Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جرائم الأطفال" وجع تونسي جديد والمتهمون: الفقر والإدمان والهجرة

باحثون: يتحدرون من الأحياء الشعبية ومتسربون من التعليم وولعهم بالسفر يقودهم إلى السرقة لجمع الكلفة

يرى متخصصون أن "الانقطاع المبكر عن التعليم السبب الأبرز في انتشار الجريمة بين الأطفال" (أ ف ب)

كثيرة هي العناوين التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام المحلية التونسية، وأبطالها أطفال ارتكبوا جرائم عنف وقتل وسرقة وغيرها: طفل يقضم أذن آخر، وآخرون دون الـ15 سنة يختطفون طفلاً في الثامنة من عمره ويجردونه من ملابسه ويحاولون شنقه، وصبي يقتل زميله بالمدرسة، وتلميذة تحاول تسميم زملائها. كل هذه الأحداث الغريبة على المجتمع التونسي جرت خلال الأسابيع الثلاثة المنقضية فقط.

كما انتشر فيديو قبل شهر للصحافية التونسية حنان بوربيع تتحدث فيه عن عملية سطو تعرضت لها في إحدى ضواحي العاصمة أبطالها نحو 10 أطفال قاموا برميها بالحجارة لإجبارها على التوقف وسرقتها أو التهجم عليها، لكنها لم تقع في الفخ، وواصلت الطريق على رغم الذعر الذي انتابها، وهو المشهد الذي تكرر في العاصمة، وحتى ضواحيها الراقية، أطفال يقطعون الطرقات لسرقة المارة.

طريق محفوفة بالمخاطر

يؤكد علماء الاجتماع في تونس أن الأطفال المتورطين في ارتكاب الجرائم يتحدرون في الغالب من الأحياء الشعبية، حيث تنتشر الأدوات الدافعة إلى ذلك ومنها المخدرات. وبحسب مصادر رسمية فإن نحو 80 في المئة من مرتكبي جرائم السرقة المجردة أو باستعمال العنف أو النشل هم من الأطفال. وفي آخر إحصاء عام 2019 بلغ عدد الأطفال الصادرة في شأنهم أحكام 8320 طفلاً.

كما تظهر بعض الإحصاءات أن 60 في المئة من الجرائم الجنسية المحالة إلى المؤسسات القضائية في جهة القصرين وسط البلاد يكون الأطفال (من جنس الإناث) أحد الأطراف فيها، وتتراوح أعمارهن بين 14 و17 سنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى متخصصو علم الاجتماع أن "الانقطاع المبكر عن التعليم، وهو بمعدل 100 ألف منقطع سنوياً خلال العشرية الأخيرة، يعتبر السبب الأبرز في انتشار الجريمة بين الأطفال".

وحذر المتخصص في وزارة الشؤون الاجتماعية شاكر السالمي من الكلفة الاجتماعية للانقطاع المبكر عن التعليم، لصلتها الوثيقة بالجنوح نحو السلوكيات المحفوفة بالمخاطر مثل الإدمان والجريمة والهجرة غير النظامية والتطرف العنيف والإرهاب إضافة إلى التفكك الأسري.

وقال السالمي "ستدفع الدولة فاتورة مضاعفة جراء تداعيات الانقطاع المدرسي المبكر، حيث ستضطر إلى وضع استراتيجيات وخطط وبرامج وبعث مراكز ومؤسسات للتدخل وتسخير موارد بشرية ضخمة ستكلفها مبالغ مالية مهولة، وكلما تباطأت في القيام بهذه الإجراءات زاد الأمر تعقيداً".

تراجع دور الأسرة

من جهتها، ترى الباحثة في علم الاجتماع نعيمة الفقيه أن ارتفاع معدل الجريمة في صفوف الأطفال يعود أساساً إلى التحولات التي يعيشها المجتمع التونسي، مفسرة "اليوم تراجع دور الأسرة بسبب ارتفاع كلفة المعيشة، مما جعل أرباب العائلات يركضون وراء توفير المستلزمات الحياتية، وأصبح الاهتمام بالأطفال أمراً ثانوياً متروكاً لأطراف أخرى".

وتضيف الفقيه "العائلة التونسية اليوم افتقدت ميزة التجمع على مائدة واحدة، وكل يقضي يومه بطريقته، الوالدان في الشغل والأطفال في المدارس والمحاضن أو في الشارع، هذا الأمر أسهم في فقدان التواصل الأسري والتحول إلى تواصل خارج نطاق الأسرة التي من المفروض أن تخلق مساحة للحوار والنصح والرشد، لكن هذه القيم بدأت تتفتت".

وتتابع "أيضاً هيمنة التكنولوجيا ودخول الإنترنت وألعاب الفيديو إلى حياة الطفل الذي يقلد الجريمة الإلكترونية في بعض الأحيان"، مواصلة "عندما يشعر الطفل بالفقر والاختلاف مقارنة بأقرانه يضطر إلى ارتكاب الجرائم المتمثلة أساساً في السرقة والنشل الذي يؤدي أحياناً إلى العنف".

وذكرت الفقيه أيضاً أن "فكرة الهجرة غير النظامية في صفوف الأطفال بين 15 و18 سنة تدفعهم لارتكاب جرائم السرقة من أجل جمع كلفة السفر، وكل هذا يغذيه غياب الدولة أو تقصيرها في وضع برامج واضحة وشاملة للإحاطة بهذه الفئة الهشة".

دقيقة أمان

في مجال حماية الأطفال من مخاطر الفضاء السيبراني، قامت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بإنجاز ومضة سمعية بصرية بعنوان "دقيقة أمان"، وإعداد كراس رقمي من إنتاج أطفال تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة، وتحتوي على رسوم تعبيرية رمزية مرفقة برسائل مكتوبة دقيقة ومختصرة باللغة العربية بهدف تبسيط الرسائل الحمائية من مخاطر الفضاء السيبراني على الأطفال. كما خصصت الوزارة نسبة 15 في المئة من فرص التكوين لفائدة الأطفال من ذوي الحاجات الخصوصية بمختلف فئاتهم، و50 في المئة لفائدة الأطفال من العائلات المحدودة الدخل في مختلف الدورات التكوينية المبرمجة سنوياً في مجال الإعلام، لكن هذه المبادرات المحدودة، بحسب مراقبين للوضع الاحتماعي في تونس، لا يمكن لها أن تحد من ظاهرة انتشار الجريمة والمخدرات وغيرها من المخاطر المحدقة بالأطفال من ذوي العائلات الفقيرة وحتى المتوسطة في البلاد.

ويضم المسار القضائي في حال ارتكاب طفل أقل من 18 سنة لإحدى الجرائم، جملة من المراحل تتمثل في إيقاف الطفل في مراكز الاحتفاظ الموقت، وإعلام وكيل الجمهورية الذي يقرر إخلاء سبيل الموقوف أو القيام بأعمال البحث والتحقيق، أو إحالة القضية إلى محكمة الأطفال. ويمكن حفظ القضية أو تسليم الطفل إلى عائلته، أو إحالته على قاضي الأسرة، أو وضعه بمؤسسة للتربية والتكوين أو بمركز طبي أو بمركز الملاحظة أو بمركز إصلاح أو تحت نظام الحرية المحروسة. وبهدف إيقاف التتبعات الجزائية يمكن لمندوب حماية الطفولة تفعيل آلية الوساطة في كل مراحل المحاكمة والتنفيذ.

المزيد من تقارير