Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقبرة طه حسين... مزايدات واقتراحات ومعارك لا تفنى

أنباء عن إزالتها والجهات المصرية تلتزم الصمت وحفيدته تتراجع عن نقل رفاته للخارج: كيف ننفيه عن بلده؟

أنباء عن أزالة مقبرة طه حسين تثير غضب المثقفين في مصر (أ ف ب)

للمرة الثانية على التوالي خلال أشهر قليلة تثير مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين جدلاً في مصر بعد أن بدأت تتردد في الأيام الأخيرة أنباء عن هدمها ضمن مجموعة من المدافن تخص عائلات أخرى لتقاطعها مع مشروع تنفذه الدولة لتوسعة طرق وربط محاور مرورية ببعضها لتفادي الأزمات المرورية في القاهرة.

بدأت أزمة قبر طه حسين تلوح في الأفق منذ عدة أشهر عندما تم تداول صورة لواجهة القبر من الخارج تحمل العلامة x باللون الأحمر ضمن مجموعة أخرى من المدافن في المنطقة، وهو ما فسره رواد مواقع التواصل الاجتماعي بأنها تشير إلى إزالتها وتعويض العائلات التي تملكها بمدفن آخر في مدينة 15 مايو الواقعة على أطراف القاهرة، وعادت الصورة نفسها إلى التداول من جديد، بينما لم تصدر أية جهة رسمية بياناً أو أفادت بأن قراراً رسمياً قد صدر بهدم المقبرة وما حولها، أو صدرت تعليقاً على ما يتداوله المهتمون بأمر المقبرة.

حوارات داخل أسرة العميد

كانت مها عون، حفيدة طه حسين، قد صرحت لوسائل إعلام محلية بعدم إبلاغ الأسرة من أي جهة رسمية بأي إجراء لهدم المقبرة كما يتردد، أو إبلاغهم بفكرة نقل الرفات لمقبرة بديلة أو الحصول على تعويض. وقالت إن الأسرة تفكر في نقل رفات جدها إلى الخارج، لكنها لم تحدد إلى أي مكان على وجه الدقة، وإن كان يتوقع أن تكون فرنسا لارتباط حفيدته بها، حيث تقيم، ولكونها البلد الذي درس به طه حسين، كما أنها بلد زوجته سوزان التي رافقته طوال 60 سنة، إلا أنها عادت في اليوم التالي وأصدرت بياناً قالت فيه، "أردت نقل رفات طه حسين إلى بلد تحترم فيه السلطات سلام الموتى، وربما حتى تكرم شخصية كانت رائدة في صناعة النهضة، لكن خالي وخالتي رفضا الفكرة، وقالا إن أحداً دفن هنا لن يرضى أن يدفن خارج مصر. وأنا أعلم أن هذا صحيح. قال خالي إن العميد كرس حياته لتطوير مصر ولمناصرة حقوق الفقراء والعدالة، والدفاع عن المساواة، وحتى زوجته الفرنسية أعادت جواز سفرها إلى السفارة الفرنسية عندما هاجمت بلادها مصر أثناء العدوان الثلاثي عام 1956. فكيف ننفيه عن بلده؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت، "طه حسين تعرض للهجوم من قبل المتطرفين الإسلاميين والحكومات المصرية التي حكمت في حياته، لذا فالهجوم عليه بعد وفاته ليس أمراً جديداً، والاهتمام الذي لقيته العائلة في الأشهر الماضية من قبل كثير من المصريين الذين يقدرون قيمة فكر طه حسين كان كبيراً. طه حسين مصري ومصر هي المكان الذي ينتمي إليه بغض النظر عن الحكومات والسلطات. وبعد عديد من الاجتماعات، وأمام حالة الحب إزاء العميد قررت الأسرة أنها لن تنقل رفات عميد الأدب العربي، هذا ما استقر عليه رأى الأغلبية في العائلة بعد مناقشات طويلة".

وأشارت إلى قطع المياه عن المقبرة، ما اعتبرته إجراء غير مفهوم. وقالت إن شجرة "الميموزا" التي زرعتها زوجته سوزان، وبقيت على مدار عشرات السنوات لن تروى بعد الآن.

ومها عون هي حفيدة طه حسين من ابنته أمينة ووالدها هو وزير خارجية مصر الأسبق محمد حسن الزيات، والمقبرة المذكورة تضم أيضاً رفات كل من أمينة والزيات.

رائد النهضة الفكرية

طه حسين الذي ستحل العام المقبل ذكري رحيله الـ50 هو النهضوي الأول وقائد تطور مصر نحو الفكر والحداثة، وواحد من أهم من اتبعوا سبيل أعمال العقل، وحتى اليوم ما زالت مؤلفاته ذات حضور قوي في المشهد الثقافي وأفكاره تثير جدلاً على الرغم من رحيله منذ سنوات بعيد، وكان ذلك دافعاً لكثير من المثقفين للدعوة إلى تنظيم فعاليات متعددة لتكريمه وإعادة طبع أعماله ومناقشتها وإحياء ذكراه ليبقى فكره حياً على الساحة، وبخاصة بين أوساط الشباب، إلا أن فكرة هدم مقبرته ونقل رفاته أصبحت هي محط الأنظار، وهي مثار السجال.

اقتراحات المثقفين

نقاشات محتدمة شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية منذ تداول صورة المقبرة، واقتراحات متعددة قدمها مفكرون ومثقفون، وحتى عوام الناس، لإيجاد حل بديل يليق بمقام عميد الأدب العربي، وذهب البعض إلى أنه إن كان لا بد من هدم المقبرة ونقل الرفات فليكن ذلك في مكان مناسب، وأن يتحول إلى ملتقى ثقافي يليق بعميد الأدب العربي ويعرف بإنتاجه الفكري وهنا ستتحول المحنة إلى منحة، وذهبت أصوات أخرى إلى نقل الرفات إلى متحفه بمنطقة الهرم المعروف باسم مركز رامتان الثقافي الذي كان منزله سابقاً.

الكاتب والروائي يوسف زيدان قال في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك"، "إذا لم يكن هناك بد من هدم مقبرة رجل مصر العظيم طه حسين لا محالة، فيجب علينا فوراً نقل رفاته إلى مشهد أنيق الطراز، يبنى في الحديقة المقابلة للباب الكبير لجامعة القاهرة. يجب علينا ذلك، فوراً، وإلا فإن الأمة التي لا تحترم رجالها الرواد المبدعين لن يحترمها أحد في العالمين".

بينما قدم الكاتب الصحافي محمد بصل رئيس تحرير جريدة "الشروق" المصرية اقتراحاً آخر في منشور على صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك" بإقامة ضريح لعميد الأدب العربي في منطقة ميدان الجلاء الذي يقع فيه تمثاله الشهير، على أن يعاد تخطيط الميدان بالكامل، وضرب مثلاً بأن فكرة إقامة ضريح في الطريق العام ليست الأولى في مصر، وإنما سبقها ضريح الرئيس السادات وضريح سعد زغلول.

وفي السياق ذاته، قدم الكاتب الصحافي محمد الباز اقتراحاً آخر بأن تخصص الحكومة مساحة في العاصمة الإدارية الجديدة الجاري إنشاؤها حالياً، تنقل إليها رفات كبار كتابنا ومفكرينا ومثقفينا، قائلاً، "هذا أقل ما يجب لتكريم من صنعوا وجدان هذا الوطن، فما يتم مع مقبرة طه حسين لا يليق به ولا بنا ولا ببلد عظيم اسمه مصر".

بعيداً من أزمة مقبرة طه حسين، بخاصة أن الإزالة لا تخصها وحدها وتشمل عشرات المقابل، هناك سجال بين ثقافتين مختلفتين، الأولى ترى أن "للموتى حرمات"، وأن أرض الله واسعة، وعلى الدولة أن تبحث عن حل آخر وتترك مقابر الموتى في حالها، بينما الثقافة الثانية ترى أن "تقديم النفع العام أولى من الصالح الخاصة"، وأن "الحي أبقي من الميت"، ولو أن الأمر فيه منفعة كبرى ستعود على الأحياء فلا مشكلة من نقل المقابر أو هدمها طالما سيتم ذلك بشكل يحترم حرمة الموت ويقدر حساسية الموقف.

المزيد من العالم العربي