Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

255 ألف حالة طلاق في مصر... لماذا اهترأ "الرباط المقدس"؟

14 في المئة زيادة في 2021 واقتراحات بقانون الأسرة المنتظر لمنع تفاقم الظاهرة

في السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة الطلاق في مصر بشكل كبير بخاصة في السنوات الأولى للزواج (غيتي)

أصبح الطلاق في مصر إحدى الظواهر الحاضرة بقوة خلال الفترة الأخيرة، وله تأثير سلبي في المجتمع بكامله وليس فقط الأسر المتضررة.

في السنوات الأخيرة انتشرت الظاهرة بشكل كبير، خصوصاً الطلاق خلال السنوات الأولى من الزواج، وطبقاً لتصريح سابق أصدره رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء، تحدث حالة طلاق كل دقيقتين، وهو معدل كبير وغير مسبوق، ويحتاج إلى تدخل من جهات متخصصة للبحث في الظاهرة وأسبابها ومحاولة إيجاد الحلول.

ماذا تقول الأرقام؟

 كان الجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء في مصر قد أعلن منذ أيام بيانات الزواج والطلاق في مصر لعام 2021، حيث بلغ عدد عقود الزواج 880041 عقداً خلال العام الماضي، مقـابل 876015 عقداً في 2020، بنسبة زيادة 0.5 في المئة.

بينما بلغ عدد حالات الطلاق 254 و777 في 2021، مقابل 222036 في 2020، بنسبة زيادة قدرها 14.7 في المئة.

وبلغ أعلى معدل طلاق في محافظة القاهرة بنسبة 5.4 في الألف، وجاء أقل معدل طلاق بمحافظة أسيوط (جنوب مصر) بنسبة 1.1 في الألف.

وأوضح البيان زيادة حالات الطلاق في الحضر، حيث بلغت 144305 في 2021 بنسبة 56.6 في المئة، فيما بلغت في الريف 110472 حالة، بنسبة زيادة قدرها 13.6 في المئة عن عام 2020.

الأرقام السابقة لعام 2021 تمثل واقع حالات الطلاق التي ازدادت بنسبة 14 في المئة عن العام السابق، الذي كان عاماً استثنائياً في العالم كله بسبب ظروف جائحة كورونا، فهل يمكن أن تكون فترات الحظر الطويلة سبباً في اشتعال النزاعات بين الأزواج، وهل يمكن اعتبار الأوضاع الاقتصادية المنعكسة جراء هذا الوضع واحداً من أسباب ارتفاع نسبة الطلاق، فقد تضرر كثيرون مادياً وفقدوا وظائفهم أو تقلصت رواتبهم، أم أن هناك أسباباً أخرى في المجتمع أصبحت مسببات للطلاق أدت لانتشاره بهذا الشكل الكبير؟

أسباب مختلفة

عن أهم الأسباب التي تؤدي للطلاق في المجتمع حالياً قالت عزة فتحي أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس لـ"اندبندنت عربية"، "للطلاق أسباب كثيرة في أي مجتمع، لكن يمكن القول إن واحداً من أهمها حالياً هو السوشيال ميديا التي تقدم للناس صورة وهمية عن الحياة والسعادة، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقات، فيؤدي هذا لحدوث تطلعات عالية جداً عند قطاع كبير من الناس لا يوجد سبيل لتحقيقها على أرض الواقع، لأنها بالأساس أوهام، أو لأنها لا تتناسب مع ظروف الناس وواقعهم، مثل صور المنازل والملابس والهدايا التي يقدمها الأزواج وما إلى ذلك، وفي قطاع آخر المقارنات على المستوى الواقعي بين أشخاص يختلفون في الظروف".

وأضافت فتحي "أيضاً يمكن القول إن السوشيال ميديا سهلت الخيانة من خلال إمكانية التواصل مع أشخاص في عالم افتراضي، فكثير من الزوجات أصبحن يطلبن الطلاق لأنهن اكتشفن علاقة أزواجهن بأخريات من خلال السوشيال ميديا، وهذا أمر أصبح شديد الانتشار".

وأشارت إلى أنه "من أسباب الطلاق الرئيسة أخيراً ما صاحب فترة كورونا من احتكاك مباشر لفترات طويلة بين الأزواج فبدأت العيوب في الظهور بشكل مكثف، بالتالي بدأت المشكلات في التفاقم، ولا يمكننا التغافل عن الظروف الاقتصادية التي تؤدي لحالة من الضغط والمشكلات، ومن اللافت أيضاً والجدير بالانتباه  تقديم صورة سيئة للزواج من خلال الإعلام والدراما فهو دائماً مرتبط بالمشكلات، مما يشكل تهديداً للقيم الأسرية السوية".

عمل المرأة ليس السبب

كثيراً ما يشير بعضهم إلى أن تعليم المرأة وتحقيقها لذاتها في العمل على أنه من أسباب انتشار الطلاق، وأن السيدات أصبحن يضعن العمل كأولوية بدل المنزل، مما يتسبب في زيادة حالات الطلاق.

ومن الأرقام اللافتة للنظر في تقرير جهاز التعبئة العامة والإحصاء التي تدعو للتأمل، أن الفئة الأعلى في النساء اللاتي طلقن خلال عام 2021 ليس الحاصلات على مؤهل عال من الأساس، وإنما هن الحاصلات على مؤهل متوسط.

ومن المتعارف عليه أن الحاصلات على مؤهل متوسط أقل في الحصول على فرص العمل والترقي في السلم الوظيفي، إن وجد، لأن فرص العمل لهن محدودة.

وجاء في البيان أن أعلى نسبة طلاق بين النساء هن الحاصلات على شهادة متوسطة، حيث بلغ عدد 79871 حالة تمثل 32.8  في المئة، بينما سجلت أقل نسبة طلاق بين الحاصلات على درجة جامعية عليا، فقد بلغ عدد الحالات 253 حالة بنسبة 1.0 في المئة.

عن هذا الأمر أشارت أستاذة علم الاجتماع إلى أنه "بشكل عام قلة التعليم تؤدي إلى قلة الوعي وضيق الأفق وعدم القدرة على حل المشكلات أو التعامل معها، وتجعل الرؤية محدودة وقاصرة في ما يتعلق بالعلاقة الزوجية ومتطلباتها كاملة، إضافة إلى أن الفئة الأقل تعليماً هي الأكثر تأثراً بالمتغيرات المحيطة، مثل السوشيال ميديا على سبيل المثال، فهي تعتبرها نافذتهم على العالم، ففكرة ربط إهمال البيت وزيادة نسب الطلاق بعمل المرأة وتعليمها ومكانتها في المجتمع هو أمر خاطئ تماماً، وقد ثبت بالدليل من خلال هذه الأرقام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت أنه "لا بد من نشر الوعي، وتدريس مادة تهتم بالثقافة الأسرية، وهي تختلف تماماً عن مفهوم الثقافة الجنسية، على الرغم من أهميتها، فالثقافة الأسرية تعني كيفية التعامل بين الطرفين، وكيفية مواجهة المشكلات، والدور المنوط بكل من الزوج والزوجة، فهذا الأمر شديد الأهمية لأنه لا أحد يؤهل للزواج من الأساس، وهناك تراجع كبير في دور الأسرة، وينعكس هذا على المجتمع بكامله، وينتج ما يحدث الآن من ارتفاع كبير في انهيار الأسر في السنوات الأولى من الزواج".

ولفتت إلى أن "الأمر الآخر الذي له القدر نفسه من الأهمية هو الخطاب الديني المعتدل، الذي يعطي صورة عن أهمية الأسرة ودورها، ويقدم نماذج يحتذى بها بأسلوب يصل لجميع العقليات والمستويات".

"لم الشمل" و"مودة"

طبقاً للتقرير، فبالنسبة إلى معدل السن للرجال في حالة الطلاق فقد كانت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية (من 30 إلى أقل من 35 سنة)، وبلغ عددها 48342 حالة.

وبالنسبة إلى معدل السن للمطلقات فقد سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية (من 25 إلى أقل من 30 سنة)، وبلغ عدد الحالات 43427، مما يدل على زيادة كبيرة في حالات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج.

وتواكباً مع الأرقام المتزايدة للطلاق، تبنى الأزهر مبادرة تحت اسم "لم الشمل" تختص بحل النزاعات الأسرية بجميع أشكالها، ومن بينها المشكلات الزوجية بهدف السعي للصلح بين الأزواج في كامل الجمهورية، حيث يقدم الشخص طلباً ومن ثم يتوجه إلى لقاء القائمين على الصلح أو في بعض الأحيان يتوجهون في زيارة ميدانية لصاحب المشكلة.

وطبقاً لبيان نشره مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية فحتى شهر يونيو (حزيران) الماضي تم حل 77 ألف نزاع، من بينها خلافات بين أزواج كانوا مقدمين على الطلاق.

وفي السياق ذاته، دشنت وزارة التضامن الاجتماعي مبادرة تحت اسم "مودة" لتأهيل المقبلين على الزواج نفسياً واجتماعياً قبل الزواج لتكوين أسرة.

وتقدم المبادرة نشاطاتها في جميع المحافظات للعمل على خلق شكل من أشكال التوعية للحد من حالات الطلاق التي باتت تتزايد بمعدل كبير خصوصاً بين صغار السن.

نزاعات في المحاكم

لا تتم كثير من حالات الطلاق بالصورة الودية من دون مشكلات، وإنما تشهد ساحات المحاكم نزاعات لا نهائية بين أزواج بعضهم يطلب الطلاق أو الخلع، وبعضهم الآخر يطالب بحقوق ما بعد الطلاق.

وطبقاً للبيان بلغ عدد أحكام الطلاق النهائية 11194 حكماً عام 2021، وشهد العام نفسه 9197 حكماً بالخلع، الذي أصبح ملاذاً لكثيرات يطلبن الطلاق ويتعنت الزوج فلا يجدن سبيلاً إلا التنازل عن جميع حقوقهن من أجل الطلاق.

ويدور حالياً سجال كبير في مصر بالتواكب مع إعداد مشروع جديد لقانون الأسرة سيعرض قريباً على مجلس الشعب، وسط تيارات متباينة ترغب في إضفاء رؤيتها على القانون، فما بين التيارات المدنية والجمعيات النسائية وما بين التيارات الدينية المتشددة والمستنيرة، وما بين أطراف يسعى كل منها لتحقيق مصالحه وفرض سطوته، تقف الأسر المصرية منتظرة صدور القانون، الذي يأمل كل طرف أن يكون منصفاً له.

يرى الرجال أن القانون الحالي في صف النساء وفيه ظلم شديد للرجل، بينما ترى النساء أن القانون لا ينصف المرأة، وإن وجدت القوانين فتطبيقها لا يحدث بسهولة، وهناك أبواب عديدة للتحايل عليها يستغلها الأزواج كيداً في النساء ولا يدفع الثمن سوى الأطفال.

إيمان، مطلقة في الخامسة والثلاثين وأم لطفلين، قالت "طلقت منذ أربع سنوات أخرجني والد أطفالي من المنزل وتنصل من دفع النفقة، فلجأت للمحكمة واستمرت القضية لمدة عامين لم ينفق خلالها جنيهاً واحداً على الأطفال".

وأضافت "عندما حصلت على حكم النفقة لم يدفع، واكتشفت أني لا بد أن ارفع قضية أخرى لإثبات ذلك ستظل هي الأخرى منظورة لفترة طويلة، وهذا نموذج واحد من ضمن قضايا كثيرة تخص حالتي منظورة حالياً في المحكمة، من يتحدث عن أن القانون منصف للنساء لا يعرف أي شيء عما يحدث على أرض الواقع".

بينما تشير غادة، وهي مطلقة في السابعة والعشرين وأم لطفل عمره عام واحد إلى أنها "تزوجت لمدة عامين فقط وتعرضت خلالهما للضرب والإهانة والخيانة، وعندما رفض تطليقي فكرت في رفع قضية طلاق، لكن أخبرني المحامي بأنه لا بد من تقديم سبب للمحكمة للحكم بالطلاق، وكل ما عانيته من الصعب جداً إثباته للمحكمة، فلم يكن هناك سبيل سوى الخلع والتنازل عن جميع حقوقي، وبالفعل حصلت على الحكم، وحالياً لدي جملة من القضايا ستستمر لسنوات للحصول على حقوق الطفل، الذي لا يعرف أباه، فأي قانون ينصف المرأة؟".

ومن جانب الآخر، أشار حازم، وهو مطلق في الثانية والأربعين وأب لطفلين، إلى أن "القانون الحالي لا يضع الأب في الاعتبار، لكن يركز على حقوق الزوجة التي ستحصل على الشقة والنفقة وحضانة الأطفال الذين لن يراهم الأب إلا ساعتين في الأسبوع في حال تعنت الأم إذا حصل على حكم بالرؤية، فأين حق الآباء؟".

واقع القانون الحالي

وعن أهم مشكلات القانون الحالي، قالت نهاد أبو القمصان المحامية في النقض، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة لـ"اندبندنت عربية"، إن القانون ينقسم إلى شقين، إجرائي وموضوعي، وعندما صدر قانون الأسرة لعام 2004 مع إنشاء محكمة الأسرة التي كانت تعرف سابقاً بمحكمة الأحوال الشخصية كان أحد أهدافه أن يكون هناك ملف واحد للأسرة يضم كل شيء وينظر أمام دائرة قضائية واحدة بالتعاون مع مكتب تسوية المنازعات التابع للمحكمة، لكن هذا الأمر لم يفعل بالشكل الكافي، فهو موجود إجرائياً، لكن ليس على مستوى موضوعي، فعندما تطلب سيدة الطلاق في المحكمة تفاجأ بأن عليها رفع ما يقرب من 15 قضية لأن كل إجراء يتطلب قضية منفصلة مثل النفقة والسكن والمؤخر، إضافة إلى أن أمراً مثل مصروفات المدارس يحتاج إلى اللجوء للمحكمة كل عام للحصول على حكم بالمصروفات الدراسية، وهذا أمر غير منطقي".

وأضافت أبو القمصان "إضافة لما سبق فإن واحدة من أكبر المشكلات هي بطء إجراءات التقاضي، فالسيدة التي تلجأ للمحكمة لرفع قضية طلاق قد تحصل على الحكم بعد ثلاث سنوات ما بين حكم أول درجة واستئناف ومن بعدها تبدأ مرحلة البحث عن حقوقها وحقوق الأطفال لتبدأ مرحلة تالية من القضايا، مثل النفقة التي تحتاج إجراءات معقدة، من أهمها أن تقوم بالحصول على ما يثبت دخل الزوج، وهو أمر شديد الصعوبة وفيه كثير من التلاعب من الأزواج للتهرب من دفع النفقة كيداً في الزوجة، وهناك شق آخر شديد الأهمية وهو عدم نظر محكمة الأسرة في أي أمور ذات علاقة بالشق الجنائي، ففي حالات العنف المنزلي مثل الضرب وخلافه يحال الأمر إلى محكمة أخرى بخلاف محكمة الأسرة، على الرغم من ارتباطه بشكل مباشر بالقضية".

المأمول من قانون الأسرة الجديد

مطالبات واقتراحات عديدة طرحها المهتمون بقانون الأسرة المنتظر صدوره، كان من بينها اقتراح أن يتم الطلاق في المحكمة من الأساس، وتعقد جلسة لتسوية جميع الحقوق الخاصة بالطرفين، وضرورة وجود ولاية مشتركة للأب والأم على الأطفال، فلا يعقل أن يكون الأطفال في حضانة الأم ولا تستطيع القيام بأي إجراء يخصهم، ويكون ذلك سبب تعنت من الأب كيداً في الأم ويدفع ثمنه الأطفال.

ولفتت أبو القمصان إلى أن "المطلوب من قانون الأحوال الشخصية الجديد أن يراعي أموراً عدة، على رأسها تفعيل نظام الملف الواحد ووجود عقوبات جادة في حال التلاعب وتقديم مستندات مزورة للمحكمة، مثلما يحدث في أمور النفقة على سبيل المثال، فهذا سيقلل كثيراً من المشكلات".

كما طالبت بوجود حلول لبعض الثغرات، مثل قضية الاستضافة، فالأطفال في حضانة الأم، لكنها ترفض إرسالهم للأب، لأنها تخشى من قيامه بخطفهم والسفر خارج البلاد، ولن تحل هذه الأزمة إلا بوجود ضمان لعدم حدوث ذلك، أيضاً الاتفاقات الودية التي تحدث في مكاتب المحامين برضى الطرفين يمكن أن تعتمدها المحكمة وتعطيها صيغة تنفيذية فيقلل هذا من الضغط على المحاكم، "لكن ما يحدث هو أنها أحياناً تعتمد بعض البنود وترفض بعضها الآخر فيتم اللجوء لرفع قضية من دون داع".

وترى أبو القمصان أنه "من الأمور التي ستقلل كثيراً من الضغط على المحاكم هو أن يكون الطلاق أمام المحكمة من الأساس فيحيل المأذون الحالة مباشرة للمحكمة لعقد جلسة لتسوية جميع تبعات الطلاق، وهذا سيقلل من التلاعب وسيجعل الرجل يدرك أن الأمر ليس ببساطة أن يقوم بالطلاق ويذهب ويترك الزوجة والأطفال". وتشير إلى أن "الأمر ذاته بالنسبة إلى الزواج من أخرى، فلا بد أن تخطر الزوجة، وفي حال رغبتها في الطلاق تحصل على كامل حقوقها، ويقدم الزوج ما يثبت قدرته على الزواج الثاني".

ومن الأمور شديدة الأهمية التي تطالب أبو القمصان بتفعيلها، هي أن يكون "هناك نظام حماية للأطفال، فأي طفل تعرض لتجربة انفصال والديه، خصوصاً في حال وجود نزاعات قضائية هو طفل في خطر، ومن هنا لا بد أن تتوفر له متابعة دورية مع أخصائي نفسي حتى يعبر الأزمة، لأن الأطفال هم الأكثر تضرراً في حالة الطلاق".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات