Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجوع "سيد العالم" الأقوى بـ828 مليون واهن 

14 مليون طفل دون الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد والهزال الشديد و25 في المئة منهم فقط نحو الإنقاذ

يكون الجوع ونقص التغذية أسوأ عندما تطول النزاعات المسلحة وفترات التهجير (أ ف ب)

لو ارتفعت مدخرات الأكثر ثراء في العالم مليارات الدولارات شهرياً فإنها لن تغير أبداً من معدلات الفقر في العالم، بينما لو تمكن الذين يعيشون تحت خط الفقر بإضافة دولار واحد على مدخولهم، فإن مئات الملايين من البشر سيخرجون من الفقر المدقع حول العالم، وهذا ما جرى في الهند والصين اللتين أخرجتا عدداً كبيراً من تحت خط الفقر بهذه الطريقة، أي بزيادة دولار واحد على مداخيلهم.

الفقر قبل الجائحة والحرب

تمكنت الخطط الأممية والمشاريع الدولية واقتراحات المنظمات الدولية المعنية، من البنك والصندوق الدوليين ومنظمة الأغذية (الفاو) ومنظمة التجارة ومنظمة (اليونيسف) وكل المؤسسات العالمية المتفرعة منها والحكومات التي تتعامل معها من أجل تحسين اقتصاداتها، فعلياً من تحقيق مكاسب هائلة في العقود الماضية من أجل الحد من الفقر في العالم وتقليص عدد الفقراء الرازحين تحت خط الفقر أو أعلى منه بقليل.

لكن تعريف الفقر نفسه تغير من زمن إلى آخر، فلو عدنا إلى عام 1800 واعتبرنا أن الدخل اليومي الذي يعادل 1.90 دولار والمتبع لتحديد الفقراء والأقل فقراً والأشد فقراً على أساسه، فإننا سنجد أن 81 في المئة من البشر ينتمون إلى طبقة الفقراء التي تنقسم بدورها إلى طبقات متفاوتة في فقرها، أي إن 86 في المئة من جميع الفقراء يعيشون تحت خط الفقر، و14 في المئة منهم فقط يحصلون مدخولاً أكبر من دولارين في اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في العقود الأخيرة، ارتفع دخل مئات ملايين من الناس فوق الدولارين يومياً ما أدى إلى انخفاض أعداد الفقراء في العالم بنحو 10 في المئة في الـ30 عاماً الأخيرة، الأمر الذي وصفه الكاتب المعروف في مجلة "بلومبيرغ" نوح سميث بأنه "ليس أقل من معجزة".

الاقتصادي المتشائم ديفيد روسنيك يناقش هذه المعجزة نفسها، ويقول إننا لو خدشنا سطح هذه الإنجازات العالمية سنجد مثلاً أن النمو الهائل في الصين والهند قد حقق ظهوراً سريعاً للطبقة الوسطى، ولكنه أدى أيضاً إلى تكديس مئات الملايين من الفقراء ذوي الدخل القريب من خط الفقر أي أقل من دولارين يومياً.

بحسب موقع "حركة ضد الجوع" العالمية والمتخصصة في الأرقام والإحصاءات، فإن عدم المساواة يزداد بشكل كبير حالياً، حتى إن أفقر الناس يفقدون دخلهم بالفعل. والمعادلة شبه الثابتة الناتجة من عقود في العمل من أجل الحد من الفقر هي أن نمو دخل الأشد فقراً ونمو دخل الأكثر ثراء لا يؤثران أبداً على خفض معدلات الفقر التي تحقق انخفاضاً على مستوى العالم حين تتمكن الطبقة المصنفة عند خط الفقر من زيادة دخلها دولار واحد يومياً.

خرائط الفقر وتباين الاحتياجات

مؤشر قياس الفقر الأكثر استخداماً وربما الأوحد منذ زمن بعيد هو معيار الدخل الفردي. ويساعد هذا المؤشر في التمييز بين الفقر المدقع والفقر المتوسط. والمتفق عليه أن الفقر المدقع هو عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة.

عالمياً تم تحديد خط الفقر الجديد عند دخل 2.15 دولار للفرد عام 2017. ومن يعيش على أقل من هذا المبلغ اليوم يعتبر أنه في فقر مدقع. وفي عام 2019 كان نحو 648 مليون شخص على مستوى العالم في هذا الوضع، وتضاعف عددهم مرات عدة خلال السنوات الثلاث الماضية. وبسبب حرب أوكرانيا انتقل مباشرة ما بين 75 إلى 95 مليون شخص إلى الفقر المدقع عام 2022، وأضيف هؤلاء إلى من سبقوهم نحو أسفل خط الفقر بسبب نتائج جائحة كورونا المديدة.

وتبنت مجموعة البنك الدولي أرقاماً عدة لتحديد خط الفقر العالمي، بحسب المجتمعات التي تتناولها الإحصاءات أو التي تحتاج إلى مساعدة ودعم وتطوير، وبعد إدخال معايير مختلفة على تعريف الفقر المدقع، كالتعليم وإمكانية الوصول إلى المرافق الخدماتية ووسائل الاتصال. بات هناك خط 1.90 دولار أميركي في الاقتصادات الضعيفة، وخطا الفقر 3.20 دولار و5.50 دولار للفرد في اليوم في الاقتصادات المتقدمة.

لكن مع تطور القطاعات الاقتصادية والمالية العالمية وعولمتها، لجأ الإحصائيون إلى تحسين المنهج المتبع في تعريف الفقر، من خلال الجمع بين التعداد السكاني والأوضاع الأسرية المحلية. فتبين أنه في جمهورية صربيا تباين كبير في المستوى المعيشي بين المناطق داخل الدولة، وكذلك في كرواتيا. أما تعريف الفقر في طاجكستان فيرتبط بالعمل الزراعي الموسمي والتحويلات المالية شبه الثابتة، ما دفع الحكومة إلى تقييم وقياس الفقر بعد مسح ميزانية الأسرة كل أربعة أشهر وتسمى هذه الطرق الجديدة "خرائط الفقر".

خريطة الفقر البنغلادشية تقاس على مستوى المنطقة الفرعية أو الولايات وكذلك الأمر في أفغانستان حيث تقاس مستويات الفقر بحسب المقاطعات، وصدرت المجموعة الأولى من خرائط الفقر في أفغانستان لمقاطعتي كابول وهرات. وفي جنوب السودان تم تصميم استبيان مبتكر وخاص بهذه الدولة الجديدة لإجراء مسح عالي الموثوقية لتوثيق سبل العيش وأنماط الاستهلاك وتطلعات السكان وانتظاراتهم، بخاصة أن جنوب السودان يتمتع بثروة كبيرة من النفط والمواد الأولية.

الجوع أعلى مراحل الفقر

لو أخذنا الفقر إلى حده الأقصى فسنصل إلى الجوع، أي عدم قدرة الفرد أو الأسرة على تأمين الغذاء اليومي، أو بالأرقام عدم تأمين ما يقرب الـ1880 سعرة حرارية للفرد يومياً. وجاء في آخر تقرير للأمم المتحدة حول الجوع أنه على رغم إنتاج ما يكفي من الغذاء لإطعام سكان العالم يومياً، فإن ما يصل إلى 828 مليون شخص ما زالوا يعانون الجوع. وبين عامي 2019 و2022 ارتفع عدد الذين يعانون نقص التغذية إلى 150 مليون شخص، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

والذين يعيشون في فقر مدقع يعانون انعدام الأمن الغذائي الأسري، ويلجأون إلى تلبية جوعهم بطرق غير ملائمة طالما أنهم يعيشون في بيئات غير آمنة ومن دون مياه نظيفة وتصريف المياه المبتذلة مع فقدان السبل إلى السلامة الصحية والنفسية والأمية والتسرب المدرسي والبطالة والقيام بالأعمال غير الشرعية كسبل للارتقاء الاجتماعي.

ويكون الجوع ونقص التغذية أسوأ عندما تطول النزاعات المسلحة وفترات التهجير. وفي هذه الدول يعاني 14 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد الوخيم والهزال الشديد، ويتلقى 25 في المئة منهم فقط العلاج المنقذ. وهذه الأرقام أصدرتها "منظمة العمل ضد الجوع" الدولية غير الحكومية. وترى هذه المنظمة أنه على القادة حول العالم دعم القطاع الزراعي عبر البرامج الحكومية المناسبة لتعزيز الزراعة والإنتاج لتستفيد الأرياف والمدن معاً، خصوصاً في البلدان النامية التي كانت المرحلة السابقة شديدة الوطأة عليها.

التشاؤم حول الفقر

يعتقد الخبراء الأمميون والدوليون أن تلبية الطلب على الغذاء في السنوات المقبلة أمر مشكوك فيه، بسبب تسارع تمدد المدن واستقطابها نسبة أكبر من سكان الكرة الأرضية، على نحو ينشط وتيرة التصنيع ويلقي بعبء إضافي على البنى التحتية المدنية ويغزو مساحة أوسع من الأرض الزراعية ليحولها إلى مساحات لا تحد من الإسمنت ويزيد ضخ المياه الآسنة في جوف الأرض.

تظهر التوقعات الآن أن العالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول عام 2030، وبحسب منظمة (الفاو) من المرجح أن يتدهور الأمن الغذائي والحالة الغذائية للفئات السكانية الأكثر ضعفاً بسبب الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية لوباء "كوفيد-19".

وتشير التقديرات في الإصدار الأخير من تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، إلى أن ما يقارب 690 مليون شخص كانوا يعانون الجوع عام 2019، أي بزيادة قدرها 10 ملايين نسمة مقارنة بعام 2018، وبنحو 60 مليون نسمة خلال فترة خمس سنوات. كما أن ارتفاع التكاليف وتراجع القدرة على تحملها يعني أيضاً أن مليارات الأشخاص غير قادرين على تناول أغذية صحية أو مغذية. ويحصى العدد الأكبر من الجياع في آسيا، في حين تسجل أسرع زيادة في أفريقيا.

وبوصول أسعار المواد الغذائية الدولية إلى مستويات غير مسبوقة، سعت البلدان إلى حماية نفسها من نقص الأغذية وارتفاع الأسعار. وفرضت بعض البلدان المصدرة للمواد الغذائية قيوداً على الصادرات. وبدأ بعض المستوردين الرئيسين بشراء الحبوب بأي ثمن للحفاظ على الإمدادات المحلية.

الحلول العاجلة للحد من تدهور الملايين من البشر تحت خط الفقر وردت في تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، وذلك عبر إحداث تحول في النظم الغذائية وتقليص كلفة الأنواع المغذية على رغم اختلاف الحلول من بلد إلى آخر وحتى ضمن البلد الواحد.

لكن التقرير يحض الحكومات على التدخل في سلسلة الإمدادات الغذائية وفي الاقتصاد السياسي الذي يحدد أشكال التجارة والنفقات العامة وسياسات الاستثمار، والسعي إلى تقليص العوامل التي تزيد كلفة إنتاج الأغذية وتخزينها ونقلها وتوزيعها وتسويقها، والحد من أوجه القصور والهدر في الطعام، ودعم صغار المنتجين لزراعة كميات أكبر من الأغذية وبيعها، وضمان وصولهم إلى الأسواق، وإسناد الأولوية لتغذية الأطفال باعتبارهم الفئة الأشد حاجة إليها، والتشجيع على تغيير السلوك من خلال التثقيف والتواصل، وترسيخ التغذية في نظم الحماية الاجتماعية واستراتيجيات الاستثمار على المستوى الوطني.

المزيد من تحقيقات ومطولات