Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنف الانتخابي يهدد أميركا مجددا فما تأثيراته وانعكاساته؟

تنازل واشنطن عن "زعامة العالم الحر" قد يترك فراغاً تملأه القوى الكبرى

اقتحام الكابيتول أبرز أعمال العنف في انتخابات 2020 (رويترز)

بعدما شهدت انتخابات التجديد النصفي عام 2018 عنفاً جزئياً وتجدد العنف عام 2020، يحذر خبراء وهيئات حكومية أميركية من اندلاع العنف قبل انتخابات التجديد النصفي في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وخلالها وبعدها، فإلى أي مدى يمكن أن يقوض العنف الانتخابي الاستقرار والديمقراطية في الولايات المتحدة؟ وهل ستصبح أميركا أقل ديمقراطية في المستقبل؟ وكيف يمكن أن يضر كل ذلك بصورة أميركا في العالم؟

أحداث مقلقة

خلال الأسبوعين اللذين سبقا الانتخابات النصفية عام 2018، اهتزت الولايات المتحدة جراء أربع هجمات إرهابية محلية، كانت جميعها تحمل رسائل سياسية، إذ أرسل مؤيد متعصب للرئيس دونالد ترمب 16 عبوة ناسفة من طريق البريد إلى شخصيات بارزة في الحزب الديمقراطي بهدف التخويف والترهيب، وقتل متعصب آخر اثنين من المتسوقين السود في متجر بمدينة جيفرسون تاون بولاية كنتاكي، بعدما فشل في اقتحام كنيسة ذات أغلبية سوداء، وفي 27 أكتوبر (تشرين الأول)، قُتل 11 مصلياً في معبد يهودي في بيتسبرغ على يد مسلح، وفي أوائل نوفمبر، قتل مسلح  من كارهي النساء سيدتين في استديو يوغا في تالاهاسي بولاية فلوريدا.

وشابت الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 2020 أعمال عنف، كان أبرزها أحداث عنف مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني)، لكن كان هناك أيضاً 900 تقرير موثق عن حالات مضايقات وترهيب في الأيام الـ10 التي تلت الانتخابات، وفي عام 2016، أثار انتخاب ترمب وتنصيبه أعمال شغب واسعة النطاق من جماعات يسارية متشددة، وفي عام 2008، حفز انتخاب باراك أوباما على إطلاق سيل من جرائم الكراهية ما يعني أن الانتخابات الرئاسية والنصفية الأميركية أصبحت ملازمة للعنف السياسي أو التهديد بالعنف.

تهديد أعضاء الكونغرس

ومن بين علامات الخطر التي تصاحب الانتخابات التهديدات الموجهة ضد أعضاء الكونغرس الأميركي التي يشير "معهد كارنيغي للسلام الدولي" في واشنطن إلى أنها أصبحت أعلى بعشر مرات مما كانت عليه قبل خمس سنوات، وبعدما سجلت 902 تهديداً حققت فيها شرطة الكابيتول عام 2016 وصلت إلى 5206 تهديداً بحلول عام 2018 ثم قفزت إلى 8613 في عام 2020.

واكتسبت التظاهرات التي يحمل خلالها المتظاهرون السلاح، وهي قانونية في معظم الولايات، زخماً مماثلاً، ففي الأسابيع الـ11 الواقعة بين يوم الانتخابات وتنصيب الرئيس جو بايدن عام 2020، ارتفع عدد المسلحين في الاحتجاجات بنسبة 47 في المئة، وهي تظاهرات ترتفع خلالها احتمالية أعمال عنف بمقدار 6.5 مرة عن التظاهرات التي لا توجد فيها أسلحة نارية.

جماعات تفوق البيض

وارتفعت جرائم الكراهية المسجلة في مكتب التحقيقات الفيدرالي بين عام 2016 إلى عام 2017، بأكثر من ألف حالة، وارتفعت بالمقدار نفسه تقريباً مرة أخرى عام 2020. وتنامى نشاط جماعات تفوق العرق الأبيض بأكثر من 12 ضعفاً وفقاً لرابطة مكافحة التشهير، إذ ارتفع ظهورهم العلني من 421 مرة في عام 2017 إلى 5125 عام 2020، ولم تعد هذه التنظيمات سرية، ففي عام 2021، نظم أنصار التفوق الأبيض 108 تحركات عامة وبارزة.

