Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الملائكة البيض" يساعدون الأوكرانيين على خطوط المواجهة مع روسيا

بعد دفعها للتراجع في مناطق أخرى تركز القوات الروسية قصفها على ضواحي دونيتسك مثل كراسنوهوريفكا

الرائد فاسيلي بيبا من فرقة الملائكة البيض في أوكرانيا، وهي وحدة شرطة تتعامل الآن مع كل المسائل بدءاً من إجلاء السكان ووصولاً إلى التخلص من القذائف (اندبندنت)

كانت أعمدة الدخان الكثيف والحاد لا تزال تتصاعد من المدرسة التي دمرها الهجوم الصاروخي حين انهمرت قذائف الهاون ونثرت شظايا من الصلب المسنن في كل مكان وتفرق الحشد الذي تجمع لتلقي الإسعافات الأولية في ساحة البلدة.

تحل لحظات سكون لا يقطعه سوى هفيف نسمة خريفية ناعمة، قبل أن يبدأ من ارتموا أرضاً بالنهوض ونفض الغبار عن ملابسهم والبحث عن الباقين.

يبكي الأطفال وتتعالى أصوات قلقة من عائلات وأصدقاء ينادون بعضهم بعضاً. وقعت بعض الإصابات ولكن ليس أياً منها بخطر، وهو أمر مفاجئ جداً نظراً إلى قوة الانفجارات.

تقول إحدى النساء، وهي ترسم إشارة الصليب بيدها على صدرها قبل أن تحضن ابنتيها الصغيرتين "حمانا الله جميعاً اليوم".

يعتبر الهجوم الذي وقع في وقت متأخر من الصباح حدثاً اعتيادياً متوقعاً وعنيفاً في هذه البلدة الواقعة على جزء من الخطوط الأمامية بالقرب من أفدييفكا، وتنقل الزيارات اليومية لأجهزة الطوارئ إلى المنطقة الجرحى، وأحياناً القتلى، إلى المستشفى في كوراخوفه المجاورة، كما إلى دنيبرو الأبعد منها.

بعد مرور 40 دقيقة، يدوي انفجار في قسم آخر من البلدة، ونقصد المكان برفقة عنصرين فريق الشرطة "الملائكة البيض"، فتطالعنا فجوة كبيرة وعميقة في الطريق.

لم تقع أية إصابات، ولكن الحشد يخبرنا بأن إحدى نساء المنطقة اختفت منذ آخر جولة قصف وقعت قبل يومين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أثناء تفتيشنا المنازل نجد نتاليا ملقاة على وجهها على أرض مطبخها، وتبدو ساكنة الحركة فنخشى في البداية أن تكون قد أسلمت الروح، لكنها ترتجف قليلاً، لقد نجت ولو أنها مصابة وترتجف من البرد بسبب انخفاض حرارة جسمها.

في البداية تلتزم نتاليا الصمت، وهي تنظر حولها برعب، ثم تهمس وهي تنتحب وتشهق "لم يأت أحد قبل الآن. أنا أتألم. كان الجو بارداً جداً وأنا خائفة. لا أريد الموت بهذا الشكل، وأنا ملقاة هكذا وحدي".

يقدم الرائد فاسيلي بيبا والنقيب يفغيني أفينديكوف لها الإسعافات الأولى ثم يضعان بطانية حرارية حول نتاليا، ويقول الرائد بيبا "إنه لمن دواعي الارتياح أنها لا تزال على قيد الحياة، ولكن ذلك مفاجئ جداً بعد مرور يومين، ومن الضروري أن تؤخذ بسرعة لتلقي العلاج الآن، سوف يبذل الأطباء قصارى جهدهم، ولكنهم سيستمرون بالتعرض للقصف هنا، فالمكان قريب جداً من الحدود".

