Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معرض الكتاب الفرنسي توقف ويعوضه مهرجان فرنكوفوني

ندوات ولقاءات تعم العاصمة والمناطق والفرنكوفونية اللبنانية تواجه مشاكل

مهرجان "بيروت كتب" يحل محل معرض الكتاب الفرنسي الذي ألغي نهائياً (خدمة المعرض)

كان "معرض الكتاب الفرنسي" يعد طوال سنوات، الحدث الفرنكوفوني الأبرز في لبنان، وبات القراء والكتاب ينتظرونه، ليطّلعوا على حركة النشر الفرنسي الجديدة، ويلتقوا الروائيين والنقاد والباحثين الفرنسيين والفرنكوفونيين الذي كانوا يُدعون إليه، وبينهم أسماء معروفة جداً وبعضها نال جوائز مهمة، مثل جان غوستاف لو كليزيو الذي حاز نوبل. وقبل الأزمات المتوالية، بدءاً بوباء كورونا ثم الانهيار الاقتصادي الكبير الذي أصاب لبنان، كان المعرض سوقاً صغيرة للكتاب الفرنسي والفرنكوفوني، سوقاً تقيمها المكتبات الفرنكوفونية اللبنانية وليس الناشرون الفرنسيون، ما خلا قلة منهم، ولكن كانت تحضر مراكز وبعثات أدبية أجنبية كثيرة، بلجيكية وسويسرية وكندية وأفريقية...

 

غير أن المفاجئ هذه السنة، هو غياب معرض الكتاب الفرنسي، غياباً نهائياً على ما يبدو، بعدما اضطر إلى التوقف سابقاً، في أعوام كورونا والظروف الأمنية، وقد استبدله المركز الثقافي الفرنسي والبعثة الثقافية التابعة للسفارة الفرنسية، الآن ودائماً، بما يشبه "المهرجان" الفرنكوفوني الذي سمي بالفرنسية "بيروت كتب"، وهو بمثابة احتفال أدبي يشارك فيه كتاب فرنسيون وفرنكوفونيون عالميون ولبنانيون خصوصاً، يقيمون لقاءات وأمسيات ويعقدون ندوات ويوقعون الكتب، في مناطق عدة في بيروت، مما جعل النشاطات كلها مبعثرة، بين مركز وناد وجمعية ومقهى... عطفاً على توزع بعض النشاطات في مناطق لبنانية بعيدة من العاصمة، مثل طرابلس وبعلبلك ودير القمر وصيدا والشوف، في مبادرة تهدف إلى زيارة الجمهور البعيد.

انخفاض بيع الكتاب الفرنسي

ولعل السبب الأول في إلغاء معرض الكتاب وتحويله إلى مهرجان "متحرك"، هو الانخفاض الرهيب في حركة شراء الكتب الفرنسية وتراجعها بنسبة 75 أو 80 في المئة، مثلما أعلن لـ"اندبندنت عربية" الناشر مارون نعمة، نقيب مستوردي الكتب الأجنبية في لبنان. وهذا تراجع يؤثر كثيراً في حركة الاستيراد ويوقع خسائر كبيرة في مالية المكتبات التي باتت تعاني حالاً من الكساد في البيع وفي إقبال الزبائن للشراء. فالقراء، في ظل "الخراب" الاقتصادي والمالي والمعيشي، بات همهم البحث عن لقمة الخبز وضرورات الحياة بما توافر، وما عادوا فعلاً قادرين على شراء الكتاب الفرنسي والأجنبي بالدولار، بعد ارتفاعه أمام سقوط الليرة، خصوصاً أن معظم المثقفين وأساتذة الجامعات والمدارس، أضحت رواتبهم لا تتخطى 200 أو 300 دولار، ما لا يكفي مصروف عشرة أيام من الشهر.

 

ترى هل أخطأ المركز الثقافي الفرنسي في إلغاء المعرض نهائياً أم أصاب، مدركاً حجم الأزمة المالية والاجتماعية التي يكابدها الجمهور الفرنكوفوني في لبنان؟ غير أن المفاجئ في هذا القبيل، هو الحل الذي وجدته نقابة مستوردي الكتب الفرنسية والأجنبية، فهي ستشارك بدءاً من هذه السنة، في معرض بيروت للكتاب العربي، وقد حجزت مساحة لها ستسميها "فضاء فرنكوفوني" (500 متر) تعرض فيها الكتب الفرنسية والفرنكوفونية.

مرة أخرى نسأل هل أصاب المركز الفرنسي في التعويض عن المعرض  بإحياء مهرجان "بيروت كتب" الذي يعم العاصمة والمناطق ويحيي نشاطات مهمة تعني الجمهور على اختلاف أجياله واهتماماته أو همومه؟ على أن الحدث البارز يتمثل في عقد لجنة جائزة غونكور الفرنسية العريقة اجتماعها خلال المهرجان، وإعلانها اللائحة القصيرة للروائيين المتنافسين على الجائزة العريقة وضمنهم روائي لبناني شاب هو سبيل غصوب.

أحوال الفرنكوفونية اللبنانية

لعل السؤال الذي يطرح هنا، في هذا الجو الفرنكوفوني الذي يصر المركز الثقافي الفرنسي على ترسيخه، على رغم الظروف الصعبة بل القاسية، هو: ما حال الثقافة الفرنكوفونية الآن في لبنان التي تعد الأعرق مشرقياً؟

 

أول ما يتبادر إلى الذهن أن الثقافة الفرنكوفونية اللبنانية، ليست في أحسن أحوالها الآن، مع أنها من أعرق الفرنكوفونيات المشرقية، وتعود جذورها إلى القرن الـ18، وهو القرن الذي شهد قدوم الإرسالية اليسوعية الفرنسية. لكنها تسعى دوماً إلى استرداد مكانتها التي كانت اهتزت أصلاً في زمن صعود الثقافة الأنغلوفونية أو الأنغلوساكسونية، وبُعيد انتشار اللغة الإنجليزية معرفياً وشعبياً، مع الإنترنت وسواه من وسائل المعرفة والتواصل. فمنذ مطلع التسعينيات تراجع مبيع الكتاب الفرنسي قرابة 40 في المئة تبعاً لتراجع اللغة الفرنسية كلغة للتحصيل العلمي والثقافة. حينذاك لا ننسى كيف عمدت مؤسسة "أف أم أ" الفرنكوفونية التي كان يديرها مراسل صحيفة "لوموند" في لبنان لوسيان جورج، إلى إعادة طبع بعض الكتب الفرنسية التي تصدر في باريس، عملاً باتفاق مع دور النشر المعنية بالفرنكوفونية. وكان على هذه الكتب أن توزع في السوق اللبنانية وبعض الأسواق المشرقية عبر أسعار رمزية. وبادر هذا المشروع إلى طبع نسخة أسبوعية من صحيفة "لوموند" اليومية، تضم المقالات والأخبار والتحقيقات التي تعنى بالشؤون العربية والشرق أوسطية.

 

ولكن لم تمض سنوات على مشروع الطباعة المشتركة بين فرنسا ولبنان حتى توقفت الكتب عن الصدور، وحلت محلها كتب لبنانية باللغة الفرنسية. أما السبب فهو استعادة بيروت دورها كمركز للكتاب الصادر في فرنسا. فبعد التراجع الذي شهده الكتاب الفرنسي لم تلبث السوق اللبنانية أن شهدت قدراً من الانتعاش. فالقراء الفرنكوفونيون ما زالوا موجودين، وعادة القراءة بالفرنسية لم تؤثر فيها كثيراً ثورة المعلوماتية، الثقافية والإعلامية. ولم يستطع الكتاب الإنجليزي أن يزاحم الكتاب الفرنسي نظراً إلى انحصار اللغة الإنجليزية عموماً، في الأوساط الجامعية والعلمية والاقتصادية والإعلامية. أما معرض الكتاب الفرنسي فبات حينذاك ظاهرة سنوية تؤكد نهضة الكتاب الفرنسي من كبوته، على رغم الضائقة المالية والتدهور الاقتصادي اللذين دفعا عدداً غير قليل من المكتبات الفرنكوفونية إلى الاقفال، ومنها مثلاً مكتبة طرزي العريقة في هذا الحقل، ومكتبة "غالاكسي" و"ركتوفرسو" و"انترناسيونال" و"اسباس 2000" وسواها. لكن إحصاءات معرض الكتاب الفرنسي كانت تدل آنذاك إلى ازدياد الزائرين من غير أن يعني هذا، إقبالاً على الشراء. فالزائرون ليسوا جميعاً من المشترين، ولعل المهمة التي يؤديها المركز الثقافي ا والبعثة الثقافية قد تكون ساهمت في تحقيق هذا التقدم ثقافياً وأدبياً وفنياً، فالمعرض غدا كل سنة، موعداً شبه احتفالي بالأدب الفرنسي الحديث والثقافة الفرنسية عموماً. وكل عام كان يدعى عدد كبير من الكتاب الفرنسيين والفرنكوفونيين من العالم ومن المغرب العربي وأفريقيا.

تبدل  القراء

لكن جولة سريعة يقام بها اليوم، على واجهات المكتبات الفرنسية الصامدة وعلى العناوين التي تحفل بها، تبين أن نوعية الكتاب الفرنسي تبدلت، كدلالة إلى تبدل ذائقة القارئ وثقافته كذلك. فالمكتبات البيروتية التي كانت تنافس بعض الأسواق الفرنكوفونية في تقديم جديد المطابع الفرنسية وفي اختيار أهم الكتب في كل الحقول، أصبحت تكتفي الآن بالكتب الرائجة سياسياً أو اقتصادياً، وبالروايات الموسمية والكتب المتخصصة والجامعية والتقنية. وبات من الصعب على قارئ الأدب والنقد والفلسفة والشعر وسواها، أن يجد ضالته، عطفاً على كون هذا القارئ من أكثر المتضررين مالياً لانتمائه إلى الطبقة الوسطى التي تكاد تنحسر.

تواجه اللغة الفرنسية في لبنان كما في المشرق العربي الفرنكوفوني ما يشبه الهجوم الشرس وعلى مستويات كثيرة. الجامعات الفرنكوفونية في لبنان وفي طليعتها جامعة القديس يوسف مثلاً، اضطرت إلى إدخال الإنجليزية في برامجها، فيما لم تعمد جامعة كالأميركية مثلاً إلى الالتفات إلى اللغة الفرنسية. وهذا يشير إلى ميل الطلاب الجدد إلى اللغة الإنجليزية التي تتيح لهم التواصل مع ثورة العصر والعولمة. فالإنترنت والكومبيوتر وسواهما يقتضيان الإلمام بالإنجليزية، إضافة إلى مراكز المعلومات والمراجع العلمية والمعرفية. وقد يشعر الذين يجيدون الفرنسية فقط، بشيء من الغربة أو "الانكفاء" في عالم أصبحت الإنجليزية لغته المعرفية ووسيلة التواصل فيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن هذا لن يعني قط انحسار الثقافة الفرنسية في بلد مثل لبنان، فاللغة شيء والثقافة شيء آخر. وازدهار اللغة الإنجليزية لا يعني في أية حال ازدهاراً للثقافة الإنجليزية. اللغة الإنجليزية تكاد تطغى على الفرنسية، لكن الثقافة الفرنسية ما زالت المرجع الرئيس في لبنان. هكذا مثلاً لا يوجد في لبنان معرض للكتاب الإنجليزي، أما المكتبات التي تعنى بهذا الكتاب فهي قليلة وضئيلة الحركة والبيع، فيما المكتبات الفرنسية حاضرة بشدة، وكذلك النشاطات التي تقام في بعض المدن والمناطق. الثقافة الفرنسية في لبنان هي المرجع الأول والأخير، فهي ذات رسالة حضارية قائمة على الحوار والحرية والتسامح والاعتراف بالآخروخصوصاً بعدما تحررت من إرثها "الكولونيالي" الذي كان شديد الوطأة.

إلا أن ما يدعو إلى التساؤل أو القلق هو انحسار الصحافة الفرنكوفونية في لبنان انحساراً واضحاً، مقابل موت الصحافة الانغلوفونية. فبعد توقف مجلات عريقة عن الصدور مثل "لو ماغازين" و"لا ريفو دو ليبان" وكذلك صحيفة "لو ريفاي" سابقاً، لم يبق في لبنان سوى جريدة يومية وحيدة هي "لوريان-لوجور"، وقد اضطرت الآن إلى تقليص عدد صفحاتها لتبلغ 12 صفحة. لكن ملحق "لوريان ليتيرير" الذي يصدر شهرياً في صيغة مستقلة عن الجريدة وبتمويل خاص، يعدّ من أفضل الملاحق الأدبية الصحافية في لبنان، وبات المنبر الثقافي والأدبي الوحيد الذي يعنى بالأدب الفرنسي والأدب الفرنكوفوني، ويترأس تحريره مؤسسه الروائي إلكسندر نجار وتديره الكاتبة هند درويش. ويُعدّ هذا الملحق الشهري ملفات مهمة عن الأدب الفرنكوفوني العالمي والعربي. ولحسن حظه أن كل الملاحق الثقافية المنفردة، حتى العربية، غابت تماماً في لبنان، مع تراجع الصحافة تراجعاً غير متوقع.  

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة