Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مع هدنة الحرب التجارية... لماذا يبالغ ترمب في تقييم الخطر الصيني؟

دراسة: سيكولوجية جنون العظمة وسياسة الحرب بالوكالة أهم دوافع الرئيس الأميركي

كانت الصين تاريخيّا حليفاً لأميركا خلال الحرب العالمية الثانية ولكن بعد الانتصار الشيوعي بدأت تتحول إلى خصم (أ.ف.ب.)

فيما كانت البيانات وحرب التصريحات التي سبقت قمة مجموعة العشرين، التي انعقدت خلال الأيام الماضية، تشير إلى أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين سوف تستعر أكثر مع استمرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في تغريداته التي يدير بها المعركة مع الصين من خلال "تويتر"، لكن تقارير ودراسات سابقة سلطت الضوء على البواعث التي تدفع الرئيس الأميركي إلى هذه الحرب، أهمها تحركاته لزيادة الموارد العامة الأميركية في إطار مواجهة الديون التي تتفاقم بنسب كبيرة.

وأشارت بيانات وزارة الخزانة الأميركية إلى ارتفاع الدين الأميركي إلى 21.974 تريليون دولار بنهاية عام 2018، وأوضحت أن الدين الأميركي ارتفع بأكثر من تريليوني دولار منذ تولي الرئيس دونالد ترمب مهام منصبه في البيت الأبيض.

لكن أزمة الديون الأميركية ربما تشير إلى ملف أكثر صعوبة هو الذي يدفع الرئيس الأميركي إلى افتعال أزمات الحرب التجارية مع استمراره في فرض الرسوم الجمركية، وهو الملف الاقتصادي الأكثر صعوبة أمام "ترمب".

نتائج مسح حديث تؤكد ذلك، حيث أشارت نتائجه إلى أن 47% فقط من الشعب الأميركي يصفون اقتصاد الولايات المتحدة بأنه "جيد"، مقارنة مع الفترة التي شهدت الإغلاق الحكومي.

وكشفت نتائج المسح الصادر عن مركز "أسوشيتيد برس-نورك" للبحوث العامة، أن 47% من الأميركيين فقط يوافقون على طريقة تعامل ترمب مع الاقتصاد الأميركي، في حين يرفض 51% هذا الأداء، في حين يوافق 38% على أدائه الوظيفي بشكل عام.

ولا تختلف هذه الأرقام كثيراً عن مسح يناير (كانون الثاني) من العام الحالي عندما كان قبول الأداء الاقتصادي 44% مقارنة بنحو 55% غير موافقين على هذا الأداء.

كيف يعلق الشعب الأميركي على رسوم "ترمب"؟

وعلى صعيد تعامل "ترمب" مع الأوضاع التجارية والضرائب، فإن 26% فقط قالوا إن التعريفات الجمركية ساعدت الاقتصاد الوطني، وهو أقل من 40% النسبة المسجلة في أغسطس (آب) 2018، ما يشير إلى اتجاه أميركي لرفض سياسة الرسوم الجمركية التي يتبعها الرئيس "ترمب".

ووفقاً لنتائج المسح، فإن عددا قليلا من المواطنين الأميركيين يتوقعون تحسن الاقتصاد على مدى العام المقبل، لكنهم كانوا أقل تشاؤماً مقارنة مع استطلاع أجري في يناير (كانون الثاني) الماضي.

ويرى 44% أن الأمور سوف تتدهور أكثر داخل البلاد خلال العام المقبل.

وقبل أيام وعلى هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين، توصّل الرئيسان الأميركي ونظيره الصيني إلى اتفاق جديد يقضي بتجميد فرض أي رسوم جديدة من قبل واشنطن على 300 مليار دولار من المنتجات الصينية، والتي كان يهدد بها ترمب. كذلك خفّف ترمب من القيود على هواوي، مقابل تعهّد الصين بشراء المزيد من المنتجات الزراعية الأميركية.