وعلى الرغم من أن حوادث العنف يمكن أن تسببها الجماعات اليمينية واليسارية على حد سواء، إلا أن قبول العنف لدى الجماعات اليمينية ملحوظ بدرجة أكبر بعد الانتخابات، إذ كشف بحث أجراه لاري بارتلز في "معهد أميريكان إنتربرايز" حول الحياة الأميركية في يناير 2020، إلى أن نصف الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية يتفقون على أن طريقة الحياة الأميركية التقليدية تختفي بسرعة كبيرة لدرجة قد تستدعي استخدام القوة لإنقاذها.

وبالمقارنة، لم يبرر استخدام العنف لأهداف سياسية سوى ستة في المئة في أواخر السبعينيات، إذ كان عنف الجماعات المتطرفة هامشياً واستمر كذلك حتى عام 2010، فقد كان العنف السياسي في الولايات المتحدة يعمل على مدى عقود من خلال نماذج الخلايا الإرهابية السرية الكلاسيكية، ومنذ أواخر الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ارتكبت منظمات في أقصى اليسار تعمل باسم العدالة، معظم أعمال العنف السياسي التي كانت تركز على الممتلكات، لكن مع بدء الثمانينيات حتى العقد الأول من القرن  الـ21 تحول العنف نحو اليمين مع صعود منظمات تفوق البيض والجماعات المناهضة للإجهاض والمعادية للحكومة، إذ استهدفت الأقليات ومقدمي خدمات الإجهاض والوكلاء الفيدراليين.

مزيد من العنف

ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يعتقد 64 في المئة من الأميركيين أن الولايات المتحدة ستشهد مزيداً من العنف السياسي، ويرى 54 في المئة منهم أن البلاد ستكون أقل ديمقراطية في الجيل المقبل مما هي عليه الآن، ووجد استطلاع جديد لشبكة "سي بي أس نيوز" أن معظم الأميركيين يرون الولايات المتحدة مقسمة بشكل لا يمكن إصلاحه بين الأحزاب السياسية.

والآن، يحذر عديد من الخبراء والهيئات الحكومية على حد سواء بشكل متزايد من العنف قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي المقررة بعد نحو شهر واحد من الآن وبعدها، وفقاً لتحليل نشره مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، الذي حذر من أن العنف السياسي الذي قد يسبق الانتخابات أو يأتي بعدها لا يهدد بثني المواطنين عن المشاركة في الانتخابات فحسب، بل قد يقوض الديمقراطية والاستقرار في الولايات المتحدة بطرق عدة أيضاً، أولها أنه يقوض الإيمان المحلي بالديمقراطية الأميركية، مثلما كان تأثير أحداث اقتحام الكابيتول في السادس من يناير عميقاً بالفعل.

أضرار بالغة على الديمقراطية

علاوة على ذلك، فإن العنف الذي ينشأ كرد فعل على نتائج الانتخابات يجعل العنف شكلاً مشروعاً من أشكال النشاط السياسي عندما يفشل صندوق الاقتراع في تحقيق النتائج المرجوة للقائمين على العنف، ويتعرض الأميركيون الذين يتخلون عن وقتهم لدعم الديمقراطية كعاملين في الانتخابات للتهديد بشكل خاص، ولهذا أنشأت وزارة العدل العام الماضي فريق عمل استجابة للتهديدات الموجهة ضد العاملين في الانتخابات.

الأهم من ذلك، أن العنف الانتخابي يدمر ثقة حلفاء الولايات المتحدة وقدرة أميركا على تعزيز الديمقراطية الليبرالية في الخارج، فقد تركت أحداث السادس من يناير واشنطن أقل قدرة على قيادة الدعوات للتغيير، ويشير الواقع على مدى السنوات العديدة الماضية إلى أن الولايات المتحدة كانت مصدراً للتطرف، ما أدى إلى ظهور اتجاهات مشابهة ابتلي بها الآن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون وغيرهم من الغربيين.

موقف غير مسبوق

يرى جاكوب وير الباحث في مجلس العلاقات الخارجية أن تنازل أميركا عن دور "زعيم العالم الحر" قد يترك فراغاً تملأه القوى الكبرى الأخرى في العالم، خصوصاً أن العنف يقوض صورة الولايات المتحدة التي لا تقهر في أعين الخصوم، سواء من القوى العظمى مثل الصين وروسيا أو غيرها من الدول.

وعلى رغم أن الولايات المتحدة شهدت اضطرابات سياسية عميقة مرات عدة خلال القرن الماضي، مثل الكساد الكبير الذي تسبب في تشكيك الأميركيين في النظام الاقتصادي للبلاد، والتهديدات المصاحبة للحرب العالمية الثانية والحرب الباردة من الحركات الشمولية العالمية، والاغتيالات وأعمال الشغب وحرب فيتنام خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إلا أن أساسيات عمل الديمقراطية الأميركية ظلت ثابتة، وتمكن المرشحون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات من تولي السلطة ومحاولة معالجة مشكلات البلاد.

تهديدان

لكن الفترة الحالية تبدو مختلفة وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، إذ تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف ليس له سابقة تاريخية تذكر، فالديمقراطية الأميركية تواجه تهديدين مختلفين يمثلان معاً أخطر تحد للمُثُل الحاكمة للبلاد منذ عقود، يتمثل أولهما في وجود حركة متنامية داخل الحزب الجمهوري ترفض قبول الهزيمة في الانتخابات، وهو أمر تقول عنه ياشا مونك، أستاذة العلوم السياسية في جامعة جونز هوبكنز، إنه قد يعرقل في المستقبل تمكين رئيس منتخب بشكل شرعي من تولي المنصب، للمرة الأولى في التاريخ الأميركي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما التهديد الثاني للديمقراطية فهو مزمن، ولكنه آخذ في الازدياد، إذ أصبحت هناك فجوة بين السلطة التي تحدد سياسات الحكومة وبين الرأي العام، وتعود التهديدات الحادة للديمقراطية وصعود المشاعر الاستبدادية، أو على الأقل قبولها بين عديد من الناخبين إلى أسباب مختلفة، فهي من ناحية تعكس جزئياً الإحباط المستمر منذ نحو نصف قرن من مستويات المعيشة البطيئة النمو للطبقة العاملة والطبقة الوسطى، كما أنها تعكس مخاوف ثقافية خصوصاً بين البيض، من تحول الولايات المتحدة إلى دولة جديدة أكثر تنوعاً عرقياً وأقل تديناً، مع تغير سريع في مواقف الأميركيين تجاه عديد من القضايا.

أزمة مقبلة

لا يزال هناك عديد من السيناريوهات التي يمكن أن تجنب الولايات المتحدة أزمة ديمقراطية، ففي عام 2024، يمكن أن يفوز بايدن بإعادة انتخابه بهامش واسع، أو قد يفوز جمهوري آخر غير ترمب بهامش كبير، وقد يختار خلفاء ترمب عدم تبني أكاذيب الانتخابات، ما يعني أن عصر رفض الجمهوريين للانتخابات سيكون قصير العمر.

ومن المحتمل أن يحاول ترمب أو مرشح جمهوري آخر عكس نتيجة هزيمة متقاربة عام 2024، لكنه سيفشل على الأرجح كما حدث في عام 2020، خصوصاً بعدما أوضح ميتش مكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ أن لدى الولايات المتحدة قليلاً من التزوير في الانتخابات.

لكن عديداً من خبراء الديمقراطية قلقون من أن هذه السيناريوهات قد تكون مجرد أمنيات، بالنظر إلى أن خلفاء ترمب المحتملين لتولي قيادة الحزب يرددون ادعاءات كاذبة حول تزوير الانتخابات، ويقول ستيفن ليفيتسكي أستاذ العلوم السياسية والحكم في جامعة هارفارد أن ليس من الواضح كيف ستظهر الأزمة، ولكن هناك أزمة مقبلة ويجب أن نكون قلقين للغاية.

ويقول عديد من علماء السياسة إن أكثر الاستراتيجيات الواعدة لتجنب تغيير نتيجة الانتخابات تتضمن تحالفاً أيديولوجياً واسعاً يعزل رافضي الانتخابات، لكن ما زال من غير الواضح عدد السياسيين الجمهوريين الذين سيكونون على استعداد للانضمام إلى مثل هذا التحالف.

وتشير مونك إلى أن الأمر لا يتعلق بأن الديمقراطية الأميركية أسوأ مما كانت عليه في الماضي، لكن طبيعة التهديد مختلفة تماماً عن الماضي، وارتفعت بشكل كبير فرصة حدوث أزمة دستورية حقيقية إذ لا يمكن للفائز الشرعي أن يتولى منصبه، ويظهر هذا المزيج أن الديمقراطية الأميركية لم تواجه أبداً تهديداً مثل التهديد الحالي.

المزيد من تقارير