Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شهادات صادمة حول الترحيل الفاشل للمهاجرين إلى رواندا

حصري: وثائق تم الكشف عنها في المملكة المتحدة قبل أيام من تقديم طعن إلى "المحكمة العليا" تظهر أنه تم تقييد طالبي اللجوء وإجبارهم على الصعود إلى الطائرة

شهادات مروعة تم الحصول عليها بموجب قوانين حرية المعلومات (غيتي / إندبندنت)

كشفت شهادات جديدة أدلى بها عناصر أمن في المملكة المتحدة عن الأهوال الكاملة للمعاملة "غير الإنسانية" التي تعرض لها طالبو لجوء أجبروا على الصعود إلى رحلة ترحيل إلى رواندا، فشلت في الدقائق الأخيرة.

حيث أظهرت وثائق صادرة عن وزارة الداخلية البريطانية أن تقييداً مسبباً للألم تم فرضه على المعتقلين [اللاجئين] الذين قاموا بإيذاء أنفسهم والتهديد بالانتحار بعد توسلهم عناصر الأمن بعدم ترحيلهم من المملكة المتحدة. وأفيد في هذا الإطار عن قطع أحد المهاجرين شرايين معصمه بقطعة مسننة من علبة مشروبات، فيما حاول شخص آخر تحطيم رأسه من خلال ضربه في مقعد الطائرة، في الوقت الذي كان يصرخ فيه: "لا، لا...". وقد حدثت تلك المشاهد اليائسة يوم الترحيل في الرابع عشر من شهر يونيو (حزيران) الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الروايات الصادمة هذه والتي حصلت عليها مؤسسة "ليبرتي إنفستيغايتس" Liberty Investigates (وحدة صحافة استقصائية تنشر مواضيع عن انتهاكات حقوق الإنسان) بموجب قوانين حرية الحصول على المعلومات، وتمكنت "اندبندنت" من الاطلاع عليها، تأتي في الوقت الذي تبدأ فيه الإثنين، الخامس من سبتمبر (أيلول)، أول مراجعة قضائية لسياسة الحكومة البريطانية المتعلقة بإبعاد طالبي اللجوء إلى رواندا.

وأكدت المجموعات التي حركت المسار القضائي أن الوثائق تظهر "الفظائع" التي تنتظر المهاجرين إذا ما استمرت الرحلات الجوية. وقالت، "إذا لم تقنع هذه الشهادات الرئيس الجديد للوزراء بتغيير رأيه وإلغاء هذه المقترحات فإن أي شيء آخر لن يكون مجدياً في هذا الإطار".

كما طالبت تلك المجموعات رئيس الوزراء البريطاني الجديد بالتخلي عن الخطة، إلا أن المرشحة الأولى لتولي المنصب وزيرة الخارجية ليز تراس [والتي أُعلنت رسمياً كرئيسةٍ للوزراء]، كانت قد تعهدت "بدعم سياسة الترحيل إلى رواندا، وتوسيعها لتشمل دولاً إضافية أخرى".

ياسمين أحمد، مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش" Human Rights Watch في المملكة المتحدة"، أفادت بأن عدداً من الأشخاص المستهدفين بالمخطط قد "عانوا حتى الآن أهوالاً لا يمكن لعقل أن يتصورها".

وقالت لـ"اندبندنت" إنه "من غير المفهوم أن تحاول حكومتنا الآن طردهم إلى بلد معروف بممارسته القمع. وليس من شأن التقارير الواردة عن إيذاء هؤلاء المطرودين لأنفسهم، والتعبير عن القلق الشديد الذي يطغى عليهم، سوى تسليط الضوء على مدى رضا الحكومة وسعادتها بالتسبب في إحداث صدمة جديدة للأشخاص الذين أتوا إلينا طالبين حمايتنا، والإمعان في إيذائهم. إن هذا التصرف لا يمكن وصفه بأقل من أنه انحراف أخلاقي وقانوني".

 

وتظهر نماذج للشهادات التي دونها موظفو الحجز بعد "حوادث استخدام القوة"، كيف بدأ المحتجزون بالبكاء والصراخ وإطلاق الصيحات، والاتصال بشكل محموم بالمحامين وبأحبة لهم، بعد أن جرى إبلاغهم بأنهم سيرحلون إلى رواندا.

وعندما ذهب عناصر الحجز لأخذ طالب لجوء من غرفته في "مركز كولنبروك لإبعاد المهاجرين" Colnbrook Immigration Removal Centre بالقرب من مطار هيثرو، شاهدوه يؤذي نفسه على سريره. وأفاد تقرير بأنه كان ينزف دماً بعد أن "أحدث جروحاً في ذراعه اليمنى، مستخدماً أجزاء مسننة من علبة مشروبات"، ولم يتوقف عن جرح نفسه إلى أن أمسك عناصر الأمن بذراعيه. ليتم علاجه بعد ذلك على يد ممرضة، قبل تسليمه للمرافقين المكلفين بنقله إلى الطائرة التي كانت تنتظر في قاعدة "بوسكومب داون" العسكرية في ويلتشير.

وبحسب الشهادات، تم وضع المهاجر تحت رقابة مستمرة كجزء من استراتيجية رسمية لمنعه من الانتحار، فيما قال طالب لجوء آخر للموظفين إنه "سيقوم بقتل نفسه" إذا ما أجبر على الصعود إلى الطائرة. وقد جرى تقييد هذا المحتجز بحزام، وربط بمقعد الطائرة. وعندما بدأ يتحرك في المكان صارخاً "لا، لا"، عمد موظفو الاحتجاز إلى الإمساك برأسه، قائلين إنهم "كانوا بحاجة للتأكد من أنه لن يضرب بعقب رأسه أياً من المرافقين، أو يتسبب في إيذاء نفسه".

وجاء في التقرير الرسمي الذي تم تقديمه عن استخدام القوة، "لقد واصل المهاجر الصراخ. وقرابة الساعة العاشرة و16 دقيقة ليلاً عندما تم إبلاغنا بإلغاء الرحلة توقف على الفور عن إطلاق الصيحات... وارتسمت السعادة على وجهه، وقام بمعانقة كل فرد منا، الواحد تلو الآخر. كان المشهد مؤثراً للغاية".

في المقابل ذكرت تقارير أن رجلاً ثالثاً "أكد للمترجم أنه لا يريد الرحيل، وسقط على الأرض جاثياً على ركبتيه" قبل أن يصار إلى إخراجه من "مركز كولنبروك". ووصفه العاملون بأنه كان "في غاية الحزن"، مشيرين إلى أنه بعد صعوده إلى الطائرة "بدأ بالصراخ وضرب رأسه بقوة في المقعد الأمامي".

وروى أحد عناصر الحجز أنه بعد تقييد معصمي المهاجر وذراعيه ورأسه، بدأ يعض لسانه، فاضطر إلى استخدام تقنية إحداث ألم في "الزاوية السفلية لفكه"، لإجباره على التوقف عن إيذاء نفسه.

تجدر الإشارة إلى أن إرشادات وزارة الداخلية البريطانية، تنص على وجوب عدم استخدام مثل هذه الأساليب المسببة للألم على الإطلاق عندما يكون هناك بديل آخر، لكن "يمكن تبرير اللجوء إليها فقط إذا كانت الطريقة العملية والفعالة الوحيدة للتعامل مع حادثة عنيفة تشكل خطراً مباشراً بإمكان حدوث ضرر جسدي خطير".

وقد تم تقييد الرجل إلى حين الإعلان عن إلغاء الرحلة، وذلك على أثر موجة من الطعون القانونية والأوامر القضائية الصادرة عن "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" European Court of Human Rights.

وكان محتجز رابع قد قيد بحزام حول خصره وقيود تسبب الألم عند معصمه أثناء نقله بشاحنة صغيرة إلى المطار، لأنه كان قد "فقد أعصابه" بعد مكالمة هاتفية عاطفية مع شقيقته. وأقر أحد عناصر الحجز بأنه "مارس الضغط على المهاجر كي يجبره على الامتثال". وقال زميل له إن الرجل "كان يصرخ بأن معصمه يؤلمه وبأن قلبه ينفطر". وقد وضع عناصر الحجز بوضع الرجل "الغاضب جداً" على متن الطائرة ويداه مقيدتان.

وتوضح استمارات الشهادات بالتفصيل كيف "تم إرشاد" راكب خامس إلى خارج مركز الاحتجاز، بعد رفضه المغادرة قائلاً إنه لن يذهب إلى رواندا. وروى أحد مسؤولي الحجز أنه فيما حاول الموظفون إقناعه بالمغادرة طوعاً "بدا وكأنه قد يتقيأ وهو يمسك ببطنه وينحني إلى الأمام".

هذا وقد تم الكشف عن هذه الروايات المروعة قبل أيام من الجلسة التي عقدتها "المحكمة العليا" للاستماع إلى أول طعن قانوني مقدم من بين اثنين، ضد سياسة الترحيل البريطانية إلى رواندا. ولم تجر أي محاولات أخرى من جانب الحكومة لتسيير رحلات جوية مماثلة، كما تم إطلاق جميع طالبي اللجوء المدرجين ضمن لائحة الإبعاد لشهر يونيو (حزيران) من مراكز الاحتجاز، على أثر تهديدات باتخاذ إجراءات قانونية ضد السجن غير القانوني الذي تعرضوا له.

وفي هذا الصدد، قالت منظمة "كير فور كاليه" Care4Calais الخيرية (تعنى بتسهيل أوضاع طالبي اللجوء في شمال فرنسا وبلجيكا) التي قدمت الطعن القانوني، إن هذه الشهادات ما هي إلا "دليل آخر على الضرر العقلي والجسدي الذي تسببت به سياسة الترحيل الوحشية التي تنتهجها الحكومة، لإعادة توطين اللاجئين في رواندا". وقالت مؤسستها كلير موسلي، "إذا ما وضعنا في اعتبارنا الخيارات المتاحة الأكثر إنسانية وفاعلية، فهل نستطيع أن نقول إن هذه السياسة الهمجية هي حقاً ما تريد بلادنا أن تقوم به؟".

"اتحاد الخدمات العامة والتجارية" Public and Commercial Services Union (PCS) الذي يمثل أكثر من مئتي ألف من موظفي الخدمات العامة، ويدعم إجراءات اللجوء إلى المحكمة. يقول إن الشهادات "تكشف عن مزيد من الفظائع التي تكمن وراء خطط الحكومة".

وقال بول أوكونور، رئيس قسم التفاوض في الاتحاد، إنه "فيما يعيش اللاجئون في حال من الرعب مما ينتظرهم يجد عناصرنا أنفسهم في موقف غير مرغوب فيه على الإطلاق، لجهة اضطرارهم إلى تنفيذ سياسة الحكومة المتعلقة بالترحيل إلى رواندا، التي يعتبرونها أمراً غير إنساني على الإطلاق، وهم محقون في ذلك".

وأضاف، "عندما نشاهد حراس الأمن يقومون بتقييد الناس لمنعهم من إيذاء نفسهم، فإن الوحشية المطلقة لهذه السياسة تصبح واضحة للعيان على نحو صارخ. وإذا لم تقنع هذه الشهادات رئيس الوزراء الجديد بتغيير رأيه وإلغاء هذه المقترحات، فإن أي شيء آخر لن يكون مجدياً أبداً".

بيلا سانكي، مديرة منظمة "ديتنشن أكشن" Detention Action  الخيرية (مؤسسة غير حكومية تقدم مشورة للمهاجرين الذين هم قيد الاحتجاز) أشارت إلى أن هذه الشهادات المخزية يجب أن "تجعل الحكومة تشعر بالخجل من نفسها". وأضافت، "إن مطالبة الموظفين الحكوميين باستخدام القوة ضد طالبي اللجوء الذين يؤذون أنفسهم، من أجل إرغامهم على الذهاب إلى بلد يواجهون فيه خطر التعرض لمزيد من الاضطهاد، هو أمر بالغ الخطورة". سانكي دعت رئيسة الوزراء الجديدة إلى التراجع عن هذه السياسة أو إلى الاستعداد ليس فقط لتجريد الخاضعين لها من إنسانيتهم، بل أيضاً المكلفين بتنفيذها".

يشار إلى أن الحكومة البريطانية أعلنت يوم الجمعة الماضي عن تعيين "لجنة مراقبة مستقلة" Independent Monitoring Committee  مؤلفة من ثمانية أعضاء، بهدف الإشراف على امتثال الصفقة المبرمة بين لندن وحكومة كيغالي، لمعايير حقوق الإنسان، لكن محامين سبق أن لفتوا إلى أن هذه الالتزامات غير ملزمة من حيث القانون ولا يمكن فرض تطبيقها.

ألكسندر داونر، أحد الأعضاء الأربعة المعينين في المملكة المتحدة، كان وزيراً سابقاً في الحكومة الأسترالية، وأحد مهندسي سياسة الترحيل الأسترالية إلى الخارج والتي تسببت بانتحار لاجئين محتجزين وإشعال النار بأنفسهم في مراكز إيواء (تمولها أستراليا) موجودة في جزيرتي ناورو ومانوس (في المحيط الهادئ).

وفي تعليق على كل ما تقدم، قال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية إن أفراد طاقم الموظفين ومزودي خدمات الحراسة لدينا يخضعون لتدريبات صارمة لضمان سلامة اللاجئين المبعدين طيلة عملية الترحيل".

وختم بوصف "الشراكة التي عقدتها الحكومة البريطانية مع رواندا" Migration Partnership with Rwanda بأنها "رائدة في مجال الهجرة". وقال إنها "تقضي بإبعاد الأفراد -الذين يقومون برحلات خطرة وغير قانونية وغير ضرورية إلى المملكة المتحدة- عبر إرسالهم إلى رواندا. وإذا ما تم الاعتراف بهم في كيغالي على أنهم لاجئون، فسنقوم بتقديم الدعم اللازم لهم، ليتمكنوا من إعادة بناء حياة جديدة هناك".

© The Independent

المزيد من تقارير