Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مفهوم الرجولة تطور ليتخطى البيتلز وجيمس بوند

فيما يغوص كتاب جديد في التأثير المتناقض للعميل 007 وفرقة البيتلز على الرجال البريطانيين، يتساءل لويس شيلتون إن كنا سنقدر في يوم من الأيام على التوصل إلى تعريف محدد لما يجعل من الرجل رجلاً - أو إن كان علينا فعل ذلك أساساً

بالنسبة للعديد من الرجال، ولا سيما الفئة الأكبر سناً منهم، يجسّد بوند المثال الأعلى للرجولة التقليدية (غيتي)

لا تطلبوا مني أن أفسّر لكم مفهوم الرجولة. كيف يمكن لأي شخص أن يعرّف مفهوماً مشحوناً وضبابياً كهذا، في عام 2022؟ إنها مهمة متعذرة. فيما يصل المجتمع- أقلّه المجتمع المتقدم- إلى مرحلة إعادة تقييم الأفكار المسبقة المتعلقة بالثنائية الجندرية التقليدية ورفضها في النهاية، ما السبيل لتحديد السلوك أو الصفات التي تعتبر "رجولية"؟ غالباً ما يعتبر تصرفاً معيناً تصرفاً رجولياً لأن من يقوم به هو رجل ببساطة- سواء كنا نتكلم عن سلخ جلد الإلكة أو عن شعر الوجه أو متابعة مسلسل "إنتوراج" (Entourage). لكن اعتبار أي عمل "رجولياً" حتماً بطبيعته، هو محض هراء.

كما رأى مشاهدو قناة "سكاي سبورتس" الرياضية منذ أسبوعين، يمكن إعادة رسم حدود أي نشاط يعتبر حكراً على جنس من دون غيره بسرعة. أثار غريم سونيس، لاعب الوسط السابق في نادي ليفربول، وخبير كرة القدم حالياً، موجة غضب عارمة على الانترنت عبر إشارته إلى كرة القدم على أنها "لعبة الرجال مجدداً" (حين قال بحماسة عن مباراة تميزت بالخشونة بين منتخبي تشيلسي وسبورز إنها "رجال يلعبون كالمعتاد"). وبدا أن سونيس الذي كان جالساً بجانب لاعبة المنتخب الدولي لكرة القدم للنساء كارين كارني، قد أخطأ وسجّل هدفاً في مرماه. وأعرب البلد الذي لا يزال يعيش أجواء حماسة الانتصار التاريخي الذي سجله منتخب النساء في كأس أمم أوروبا عن سخطه، قائلاً سمحوا للجد [للمسن] بالتحدث عبر الإذاعة مجدداً. ومع ذلك، منذ خمس سنوات فقط، لم يكن أي أحد ليحرك ساكناً أمام تعليق سونيس.

يرتبط فهمنا الجماعي للرجولة ارتباطاً وثيقاً بثقافتنا الشعبية- ولا يتوقف الأمر عند الرياضة طبعاً بل يشمل التلفزيون والموسيقى والأفلام والموضة. وهو الموضوع الذي يدرسه جون هيغز في كتابه المرتقب في الحب والسماح بالموت: بوند، البيتلز والذهنية البريطانية. ويركّز الكتاب على عملاقين ثقافيين هما جيمس بوند والبيتلز، ويبحث في تأثيرهما المختلف على الوعي العام. لكن فيما قد تمثّل شخصية الجاسوس الخارق وزير النساء التي اخترعها إيان فليمينغ من جهة وموسيقيو البوب الأربعة من ليفربول من جهة أخرى صورتين مختلفتين جداً عن مفهوم الرجولة، يقوم البحث عن حقائق مطلقة حول الجندرية في أوساط مشاهير الثقافة الشعبية على أساس عقيم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالنسبة للعديد من الرجال، ولا سيما الفئة الأكبر سناً منهم، يجسّد بوند المثال الأعلى للرجولة التقليدية. فهو المسيطر من الناحية الجسدية، ولديه علاقات جنسية كثيرة، ويملك مالاً وفيراً، ويكبت مشاعره كلياً. ويكتب هيغز "حين ظهرت شخصية بوند، جسّدت جانباً من هوية الرجل كان سائداً بعد الحرب- جانب الحامي. لكن (هذا الدور) ما عاد ضرورياً بالقدر نفسه اليوم". يمكن أن يخلق بوند شيئاً من الهوس عند نوع معين من الرجال- وهو شكل من التطرف سخرت منه شخصية آلان بارتريدج التي قدّمها الممثل ستيف كوغان بدقة (وهي شخصية خلقتها الثقافة الشعبية، لكنها تعكس قيم الرجولة البريطانية بدل أن تمليها على المجتمع).

 أما بالنسبة لغيرهم، ولا سيما الشباب الأصغر سناً، يجسّد بوند كل الصفات السامة والخاطئة بشأن "الرجولة التقليدية". فهو عنيف. ومتحيّز جنسياً. وقاسي القلب. ومغتصب، بحسب كل التعريفات الحديثة للكلمة. حتى لو تجاهلنا الإيحاءات الإمبريالية المثيرة للغثيان في سفراته وتنقلاته، لا يزال يعطي الانطباع بأنه لا ينسجم مع أي تصور شبه مقبول لرجل القرن الحادي والعشرين. حاولت أفلام جيمس بوند الأخيرة، التي مثّل دانيل كريغ دور البطولة فيها، التوصل إلى حلّ لهذه النقطة: إذ يُصور العميل 007 كما قدمه كريغ رجلاً خارج زمنه، وديناصوراً مكبوتاً عاطفياً ينافسه جيل أكثر تنوعاً من الناحية الجنسية والعرقية يوشك أن يضاهيه براعة. ومع ذلك، من المفترض بنا أن نشجعه هو؛ فعندما تحتدم الأمور، بوند وحده من ينقذ الموقف دائماً. والغاية تبرر دائماً وسائل عمله التي عفا عليها الزمن.    

من ناحية أخرى، بدت فرقة البيتلز على النقيض منه. كُتب الكثير عن قيام فرقة الروك الأسطورية بقلب الأعراف الجندرية. إذ كان أعضاؤها يسدلون شعرهم الطويل، ولم يتمتعوا ببنية جسدية قوية أو لافتة- بل كانوا أقرب إلى الصبية من الرجال عندما تسلقوا سلم الشهرة. كتب مارتن كينغ، مؤلف كتاب الرجال والرجولة والبيتلز الصادر في العام 2013، عن أهمية فيلم هيلب! (ساعدوني) الذي صورته الفرقة الموسيقية في العام 1965 وزعم بأن التصور الذي قدمه الفيلم عن الرجولة "شكّل انطلاقة نحو إبراز انسيابية الهويات الجندرية التي ظهرت في العقود اللاحقة بشكل أوضح". 

من السهل اعتبار نجم معاصر لموسيقى البوب مثل هاري ستايلز- وهو شخص أغدق عليه المديح والثناء بسبب استعداده لقلب الأعراف الجندرية عبر اختياره لأزيائه- خليفة معاصراً لهم. لكن ما جعل من فرقة البيتلز نموذجاً فريداً من نوعه كان طبعاً قدرتها على لعب دور اجتماعي تغييري جذري في الوقت الذي أحدثت فيه ثورة في عالم موسيقى البوب نفسه. واستمدّت صورة الرجولة التي عكسها أعضاء الفرقة شرعيتها من موسيقاهم العبقرية والانتشار الثقافي الواسع التالي. مع احترامي الشديد لأغنية "ووترميلون شوغار" (سكر البطيخ) لا أظن أن هاري ستايلز قادر على الادعاء بتمتعه بالتأثير نفسه. 

أوضحت سلسلة الأفلام الوثائقية الموسيقية غيت باك (Get Back)، التي صُورت أثناء تسجيل البيتلز "ليت إت بي" (Let It Be) في أوائل عام 1969، طريقة عمل أعضاء البيتلز باعتبارهم فرقة من أربعة رجال. كان ذلك ظاهراً في سلوك بول مكارتني ورينغو ستار- العطوف والدافئ والفرح- مع الابنة الصغرى لليندا مكارتني، هيذر (التي تبناها بول بعد ذلك بفترة وجيزة). كما ظهر في الطريقة التي أبقى فيها جون لينون يوكو أونو، التي عانت من إجهاض قبل أسابيع قليلة من التصوير، بقربه كل الوقت تقريباً. وظهر كذلك في جو الصداقة العام بين أعضاء الفرقة، الذين تعاملوا مع بعضهم البعض بالألفة والسهولة التي تميّز الصداقات الطويلة الأمد بين الرجال.

لا يعني ذلك التغاضي عن حقيقة التعقيدات في حياتهم الشخصية- وربما يكون أبغضها اعتراف جون لينون بارتكابه العنف الأُسري. وأنا متأكد من أن بعض المشككين سيشيرون إلى انفصال الفرقة على أنه صدام نمطي بين الرجال بسبب غرورهم (مع أنه تبيّن أن فرق البوب التي تتألف من فتيات فقط معرّضة للانفصال المرير كذلك). إذ أن تخريبهم هوية الذكر التقليدية لا يلغي كون البيتلز في الوقت نفسه مجموعة من أربع رجال مغايري الميل الجنسي، من العرق الأبيض، تطابق هويتهم الجنسية طبيعتهم البيولوجية. ولم يمثّلوا التهديد نفسه على مفاهيم الرجولة التقليدية المسيطرة، الذي يمثّله شخص كليل ناس إكس الآن (أو على غرار جيمس بولدوين عندها، على نطاق أقل بروزاً، قبل إطلاق البيتلز أي أغنية لهم بسنوات طويلة).   

عندما ننظر إلى تصوير الرجولة في الإعلام، غالباً ما نراه عبر عدسة المثال الأعلى. ويصبح السؤال عن شكل الأمثلة التي علينا تقديمها  لأطفالنا- وعن صنف الرجال الذين نربيهم نحن، كمجتمع. لكن الرجولة ليست موضوعاً يعني الرجال فحسب. غالباً ما يتجاهل هذا التفكير أهمية تقديم نماذج إيجابية عن رجال يُقتدى بهم للفتيات والأطفال خارج الثنائية الجنسانية [الجندرية] كذلك، وأهمية امتلاك الفتيان قدوة ليست ذكراً. ونعود إلى البيتلز: غالبية معجبيهم كانت من الشابات. لم يكن الرجال فعلاً الجمهور المستهدف لهذا التصور الجديد والثوري عن الرجولة.

ليست الرجولة- أو يجب ألا تكون- شيئاً يمكننا استنباطه [استخلاصه] بالكامل من شخصية ملهمة. بل هو مفهوم يتعلم الناس أن يعبّروا عنه تدريجاً، إذ نجمع فهمنا الخاص له غريزياً من التجربة البشرية كاملة. لا أعلم فعلياً معنى أن أكون رجلاً تتطابق هويته الجنسية مع تكوينه البيولوجي في عصر تبدو فيه مفاهيم الجندرية أكثر هشاشة وانسيابية من أي وقت مضى. ولكن ما أنا على يقين منه هو: أن الرجولة ليست صنو جيمس بوند. 

يصدر كتاب "أحب واسمح بالموت: بوند، البيتلز والذهنية البريطانية" لمؤلفه جون هيغينز بتاريخ 15 سبتمبر (أيلول) عن دار دبليو وإن بشكل كتاب بغلاف مقوى، وكتاب إلكتروني وكتاب  صوتي.      

© The Independent

المزيد من منوعات