في الوقت الذي تكثف فيه الحكومة المصرية تحركها لاحتواء أزمة شح العملة الصعبة، كشفت بيانات رسمية حديثة أن محفظة الأوراق المالية في القاهرة تحولت من صافي تدفق للداخل بلغ نحو 18.7 مليار دولار إلى صافي تدفق للخارج بلغ نحو 21 مليار دولار خلال العام المالي الماضي.
وأرجع البنك المركزي المصري هذا التوجه إلى قلق المستثمرين على أثر اندلاع الصراع الروسي- الأوكراني، إضافة إلى السياسة النقدية الانكماشية التي ينتهجها البنك الفيدرالي الأميركي التي تؤدي إلى نزوح الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة. وهذا ما أكده عدد من بنوك الاستثمار في مصر، مشيرة إلى أن خروج هذه الأموال يرجع إلى توجه البنك المركزي الأميركي إلى رفع الفائدة لأعلى معدل منذ عقدين في محاولة للسيطرة على معدلات التضخم التي بلغت ذروتها في أكثر من 40 عاماً. ونتج عن هذا الأمر ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوى له منذ 20 عاماً أمام جميع العملات الرئيسة، وارتفعت العوائد على السندات الأميركية. وهو ما أثر سلباً على تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة ومن بينها مصر.
في الوقت نفسه، يواجه احتياطي مصر من النقد الأجنبي عديداً من الضغوط في الوقت الحالي. وسددت مصر نحو 24 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، منها 10 مليارات دولار ديوناً خارجية، و14 مليار دولار للصناديق الأجنبية، وذلك لسداد قروض وسندات دولية مستحقة. وقبل أيام أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي لمصر بنحو 56 مليون دولار خلال سبتمبر (أيلول) الماضي مقارنة بنهاية أغسطس (آب)، ليصعد للمرة الأولى في آخر خمسة أشهر. وأشار المركزي إلى أن الاحتياطي الأجنبي سجل نحو 33.198 مليار دولار في نهاية سبتمبر مقابل نحو 33.142 مليار دولار في نهاية أغسطس.
إجراءات لمنع تكرار هروب الأموال
وكي لا تتكرر الأزمة، وربما بتعليمات من البنك المركزي المصري، فرضت 4 بنوك مصرية سقفاً للسحب النقدي عبر بطاقات الخصم والائتمان المستخدمة في الخارج، في محاولة للحفاظ على العملة الأجنبية. وتأتي هذه التغييرات في الوقت الذي يدرس فيه البنك المركزي السماح للبنوك توفير عقود آجلة غير قابلة للتسليم، وتسمى "أن دي أف أس"، في خطوة تشير إلى احتمالية تطبيق نظام سعر صرف أكثر مرونة قريباً.
وقبل أيام، كشفت مصادر مصرفية مطلعة أن المحافظ الجديد للبنك المركزي المصري حسن عبدالله أبلغ البنوك بأنه قد يسمح لها قريباً بدء تداول العقود الآجلة غير القابلة للتسليم ومشتقاتها للتعاملات بالعملة المحلية. وأوضحت المصادر أن الإجراء يأتي في إطار آلية جديدة قيد المراجعة من قبل البنوك للصرف الأجنبي، ويهدف لتسهيل التعاملات النقدية مع تحرك البنك المركزي نحو جعل سوق العملة أكثر مرونة.
وأعلنت بنوك "التجاري الدولي" و"أتش أس بي سي" و"مصر" و"أبو ظبي الأول- مصر" عن تلك الحدود في خطوة قالت مصادر مصرفية، إنها تهدف إلى الحفاظ على السيولة بالعملة الأجنبية. وقد أقر "البنك التجاري الدولي" حدوداً شهرية على السحب النقدي في الخارج لبطاقات الخصم من خمسة آلاف إلى 300 ألف جنيه (255 دولاراً إلى 15.306 ألف دولار) بحسب نوع البطاقة. ووضع سقفاً للمشتريات الشهرية الدولية- سواء أكان ذلك شخصياً أم عبر الإنترنت- بين 20 ألفاً و200 ألف جنيه (1020 دولاراً إلى 10.204 دولارات). وحدد البنك السحوبات الدولية الأسبوعية لبطاقات الائتمان بين ثلاثة آلاف و30 ألف جنيه (153 دولاراً إلى 1530 دولاراً).
وحدد بنك "أتش أس بي سي - مصر" سقفاً شهرياً للسحب النقدي قدره خمسة آلاف دولار لبطاقات الخصم والائتمان. ولم يضع البنك حدوداً على المشتريات في الخارج. كذلك حدد "بنك مصر" سقف السحب النقدي لبطاقات الائتمان والخصم المستخدمة في الخارج بين 500 و1500 دولار شهرياً بحسب نوع البطاقة. وحدد السقف الشهري للمشتريات في الخارج باستخدام بطاقات الخصم ما بين 1000 و25 ألف دولار. وخفض "بنك أبوظبي الأول" حدود السحب النقدي باستخدام بطاقات الخصم في الخارج إلى 10 آلاف جنيه (510 دولارات)، من 50 ألف جنيه (2551 دولاراً).
71 في المئة ارتفاعاً بالاستثمار الأجنبي المباشر
في ما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر، كشفت بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال العام المالي الماضي بنسبة 71.4 في المئة وبزيادة 3.72 مليار دولار، على أساس سنوي. وأشار المركزي إلى أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر ارتفع إلى 8.93 مليار دولار خلال الفترة من يوليو (تموز) 2021 حتى نهاية يونيو (حزيران) 2022، مقابل نحو 5.21 مليار دولار خلال العام المالي السابق له.
وشهد صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية ارتفاعاً بنحو 5.2 مليار دولار ليسجل صافي تدفق للداخل بلغ 11.6 مليار دولار، منها 7.2 مليار دولار منذ بداية يناير (كانون الثاني) الماضي حتى نهاية يونيو 2022. وجاء الارتفاع محصلة لزيادة صافي التدفقات الواردة من الخارج بغرض تأسيس شركات جديدة أو زيادة رؤوس الأموال بنحو 2.1 مليار دولار لتسجل نحو 3.4 مليار دولار منها 238.2 مليون دولار مبالغ تأسيس شركات جديدة، إضافة إلى زيادة حصيلة بيع شركات أو أصول إنتاجية لغير المقيمين بنحو 2.2 مليار دولار لتسجل 2.3 مليار دولار منها مليارا دولار خلال يناير ومارس (آذار) 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وارتفع صافي التحويلات الواردة لشراء عقارات في مصر بمعرفة غير مقيمين بمقدار 353.9 مليون دولار لتسجل 970.3 مليون دولار. وارتفع صافي الأرباح المرحلة وفائض الأرصدة الدائنة بنحو 525.7 مليون دولار لتسجل نحو 4.9 مليار دولار.
وعلى صعيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة بقطاع البترول، ارتفع صافي التدفق للخارج ليصل إلى 2.6 مليار دولار خلال العام المالي الماضي مقابل 1.2 مليار دولار خلال العام المالي السابق له.
وارتفعت التحويلات إلى الخارج، التي تمثل استرداد التكاليف التي تحملها الشركاء الأجانب خلال فترات سابقة في أعمال البحث والتنمية والتشغيل لتصل إلى 7.3 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، مقابل 6.3 مليار دولار خلال العام المالي السابق له، فيما تراجع إجمالي التدفق للداخل، الذي يمثل استثمارات جديدة لشركات بترول أجنبية ليقتصر على 4.7 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، مقابل 5.1 مليار دولار خلال العام المالي السابق له.
قفزة في صادرات البترول وعائدات السياحة
وأظهرت البيانات ارتفاع صادرات مصر البترولية خلال العام المالي الماضي بنسبة 109.19 في المئة وبقيمة 9.4 مليار دولار، على أساس سنوي. وكشف المركزي أن صادرات مصر البترولية ارتفعت إلى 17.97 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2021 حتى نهاية يونيو (حزيران) 2022، مقابل 8.59 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام المالي السابق له.
وأرجع المركزي قفزة صادرات مصر البترولية إلى ارتفاع قيمة الصادرات من الغاز الطبيعي في ضوء الارتفاع الملحوظ في الأسعار العالمية وزيادة الكميات المصدرة من الغاز مع فتح أسواق جديدة في أوروبا. وبحسب التقرير، تضمنت الأسواق الجديدة في أوروبا تركيا وفرنسا وإسبانيا وكرواتيا واليونان.
في السياق ذاته، ارتفعت عائدات السياحة المصرية خلال العام المالي الماضي بنسبة 118.36 في المئة، على أساس سنوي. وكشف البنك المركزي أن إيرادات السياحة المصرية سجلت 10.7 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2021 حتى نهاية يونيو 2022، مقابل 4.9 مليار دولار خلال العام المالي السابق له.
وأوضح أن إيرادات السياحة خلال تلك الفترة عوضت جزئياً تراجع عدد السائحين من روسيا وأوكرانيا منذ اندلاع الأزمة بينهما. وأظهرت البيانات أن عجز حساب المعاملات الجارية لمصر خلال العام المالي الماضي تراجع إلى 16.6 مليار دولار، مقابل 18.4 مليار دولار خلال العام المالي السابق له. وهو ما أرجعه البنك المركزي إلى تحسن العجز إلى الزيادة غير المسبوقة في الصادرات السلعية لمصر التي ارتفعت بنسبة 53.1 في المئة خلال العام المالي الماضي، إضافة إلى استعادة قطاع السياحة جزءاً كبيراً من عافيته، إذ ارتفعت الإيرادات السياحية بما يفوق الضعف، وكذلك إلى تصاعد حصيلة رسوم المرور بقناة السويس.