Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نشر المعلومات السرية" حرب أجهزة الاستخبارات الجديدة

منذ عام 2014 باتت أوكرانيا بؤرة صراع سري وحشي بدأ باغتيال مسؤولين أوكرانيين رفيعي المستوى

يردد عدد من القراصنة الإلكترونيين أن الجاسوس الكلاسيكي بات من الماضي في ظل التجسس الإلكتروني والحروب السيبرانية (أ ف ب)

حقق فيلم جيمس بوند الجديد No Time To Die  "نو تايم تو داي" 5 ملايين جنيه استرليني خلال اليوم الأول من عرضه عبر دور السينما في بريطانيا، وهذه هي النسخة الـ 25 من سلسلة أفلام جيمس بوند التي انطلقت عام 1962 وباتت من أشهر سلاسل أفلام الجاسوسية التي ينتظر المشاهدون عاماً بعد عام إصدار النسخة الجديدة منها لأسباب كثيرة، لكن على رأسها حشرية المتابعين والمهووسين وعموم المشاهدين الذين ينتظرون آخر ما توصل إليه الخيال السينمائي من اكتشافات وآلات وأسلحة حديثة وغريبة تساعد "العميل 007" في النجاح في عملياته حول العالم، وغالباً ما تكون من أجل إنقاذ العالم من جماعة أشرار يريدون نشر الموت والفوضى.

الجاسوس الكلاسيكي لم يفقد دوره

خيال أفلام بوند لا علاقة له بالواقع الحقيقي لعملاء جهاز الاستخبارات البريطاني "أم آي 6" MI6 والمعروف أكثر باسم خدمة المخابرات السرية (SIS)، إذ إن تطبيق مشهد واحد من مطاردات العميل السري الشهير في لندن سيؤدي إلى تدمير نصف المدينة ويذهب نصف المارة ضحايا المطاردة، أما رجال المخابرات فما عادوا يحملون أياً من أدوات التنصت القديمة أو يقومون بتمويه أجهزتهم في أحذيتهم وملابسهم، فهذا النوع من الجواسيس بات يقوم بمهمات محدودة بعدما بلغ التجسس في العالم الإلكتروني مراحل متقدمة جداً في مجال ضبط أي مواطن في أي مكان وجد، سواء عبر الأقمار الاصطناعية أو عبر الكاميرات المنتشرة في كل مكان والتي تقرأ شيفرات العيون والوجه، وتكتشف أي شخص مطلوب مهما حاول التخفي، إضافة إلى المراقبة التي يتيحها الهاتف المحمول.

يردد عدد من القراصنة الإلكترونيين أن الجاسوس الكلاسيكي بات من الماضي في ظل التجسس الإلكتروني المفتوح على مصراعيه والحروب السيبرانية التي باتت بكبسة زر تسبب ضرراً للدولة المخترقة أكبر من الضرر الذي قد توقعه حرب طويلة بالصواريخ، بل وباتت الحروب السيبرانية تتناول اختراق برامج الأسلحة السرية أو الخطرة، وبات المجتمع الدولي متنبهاً إلى خطر وقوع أسلحة نووية أو بيولوجية في أيدي عصابات إرهابية أو مجموعات متطرفة لأي نوع كان من التطرف.
محرر الشؤون الأمنية في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يرد على هذا الافتراض قائلاً إنه "وقعت في العالم الحقيقي كثير من عمليات الجاسوسية المهمة منذ فيلم جيمس بوند سبكتر Spectre عام 2015، فقد ظهر داعش في سورية والعراق ثم اختفى، وكان رجال الاستخبارات والجواسيس لاعبين أساسيين في هذه المرحلة، وهناك عمليات الجاسوسية خلال انتفاضات الربيع العربي والعمليات الاستخباراتية التي نفذها الموساد الإسرائيلي في الداخل الإيراني وطاولت علماء إيرانيين يعملون في مشروع تخصيب اليورانيوم، إذ تم اغتيالهم في منازلهم أو داخل سياراتهم، عدا عملية نقل أرشيف القنبلة النووية الإيرانية بكامله من إيران إلى إسرائيل، وهناك عمليات الجاسوسية التي أدت إلى اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وقبل فترة قصيرة نائبه أيمن الظواهري، وقد اشترك في هاتين العمليتين جواسيس أرضيون وجواسيس إلكترونيون عبر تحديد مواقعهم بعد مراقبة حثيثة للمستهدفين، وليس أخيراً الحرب الجاسوسية المعروفة بين الصين والولايات المتحدة من جهة، وبين حلف الـ ’ناتو‘ وروسيا، خصوصاً قبل وخلال الحرب الدائرة على أرض أوكرانيا، وقبل ذلك سافر فريق جهاز الاستخبارات الروسي بسهولة إلى مدينة ساليزبيري البريطانية عام 2018 من أجل اغتيال الضابط السابق في جهاز الاستخبارات الروسي (كي جي بي) سيرغي سكريبال".

نشر الأسرار المخابراتية لإفشال مخططات العدو

المعلومات الاستخبارية وتحليلها قبل وقوع حرب أوكرانيا وبعدها كان عملاً مشتركاً بين الولايات المتحدة وبريطانيا ضمن عمل يوصف في عالم المخابرات بأنه "شأن عائلي"، ويقول أحد المسؤولين البريطانيين إنه على رغم المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجيش الروسي قبل وقوع الحرب، إلا أنه لم تكن هناك "لحظة تأكدنا فيها من وقوع الحرب" حتى أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، عندما سافر مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى موسكو لتحذيرها من أن واشنطن تعرف نياتها، وقوبلت المعلومات الاستخباراتية البريطانية بنوع من عدم التصديق في بعض الأوساط لأنه كان مستبعداً مجرد التفكير بأن اندلاع حرب برية كبرى في أوروبا في القرن الـ 21 أمر وارد تماماً، لذا فإن المرحلة التالية من العمل الاستخباراتي كانت باتباع طريقة جديدة في العمل، أي نشر بعض المعلومات الاستخبارية السرية لعامة الناس، فتضمن التقرير السري الذي نشرته المملكة المتحدة تفاصيل الخطط الروسية لتنصيب أفراد معينين كجزء من حكومة موالية لها في كييف، وكشفت واشنطن عن خطط موسكو لتقديم ذرائع للحرب أو ما يسمى بـ "الرايات الكاذبة" التي تتضمن عرض جثث لأشخاص والزعم زوراً أنهم قتلوا على يد الأوكرانيين.

وبعد نشر هذه المعلومات أشاعت إدارات الاستخبارات الغربية أن نشر هذه المواد حرم موسكو القدرة على تبرير الغزو أمام شعبها ودول أخرى كـ "خطوة دفاعية".

وفي مقالة كتبها وزير خارجية بريطانيا السابق ويليام هيغ في صحيفة "التايمز"، اعتبر أن "الكشف عن حقيقة ما يقوم به الجيش الروسي يثبت أنه سلاح قوي في الحرب في أوكرانيا"، ويضيف هيغ أنه "عندما تستخدم المعلومات الاستخباراتية لتحذير دولة أخرى من هجوم وشيك، فمن الشائع أن يرفض هذا التحذير أو يهمل، والمثال الكلاسيكي على ذلك هو رفض ستالين الحازم لقبول فكرة أن هتلر كان يخطط لغزو روسيا عام 1941، على رغم الأدلة الوفيرة والتحذيرات المتكررة من لندن".

ووفق تصور هيغ "يلعب نشر المعلومات السرية دوراً مهماً في الحرب الأوكرانية مقارنة بأية حرب سابقة، فعلى سبيل المثال لردع بوتين عن استخدام الأسلحة الكيماوية يتم تنبيه العالم مسبقاً إلى إمكان أن يقوم بذلك، ولكن المعلومة الأولى يكون مصدرها سري أو استخباراتي يرصد تحركات وخطوات العدو".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الاستخبارات يمكنها ترويض الطغاة

وتعمل وكالات الاستخبارات الغربية منذ عام 2014 على تحديد الجواسيس الروس المتورطين في أنشطة جرمية، أبرزها الوحدة المعروفة باسم "29155 "Unit GRU التابعة للاستخبارات العسكرية الروسية، وهي مكلفة بأعمال التخريب والاغتيال، وكانت وراء انفجار ضخم دمر مستودعاً للذخيرة في غابة تشيكية في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وتبين بعد سبع سنوات من وقوعه أنه كان مرتبطاً بالتحضير للحرب الروسية على أوكرانيا.

كما نفذت هذه المجموعة عمليات التسميم في ساليزبيري جنوب بريطانيا عام 2018، وحاول الفريق ذاته تسميم تاجر أسلحة في بلغاريا أيضاً، وشارك أعضاء تلك الوحدة في إخراج القادة الموالين لروسيا من أوكرانيا عام 2014، ولا تزال الاستخبارات الغربية تراقبها عن كثب.

لكن عمليات متابعة ومراقبة كل جاسوس بشكل منفرد عمل مكلف جداً، وعلى رغم ذلك يخضع الجواسيس الغربيون في روسيا للمراقبة على مدار الساعة منذ فترة طويلة، لكن نظراءهم الروس في العواصم الغربية لا يخضعون للمراقبة المكثفة، وتصريح أحد الاستخباراتيين الأميركيين يلخص الوضع، "فكلما كان عددهم أكبر يكون من الصعب معرفة ما ينوون القيام به بالضبط".
ويقول الأميركيون من متصيدي الجواسيس إن "الروس يسخرون منا بسبب تسامحنا مع وجودهم"، وعلى رغم هذه الانتقادات فقد اتخذت بعض الدول الأوروبية إجراءات لتقليص قدرة الاستخبارات الروسية في جميع أنحاء أوروبا، فطردت برلين 40 روسياً بتهمة التجسس منذ بدايات الحرب في أوكرانيا، ويقال إن ألمانيا كانت تؤوي سابقاً ما يقرب من 100 ضابط استخبارات روسي كانوا بمثابة "حاملة طائرات" لعملياتهم.
أما في المملكة المتحدة فتم طرد الجواسيس بعد حادثة التسمم في ساليزبيري، وتم الإبقاء على ضباط "معلنين" يعملون كجهات اتصال من أجل الاتصالات الرسمية، وفي الولايات المتحدة تستند عمليات الطرد إلى التحقيقات مع كل فرد على حدة، بناء على معلومات استخبارية يجمعها مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقد ردت روسيا بالمثل وطردت دبلوماسيين غربيين ومنهم 40 دبلوماسياً ألمانياً، لكن هذا الرقم يشكل نحو ثلث الوجود الدبلوماسي في عاصمتها.

ومنذ عام 2014 باتت أوكرانيا بؤرة صراع سري أكثر وحشية، بدأ باغتيال مسؤولين أوكرانيين رفيعي المستوى.

الاستخبارات جنباً إلى جنب في جيبوتي

تستضيف هذه البلاد أكبر قاعدة عسكرية أميركية في أفريقيا، وأول قاعدة عسكرية خارجية للصين وأول قاعدة عسكرية يابانية منذ الحرب العالمية الثانية،
وفي تقرير بعنوان "داخل برلين الجديدة: في وكر الجواسيس في جيبوتي"، كتب ويل براون مراسل صحيفة الـ "تليغراف" البريطانية، "في أوائل القرن الـ 20 كانت أوسلو، وفي الأربعينيات كانت الدار البيضاء، وفي الخمسينيات من القرن الماضي كانت برلين، أما اليوم فيمكن أن نقول إن عاصمة التجسس في العالم هي دولة أفريقية غير معروفة ألا وهي جيبوتي، فقد أصبحت الدولة التي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة نموذجاً مصغراً للنظام العالمي الجديد، وأصبحت عشاً للجواسيس ومكاناً تتنافس فيه القوى الغربية القديمة على النفوذ ضد الصين القوية الصاعدة".

ونقل عن دبلوماسي أجنبي قوله "إن الكل يعرف ما تفعله في فنادق العاصمة الجيبوتية، وهنا عليك أن تعتاد عدم الخصوصية فالجميع يتآمرون كما لو أنها التسلية العالمية على أرض محايدة". ويكتب مراسل "تليغراف" في هذا التحقيق أنه "قد يكون هناك 10 آلاف جندي صيني وراء الجدران الخرسانية المضادة للانفجارات في القاعدة الصينية السرية للغاية، إذ تبدو شبكة الأسلاك الشائكة والأبراج المحروسة بجنود وكأنها غير مأهولة بشكل مثير للفضول، فلا شيء يخرج من القاعدة الصينية، وعندما اقتربت الطائرات الأميركية من القاعدة الصينية عام 2018 استخدم الصينيون أشعة ليزر من الدرجة العسكرية لتعمية الطيارين الأميركيين".

المزيد من تقارير