مع ما تواجهه من انتكاسات كبيرة في مناطق أخرى، تسعى القوات الروسية إلى الاستيلاء على أفدييفكا وباخموت. وتتعرض المدينتان لوابل لا يهدأ من الهجمات الصاروخية والمدفعية، فيما تعلق البلدات والقرى المحيطة بهما في مرمى النيران.

في الطريق إلى كراسنوهوريفكا يمكن رؤية مدينة دونيتسك التي يسيطر عليها الانفصاليون، بعض أقسام الطريق لا تبعد سوى 300 متر عن المواقع الروسية. ويشرح النقيب أفينديكوف بعد إطلاق بعض الرصاصات باتجاهنا "إن المسافة ضيقة وتسمح بإطلاق النار من الأسلحة الخفيفة لكن لا تقلق، فهذا الجزء قصير جداً وسنقود السيارة بسرعة، فهذا ما نفعله دائماً".

إن الملائكة البيض هم وحدة من الشرطة تنخرط، إضافة إلى مهماتها الاعتيادية، في محاربة القوات الروسية والانفصالية كما تضطلع بمهمات الإطفاء والإسعاف والتخلص من القذائف.

وقد أعطاها السكان المحليون هذا الاسم بسبب لون المركبات التي يقودها العناصر وسجلهم اللافت في إنقاذ أرواح الجرحى والعالقين تحت الركام في أعقاب الهجمات.

ويقول الرائد بيبا "في قدوم فرق الإسعاف والإطفاء إلى هذه المناطق خطورة كبيرة، لذلك علينا توسيع نطاق مهماتنا. اضطررنا إلى فعل أمور لم نعتقد يوماً بأننا سنقوم بها، مثل التعامل مع القنابل غير المنفجرة".

وأضاف، "مررنا بظروف صعبة، إذ تعرضنا لإطلاق النار وأصيب زملاؤنا، ولدينا بضع مركبات مصفحة لكننا نحتاج لمزيد منها، وليست باقي المركبات سوى شاحنات عادية".

استدعي الثنائي لتفقد شقة على الطابق الأرضي فيها بالفعل ذخيرة غير منفجرة، واخترقت قذيفة بطول ثلاثة أقدام، تبدو كأنها قذيفة هاوتزر، الحائط الخلفي. يحركها الشرطيان بمساعدة صاحب المنزل ويضعانها بعناية داخل حفرة على جنب الطريق إلى جانب ثلاث قذائف غيرها.

ويقول الرائد بيبا إنه "يجب التحرك بحذر شديد. سوف تأخذها الفرقة الخاص وتتخلص منها، لكنها شديدة الانشغال ولا يمكنها القدوم لجمع الذخائر من كل موقع على حدة، فهذه منطقة يشتد فيها القتال".

واستولى الانفصاليون لفترة قصيرة على كراسنوهوريفكا خلال نزاع عام 2014 الذي أفضى إلى قيام ما يسمى بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين، ثم استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على المنطقة في وقت لاحق من ذلك العام، لكنها عادت الآن لتصبح موقع قتال من جديد.

يتذكر دميتري نيليبا، الطبيب الجراح المسؤول عن وحدة الإصابات في مستشفى كوراخوفه الصراع الذي دار منذ ثمانية أعوام، ويقول "الوضع أسوأ بكثير هذه المرة، ونرى حالات كثيرة من المصابين بالقصف وصواريخ الطائرات. ربما وقعت بعض هذه الهجمات من طريق الخطأ، لكن عددها أكبر من أن تعتقد بأنها ليست متعمدة".

وأضاف، "لدينا في الوقت الحالي ما يكفي من المعدات الطبية بفضل المساعدات الدولية والمحلية، لكن علينا التفكير في المستقبل أيضاً. إن وتيرة تقدم قواتنا تعني أنها قد تنجح في تحرير دونيتسك، ولا أعلم ما هو وضع الرعاية الصحية هناك الآن، لكنها قد تكون حالاً طارئة علينا أخذها بعين الاعتبار".

رحلت الأغلبية العظمى من سكان كراسنوهوريفكا التي كانت تبلغ قبل الحرب 16 ألف نسمة عن المكان، لكن بضعة آلاف الأشخاص عازمون على التمسك بمنطقتهم على رغم الأخطار.

بقيت أليكساندرا تشيرنيكوفا مع من بقوا في المكان، على رغم توسل ابنها لها أن تنضم إليه في دنيبرو، وأصيبت بجراح في رجلها بعد وقوع رشق الصواريخ الذي دمر المدرسة.

وتذكر الحدث فتقول "كنت في الحديقة عندما وقعت القذائف. وقعت إحداها على مقربة مني، وبدا لي أنها لا تبعد عني سوى مسافة خمسة أو ستة أمتار. دوى صوت صاخب ثم سطع نور سريع وأصبت بجرح كبير في فخذي. سالت كثير من الدماء".

تريد ألكساندرا (43 عاماً) العودة لمنزلها بعد تلقيها العلاج في المستشفى. وتقول "عليّ الاعتناء بعدد كبير من الحيوانات. ليس حيواناتي فقط بل تلك التي يملكها جيراني الذين غادروا. لا يمكنني التخلي عنها. انتقلت إلى هنا قادمة من دونيتسك بعد الحرب الأخيرة. لا يمكننا مواصلة الانتقال من مكان إلى آخر كل حياتنا. أنا متأكدة من أن قواتنا سترغم الروس على التراجع وسيقل عدد الصواريخ الجوية في المستقبل".

يعيد الملائكة البيض فالنتينا رومانينكا إلى كراسنوهوريفكا بعد تلقيها العلاج في المستشفى في أعقاب هجوم صاروخي. تنحدر هي وزوجها أيضاً من دونيتسك ولا تزال ابنتيهما تعيشان في منطقة الانفصاليين.

وتقول، "كلانا يتعرض للقصف، هم في دونيتسك ونحن هنا. إنها حرب فظيعة. وهي تتواصل الشهر تلو الآخر. آمل أن تنتهي عما قريب ولكننا لا نشعر بالتفاؤل. كيف يمكننا أن نتفاءل؟".

قضت فالنتينا (62 عاماً) أسبوعين برفقة ابنتيها في دونيتسك حين كانت الحدود مفتوحة الخريف الماضي. ولا تعلم متى سيتسنى لهم رؤية بعضهم بعضاً مجدداً، وتقول شاكية "إحدى متع التقدم بالسن هي مشاهدة أحفادك وهم يكبرون. لا يمكننا أن نفعل ذلك. هذه قسوة بالغة".

فالنتينا وزوجها فيكتور يريدان أيضاً البقاء في كراسنوهوريفكا. يوم الأحد، بعد مرور 24 ساعة على عودتها من المستشفى، وقعت جولة جديدة من القصف وتعين إجلاء فيكتور بعد إصابته في كتفه وذراعه.

أما مايا تشيكونينكو (75 عاماً) وزوجها أناتولي (81 عاماً) فيدرسان قرار البقاء أو الرحيل. أناتولي بحاجة إلى رعاية طبية مستمرة بعد تعرضه لذبحة. ويحاول الرائد بيبا أن يقنعه بأنه من الضروري له أن يكون في مدينة، مثل دنيبرو، لكن أناتولي غير مستعد لمغادرة منزله.

وتقول مايا "تزوجنا منذ 49 عاماً وكنا نأمل في أن نكون هنا للاحتفال بالذكرى الـ 50 على الزواج وقضاء الوقت الباقي من حياتنا، لكن يبدو أن ذلك لن يكون ممكناً، وسأحاول إقناع أناتولي بأننا مضطرون إلى المغادرة بعض الوقت وبعدها سنعود".

سمع دوي انفجارين في مكان غير بعيد. تقول مايا متأملة "مزيد من القصف، ربما ساعد ذلك في جعله يحسم أمره، لكنني غير أكيدة ما الذي سيظل موجوداً إن عدنا في يوم من الأيام".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير