق عبر أراضيهم.

بعبارة أخرى، من خلال مفاوضات جديدة يمكن لتركيا أن تتخلص من وضعية "البلد الممر" إلى وضعية "البلد المركز". وبدلاً من ذهاب الغاز مباشرة إلى إيطاليا مثلاً، يتم تجميع الغاز في مركز على الجانب الأوروبي من تركيا ودمجه بالغاز الروسي ثم بيعه إلى الأطراف الأخرى.

قد لا تكون اتفاقية "تاناب" متاحة للقيام بذلك من الناحية الفنية والقانونية بشكلها الحالي. وفي إشارة إلى ذلك قال الرئيس أردوغان "سنضاعف القدرة الاستيعابية لخط تاناب لذلك إذا لم نسمح لـ10 مليارات متر مكعب من الغاز بالذهاب مباشرة إلى أوروبا بعد مضاعفة القدرة الاستيعابية، فسنتخذ خطوة مهمة نحو أن نصبح الدولة المركزية بـ10 مليارات مكعب من تاناب، و15 ملياراً من روسيا بحيث يكون مجموعه 25 مليار متر مكعب من الغاز مما يجعلنا نخطو خطوة مهمة في الطريق إلى أن نصبح دولة مركزية في توزيع الغاز".

نعم يمكن تحقيق ذلك عن طريق المفاوضات، لأن كونك مركزاً لتجارة الغاز فرصة مهمة جداً لبلد ما من حيث التنمية، وخصوصاً بالنسبة لتركيا.

من ناحية أخرى، ينبغي ألا يغيب عن البال أن بوتين الذي يواجه صعوبات يبحث عن منفذ. فهو إضافة إلى موقع تركيا الاستراتيجي يريد أن يستثمر علاقة أنقرة مع الكتلة الغربية. ويعلم أيضاً أن تركيا دخلت فترة الانتخابات بالتالي فإنه لم يقدم الفرصة الذهبية لتركيا فحسب، بل منح أردوغان أيضاً تمريرة مهمة للفوز بالانتخابات. فإن الشعب التركي الذي يعاني حالياً الصعوبات الاقتصادية سيحلو له أن يسمع تصريحات مفادها: أننا سنكون "دولة مركزية"، وسنصبح أغنياء. أتمنى أن يكون الرئيس أردوغان في خريف هذا العام يستثمر هذه الفرصة لـ"تنفيذ المشروع" وليس كشعار من أجل الفوز في الانتخابات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل