Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا أصبح زعماء دول غربية يرددون صدى خطاب بوتين؟

من إيطاليا إلى البرازيل إلى الولايات المتحدة يردد القادة السياسيون بشكل متزايد أفكار الرئيس الروسي

وباء إنكار نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة وهو ما يعرفه المؤرخون وعلماء السياسة كعنصر أساس في انجراف أي بلد نحو الحكم الاستبدادي (أ ف ب)

يوم بعد يوم يزداد عدد الدول "الديموقراطية" التي تنحو نحو اليمين الاستبدادي الذي يردد قاداته صدى بعضهم بعضاً من خلال الوعد بـ "قمع الأخلاق السائبة والحدود المفتوحة والنخب المتعطشة للسلطة".

في تحليل لهذه الظاهرة، تناول الكاتب مارك فيشر الموضوع في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وتحدث التقرير عن بعض هذه الظواهر في العالم، إذ انتخب الإيطاليون الشهر الماضي زعيماً قومياً يقترح حزبه تغييراً جذرياً بعيداً من تأثيرات العولمة، ففي البرازيل أثار الرئيس اليميني جايير بولسونارو الشك في نتائج الانتخابات من خلال التكهن بأن التصويت سيتم التلاعب به في مؤامرة تقودها النخب في البلاد، وفي الفيليبين اختار الناخبون هذا العام نجل ديكتاتورهم السابق فرديناند ماركوس كرئيس، في خطوة للتمسك بسياسة الرجل القوي.

ولفت فيشر إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى رغم أنه لم يكن نصيراً للديمقراطية، فقد ألقى أواخر الشهر الماضي خطاباً بدا مألوفاً وجذاباً لكثير من الناس في الديمقراطيات من الولايات المتحدة إلى معظم أنحاء أوروبا.

انتقد بوتين التعريفات الموسعة للجندرة [حرية تصنيف المرء نفسه ذكراً أو أنثى أو غيرها]، واصفاً الفكرة بأنها "انحراف"، وهي جزء من "إنكار كامل للإنسان وإسقاط للإيمان والقيم التقليدية من قبل النخب الغربية".

وأضاف بوتين في خطاب ردد صدى خطابات السياسيين اليمينيين الموالين لروسيا في عدد من الديمقراطيات "لقد دخل العالم فترة من التحولات الثورية" التي تهدف روسيا إلى مقاومتها.

في الولايات المتحدة يبدو أن الرئيس السابق دونالد ترمب قد رفض نتائج الانتخابات المستقبلية وانضم إليه معظم المرشحين الجمهوريين لانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس في رفضهم نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020، وهو وباء إنكار نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة وهو ما يعرفه المؤرخون وعلماء السياسة كعنصر أساس في انجراف أي بلد نحو الحكم الاستبدادي.

ويرى التقرير أن السنوات الأخيرة أحدثت ردود فعل حادة في أجزاء كثيرة من العالم، إذ أدت العولمة والاستقطاب السياسي وظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانهيار الثقة في المؤسسات الكبرى إلى شعور عدد من الناس بالخيانة من قبل حكوماتهم، مما أدى إلى بحث عن حلول وطنية في دولة بعد أخرى، وتوطيد الروابط بين المستبدين اليمينيين المتطرفين في تلك الأماكن.

على سبيل المثال تحدث رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان ورئيس الوزراء الإيطالي الجديد المحتمل جيورجيا ميلوني أمام حشود تحالف العمل السياسي المحافظ Conservative Political Action Coalition وهي مجموعة ساعدت في نشر حركة ترمب في الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الصدد يقول نيكولاس غفوزديف، أستاذ دراسات الأمن القومي في الكلية الحربية البحرية الأميركية، "الاتجاه الذي نشهده يعكس خيبة الأمل في جميع أنحاء العالم من أن العملية الديمقراطية فشلت في إنتاج قادة فعالين يتمتعون بشخصية جذابة، ونرى في دولة بعد دولة انتشار فكرة أننا بحاجة إلى قادة أقوياء ينجزون الأمور".

لطالما تضمن تعريف ترمب للعظمة الأميركية الإعجاب الصريح بالرجال الأقوياء في جميع أنحاء العالم، إذ أشاد بقيام النظام الشيوعي الصيني بقمع الاحتجاجات الطلابية المؤيدة للديمقراطية عام 1989، وخلال حملته الرئاسية لعام 2016 قال ترمب إنه معجب بكيفية قتل الديكتاتور العراقي صدام حسين للإرهابيين، وهذا العام وخلال تجمع حاشد في جورجيا، أشاد ترمب بسيطرة الرئيس الصيني شي جينبينغ على شعبه، "إنه يدير 1.5 مليار شخص بقبضة من حديد. نعم، أعتقد أنه ذكي".

كما وصف ترمب المنطق الذي يبني عليه بوتين غزوه لأوكرانيا بأنه "عبقري".

ليس من قبيل المصادفة أن القادة الشعبويين وكثير منهم من رجال الأعمال أو خلفيات غير سياسية أخرى، يرتقون لمناصب قيادية في العديد من البلدان في الوقت نفسه تقريباً.