لكن الدراسة التي أعدها الأكاديمي "جيفري ساكس"، أستاذ اقتصاد بجامعة كولومبيا ومستشار بالأمم المتحدة، تحت عنوان "هل تخلق الولايات المتحدة حرباً باردة مع الصين؟"، تشير إلى أن سياسة الرئيس الأميركي مع الصين ربما تدفع إلى إمكانية إعادة إنتاج حرب باردة جديدة يكون طرفاها الولايات المتحدة والصين.

وأوضحت الدراسة أن الصين ليست بالخطورة التي تحاول إدارة "ترمب" تصويرها للعالم، ويُحذِّر من استمرار نهج الإدارة في التعامل مع الصين، سواء على العلاقات بين البلدين أو على مستقبل العالم أجمع.

كيف تبدلت العلاقة الأميركية الصينية؟

تشير الدراسة إلى أنه تاريخيّاً كانت الصين حليفاً للولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن بعد الانتصار الشيوعي بقيادة "ماو تسي تونغ" بدأت تتحول إلى خصم للأميركيين، وهو ما تجلّى بوضوح خلال خمسينيات القرن الماضي في الحرب الكورية، ومن ثَم بات يُنظر إليها كدولة معادية من جانب صانعي السياسة الأميركية. ومع ذلك فقد كانت واشنطن ترى في التقارب مع بكين ضرورة مرحلية باعتبارها مركز ثقل موازن للاتحاد السوفيتي، وهو ما حدا بالرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون، إلى القيام بزيارة لها في عام 1972، وقد هدفت تلك الزيارة التاريخية إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.

وبعد الإصلاحات الاقتصادية الصينية في عام 1978 بقيادة "دنج شياو بينج"، الذي تولى قيادة الحزب الشيوعي الصيني وتبنى أفكار اقتصاد السوق حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان يُنظر لبكين من جانب السياسيين ورجال الأعمال وحتى الجمهور الأميركي باعتبارها شريكاً تجارياً جديداً ومهمّاً.

بيد أن الأمور قد اختلفت في الوقت الحالي بشكل كبير، حيث عادت النظرة إلى الصين باعتبارها عدوّاً خطيراً وفقًا لرؤية صانعي السياسة الأميركيين، وهو ما يمكن تفسيره بأنه نمط من "جنون العظمة" الأميركي القائم على خلق الأعداء عبر المبالغة في الحديث عن الأخطار التي قد لا يكون لها وجود بالأساس.

وتدلل الدراسة على ذلك الخوف الأميركي غير المُبرَّر الناتج عن جنون العظمة، بالخوف من "البلاشفة" إبان الحرب العالمية الأولى، والاتهامات ضد الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك الحرب العالمية على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. ويعتبر الحديث الحالي عن الخوف الأميركي من الصين، والتحريض ضدها، والتهديد بحرب باردة جديدة، ليس إلا حلقة من حلقات صناعة العدو من جانب الساسة الأميركيين.

جنون العظمة الأميركيّ... أحد أهم أسباب الحرب التجارية

تُبرز الدراسة عدة أسباب يُفسر بها جنون العظمة الأميركيّ، وأولها كون الولايات المتحدة كانت أُمَّة توسُّعية منذ بداية الاستيطان الاستعماري في أوائل القرن السابع عشر، حيث كان الأميركيون يندفعون نحو أراضٍ جديدة، ويخلقون أعداء جددا مع الوقت في معارك توسُّعية لا تنتهي، وهو ما جعل المُخيّلة الأميركية مُعبأة بفكرة وجود أعداء لدولتهم في كل مكان، وبهذا المعنى فإن جنون العظمة الأميركيّ هو نوع من الإسقاط النفسي للتوسع الأميركي.

