Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوكرانيون يائسون مرغمون على البحث عن أحبائهم بين الأموات

المفقودون: تتابع بيل ترو قصص عائلات قد لا تكتشف أبداً مصير أحبائها أثناء بحثها الشاق بين الجثث على الشاشة كما على أرض الواقع

ماريا، خبيرة تقليم أظافر، تنتحب فيما تحمل صور خطيبها المفقود الذي اختفى في المعركة (بيل ترو)

تقضي سيدات أوكرانيات النهار بطوله في تقليب صور الجثث التي ينشرها الجنود الروس لاستعراض ضحاياهم في خضم بحثهن اليائس عن أحبائهن المفقودين.

وفي الصور القاسية للوجوه الجامدة الرمادية اللون والأبدان الملطخة بالدماء وما تبقى من أشلاء يفتشن عن أي علامة فارقة: إما ندبة وإما خاتم.

تقول ماريا والحزن محفور على تقاسيم وجهها "أقضي 20 ساعة كل يوم في البحث عنه بين قنوات (تيليغرام) هذه عليه".

"نحن مجموعة نساء يبحثن عن أحبائهن. على كل واحدة منا أن تتفحص صور الموتى. علينا أن نتأكد إن كانوا بينهم".

تبحث السيدة التي تعمل في مهنة تقليم الأظافر عن خطيبها عامل البناء وميكانيكي السيارات البالغ من العمر 32 سنة من دنيبرو، إذ اختفى كل أثر له في يوليو (تموز) بعد أكثر من شهر بقليل على تسلمه أوراق الاستدعاء للتجنيد وبعد أسبوع واحد فقط من بدء مهمته الأولى: عملية استطلاع في إحدى أسوأ جبهات القتال في دونباس، شرق أوكرانيا.

عندما تحدثت ماريا مع "اندبندنت" شرحت بأن مصيره ومصير عدد كبير من لواء المدفعية الذي كان جزءاً منه لا يزال مجهولاً.

فقد انقطعت أخبارهم في 3 يوليو. ولا يعرف أفراد أسرهم إن كانوا على قيد الحياة، أو في الأسر، أو قتلى في ميدان معركة يتعذر الوصول إليه.

وما يزيد من المعاناة هو أن الأوكرانيين يتهمون الروس بعدم إبلاغهم بأسماء أو مواقع أسرى الحرب الموجودين لديهم كما تقتضي الأمور [القوانين].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بموجب اتفاقات جنيف يجب تزويد اللجنة الدولية للصليب الأحمر بقوائم أسماء أسرى الحرب والسماح بزيارتهم أينما كانوا، لكن اللجنة نبهت عدة مرات إلى أنه لم يسمح لها بالوصول إلى السجون ومخيمات الاعتقال بشكل كامل منذ شن بوتين حربه في فبراير (شباط). 

وأعلنت ليودميلا دنيسوفا، مفوضة حقوق الإنسان السابقة في أوكرانيا، أن موسكو رفضت كذلك الطلبات التي قدمتها أوكرانيا من أجل تأكيد مواقع وجود آلاف الجنود الأوكرانيين.

وتقول "قدمت أوكرانيا لروسيا مثلاً طلبات في شأن 5 آلاف جندي كانوا في ماريوبول، لكن روسيا لم تؤكد سوى أن 3 آلاف منهم على قيد الحياة، من دون أن تفصح عن مكانهم".

لم تتمكن "اندبندنت" من التأكد من صحة هذه المعلومات. وفي المقابل، تنفي روسيا أنها تتعمد إخفاء مصير أسرى الحرب الأوكرانيين.

ولهذا السبب، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت شبكة الإنترنت إلى طوق نجاة في هذه الحرب.

أسس أقارب العناصر في اللواء الذي انضم إليه رومان، والذي قررت "اندبندنت" عدم تسميته لدواع أمنية، قناة على تطبيق "تيليغرام" في سبيل البحث عن المعلومات.

في غضون أسبوع واحد فقط، اشترك أكثر من 700 شخص في القناة.

كل يوم، تتفحص الأمهات والشقيقات والآباء والشركاء والإخوة صفحات الإنترنت بحثاً عن أي معلومة يشاركونها مع الآخرين في صفحة المحادثة.

وتعتبر إحدى الموارد الأثمن بالنسبة إليهم صور "الانتصار" المروعة التي ينشرها الجنود الروس وعملاؤهم.

وتقول ماريا وهي تبكي فيما تقلب في قنوات "تيليغرام"، "إنه أمر رهيب. حبذا لو أعرف أنه على قيد الحياة وأن الروس قد أسروه".

"لا أنام أكثر من ساعة في الليل، أقلب وأتصفح وأنقب [أفتش] بحثاً عنه. أحتاج إلى المساعدة لكي أعرف ما الذي حصل".

هذا هو مصير أفراد عائلات الجنود والمدنيين الذين تبدد أثرهم. في ظل التعتيم على المعلومات، يتوقف عليهم تجميع المعلومات من المصادر المفتوحة لكي يحاولوا فهم ما حدث.

نفت روسيا بشدة انتهاكها القانون الدولي في أوكرانيا واتهمت كييف بادعاء فظائع الحرب بهدف كسب الدعم الدولي.  

 

 

أين هم؟

طيلة الأشهر القليلة الماضية انكبت "اندبندنت" على التحقيق في اختفاء المدنيين والجنود الأوكرانيين من مختلف أنحاء البلاد، وكشفت في خضم عملها دلائل جديدة على وقوع جرائم حرب من بينها النقل القسري والإخفاء القسري وأخذ الرهائن والتعذيب والعمل القسري. وقد ناقضت رواية موسكو القائلة إن حركة الناس تلك كانت طوعية وجزءاً من جهود الإجلاء الإنسانية.

وقد تتبعنا حياة أكثر من عشرة أشخاص، من بينهم رومان، وتمكنا في هذه الأثناء من تحديد مكان شخصين وإعلام عائلتيهما بموقعهما. وكشف ثلاثة مسارات أساسية تقتاد قوات موسكو عبرها المدنيين والجنود الأوكرانيين إلى السجون الروسية.

خلال هذه الرحلة، ظل الثابت الوحيد الطرق المبتكرة التي تلجأ إليها الأسر، كما أفراد المجتمع المدني، من أجل العثور على الأشخاص.

يقول المسؤولون الأوكرانيون إنهم تلقوا 25 ألف تبليغ رسمي بأسماء مفقودين على الخط الساخن الوطني منذ بداية الحرب. ونصفهم فقط أمكن التثبت من مكان وجوده [مصيره]. ويعتقد أن من بينهم 228 طفلاً مفقوداً على الأقل، وفقاً لجهاز الإعلام التابع لمكتب المدعي العام الأوكراني.

ومن بين هؤلاء المفقودين نحو 7 آلاف عنصر من القوات الأوكرانية المسلحة، كما يقول يوري بيرلوسوف، أحد المدعين العامين الأوكرانيين الذين ينظرون في القضايا، لكنه يخشى أن تكون هذه التقديرات متواضعة جداً فيما قد يصل العدد الحقيقي للمفقودين، سواء المدنيون منهم أو العسكريون، إلى عشرة أضعاف هذا الرقم.

ويتابع بقوله "إن فقد شخص ولم يتصل أحد بخط الشرطة للإبلاغ عنه، فلا يدرج هذا الشخص في قاعدة البيانات، ولن يحتسب، أو تحتسب".

"لا نعلم مكان المفقودين. ربما لا يزالون على قيد الحياة، لكنهم لاجئون، وربما رحلوا إلى روسيا، أو قتلوا أو احتجزوا داخل مراكز الاعتقال".

بالنسبة لماريا والنساء الأخريات اللاتي تتواصل معهن، تعتبر مواقع "فيسبوك" و"تيليغرام" و"واتساب" مساحات حيوية يمكن البحث فيها عن معلومات تتعلق بتبادل الأسرى، وباكتشاف جثث جديدة واستردادها، كما يمكن التواصل عبرها مع أشخاص عادوا من الجبهات أو أطلق سراحهم من السجون. وتقول إنهن يتحدثن كذلك مع مسؤولين عسكريين وجنود يعرفوهن. ويتشاركن جهات الاتصال ويجمعن معلوماتهن ومواردهن.

وتضيف وصوتها يرتجف "إنه الجحيم - يجب أن أتناول أدوية كثيرة تهدئني بما يكفي لكي أستطيع تحمل الاطلاع على هذه المواد، يوماً بعد يوم. لا يمكنني أن أقوم بوظيفتي الفعلية. أصبح العثور على رومان وظيفتي كل الوقت الآن".