كاثلين فريدل، مؤرخة في جامعة "جونز هوبكنز" تدرس المؤسسات المحافظة، تقول "في كل من هذه البلدان استغلت حركات اليمين المتطرف الاستياء الذي زاد حدته بسبب العولمة"، مضيفة "لكل بلد أسبابه الخاصة التي تجعل الاستبداد جذاباً، أو عدم المساواة أو التوترات العرقية الخاصة به، ولكن هناك توافقاً بين قادة اليمين المتطرف في جميع هذه البلدان في الإشارة إلى بوتين كنموذج للسلطة والسيطرة".

في الولايات المتحدة كانت الثقة في الحكومة والشركات والإعلام والمؤسسات الكبرى الأخرى في حال تدهور منذ عقود. انتشر الشعور السائد بانعدام الأمن بين العديد من الأميركيين بعد هجمات الـ 11 من سبتمبر (أيلول) وجائحة "كورونا" والاضطراب الاقتصادي الناتج من ذلك، وانهيار المجتمعات المحلية مع تأميم الإنترنت للثقافة، وأدى كل ذلك إلى اعتبار المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابيةInternational Institute for Democracy and Electoral Assistance أن الولايات المتحدة قد سقطت في حال "التراجع الديمقراطي".

 

لقد كان بوتين سعيداً جداً بالتشجيع على حالات الزعزعة التي تضرب هذه المجتمعات وبالتالي تسهم في زيادة التأييد لهذه القوى المتطرفة.

وبحسب وكالات الاستخبارات الأميركية وجه الرئيس الروسي حكومته للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 لتقويض الثقة في العملية الديمقراطية ومساعدة ترمب على الفوز.

ويقول غفوزديف إنه أثار أيضاً المواضيع الشائكة مثل سياسات الجندرة، كما فعل في خطابه الأسبوع الماضي، "كجزء من جهد متعمد لزعزعة استقرار سياسات الدول الغربية".

لكن غفوزديف يشير إلى أن الاستقطاب وانتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي التي غيرت السياسة الأميركية انبثق في المقام الأول من التغيرات والاضطرابات الداخلية وليس من التدخل الروسي.

وبالنسبة إلى العديد من الأميركيين، كما يقول التقرير، فإن فكرة أن الديمقراطية في البلاد مهددة لا تعني كثيراً مقارنة بتأثير التضخم والطبيعة الاستثنائية للعمل خلال الجائحة والتغير التكنولوجي الهائل.

ويخشى بعض القادة السياسيين والأكاديميين من حقبة دائمة من الحكم الاستبدادي مدفوعة بالوعد للطبقة العاملة بإعادة بعض من الاستقرار والأمن اللذين جرفتهما العولمة، وما نتج من ذلك من نقل للعديد من الوظائف إما إلى المناطق ذات الأجور المنخفضة في العالم أو إلى الأتمتة، وقد تفاقم هذا الاتجاه بسبب انقسام الناس إلى فصائل مضطربة وعدوانية على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن آخرين يقولون إن الموجة الاستبدادية ستكون مجرد موجة قصيرة الأمد تتراجع عندما يتضح أن الشعبويين اليمينيين المتطرفين ليس لديهم أي حلول جيدة لإحباطات معظم الناس أيضاً.

وينقسم المحللون حول ما إذا كانت الطفرات الاستبدادية تميل إلى التلاشي عند خروج الزعيم القوي من المشهد. يقول بعضهم إنه من الخطأ افتراض أن رحيل مثل هذه الشخصية المهيمنة يعني نهاية الفصل الاستبدادي في تاريخ ذلك البلد.

ويقول غفوزديف إن الميول الكامنة نحو التطرف غالباً ما تكون كامنة في المجتمع، "لكن عادة ما يتطلب الأمر من قائد يتمتع بشخصية كاريزمية إبرازها"، لافتاً أن قضية الولايات المتحدة على أعتاب هذا النوع من التحول، وتساءل "هل يمكن الحفاظ على الترمبية من قبل زعيم أكثر فعالية؟ أم أنها تتبع نمط عدم تحولها إلى موجة يقودها شخص آخر؟".

يقول المؤرخون إن هناك طريقتان رئيستان تخرج البلدان نفسها من دوامة الاستبداد، وفي بعض الحالات يتخذ القادة السياسيون موقفاً من أجل الديمقراطية، كما فعل فرانكلين روزفلت في مواجهة الاحتجاجات المؤيدة للنازية التي اندلعت في بعض أجزاء الولايات المتحدة في السنوات الأولى من حكم هتلر.

في حالات أخرى تأتي مقاومة الحكم الاستبدادي من أسفل، من نشطاء أو نقابات أو مجموعات سياسية، كما حدث في ألمانيا الشرقية وجنوب أفريقيا وأثناء حركة الحقوق المدنية الأميركية.

وتقول فريدل إن نهاية الحكم الاستبدادي ليست بسيطة تماماً، ولكن ليس من الضروري دائماً أن يواجه المجتمع احتضانه للتطرف وإجبار أتباعه على التوبة، فحتى في وقت واجهت جنوب أفريقيا وجمهورية التشيك الماضي الاستبدادي من خلال إنشاء لجان رسمية للحقيقة والمصالحة، تحولت ألمانيا الغربية واليابان بعد الحرب العالمية الثانية إلى ديمقراطيات مزدهرة من دون المرور بهذا النوع من العملية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل