Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بوصلة النفط"... محطات وتحديات في تاريخ "أوبك"

التعاون مع المنتجين من خارج المنظمة طور مهمتها كضمانة لتوازن الإنتاج العالمي

عبدالله الطريقي أول وزير نفط سعودي في اجتماع أوبك التأسيسي (أوبك)

يوافق، الأربعاء الـ14 سبتمبر (أيلول) 2022، الذكرى الـ62 لتأسيس منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك".وتأتي الذكرى هذا العام في وقت تتزايد فيه أهمية المنظمة، خصوصاً بعد تحالفها مع منتجين من خارجها ضمن "أوبك+" لتأمين استقرار سوق النفط.

برزت تلك الأهمية بوضوح في فترة أزمة وباء كورونا، ثم بعد ذلك مع الحرب في أوكرانيا هذا العام، حيث أصبح أمن الطاقة من أهم القضايا والتحديات التي تواجه العالم كله.قبل ثماني سنوات، حين هوت أسعار النفط بشدة في يونيو (حزيران) 2014 ثارت تكهنات كثيرة أغلبها في الغرب ونقلها الإعلام العربي، حول مستقبل المنظمة ودورها في سوق الطاقة العالمي.

 

وكتب البعض أن "أوبك" انتهى دورها وأنها لن تستمر، لكن الأعضاء الرئيسين في المنظمة أكدوا أنها باقية ولا غنى عنها، بل إن تحالف "أوبك+" الذي يضم الآن أكثر من 20 دولة منتجة ومصدرة للنفط في مقدمتها السعودية من "أوبك"، وروسيا من خارجها أصبح هو الضامن الأساسي الآن لاستقرار السوق.

استغرق الأمر عامين من 2014 إلى 2016 حتى اتفقت "أوبك" مع شركائها على تنسيق جهود ضبط توازن السوق وتحديد الإنتاج بما يحفظ تلبية العرض للطلب العالمي من دون فائض معروض كبير يهوي بالأسعار، وأعلن اتفاق التعاون في بداية 2017.

لكن تعاون "أوبك" مع روسيا لم يكن وليد السنوات الأخيرة، بل ظهرت بداياته في أزمات سابقة تعرضت لها سوق الطاقة العالمية، كان أهمها في عام 2001 في أعقاب أزمة الاقتصاد العالمي التي أدت إلى تراجع الطلب.

وقتها خفضت "أوبك" إنتاجها من النفط مرتين في مارس (آذار) مليون برميل يومياً وفي ديسمبر (كانون الأول) بنسبة سبعة في المئة من سقف إنتاجها.

وفي ذلك الشهر الأخير من عام 2001 وافقت روسيا على خفض إنتاجها بنحو 150 ألف برميل يومياً استجابة لطلب "أوبك"، في محاولة لسحب فائض المعروض من السوق بعد أن ضغط على الأسعار نزولاً.

نقطة البداية

في 14 سبتمبر عام 1960 شهدت قاعة المؤتمرات بالعاصمة العراقية بغداد الاجتماع التأسيسي لمنظمة "أوبك" في ذلك اليوم اجتمعت خمس دول، هي المؤسسة لـ"أوبك"، ليعلن عن ميلاد المنظمة، الذي تزامن مع بداية سيطرة الدول المنتجة على مواردها النفطية وبداية نهاية ما كان يسمى "السبع أخوات"، في إشارة إلى شركات الطاقة العالمية الكبرى السبع متعددة الجنسيات التي كانت تتحكم في سوق الطاقة العالمية.

الأعضاء المؤسسون لـ"أوبك" هم العراق وإيران والكويت والسعودية وفنزويلا، وانضم بقية الأعضاء الحاليين على مدى العقدين التاليين، وهناك دول انسحبت وأخرى علقت عضويتها أكثر من مرة، ووصل عدد الأعضاء في مرحلة ما خلال الثمانينيات من القرن الماضي إلى 13 عضواً.

كانت أهداف المنظمة، في بيان إعلان تأسيسها، هي "تنسيق وتوحيد السياسة النفطية للدول الأعضاء لضمان أسعار عادلة ومستقرة للمنتجين وضمان تدفق الإمدادات بشكل دائم وفعال اقتصادياً للمستهلكين مع عائد عادل على رأس المالي للمستثمرين في صناعة النفط".

في البداية، قررت "أوبك" إقامة أمانة عامة دائمة لها بجنيف قبل أن تنتقل إلى فيينا في النمسا عام 1965، وتولى الإيراني فؤاد روحاني منصب أول أمين عام لـ"أوبك"، ليخلفه عام 1964 العراقي عبدالرحمن البزاز.

وبنهاية العقد الأول من عمر المنظمة في 1969 تضاعف عدد الأعضاء بـ"أوبك" ليصل إلى 10 دول، وشهدت المنظمة على مر العقود الستة الماضية تحديات هائلة في بعض الأحيان، ونجحت في أغلب تلك المواقف في مواجهة التحدي وضبط السوق.

وفي كل الأحوال أثبتت "أوبك"، عكس ما يشاع دائماً في الإعلام أنها تتحكم في السوق، قدرتها وأهميتها في المحافظة على توازن أساسات العرض والطلب قدر الإمكان.

لم يكن تاريخ "أوبك" كله في مسار معتدل يتسم بالسلاسة، بل شهدت المنظمة على مر السنوات الـ62 تحديات كبرى، لكن في النهاية وعلى الرغم من المطبات، ظلت صمام أمان الوقت والإطار الذي يحافظ عليه أعضاؤها مهما كانت الخلافات السياسية بينهم. وفي ما يلي نستعرض أهم المحطات التاريخية بمسيرة "أوبك" في ذكرى تأسيسها:

سنوات التأسيس

كان العقد الأول، الستينيات من القرن الماضي، سنوات التأسيس وبناء المنظمة، خصوصاً أمانتها العامة بما تضمنته من وحدات أبحاث ومعلومات لدعم اتخاذ القرارات ووضع السياسات للمنظمة والدول الأعضاء.

وانتهى العقد ولم تكن "أوبك" وضعت حتى آلية تسعير مستقلة لسلة نفوطها، وبالطبع لم تكن هناك حصص إنتاج محددة، وإنما اتفاق عام على سقف إنتاج بحسب وضع السوق.

وفي فبراير (شباط) عام 1971 قررت "أوبك" تحديد سعر النفط من دون تشاور مع المشترين، وذلك بحسب إعلان اجتماع طهران.

كانت السبعينيات من القرن الماضي عقد بروز "أوبك" ودورها في العالم، فمع بداية العقد الثاني من عمر المنظمة بدأت تستخدم آلية تسعير لنفوطها.

وكان اندلاع الحرب بين إسرائيل والعرب في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 ذروة ظهور "أوبك"، إذ عقد اجتماع في الكويت للدول العربية الأعضاء بالمنظمة في الـ16 من ذلك الشهر، وانضم إليهم وزراء نفط الجزائر والبحرين ومصر وليبيا وسوريا.

وأعلن المجتمعون فرض حظر تصدير على الدول الغربية واليابان استمر حتى عام 1974، أدى ذلك إلى ارتفاع سعر النفط أربعة أضعاف من نحو ثلاثة دولارات للبرميل إلى 12 دولاراً مطلع عام 1974، ووصل السعر أعلى مستوياته ما بين نهاية 1973 والربع الأول من 1974 إلى 15 دولاراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في عام 1975، دخل الاقتصاد العالمي في ركود عميق، حيث وصل معدل التضخم وقتها إلى نسبة 14 في المئة بالمتوسط عالمياً، وانخفض إنتاج "أوبك" بنسبة 17 في المئة، واضطرت أغلب دول المنظمة لخفض أسعار نفطها.

وفي السادس من ديسمبر (كانون الأول) عام 1975 عقد أول اجتماع لقادة دول "أوبك" في الجزائر، وتم الاتفاق على أن يعقد اجتماع زعماء الدول كل خمس سنوات.

في العام نفسه وتحديداً في 21 ديسمبر، حدثت عملية الهجوم الشهيرة على اجتماع "أوبك" بفيينا والمعروفة إعلامياً باسم "حصار أوبك"، حيث قتل ثلاثة أشخاص، وتم خطف 11 وزيراً وجرى التفاوض في شأن إطلاق سراحهم مع الخاطفين بقيادة الإرهابي العالمي الشهير كارلوس إايليتش راميريز سانشيز)، وجرى إطلاق سراح الوزراء بعد نقلهم بطائرات خاصة إلى الجزائر وطرابلس في ليبيا.

استمرت التحديات أمام "أوبك" في تلك الفترة، فنتيجة إطاحة نظام الشاه وقبله إضرابات عمال النفط في إيران، ومع نمو الاقتصاد العالمي بمعدلات قوية في أعقاب ركود 1975 وزيادة الطلب على الطاقة، ارتفعت الأسعار ووصلت إلى ذروتها وقتها في فبراير 1979 عند 32 دولاراً للبرميل.

استجابة لتطورات أوضاع السوق نتيجة التوترات الجيوسياسية، وفي 28 يونيو 1979 قررت "أوبك" زيادة الإنتاج بما بين 10 و15 في المئة، في أول تدخل منسق لضبط توازن السوق.

مع ذلك واصلت الأسعار الارتفاع، على الرغم من وجود فائض معروض بالسوق ووصلت بنهاية العام إلى أكثر من 35 دولاراً للبرميل.

وبقيت الأسعار مرتفعة نتيجة عدم اليقين في السوق ما بعد الثورة الإيرانية وبدء الحرب العراقية الإيرانية في خريف 1980.

لم يكن عقد الثمانينيات من القرن الماضي بالسخونة ذاتها من حيث التحديات التي واجهت "أوبك" والمواقف التي اضطرتها لاتخاذ قرارات حاسمة في العقد السابق، لكنه لم يخل أيضاً من تحديات ومواقف.

السعودية ضمانة التوازن

الأهم في ذلك العقد هو بداية تحمل السعودية العبء الأكبر من مسؤولية ضبط توازن السوق والتعويض عن حصتها زيادة أو نقصاً في الحالات الطارئة، ليس فقط بسبب سعة الطاقة الإنتاجية الفائضة لديها مقارنة مع بقية أعضاء "أوبك"، لكن أيضاً في سياق التزامها ضمن المنظمة.

في مارس من عام 1985 قررت بريطانيا تسعير نفط بحر الشمال (برنت) طبقاً للسوق الحرة، ومن دون أن تتبع نظام التسعير الذي تعتمده "أوبك"، وهو ما شكل ضغطاً على المنظمة وقتها، ونتيجة عدم الالتزام بآلية تسعير سلة نفوط "أوبك" وزيادة الإنتاج من قبل أغلب الدول الأعضاء كانت فترة تذبذب شديد في أسعار النفط لتعاود الهبوط إلى نحو 12 دولاراً للبرميل في أبريل (نيسان) 1986.

بدأت "أوبك" وقتها مناقشة تحديد حصص الإنتاج لأعضائها بشكل صارم للمرة الأولى، وهو ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع نصف السنوي للمنظمة في فيينا في ديسمبر 1987.

ثم جاء عقد التسعينيات بكل أعبائه نتيجة التطورات الساخنة في منطقة الخليج، التي لم تكد تهدأ بعد نهاية الحرب العراقية- الإيرانية في العقد السابق.

وفي صيف عام 1990، بينما الأسعار تدور حول 18 دولاراً للبرميل، سعى وزراء "أوبك" في اجتماعهم نصف السنوي في يوليو إلى محاولة دعم الأسعار بضبط الإنتاج وتأكيد التزام الدول الأعضاء الحصص، وهدد الرئيس العراقي وقتها صدام حسين باستخدام القوة ضد الدول التي تزيد إنتاجها.

في مطلع أغسطس (آب) من ذلك العام احتل العراق الكويت وارتفعت الأسعار إلى ما فوق الـ30 دولاراً للبرميل، لكنها عادت بسرعة بحلول فبراير 1991 إلى مستوياتها العادية عند 19 دولاراً.

ومع حرائق آبار النفط الكويتية التي استمرت حتى بعد طرد قوات التحالف للعراق وتحرير الكويت، استجابت دول الخليج لطلب الكويت بإنتاج نحو 800 ألف برميل يومياً لصالح الكويت حتى تستعيد الكويت قدرتها الإنتاجية.

بنهاية 1993، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) انهارت الأسعار إلى 15 دولاراً للبرميل مع زيادة إنتاج بحر الشمال وتجاوز الحصص في "أوبك" ووجود فائض عرض كبير في السوق وتراجع الطلب العالمي، وكان سقف الإنتاج لدول "أوبك" الـ12 وقتها عند نحو 24 مليون برميل يومياً.

بنهاية التسعينيات اتفق أعضاء "أوبك" على زيادة الإنتاج، وتزامن ذلك من انهيار الفقاعة الاقتصادية الآسيوية التي ضربت الاقتصاد العالمي، وتراجع الطلب بشدة على الطاقة فهوت الأسعار مجدداً في 1998 وظلت منخفضة في حدود سقف 15 دولاراً للبرميل حتى يوم هجمات 11 سبتمبر 2001 حين ارتفعت الأسعار بثلاثة أضعاف إلى أكثر من 45 دولاراً للبرميل.

مع بداية العقد الخامس من عمر "أوبك" في العقد الأول من القرن الحالي، كانت المنظمة تتعامل مع تبعات هجمات سبتمبر، وبعيداً من السياسة، تمكنت من ضبط توازن السوق التي كانت تعاني تأثير انهيار فقاعة شركات الإنترنت عام 2000.

وتراجعت الأسعار قبل نهاية 2001 إلى معدلات عادية لتدور حول 25 دولاراً للبرميل، وظلت في نطاق معقول حتى الغزو الأميركي للعراق في صيف 2003 حين ارتفعت الأسعار إلى نحو 80 دولاراً للبرميل.

ظلت قدرة "أوبك" على ضبط توازن السوق تحافظ على الأسعار مرتفعة لتتجاوز في 2008 حاجز الـ100 دولار للبرميل وتقترب من حاجز الـ150 دولاراً للبرميل، قبل أن تنهار في نهاية العام مع الأزمة المالية العالمية، وبنهاية ذلك العام قررت المنظمة خفض الإنتاج بأكثر من مليوني برميل يومياً إلى ما دون الـ30 مليون برميل يومياً.

وشهد العقد السادس من عمر "أوبك" تحديات مختلفة تتعلق في أغلبها بقدرة المنظمة على التوصل إلى توافق تام في شأن سقف الإنتاج وضبط التزام الدول الأعضاء بالحصص المقررة، لكن في النهاية تمكنت من ضمان توازن أساسات السوق في السنوات الأولى، وهو ما حافظ على الأسعار أيضاً في وضع جيد.

وما بين 2011 و2014 كان التحدي الأكبر هو العوامل المؤثرة في أساسات السوق خارج نطاق سيطرة "أوبك" ومنتجيها، ذلك أن زيادة إنتاج الغاز والنفط الصخري في أميركا كانت كبيرة بشكل أخل تماماً بأساسات السوق.

وانهارت أسعار النفط بشدة في صيف 2014، وهو ما دفع "أوبك" بعد ذلك للدخول في اتفاق الحفاظ على توازن السوق عام 2016 مع 10 منتجين من خارج أعضاء المنظمة في مقدمتهم روسيا.

اتفاق توازن السوق

في يناير (كانون الثاني) عام 2016 أعلنت روسيا أنها وافقت على تجميد مستويات إنتاج النفط بعد اتفاق مع السعودية وقطر وفنزويلا، تماشياً مع تجميد أعضاء "أوبك" مستويات الإنتاج بالمثل.

وفي صيف ذلك العام لم تتمكن دول "أوبك" في اجتماعها الدوري نصف السنوي بفيينا من الاتفاق على خفض الإنتاج، ما أدى إلى هبوط الأسعار واستمرار فائض معروض في السوق العالمي يزيد على مليوني برميل يومياً.

وبدا واضحاً أن معدلات إنتاج النفط الصخري الأميركي تسهم أكثر في زيادة فائض العرض مقابل الطلب الذي لم يتعاف بشكل جيد.

وفي ظل موقف السعودية، الذي أصبح رافضاً لتحمل عبء الخفض نيابة عن بقية أعضاء "أوبك"، وموقف روسيا التي لا تريد أن تفقد أي جزء من حصتها في السوق العالمية، باتت هناك عقبة أمام ضبط توازن السوق.

وفي اجتماع غير رسمي بالجزائر، اتفقت "أوبك" على خفض الإنتاج للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية 2008. وتأكد الاتفاق في نهاية نوفمبر من ذلك العام في اجتماع رسمي للمنظمة.

كانت تلك مقدمة الاتفاق بين "أوبك" والأعضاء من خارجها في نهاية 2016 على خفض مشترك للإنتاج لسحب فائض العرض من السوق، لكن روسيا التي تعد أكبر منتج للنفط في تحالف "أوبك+" من خارج المنظمة بمعدل إنتاج يقترب من إنتاج السعودية، لم تكن تريد أي اتفاق إلزامي بل ترك الأمر لاختيار الأعضاء في الالتزام بتخفيض الإنتاج.

إنما في النهاية كان أول اتفاق مشترك تدخل فيه روسيا مع "أوبك" منذ 2001. واعتبر النواة الحقيقية لتحالف "أوبك+"، وتم التوصل إلى الميثاق الرسمي لاتفاق "أوبك" وشركائها في اجتماع بفيينا في يوليو 2019.

وهكذا ولد اتفاق "الحفاظ على توازن السوق" بين 24 دولة، 14 أعضاء في "أوبك" و10 أعضاء من خارجها، وظلت أسعار النفط جيدة خلال تلك الفترة مع ما بدا من التزام روسيا وأغلب الشركاء باتفاق خفض الإنتاج، الذي كان مقرراً له أن ينتهي في مارس 2020.

وفي نهاية الثلث الأول من أبريل عام 2020، اتفق أعضاء "أوبك" وشركاؤهم في تحالف "أوبك+" على خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً لضبط توازن السوق مع انهيار الطلب نتيجة إغلاق الاقتصاد العالمي بسبب وباء كورونا، وتحملت روسيا والسعودية القدر الأكبر من التخفيض.

المزيد من البترول والغاز