ينضم المدنيون إلى منظمات خيرية وغيرها من الجهات من أجل مواصلة البحث، كما تقول إيفانكا ماليتشيفسكا من مركز الحريات المدنية في كييف الذي يحقق حالياً في 490 قضية لمفقودين مدنيين وجنود. أصغر المفقودين الذين تناهى إليهم أمره لم يتخط عمره الـ16 سنة.

وهم يجمعون التقارير من السجناء المحررين أو من الشهود في مناطق داخل الأراضي المحتلة ويستخدمون منصات التواصل التواصل الاجتماعي لمحاولة تكوين صورة كاملة عن الأحداث. ويوفرون عبر نموذج آمن على غوغل مساحة [حيزاً] للأقارب لكي يقدموا ويخزنوا أي معلومات لديهم.  

ونجحوا بهذه الطريقة في تحديد مكان مئات الأشخاص بالفعل.

تقول إن هذا العمل خطر، فقد اختفى بعض الأشخاص الذين كانوا يزودونهم بمعلومات من داخل الأراضي المحتلة بدورهم.

وتضيف "ولهذا نخشى أن يكون عدد المفقودين الحقيقي أعلى بكثير مما يمكننا أن نتخيل. يحتمل ألا يعثر على بعض الأشخاص أبداً".

تعد سفيتلانا - التي اختفى زوجها السابق ووالد ابنتها ذات الإثني عشر ربيعاً في مارس (آذار) أثناء محاولته إنقاذ أفراد من عائلته من ماريوبول المحاصرة - أحد الأمثلة على نجاح تلك المجموعات الإلكترونية. بالنسبة إليها، شكلت الإنترنت شريان الحياة الوحيد بعد أن تطوع أوليكسي للقيادة إلى ماريوبول المحاصرة آنذاك من أجل إنقاذ أقارب وأصدقاء.

وكتب لها رسالة قال فيها إنه يقترب من المدينة ثم اختفى كلياً.

"دفعنا اليأس لبدء كتابة منشورات على (فيسبوك) في شأن حالات الاختفاء، وفي ذلك الوقت بدأنا نتلقى بعض المعلومات".

جمعت مجموعة إلكترونية ضمت أقارب السائقين المتطوعين مثل أوليكسي الذين بدأوا بالاختفاء واحداً تلو الآخر، مصادر [معلومات] ثمينة.

ومن خلالها، علموا أن زوجها السابق معتقل في سجن أولينفكا، المستعمرة الجزائية السابقة في جمهورية دونيتسك الشعبية التي أعلنت استقلالها بدعم من الروس. أعيد فتح المنشأة المترامية الأطراف عند بداية الحرب لاحتجاز المدنيين المعتقلين وأسرى الحرب الذين قبض عليهم في جنوب البلاد.

ويكشف تحقيق "اندبندنت" في المنشأة إثباتات على الإخفاء القسري والتعذيب والعمل القسري، إذ اختطف نزلاء السجن من أمثال زوج سفيتلانا السابق، وضربوا وأرغموا على تجديد المنشأة المتهالكة لاستقبال أعداد كبيرة من السجناء.

"كثير من السائقين ذهبوا إلى ماريوبول وبدأوا بالاختفاء، لذلك أنشأنا هذا التجمع في النهاية وكنا نجمع المعلومات من الجمهور".

حتى إنهم حاولوا الوصول إلى السجن لكي يدخلوا إليه المؤن، لكن عبثاً حاولوا.

أكبر المخاوف

في يوليو، أطلق سراح أوليكسي في نهاية المطاف، إلى جانب 30 سائقاً غيره قبض عليهم في مارس وأبريل (نيسان). ويعتقد كثير من الأقارب أن السبب وراء الإفراج عنهم هو مطالبة العائلات خارج السجن، لكن أوليكسي واحد من قلة حالفها الحظ، إذ إن أسوأ المخاوف بالنسبة لأشخاص مثل ماريا هو وفاة أحبائهم. وهذا وحده كابوس آخر.

عندما انسحبت القوات الروسية في النهاية من مناطق احتلتها في شمال غربي وشمال شرقي أوكرانيا، كييف ضمناً، بدأ المسؤولون الإقليميون في تشيرنيهيف وخاركيف كما المجتمع المدني والعائلات، باكتشاف قبور جماعية وموقتة. وقد عثرت "اندبندنت" بدورها بالصدفة على جثة لمراهق شاب من الواضح أنه قيد وأطلق عليه الرصاص. وتصاحب اكتشاف الموتى مهمة شاقة هي التعرف عليهم.

وهنا يأتي دور الشبكة المدنية من جديد، كما يشرح فلاديسلاف بيروفسكي (27 عاماً) الطبيب المتخصص بالطب الجنائي.

منذ بداية الحرب، نجح وحده في تحديد هوية أكثر من 250 جثة من مناطق مثل بوتشا وإيربين وفيشوهورود في محيط كييف. وهو يعمل الآن على التعرف إلى آخر مجموعة من الجثث التي وصلت لقتلى ماريوبول. وهم محفوظون داخل شاحنة مبردة مركونة خارج المشرحة الرئيسة في كييف التي تفيض بالجثث.

وقد وصف وجود جثث مقيدة ومصابة بأعيرة نارية، أو مسحوقة بعد دهسها تحت عجلات السيارات المصفحة، أو محترقة أو متحللة لدرجة يستحيل معها تقريباً التعرف على هويتها من الندبات أو سجلات الأسنان، ولذلك يضطرون غالباً للاعتماد على دلائل تركت على الجثث وعلى شبكات المدنيين.

"في كييف، كانت الجثث تدفن مع لوحات أرقام السيارات أو قصاصات ورقية كتب عليها اسم وعنوان وتاريخ وفاة وضعت داخل الثياب التي دفنت فيها موقتاً. حتى إن بعض الجثث كتبت عليها تفاصيل".

وهنا يبرز دور الإنترنت مجدداً، إذ تسجل كل المعلومات على قاعدة بيانات إلكترونية يسمح للمدنيين الباحثين عن أحبائهم بالدخول إليها.

"في إحدى الحالات، وجدت جثة في بوتشا في أبريل (نيسان)، وعانينا لكي نحدد هوية الشخص من خلال سجلات أسنانه، لكن هويته عرفت في وقت لاحق بسبب ارتداء المتوفى زوجاً من الجوارب عليه رسم فيلة، كان أحد أصدقائه قد أهداه إياه، وقد دخل هذا الصديق إلى قاعدة البيانات".

لكن عملية التعرف إلى الناس تزداد صعوبة، إذ إن عديداً من الجثث التي تصل المشرحة الآن تنقل من الجبهة الشرقية من خلال عملية تبادل الجثث. وقضى عدد كبير منها أشهراً وهو يتحلل في حرارة الصيف.

ويتابع فلاديسلاف بقوله "ما زلنا نسجل المعلومات ونتعرف إلى هوية الجثث ونحاول العثور على عائلاتها".

"لكن واقعياً، قد يتطلب تقفي أثر بعض الأقارب سنوات، ولا سيما إذا هربوا من البلاد".

"والحقيقة المأسوية هي أن هوية بعض الجثث قد لا تكتشف أبداً، ولا يعثر أبداً على أحبائها".

وهذا هو أكبر هواجس ماريا التي لا تزال تبحث عن خطيبها. آخر معلومة تلقتها هي أن الجيش أرسل طائرة مسيرة مدنية إلى المنطقة التي اختفى فيها خطيبها ورأى 20 جثة، لا تعود أي منها إلى رومان.

وكل ما بوسعها فعله في هذه الأثناء بالتالي هو الأمل والدعاء بأن يكون قد وقع في الأسر، والاستمرار بتصفح الإنترنت.

تتلقى أثناء حديثنا معها اتصالاً هاتفياً من صديق طبيب يخبرها عن استرداد عدد من الجثث الجديدة من الجبهة، وإحضارها إلى المشرحة المحلية، ثم تحضر نفسها للتقليب في مجموعة جديدة من الصور.

"لا يمكنني أن أتنفس من دونه. كثير من الناس بحاجة إلى أن يعرفوا ما حدث فقط، وأين هم، كي يحصلوا على الأقل على خاتمة [كي يسعهم طي الصفحة]". "وأسوأ الاحتمالات ألا تعرف أي شيء [حياته من مماته]. فالأسوأ ألا تعرف وتضطر للانتظار فحسب".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات