Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاسترليني إلى أدنى مستوى منذ عقود ومخاوف ركود عميق في بريطانيا

تراجع مبيعات التجزئة بسبب ضغوط التضخم وارتفاع كلفة المعيشة

انخفض سعر صرف الاسترليني دون حاجز 1.14 دولار للجنيه للمرة الأولى منذ عام 1985 (رويترز)

هبط سعر صرف العملة البريطانية الجنيه الاسترليني في تعاملات آخر أيام الأسبوع، الجمعة الـ16 من سبتمبر (أيلول) مع تصاعد المخاوف من أن الاقتصاد البريطاني مقبل على ركود عميق وممتد، وزاد من تلك المخاوف صدور أرقام مبيعات التجزئة لشهر أغسطس (آب) الماضي عن المكتب الوطني للإحصاء التي جاءت أسوأ من توقعات السوق.

وانخفض سعر صرف الاسترليني دون حاجز 1.14 دولار للجنيه للمرة الأولى منذ عام 1985، أي قبل 37 عاماً، وفقد الاسترليني أكثر من واحد في المئة من قيمته ليتداول عند 1.35 دولار للجنيه، حسب بيانات شركة "ريفينيتيف" لتحليل معلومات السوق.

ومع أن أسعار العملات الرئيسة في العالم تتراجع مقابل الدولار بسبب الارتفاع المضطرد في سعر صرف العملة الأميركية، إلا أن هبوط الجنيه الاسترليني أمام اليورو أيضاً لأدنى مستوى منذ 17 شهراً، يشير إلى أن إقبال المتعاملين على التخلص من الاسترليني يعود كذلك إلى مخاوف كبيرة في شأن الاقتصاد البريطاني.

وعانى الجنيه الاسترليني من كل هذا الضغط في ذكرى مرور 30 عاماً على "الأربعاء الأسود" الذي انهارت فيه العملة البريطانية مع خروجها من آلية سعر الصرف الأوروبية الموحدة، وتقول مديرة الاستثمار في شركة "إنتراكتيف إنفستور" فيكتوريا شولار، إن سبب هبوط الجنيه الاسترليني "ليس ارتفاع الدولار فقط، لكن الحقيقة أن المتعاملين يبيعونه بسبب التقدير السلبي لتوقعات الاقتصاد البريطاني وتراجع ثقة المستثمرين فيه"، كما نقلت عنها صحيفة "فايننشيال تايمز".

التضخم والركود

وكانت البيانات الرسمية، صباح الجمعة، أظهرت تراجعاً كبيراً في مبيعات التجزئة في بريطانيا، ما جعل المستثمرين يقدرون أن معدلات التضخم وارتفاع كلفة المعيشة ستؤدي إلى مزيد من الانكماش في الاقتصاد، وبدلاً من توقع ركود اقتصادي معقول ولفترة قصيرة، أصبحت التوقعات بركود عميق ولفترة أطول.

وحسب أرقام مكتب الإحصاء الوطني، تراجعت مبيعات التجزئة في بريطانيا، الشهر الماضي بنسبة 1.6 في المئة، في أكبر تراجع لها منذ يوليو (تموز) 2021 بعد رفع القيود التي كانت مفروضة بسبب وباء كورونا، ويأتي الانكماش في مبيعات التجزئة بعد نمو طفيف في الشهر السابق، كما أن نسبة التراجع تزيد على ثلاثة أضعاف توقعات السوق، إذ إن مسحاً أجرته "رويترز" توقع تراجعاً بنسبة 0.5 في المئة.

وفي تفاصيل الأرقام يبدو واضحاً أن التراجع طال كل القطاعات من الأغذية والأطعمة إلى الملابس وغيرها، وقال مكتب الإحصاء الوطني إن "ارتفاع الأسعار وزيادة تكلفة المعيشة تؤثر سلباً في حجم المبيعات" التي تتراجع منذ صيف العام الماضي، ويعكس ذلك الضغط على المستهلكين في بريطانيا الذي أدى إلى إحجامهم عن الإنفاق الاستهلاكي مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القيمة الحقيقية للدخل وعدم اليقين في شأن مستقبل الاقتصاد.

وتوقع عدد من المحللين أن تشكل أرقام مبيعات التجزئة المتراجعة ضغطاً على بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) في اجتماع لجنة السياسة النقدية فيه الأسبوع المقبل، وكانت الأسواق تنتظر أن يرفع البنك سعر الفائدة بنسبة 0.75 في المئة لمواجهة استمرار ارتفاع التضخم، لكن في ظل هبوط الإنفاق الاستهلاكي وزيادة احتمالات الركود العميق قد يخفض البنك سعر الفائدة بنسبة 0.5 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع تضافر عوامل عدة تزيد من قتامة الصورة المستقبلية للاقتصاد البريطاني، يأتي هذا العامل المهم وهو انخفاض إنفاق المستهلكين الذي يمثل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتنقل صحيفة "الغارديان" عن كبير الاستشاريين الاقتصاديين في "أيتم كلوب" مارتين بك قوله "تظل دخول الأسر في بريطانيا بانتظار مزيد من التدهور على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة، ومع احتمال ارتفاع معدلات البطالة ولو بشكل طفيف نسبياً والوضع الجيوسياسي المضطرب، من غير المحتمل أن تعود ثقة المستثمرين (في الاقتصاد البريطاني)، لذا يتوقع أن يستمر الركود الذي يشعر به تجار التجزئة حالياً حتى القدر الأكبر من عام 2023".

وترى أوليفيا كروس من شركة "كابيتال إيكونوميكس" أن الاقتصد البريطاني "في ركود بالفعل" وأن "العوامل السلبية تتجمع بقوة" لتجعله ركوداً عميقاً طويل الأمد، وما يزيد من تلك التوقعات السلبية أن خطة مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة التي أعلنتها حكومة رئيسة الوزراء ليز تراس بكلفة أكثر من 171 مليار دولار (150 مليار جنيه استرليني) ستزيد من ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد، وسيضطر ذلك بنك إنجلترا إلى رفع سعر الفائدة بقوة وبسرعة ربما إلى ما فوق نسبة أربعة في المئة.

عجز الميزانية

ومن العوامل الضاغطة نزولاً على سعر صرف الاسترليني ضعف الوضع المالي للحكومة البريطانية بشكل عام، ويشهد ميزان الحساب الجاري، أي الفارق بين الأموال التي تدخل إلى بريطانيا والأموال التي تخرج منها، اتساعاً مطرداً، وبلغت نسبة العجز 8.3 في المئة في الربع الأول، وهي مرشحة للزيادة مع ارتفاع تكاليف خدمة الدين البريطاني التي تدور الآن حول نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وسبب ارتفاع كلفة خدمة الدين هو معدلات التضخم العالية ورفع سعر الفائدة.

خطط حكومة تراس

ومن المتوقع أن تتسع هوة عجز الحساب الجاري وعجز الميزانية عموماً، مع اقتراض الحكومة لتمويل خطة مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، وفي تلك الحالة سيزيد حجم الدين البريطاني ليتجاوز الناتج المحلي الإجمالي كله، وقد يصل إلى 2.4 تريليون جنيه استرليني (2.75 تريليون دولار).  

كما أن خطط حكومة تراس بخفض الضرائب إذا نفذت، ستعني مزيداً من التدهور في عائدات الخزينة البريطانية، وسيفاقم ذلك مجدداً من العجز في الميزانية وفي الحساب الجاري، وستكون تلك ضربة ثلاثية موجعة للاقتصاد البريطاني، خطة دعم للطاقة ترفع التضخم وأسعار الفائدة، وتمويلها بدين حكومي يفاقم العجز في الميزانية، فضلاً عن احتمال خفض عائدات الخزينة من الضرائب.

اقرأ المزيد