Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إخوان أوروبا

الفاشية ظاهرة تاريخية إيطالية مثل الورم السرطاني انتشرت أفكارها في جميع أنحاء العالم

زعيمة حزب إخوان إيطاليا جورجيا ميلوني تأمل أن تكون أول امرأة على رأس الحكومة الإيطالية (أ ف ب)

البيت الذي ملكته في الثالث من مارس (آذار) 2001، فسكنته في مدينتي بنغازي، بيت قديم بني في ثلاثينيات القرن الـ20، أي أيام الاحتلال الإيطالي لليبيا، طرزه يتميز بمزج للمعمار الإيطالي الكلاسيكي والمحلي العثماني. تفصح وثائقه أن منشئته فمالكته الأولى زعيمة الحزب الفاشي في إقليم برقة، وفيه كان يمر يومي، متوجساً في نهاري من فاشية المريد القذافي، فليلي المترع بشبح شيخ الفاشية موسوليني! إيطاليا احتلت ليبيا في أكتوبر 1911، حتى هزيمتها عام 1943 من قبل جيوش الحلفاء. إيطاليا تلك لم تترك في الذاكرة الليبية، وعلى الأرض، غير ذكرى إعدام شيخ الشهداء عمر المختار، والنزر القليل من المفردات الإيطالية في اللهجة الليبية، مثل ما يخص السيارة وقطع غيارها.

بالنسبة إلي غير شبح بيتي، فإني في مقتبل العمر شاهدت أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة، وهي حركة ثقافية سينمائية ظهرت في إيطاليا منذ الأربعينيات، وعرفت أيضاً باسم العصر الذهبي. وقرأت بشغف روايتي "السأم" و"الاحتقار" وغيرهما لـ"ألبيرتو مورافيا" أشهر كتاب إيطاليا، من حولت كثير من رواياته إلى أفلام، وترجمت جل أعماله إلى العربية.

كان الحزب الشيوعي الإيطالي في فترة الحرب الباردة أبرز الأحزاب الشيوعية في العالم خارج بلدان الكتلة الاشتراكية، وثاني قوة سياسية في إيطاليا. وقد تأسس الحزب في يناير 1921 بالانفصال عن الحزب الاشتراكي الإيطالي، وقاده أماديو بورديجا وأنطونيو غرامشي.

في الأثناء بعثت منظمة "الألوية الحمراء"، وذاع صيتها في 1970 وحتى بداية 1980، بسبب محاولات عنيفة لزعزعة الاستقرار في إيطاليا، من خلال أعمال التخريب والسطو على البنوك والخطف والقتل. والأهم كان عام 1978 حين اختطفت رئيس الوزراء الإيطالي الشهير "ألدومورو"، من دخل في مفاوضات مع الحزب الشيوعي الإيطالي لمشاركته في السلطة. لقد اقتدت الألوية الحمراء بحركات حرب عصابات المدن في أميركا اللاتينية، وتأثرت بالكتابات حول حركة "توباماروس" بقلم فيلترينيلي، هذا الكاتب ما شدني وثلة من أصدقائي، فقد كانت حركة توباماروس جذابة مبدعة في خلق وسائل مقاومة صغيرة وبسيطة ومذهلة أيضاً. 

إيطاليا التي احتلت بلادي 1911م بعد تأسيسها بـ40 سنة لم تكن كياناً، إلا بعد توحيد ثلة من الدويلات سنة 1871م، ومما أسهم في وجودها احتلال نابليون للدويلات وتوحيدها، فبدأت شبه الجزيرة الإيطالية تموج بالقومية والروح الوطنية في كل ربوعها، ما ساعدها بشكل كبير في استقبال الربيع الأوروبي عام 1848، بقلوب منفتحة وروح تصبو للوحدة والاستقلال. ومن هذا انبثق فكر "ماتزيني" و"منظمة إيطاليا الفتاة" التي كانت جذر الفاشية، لا في إيطاليا فحسب، بل وفي العالم كـ"تركيا الفتاة"، و"مصر الفتاة" وغيرهما. وفي غضون عقود قليلة ترعرعت الفاشية، ففي 23 فبراير 2022 مرت الذكرى 102 لتأسيس بينيتو موسوليني الحزب الفاشي الذي حكم إيطاليا ومن ثمة ليبيا بين 1922 حتى 1943، وقد فاز خليفته حزب "إخوان إيطاليا" في الذكرى المئوية لاستيلائه على السلطة.

وقد أكد الأكاديمي الروسي ليف بيلووسوف أن نظام موسوليني تميز بكونه المحاولة الأولى لتأسيس ديكتاتورية شمولية في أوروبا الغربية، فعقيدة موسوليني الشمولية تقول "كل شيء في الدولة، لا شيء خارج الدولة، لا شيء ضد الدولة"، وأراد ليس فقط إعادة تشكيل البلد، لكن أيضاً الوصول به إلى مكانة جديدة في العالم. ولهذا استخدم أساليب لم يستخدمها أحد من قبل في السياسة، فقد شكل موسوليني دولة من نوع جديد، شمولية بنموذج جديد للسلطة وعلاقتها بالمجتمع، دولة يجب أن تكون موجودة دائماً، وفي كل مكان وفي كل شيء. وكان أساس الأيديولوجية الفاشية، على وجه التحديد، الهيكل المؤسسي للمجتمع والدولة، إلى جانب القومية العدوانية، فالفاشية ظاهرة تاريخية إيطالية، وهي بدورها مثل الورم السرطاني انتشرت أفكارها في جميع أنحاء العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تلك باقتضاب الجذور التاريخية لـ"إخوان إيطاليا"، الحزب اليميني المتطرف الفائز في الانتخابات الإيطالية، ما أيضاً له انعكاسه في تاريخ ليبيا وتأثيرها الحالي الجيوسياسي، فغير التاريخ هناك الجغرافيا حيث يمتد الشاطئ الليبي في جنوب المتوسط قرابة 2000 كلم، وحيث بحر الطاقة من غاز ونفط. وتذكر الأخبار أن حزب "فراتيلي ديتاليا / إخوان إيطاليا"، ينتمي عقائدياً إلى توجهات "الفاشيين الجدد"، بل وتعد من قادته راشيل موسوليني حفيدة بينيتو موسوليني التي هي ممثلة له، وقد فازت في عام 2021 بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات مجلس بلدية مدينة روما.

لما ظهرت هذه الحفيدة في التسعينيات، كتبت مقالة عن "عودة موسوليني"، إذ أشرت إلى أن العودة غير الميمونة لا تكون طبق الأصل بطبيعة الحال، فـ"راشيل" ليست جدها. وكذلك زعيمة الحزب جورجيا ميلوني البالغة 45 سنة، من تأمل أن تكون أول امرأة على رأس الحكومة الإيطالية، لكنها بحاجة لحليفيها حزب الرابطة اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني، وحزب فورتسا إيطاليا بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني لضمان غالبية في البرلمان.

ظلال الفاشية السلالة التي ولدت فتناسلت عقب الحرب الأوروبية الأولى الكبرى، اليوم تظلل أجواء أوروبا مع الحرب الأوروبية، خلال النزعة القومية الروسية بزعامة بوتين، من ينزع جنسية الأوكرانيين باستفتاء شعبي، قررت نتائجه قبل القيام به. ومن خلال حركات شعبوية تعم الشعوب الأوروبية، بل وتنجح في الانتخابات، ما يذكر بنجاح النازيين. ومرة أخرى نؤكد، أن الحفيدة ليست الجد، لكن على رغم ذلك فإن "إخوان إيطاليا" فاز بخلفية الفاشية التي قد تكون حبراً مغشوشاً، باعتبار أن العصر السيبراني ليس العصر الميكانيكي!

المزيد من تحلیل