وتشير الدراسة إلى أن السبب الثاني لجنون العظمة الأميركيّ هو عزلتها الجغرافية النسبية عن بقية العالم، وقد بدأت الإمبراطورية الأميركية الخارجية بشكل جدّي منذ عام 1893 مع غزو هاواي، ثم الحرب الفلبينية عام 1899، وبالتالي فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها حاكمة لأراضٍ بعيدة في ظل خبرة أو معرفة قليلة بها. وقد كان هذا الفهم المحدود للظروف المحلية للدول أحد أسباب الكوارث الأميركية في العالم، مثلما حدث في فيتنام، وأفغانستان، وكذلك العراق.

السبب الثالث يتمثل في انخفاض الثقة الاجتماعية بشكل نسبي داخل المجتمع الأميركي، حيث إن هناك أزمة ثقة بين أفراد المجتمع الذين يعيشون في إطار دولة متنوعة العرقيات والأصول الاجتماعية، علاوةً على أن للولايات المتحدة تاريخًا طويلًا من العبودية، ولذا فإن الكثير من الأميركيين البيض على وجه الخصوص قد شهدوا تهديدات لفترات طويلة من أعراق أخرى، وهو ما يُفسِّر شيوع العنصرية ضد الأميركيين من أصول أفريقية أو آسيوية أو حتى عربية، وهي سمة سيئة ترتبط بشكل وثيق بالثقافة الأميركية.

الولايات المتحدة وسياسة الحرب بالوكالة

وتطرقت الدراسة إلى الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، الذي تصفه بأنه كان بمثابة "العدو العنيد"، حيث كانت تلك الحرب بالأساس بهدف السعي إلى الهيمنة العالمية بين القوتين الكُبريين في العالم، ولذا فقد خاضت واشنطن حروباً بالوكالة ضد القوات السوفيتية في جميع أنحاء العالم من أميركا اللاتينية إلى أفريقيا والشرق الأوسط وحتى جنوب شرق آسيا، وذلك وصولاً إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي مع انهيار الاتحاد السوفيتي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبرز كون الساسة في الولايات المتحدة قد تعاملوا مع المخاوف الأمنية المشروعة للاتحاد السوفيتي كتهديد وجودي لهم، وكان ينبغي بدلاً من الصدام محاولة فهم التحركات السوفيتية على أنها استجابة لمخاوفهم الأمنية الحقيقية وليست عدوانية موجهة ضد واشنطن بالأساس، وقد تم التعبير عن تلك الرؤية الأميركية في ورقة سياسات مجلس الأمن القومي عام 1950.

واعتمدت تلك الوثيقة الشهيرة على تقييم الاتحاد السوفيتي كعدو عنيد يهدف إلى تدمير الوحدة وتهديد الأمن الأميركي، حيث تضمنت الوثيقة أن التصميم الأساسي لمَن يسيطرون على الاتحاد السوفيتي هو الإبقاء على سلطتهم المطلقة وترسيخها، سواء في الاتحاد نفسه أو في المناطق التي تخضع لسيطرته حول العالم، ويتطلب تحقيق هذا التمدُّد الديناميكي لسلطتهم القضاء بشكل نهائي على أي جهة أو دولة تعارض ذلك.

وهو ما تعتبره الدراسة قد دفع بالعالم كله نحو الهاوية، حيث كان العالم لعقود على حافة الإبادة النووية نظراً لتلك الحرب بين البلدين، ولذا فإن العالم محظوظ لأنه نجا من مأزق الحرب الباردة، وكان ذلك أمراً استثنائيّاً بخاصة في ظل أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر (تشرين الأول) 1962، وهو ما جعل القيادة السياسية في البلدين تدرك أن هناك حاجة للانسحاب من حافة الهاوية، ولذا فقد تم التوقيع على معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية عام 1963 وصولا إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968.

ولكن مع الغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979 عاد التأزم من جديد بين البلدين، وحملت منتصف ثمانينيات القرن الماضي شفا حرب نووية بين البلدين مرة أخرى، وبالتالي فإن تكلفة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كانت مرتفعة للغاية، خاصة في ظل امتدادها لسنوات طويلة، وكذلك في ظل ما كان يمكن أن ينتج عنها من تداعيات جمّة على البلدين وكذلك على باقي دول العالم.

