Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تشدد الأمم المتحدة على أهمية المساواة؟

غوتيريش طالب شركات النفط بدفع ضرائب عالية وناشد الدول الغنية تعويض نظيراتها الفقيرة عن التلوث البيئي

ليس الأمين للأمم المتحدة وحده من يطرق قضية المساواة بين الشعوب بل يرددها السياسيون والمنظرون الإنسانيون (أ ف ب)

صادف هذا الأسبوع من سبتمبر (أيلول) 2022 الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انطلقت قبل أيام، وألقى فيها الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش كلمة اعتبرها جميع المراقبين والمتابعين الأكثر مباشرة وحدة وتحذيراً من الأخطار المحيطة بالبشرية، إذ ركز على موضوع المساواة لمواجهة الأزمات المتوقعة.

هذه الاجتماعات المستمرة لرؤساء الدول داخل هيئة الأمم المتحدة في نيويورك تتزامن مع أيام دولية في هذا الشهر أكثرها يعنى بطريقة أو بأخرى بهموم المساواة بين البشر، ومنها اليوم الدولي لنزع السلاح النووي نهائياً، واليوم الدولي للمساواة في الأجر واليوم الدولي للديمقراطية.

وخلال هذه الاجتماعات عبر زعماء العالم ورؤساء الدول والحكومات بأكثرهم عن المخاوف نفسها، وركز الجميع على الحرب والدبلوماسية، وعلى أزمتي الغذاء والطاقة المتوقعتين قريباً على مستوى العالم.

وهناك شبه إجماع على أن المواجهة لن تنجح من دون تحقيق بعض المساواة، كأن تقدم الدول الغنية المساعدات للدول الفقيرة وتخفف من ديونها وفوائدها، وأن تدفع الدول الغنية تعويضات للدول الفقيرة عن التلوث البيئي الذي تتسبب به مصانعها الذي تدفع ثمنه شعوب الدول النامية.

ضرائب عالية

وطالب غوتيريش شركات النفط العالمية بدفع ضرائب عالية في مقابل الأرباح التي تحققها، وهذا كله في سبيل التحضر العالمي لمواجهة الأزمات الاقتصادية والفورات الشعبية الغاضبة وأعمال التخريب والانفلات الأمن.

وأوضح غوتيريش لزعماء العالم مدى سوء الوضع العالمي، قائلاً إن "عالمنا يتخبط في مشكلات عويصة، والانقسامات تزداد شدة، وأوجه عدم المساواة تتفاقم"، وأكمل تحذيراته بلهجة جديدة على الأمناء العامين وفي كلمة هي الأطوال في تاريخ الأمم المتحدة يلقيها الأمين العام.

وتوجه إلى الحاضرين وملايين المتابعين حول العالم بالقول "لندع الأوهام جانباً، فنحن بالفعل وسط بحر هائج، ويلوح في الأفق شتاء يعمه السخط على المستوى العالمي، وتستعر أزمة كلفة المعيشة، وتتهاوى أسس الثقة، وتشتد مظاهر عدم المساواة بشكل صارخ، ويحترق كوكبنا، ويعاني الناس الأمرين، علماً بأن أكثر الفئات ضعفاً هي أشدها معاناة".

وأشار إلى أن "ميثاق الأمم المتحدة وما يجسده من مثل عليا يتعرض لخطر محدق، إننا نتخبط في مأزق الاختلال الوظيفي العالمي الهائل، فليس هناك تعاون ولا حوار ولا عمل جماعي لحل المشكلات".

أما النقطة الأخيرة التي تناولها الأمين العام في موضوع المساواة بين البشر والدول على كل الصعد، فهي القيادة النسائية، واعتبرها أحد المحركات الرئيسة للمساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم.

لماذا المساواة؟

ليس الأمين للأمم المتحدة وحده من يطرق قضية المساواة بين الشعوب، بل يرددها السياسيون والمنظرون الإنسانيون، وكانت الشيوعية حلمت بتحقيق مساواة مطلقة بين البشر، لكن لردم الهوة بين الشمال والجنوب أو بين الأثرياء والفقراء أو بين الدولة المتقدمة والدولة النامية، يجب تحديد نقاط عدم المساواة في محاولة للحد منها طالما أن المساواة مطلب مثالي.

بريان لوفكين في تحقيق في لـ"واشنطن بوست" حول تعريف اللامساواة، قال "إننا فشلنا في النظر إلى عدم المساواة بالطريقة الصحيحة، فعن أية هوة نتحدث إذا كان واحد في المئة من أغنياء العالم يمتلكون 50 في المئة من ثروة الكوكب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما على المستوى الفردي فقد تبين، في ورقة بحثية نشرت في أبريل (نسيان) بمجلة " Nature Human Behavior"، أن الناس يفضلون المجتمعات غير المتكافئة أو العيش في عالم يوجد فيه عدم المساواة، لأن عدم مكافأة شخص لجهد معين أو مميز قام به أو مكافأته بالتساوي مع الآخرين يثير الشعور بالمرارة والغضب والاستغلال وعدم الجدوى.

وتستنتج أستاذة علم النفس في جامعة "ييل" كريستينا ستارمانز التي عملت على هذا البحث أن "التصور العام بأن عدم المساواة في الثروة هو ما يشعر كثيرين بالظلم، بينما في الحقيقة هو عدم المساواة في تكافؤ الفرص ما يسبب هذا الشعور"، ويمكن اختصار هذا البحث بما يعني أن الناس يفضلون عدم المساواة العادلة على المساواة غير العادلة.

الديمقراطية الاجتماعية

المفكر الاقتصادي اليساري والاشتراكي الأوروبي صاحب الكتب الأكثر مبيعاً حول الاقتصاد العالمي توماس بيكيتي الذي أسهمت أفكاره في تشكيل وعي جماعة "وول ستريت"، يحتسب على المفكرين المتفائلين بتخفيف التفاوت العالمي وعدم المساواة بين البشر.

وفي كتابه "نبذة تاريخية عن المساواة" يقدم بيكيتي حجة تبدو قادرة على القبول والدوام حول سبب تفاؤله بمستقبل البشرية الذي يسميه "الحركة نحو المساواة"، "فخلال القرنين الماضيين ارتفع متوسط ​​العمر المتوقع من 26 إلى 72 سنة، والبشرية تتمتع بصحة أفضل، وتتمتع بإمكان الوصول إلى التعليم والمعرفة أكثر من أي وقت مضى".

وفي رأيه أن التفاوت في رفاهية الأفراد داخل المجتمعات الصناعية المتقدمة وبين الشمال والجنوب العالميين يمكن تضييقها، لأن "المسيرة نحو المساواة بجميع أشكالها لا يمكن كبتها، لأنها مسار إنساني طبيعي لا يمكن أن يعم السلام من دونه في النهاية"، مستنداً إلى أن المساواة النسبية والعالية التي تحققت بين الأوروبيين هي انتصار للديمقراطية الاجتماعية في الغرب خلال القرن الـ20، وفي رأيه أن هذا نموذج مرحلة أولى نحو تقدم الإنسانية إلى مرحلة جديدة من المساواة في القرن الـ21.

بين التفاؤل والتشاؤم

لكن غاري جيرستل الباحث الاقتصادي المتخصص في نقاش مثل هذه الآمال التي يقدمها بيكيتي والأستاذ في كامبريدج ومؤلف كتاب "صعود وسقوط النظام النيوليبرالي: أميركا والعالم في عصر السوق الحرة"، يتساءل في مقالة منشورة بموقع الجامعة الإلكتروني، بشكل تشاؤمي رداً على تفاؤل بيكيتي الذي ينتظر مستقبلاً مبهراً في المساواة بين البشر، "هل يمكننا في عام 2022 الحد من عدم المساواة في عالم القرن الـ21 من دون حرب كبيرة أخرى، أو جائحة أكثر تدميراً بكثير من التي نعيشها، أم كارثة مناخية من الدرجة الأولى؟ فقد كتب بيكيتي ذات مرة أن التدمير الواسع والوحشي للحياة والممتلكات كان مقدمة حاسمة لانتصار الديمقراطية الاجتماعية في القرن الـ20".

دعونا نأمل ألا يتطلب العالم موتاً ويأساً مماثلاً لإعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي العالمي، بما يستعيد بعض المساواة التي تتحول إلى عدم مساواة بشكل سريع، بينما العالم يشاهد الأمر من دون أية خطوات حقيقية لوقف هذا الانحدار أو الحد منه، كما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته قبل أيام أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة، محذراً من أخطار يمكن تداركها لو بدأنا اليوم في وضع حلول لها، بخاصة أن الأزمة الغذائية العالمية ستطاول الدول الفقيرة والدول النامية والدولة التي حققت نمواً متسارعاً في العقود الماضية.

المزيد من تقارير