Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ضجيج أبيض" افتتح مهرجان البندقية بخيبة أميركية

الخوف من الموت وطيف هتلر والزوجة الخائنة في مختبر الأوبئة

من فيلم "ضجيج أبيض" الأميركي الذي افتتح مهرجان البندقية (ملف الفيلم)

انطلق، أمس، مهرجان البندقية الـ79 بفيلم مخيب، "ضجيج أبيض". في مهرجان يعيش منذ سنوات شهر عسل طويلاً مع الأفلام الأميركية، هذا واحد من سبعة أفلام أميركية تتسابق على "الأسد الذهبي" خلال الدورة الراهنة. أما لماذا تم اختياره للافتتاح من دون غيره من الأعمال المهمة الموجودة ف التشكيلة الرسمية، فهذا لغز كبير وسيبقى لغزاً كبيراً. قد يمكن اللجوء إلى أبسط أنواع التحليل والقول إن "الموسترا" تحتاج إلى نجوم مثل آدم درايفر وغريتا غرويغ اللذين يمثلان في الفيلم، وذلك لاستعراضهم على السجادة الحمراء ليلة الافتتاح وأمام عدسات المصورين، لكن أفلاماً أخرى أيضاً فيها أسماء لامعة تجذب الأنظار، ما يضعف هذه الفرضية. ويمكن طرح سؤال آخر: هل هو دعم مطلق لـ"نتفليكس" التي أنتجت الفيلم، في موقف مضاد لمهرجان "كان" الذي يرفض اختيار أفلام المنصة الأميركية في المسابقة، لكونها لا تعرضها في الصالات؟

في إمكاننا متابعة الأسئلة على هذا النحو، لكنها ستبقى في إطار التكهنات والافتراضات، فهناك حقيقة موجعة أن فيلماً أقل من عادي (كي لا نقول أكثر) عرض في افتتاح واحد من أهم المهرجانات في العالم، وأضاع وقت الحاضرين، ويحصل هذا لمرة ثانية هذا العام بعد الفيلم الكارثي، "اقطعوا!"، الذي اختاره مهرجان كان افتتاحاً. والغريب أن أعمالاً أهم بكثير تعرض في أقسام موازية، كـ"أميرة" للإيطالي روبرتو ديه باوليس الذي افتتح فقرة "أوريزونتي"، ولكن عيبها الوحيد أنها أفلام لا تضم نجوماً ولا تأتي من هوليوود. وفي الواقع، أفلام الافتتاح حيرت كثراً من النقاد، لكون السيئ منها يسهم في نشر طاقة سلبية في أول أيام المهرجان. 
 
مشكلة نتفليكس

"ضجيج أبيض" من إنتاج "نتفليكس" التي ستختار بعض الصالات القليلة لاحقاً لعرضه داخل جدرانها، قبل أن يصبح متوافراً على شبكتها بدءاً من 30 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهو أول فيلم لهذه المنصة يفتح المهرجان الأعرق في العالم. أما نوا بومباك ابن الـ53 وله والدان عملا في النقد السينمائي، فهو مخرج الفيلم وهذا عمله الـ11. فيلمه السابق، "قصة زواج" الذي عرض هنا في البندقية قبل ثلاث سنوات، وثق بلغة سينمائية وكادرات باهرة وإخراج صارم، لحظة انفصال بين زوجين (آدم دايفر وسكارليت يوهانسون)، مصوراً خروج الحميمي إلى الحيز العام، مشيراً إلى الأشياء التي تبقى عالقة إلى الأبد، بعد حصول الانفصال.

 

الفيلم لم يوفر أيضاً المنظومة القضائية التي تجهز على ما تبقى من حب وود. في كل أفلامه، تولى بومباك كتابة السيناريو، لا بل كان يشتغله بجدية بالغة، وهذا ما أعطاه لمسة معينة منذ عمله المستقل، "فرنسز ها" (2012) ذي الأجواء الخاصة جداً بالأبيض والأسود، لكن هذا العاشق لبراين دبالما، قرر هذه المرة خوض تجربة الاقتباس من رواية، فأقدم على أفلمة رواية مهمة للكاتب الأميركي النيويوركي دون دو ليللو (1936) بالاسم نفسه، وكانت صدرت في عام 1985 وأسهمت في ذيوع صيت الكاتب دولياً، وهي تعتبر أحد نماذج الرواية في زمن ما بعد الحداثة. وود المؤلف من خلالها أن يتوجه بالنقد إلى أمور كثيرة في الثقافة الشعبية الأميركية، تحديداً في عهد رونالد ريغان، أي الثمانينيات، ومنها الإفراط في الاستهلاك ونشر المعلومات المغلوطة والبارانويا والإدمان على العقاقير، وسواها.

من الواضح أن لجوء بومباك إلى نص شخص آخر أربكه وحمله مسؤولية، ففقد من خلاله بعضاً من شخصيته السينمائية، وهذا يحدث أحياناً عندما يتعلق الموضوع بإيجاد أرض مشتركة بين عالم الكاتب وأسلوب المخرج. روى بومباك خلال المؤتمر الصحافي أنه قرأ الرواية في فترة الوباء، وشعر بأنها مرتبطة باللحظة التي يعيشها العالم، ومنها استلهم فيلماً يحاول أن يقرب بين الناس. بالنسبة له، "ضجيج أبيض" هو عن الحياة والموت. وأضاف قائلاً، "نحمي أنفسنا من الموت، لكن لا نعرف من أين يأتي الموت وكيف نتعامل معه".

فراغ وثرثرة

لعدد من الأسباب التي يصعب ذكر كلها هنا، جاءت النتيجة أقل مما كنا نتوقعه، خصوصاً أن بومباك رفع مستوى التوقعات بعد "قصة زواج". فالعمل فارغ وممل وثرثار وطويل جداً، يدخلنا في كثير من المتاهات، على الرغم من شطارة بومباك التقنية وشغفه السينمائي، فإن سهمه يطيش في كل مرة يحاول فيها أن يكون ظريفاً، والمشكلة أن الفيلم يختار الكوميديا السوداء مع لمسة رعب نمطاً له بغية التأثير في المشاهد، مع العلم أنه شديد الانتقاد للحياة في أميركا خصوصاً، حيث كل التطور لم يستطع نزع الخوف تجاه الموت من قلب الإنسان.

على غرار الرواية، يضعنا الفيلم داخل حميميات عائلة أميركية لا تتميز لوهلة بالكثير. الأب والأم (آدم درايفر وغريتا غرويغ) يهتمان بشؤون أولادهما، إلى حين وصول المشكلات إلى باب دارهما، الأب محاضر في الجامعة وتخصصه هو كل شيء يتعلق بهتلر (مع أنه لا يجيد اللغة الألمانية ويحمل ذنب هذا الجهل بها) والأم تدرس في كنيسة، هو وزوجته متحابان، لكن في المقابل يخشيان الموت كثيراً، وهناك دائماً سؤال يخطر في بالهما وهو: من سيفارق الحياة قبل الآخر، وكيف سيتعامل الحاضر مع الغائب؟ نكتشف أيضاً تفاصيل كثيرة من حياتهما اليومية في محاولة واضحة لإضفاء الواقعية، مع بعض السخرية اللاذعة التي تتسلل إلى الأجواء. ذات يوم، يتم ضبط الزوجة وهي تتناول أقراصاً غير متوافرة في الصيدليات، ما يفقدها ذاكرتها على حد ادعاء ابنتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثم، يحدث انفجار تنبعث منه السموم، فتنقلب الأمور رأساً على عقب. نزج بعضها في نظريات وهلوسات وخوف وفوبيا وتصفية حسابات مضحكة، خصوصاً عندما يعلم الزوج أن زوجته تخونه مع رجل يدعى "مستر غراي"، تجري معه اختبارات للحصول على دواء غريب. صحيح الرواية صدرت في الثمانينيات، وكانت تروي هواجس ذلك العصر وهمومه، لكن هذه الهموم والهواجس لم تتبدد حتى الآن، بل ازدادت خطورة على المجتمع. مع ذلك هناك صعوبة من جانب المشاهد لربطها بواقع شخصي، أو أن يأخذها على محمل الجد بسبب النحو الذي يتناولها بومباك، تاركاً لنا الانطباع بأنه يتحدث عن شؤون أميركية لا تمت إلى العالم بصلة.  

اقرأ المزيد

المزيد من سينما