واشنطن وسياسة تكثيف الضغوط الأميركية

وتشير الدراسة إلى أن السياسة الخارجية الأميركية تجاه الصين خلال السنوات الأخيرة بدأت بالاحتواء في عهد باراك أوباما، إلا أن ذلك قد اختلف مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، حيث حاول توجيه ضربات قوية للصين تمثلت في فرض التعريفة الجمركية من جانب واحد، وجهود دبلوماسية كبيرة لمنع اعتماد تقنيات صينية تتعلق بشركة "هواوي" في دول حليفة مثل بريطانيا، علاوةً على وضع تدابير لمنع شراء التكنولوجيا الأميركية والأوروبية من قِبل جهات صينية، وتدابير لوقف استثمارات صينية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الضغط على الحلفاء من أجل تبني رؤية مماثلة للرؤية المُتشددة الأميركية تجاه بكين.

وقد أشارت استراتيجية الأمن القومي الأميركي الصادرة في 2017 إلى كون الصين لم تتخذ إجراءات كافية من أجل الإصلاح الديموقراطي، ولذا فإنه يجب اتباع نهج مُتشدد ضدها، بخاصة في ظل تزايد الشكاوى الأميركية من القوة العسكرية الصينية، ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية، واستهداف بكين لقيادة التكنولوجيا الجديدة الأكثر تطوراً بحلول عام 2025.

وترى الدراسة أن الصين لا تتعامل بالمثل، ولا تنظر للولايات المتحدة بنفس النهج، بخاصة في ظل امتلاك واشنطن أكثر من 70 قاعدة عسكرية حول العالم بما في ذلك المنتشرة في أغلب أنحاء القارة الآسيوية، كما أن الولايات المتحدة لديها أكبر ميزانية عسكرية في العالم، ومع ذلك لا تتعامل بكين بنفس العدوانية تجاه الولايات المتحدة.

كيف تؤثر السياسة الخارجية لترمب على الشركات الأميركية؟

وترى الدراسة أن تلك السياسات الأميركية مُكلّفة للغاية بالنسبة إلى الشركات الكبرى في الولايات المتحدة، بل ومن الممكن أن تهدد بإبطاء النمو العالمي، كما أنها يمكن أن تؤدي إلى سباق تسلُّح متصاعد يمتد إلى الفضاء، واشتعال الحروب الإلكترونية، وحتى سلسلة من الحروب بالوكالة، وصولا إلى إمكانية المواجهة المباشرة في نهاية المطاف.

وقللت الدراسة من خطورة الصين، مشيرة إلى أن التقدم الاقتصادي الصيني لا يُشكّل خطراً على الولايات المتحدة، بيد أن هناك قناعة لدى بعض صناع القرار الأميركي مفادها أن الدول الكبرى مثل بكين والهند لا بدّ أن تظل أقل من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية مقارنة بالولايات المتحدة من أجل الحفاظ على القوة الأميركية المهيمنة في العالم.

ويعتبر ذلك هو التفسير الحقيقي لمرحلة التوتر في علاقات البلدين في الوقت الحالي، وتحول الصين بشكل واضح من منافس إلى خصم للولايات المتحدة، بل وعدو في بعض الكتابات الأميركية، ولذا فإن هناك محاولات أميركية من أجل الحدّ من النجاح الصيني، سواء الاقتصادي أو التكنولوجي.

وأشارت الدراسة إلى أنه من الضروري على إدارة "ترمب" أن تعيد قراءة التاريخ بشكل دقيق من أجل محاولة الهروب من تزايد عدم الثقة بين الولايات المتحدة والصين، لأن المُضيّ قُدماً في ذلك من شأنه أن يكون ذا تكلفة مرتفعة للغاية، وله نتائج كارثيّة، ليس على البلدين فحسب، ولكن على العالم أجمع خلال السنوات المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد