Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسم قطف الزيتون في فلسطين بين "فزعة" و"المعصرة العجوز" 

مجموعة تساعد المزارعين في جمع المحصول شكلت من ناشطين محليين ومتضامنين أوروبيين وإسرائيليين

بكثير من الرفق والحنان، يغازل العم إبراهيم حبات الزيتون التي طرحتها أشجار بستانه، ويسمعها ترانيم من الأغاني القديمة التي تتغنى بثمار الزيتون، واعتاد على سماعها منذ نعومة أظافره، وهو يقوم باستخراج الزيت منها، من تحت عجلات معصرة الحجر القديمة التي يستخدمها منذ زمن.

بعناية فائقة، يراقب مراحل العمل في "المعصرة العجوز"، ويشرف بنفسه على مراحل استخراج الزيت، بدءاً من عملية غسله حتى سحقه تحت العجلات الضخمة المصنوعة من الحجارة الصخرية، التي تفوح منها عند كل عملية دوران، رائحة الزيت النقي الأصيل.

تراث فلسطيني قديم

وعلى رغم التطور التكنولوجي في استخراج الزيت بواسطة آلات أوتوماتيكية، إلا أن العم إبراهيم يبدو وكأنه غير آبه بالمعاصر الحديثة، ولا زال يصر على عصر زيتونه في معصرة تعمل بالنظام الحجري القديم، فهو يؤمن أن هذا النوع من الآلات له نتائج جيدة ويخرج زيتاً ذا مواصفات ممتازة.

يقول "لا أتوقع تذوق زيت غير هذا الذي تنتجه المعاصر القديمة، فهو طيب الرائحة، ولذيذ المذاق، ولا مثيل لجودته، والأمر غير متوقف على ذلك فحسب، بل يعد عصر الزيتون بواسطة الحجر الصخري جزءاً من الموروث التراثي والثقافي الفلسطيني، وتقليداً سنوياً اعتدنا عليه منذ مئات السنين".

ومثل العم إبراهيم، هناك كثير لا يزالون متمسكين بإرث الأجداد ولم ينقطع شغفهم على ارتياد معاصر الزيتون الحجرية القديمة التي تحظى على إقبال شعبي كبير، نظراً إلى مكانتها التاريخية عند الفلسطينيين، فالعملية لا تبدو بالنسبة إليهم استخراجاً للزيت فقط، بقدر ما هي استعادة للتاريخ خلال الموسم.

8 معاصر قديمة في غزة

 
في غزة، يوجد 28 معصرة زيتون، منها ثمانية فقط مصنفة أنها حجرية بدائية لا تزال تصر على وجودها في المدينة المحاصرة وفقاً لوزارة الزراعة (تسيطر عليها حماس)، كما أن السكان المحليون يرون أن المعاصر القديمة تعد تراثاً وطنياً يجب تشجيعه.
 

 

وتعد معصرة العم إبراهيم، أقدم الأدوات التي استخدمت في هرس الزيتون في غزة، وتعود لقبل 100 عام، وعادة ما يطلق عليها "المعصرة العجوز"، يقول إنه بدأ العمل فيها قبل 40 سنة، وكان والده قد عمل فيها نحو 20 سنة، بعد أن ورثها عن جده الذي عمل بها فترة لا تقل عن 35 سنة، وهي تعتمد بشكل رئيس على الطواحين الصخرية التي تعد أقدم ما استخدم في هذا المجال.

ولا يزال العم إبراهيم يشرف بنفسه على المعصرة، ويرافقه أولاده الذين يعملون كخلية نحل لكل واحد منهم دور محدد يكمل فيه عمل الآخر، وتبدو عملية استخراج الزيت سهلة للوهلة الأولى، لكنها بحاجة إلى وقت طويل حتى تنتج كميات صغيرة.

فتمر عملية دراس الزيتون كما تسمى محلياً، وتعني عصره، بعدة مراحل، يشير العم إبراهيم إلى أن أولها مرحلة الغسل بالماء البارد، وليس بالساخن كما في الآلات الحديثة، ومن ثم ينقل إلى حوض العجلات الصخرية، التي تعمل على سحقه بقوة يزيد وزنها عن 12 طناً، وبعدها يرسل الخليط إلى مكابس كهربائية مهمتها فصل الزيت عن الماء، وأخيراً يكون هناك وعاء الزيت النقي جاهزاً لتعبئته.

عائد مالي جيد هذا العام 

في موسم الزيتون الذي بدأ فعلياً في الأراضي الفلسطينية، حققت مدينة غزة هذا العام أفضل جودة محصول على المستوى المحلي، وصنف الزيت الذي ينتج في المعاصر الحجرية داخل غزة ثالث أفضل زيتاً على مستوى العالم لهذا العام، بحسب المجلس الدولي للزيتون، وهو المنظمة الحكومية الدولية الوحيدة في العالم التي تجمع الأطراف المعنية في إنتاج واستهلاك زيت الزيتون ومقره في العاصمة الإسبانية مدريد.

يقول المدير العام لمجلس الزيتون الفلسطيني فياض فياض إن قطاع غزة حقق إنجازاً قياسياً في جودة محصول الزيتون والزيت محلياً وعالمياً، وأنتج هذا الموسم نحو 39 ألف طناً، وهو ثاني أفضل إنتاج خلال السنوات الـ20 الأخيرة. ويضيف "هذا الموسم بلغت المساحات المزروعة بالزيتون في غزة نحو 43 ألف دونم، وأثمر منها قرابة 34 ألف، بمعدل إنتاج زاد عن طن للدونم الواحد، وهذا يعني أن هناك فائضاً عن الحاجة المحلية".

وبحسب فياض، فإن غزة تصدر سنوياً خمسة آلاف طن زيت زيتون، بعائد مالي قيمته تصل إلى 30 مليون دولار، وترسله إلى دول عربية من بينها السعودية والكويت وعمان، ودول أخرى مثل الولايات المتحدة واليابان وإندونيسيا.

وبحسب وزارة الزراعة الفلسطينية، فإن محصول الزيتون يعد أحد ركائز الاقتصاد وأحد عناصر الأمن الغذائي، ويشكل 13 في المئة من قيمة الدخل القومي الفلسطيني، وتقدر سنوياً بحوالى 90 مليون دولار أميركي، 30 مليون منها من قطاع غزة، والباقي من الضفة الغربية.

 

 

مجموعة "فزعة" تساعد المزارعين

في المقابل، ثمة عديد من المبادرات المحلية للمساعدة في موسم الزيتون بفلسطين. بعد أكثر من ساعة من المشي على الأقدام بين الأشواك، وصل الفلسطيني رشدي دار خليل بصحبة مجموعة "فزعة" الشبابية إلى أرضه القريبة من إحدى المستوطنات في قرية الجانية شمال رام الله لقطف ثمار الزيتون.

وبسبب إقامة مستوطنة في محيط أرضه الزراعية، لم يستطع رشدي الوصول بحرية إليها منذ 18 سنة، إذ كان يصل إليها لبضع ساعات لا تكفي لفلاحتها ورعايتها. لكن هذه المرة دخلها بصحبة المجموعة الشبابية التي تعمل في مساعدة المزارعين على قطف ثمار الزيتون، وتوفير الحماية لهم من المستوطنين الذين ينشطون في قرى رام الله وسلفيت ونابلس وبيت لحم.
"كنت أصل أرضي بصعوبة في الماضي وخوف من المستوطنين، لكن اليوم أشعر بالاطمئنان لوجود حملة فزعة معي"، يقول رشدي خلال قطفه بات الزيتون في أرضه. ويعرب عن أمله في يكون في كل سنة فزعة شبابية لمساعدته في دخول أرضه، مشيراً إلى أنه "محروم من زيارتها ورعايتها".
 
ناشطون فلسطينيون وأوروبيون
 
ومجموعة "فزعة" التي تضم ناشطين شبان فلسطينيين وإسرائيليين ومتضامنين أوروبيين تأسست قبل ثلاث سنوات لحماية المزارعين الفلسطينيين خلال موسم الزيتون السنوي. وهي واحدة من عشرات المجموعات الشبابية التي تساعد المزارعين في قطف ثمار زيتونهم، بخاصة في الأراضي القريبة من المستوطنات، وطرق المستوطنين والمناطق العسكرية المغلقة في الضفة الغربية.
وبشكل سنوي، تعمل الوزارات الحكومية والمؤسسات العامة والأكاديمية على دفع شبابها للمساعدة في قطف الزيتون في ظل ازياد اعتدادءات المستوطنين على المرازعين.
وتحرص الحكومة الفلسطينية على المشاركة برئيسها وأعضائها في موسم الزيتون الذي يعتبره الفلسطينيون رمزاً على عراقة وجودهم، وتمسكهم بأرضهم. وخلال الفترة الماضية اقتلع المستوطنون نحو خمسة آلاف شجرة زيتون بكلفة بلغت أربعة ملايين دولار بحسب وزير الزراعة الفلسطيني رياض العطاري.
وقال العطاري إن مجلس الوزراء أصدر تعميماً على الوزارات بمساعدة المزارعين في قطف ثمار الزيتون في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين. 
 
تضامن
 
وأوضح منسق حملة "فزعة" منذر عميرة إن وجود المتضامنين الأجانب والإسرائيليين ضمن المجموعة "يخفف من وطأة هجمات المستوطنين على قاطفي الزيتون، ويحد منها". "ليست مهمتنا قطف الزيتون، لكن حماية المزارعين وتقويتهم، وكسر حاجز خوفهم من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين"، يوضح عميرة خلال مشاركته في قطف ثمار الزينون في قرية حارس بمحافظة سلفيت شمال الضفة الغربية.
ويشير إلى وجود فرق بين "الفزعة" و"العونة" التي يشارك فيها مئات من الطلبة والموظفين الحكوميين، وتنتشر في أنحاء الضفة الغربية. واشتكى عميرة من قلة عدد أعضاء المجموعة، معبراً عن أمله في زيادة عددهم.
ومطلع الأسبوع الحالي رفض أصحاب الأراضي في قرية حارس في سلفيت طلب الحصول على تنسيق مسبق من الجيش الإسرائيلي للدخول إلى أراضيهم، "كسرنا جزءاً من المحرمات برفضنا الحصول على الطلب، ودخلنا الأرض من دون تنسيق" يوضح عميرة.
وقال الناشط في مجموعة "فزعة" خالد أبو قرع إن سبب مشاركته في المجموعة يعود إلى رغبته في "مد يد العون للمزارعين، وتأكيد التضامن معهم، وتسليط الضوء على عنف المستوطنين ضدهم".
وتعمل هيئة "مقاومة الجدار والاستيطان" الفلسطينية على  تفعيل لجان العمل التطوعي خلال موسم قطف الزيتون، بخاصة في المناطق المهددة بالاستيطان.
وأعلن المسؤول في الهيئة مراد اشتيوي عن تنظم فعاليات لقطف الزيتون في رام الله وبيت لحم والخليل وطولكرم ونابلس لحماية المواطنين من اعتداءات المستوطنين وتوفير المعدات لهم.  
اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات