Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تمهد أزمة لبنان لفوضى دستورية وتدخل خارجي؟

التوتر حول تأليف الحكومة وصلاحية "تصريف الأعمال" لتولي الرئاسة يخفي صراعاً على هوية الرئيس المقبل

يصعب تصور الخروج من الذروة التي بلغها التأزم الراهن في لبنان حيث تتجاذب الأوساط السياسية وجهتي نظر (أ ف ب) 

كلما اقتربت بداية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس اللبناني الجديد في الأول من سبتمبر (أيلول)، وفي ظل غلبة الغموض والتوقعات المتشائمة خوفاً من شبح الفراغ المهيمن على الساحة السياسية، ارتفعت نسبة التوتر السياسي في البلاد.

أسباب التوتر كثيرة، أبرزها التناحر على دستورية تولي حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي صلاحية الرئاسة إذا انتهت ولاية الرئيس ميشال عون منتصف ليل الـ30 الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) من دون انتخاب من يحل مكانه.

التوتر حول الحكومة

التوتر في شأن الحكومة يخفي تباعد خيارات الكتل النيابية حول هوية الرئيس العتيد وتوجهاته السياسية، وربط عديد من القوى السياسية بين هذا الاستحقاق والمعادلة الإقليمية التي ستنجم عن محادثات فيينا في شأن الاتفاق على النووي الإيراني، وموقع "حزب الله" المستقبلي في تشكيل السلطة السياسية، التي حقق فيها مكاسب خلال ولاية عون، ومسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ما يضاعف الخلافات ويعطيها طابعاً طائفياً في الحملات الإعلامية، لا سيما بين ميقاتي وبين "التيار الوطني الحر" ورئيسه النائب جبران باسيل حول المسؤولية عن تأخير قيام الحكومة الجديدة.

ميقاتي يتهم باسيل بعرقلة إنجاز الحكومة وفق صيغة طرحها على عون في الـ29 من (يونيو) حزيران الماضي تبقي على وزراء حكومته الحالية (24 وزيراً) باستثناء بعض الوزراء، بينما يتهمه باسيل بالإخلال بالشراكة (بين المكونات الطائفية المعني بها حقوق المسيحيين)، وبلغ حد وصفه في أحد بياناته بـ"الفاسد"، وهي حملات انتقلت إلى مستوى تبادل التراشق بين الاثنين.

 

فعلى وقع تفاقم الأزمات المعيشية بجميع أوجهها، وعجز الدولة عن تقديم أي تحسن في الخدمات العامة البديهية للبنانيين، تنطلق الحملات من مبدأ التسليم بأرجحية شغور الرئاسة، بالتالي حتمية إدارة الحكومة ذلك الشغور وتوليها صلاحيات رأس السلطة إلى أن يتم اختيار الرئيس، وفق ما ينص عليه الدستور.

وفيما بقيت الإشكالية السياسية - الدستورية حول مدى صلاحية حكومة تصريف الأعمال برئاسة ميقاتي، لتولي سلطات الرئاسة في حال تعذر انتخاب الرئيس مطروحة في شكل محدود طوال الأسابيع الماضية، فإن الخلاف على تأليف الحكومة الجديدة أدى إلى تحويل هذه الإشكالية إلى سبب إضافي ضاغط على الوضع السياسي.

"الفراغ لا يملأ فراغاً"

آخر فصول التراشق كان يوم الخميس الـ25 من أغسطس (آب)، حين نسب رئيس الرابطة المارونية خليل كرم، المقرب من "التيار الحر"، إلى الرئيس عون بعد لقائه به قوله إن "المصلحة الوطنية العليا تقتضي بأن يكون الانتظام في المؤسسات الدستورية مؤمناً، والشراكة الوطنية مصانة، من حيث تشكيل الحكومة الجديدة أو من حيث انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا سيما أن حكومة تصريف الأعمال لن تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها على نحو كامل في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية لأي سبب كان".

وبدا عون جازماً برفضه تولي حكومة تصريف الأعمال سلطات الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولايته وبقاء المنصب شاغراً، إذ قال "لا يبدو طبيعياً أن الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية (الحكومة) غير المكتملة المواصفات وغير الحائزة على ثقة مجلس النواب يمكنه أن يملأ فراغاً على مستوى رئاسة الجمهورية"

أثار الكلام المنسوب لعون حفيظة ميقاتي الذي رد عبر مكتبه الإعلامي، قائلاً "المواقف الجاهزة التي تليت اليوم من منبر القصر الجمهوري كشفت، بما لا يقبل الشك، الأسباب الحقيقية لتعطيل عملية تشكيل الحكومة، وما يتم التخطيط له من قبل بعض المحيطين بفخامة رئيس الجمهورية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستغرب ميقاتي "استخدام منبر الرئاسة، المفترض أن يكون فوق الاعتبارات الطائفية، لإطلاق مواقف تؤجج الأوضاع، بدلاً من أن تشكل كلمة سواء لجمع اللبنانيين".

ولم يترك عون بيان ميقاتي من دون رد تولاه مكتبه الإعلامي أيضاً، فرأى القول إن استخدام منبر الرئاسة "المفترض أن يكون فوق الاعتبارات الطائفية"، "مستغرباً" أيضاً لأن "رئاسة الجمهورية ما كانت يوماً لطرف لبناني من دون الآخر، بل دافعت عن حقوق جميع اللبنانيين من دون استثناء، في وقت كانت ردود الفعل الطائفية والمذهبية تصدر من مواقع رسمية أخرى، ولعل مواقف رئيس الجمهورية في مسألة تشكيل الحكومة تعكس هذا التوجه الداعي دائماً إلى تحقيق الشراكة الوطنية والمحافظة على الميثاقية".

خلفيات التصعيد

على الرغم من أن كل من الرئيسين أنهى بيانه بالاستعداد لمواصلة جهود تأليف الحكومة، فإن انكشاف الخلاف علناً ينذر بذروة جديدة للأزمة السياسية المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، يخشى معظم الوسط السياسي من أن تتسبب بفوضى دستورية نتيجة تناقض الاجتهادات الدستورية حول نص الدستور على أن تتولى الحكومة سلطات الرئاسة في حال شغورها.

فالتراشق بين باسيل وميقاتي انتقل إلى تراشق بين الأخير وبين رئيس الجمهورية، اعتبره المراقبون دليلاً على تطابق موقف الرئيس وصهره وبعض المستشارين الذين كانوا أدلوا بدلوهم في شأن صلاحية حكومة تصريف الأعمال لتسلم سلطات الرئاسة، في وقت تقول مصادر ميقاتي إن لديه اجتهادات دستورية عدة، منها قول العلامة الدستوري النائب السابق حسن الرفاعي إن في استطاعة حكومة تصريف الأعمال تولي سلطات الرئيس في حال الشغور الرئاسي.

 

البيانات الصادرة عن الرئيسين جاءت وفق وقائع متسلسلة كالآتي، صدر موقف عون غداة لقائه الرابع بميقاتي منذ قدم له صيغته الحكومية في الـ29 من يونيو الماضي الذي رشح عنه معلومات بأن الرئيسين لم يتفقا على شيء.

فبعد أن تراجع ميقاتي عن نزع حقيبة الطاقة من "التيار الحر" في تشكيلته الأولى، أمام طلب عون إبقائها مع الوزير الحالي الموالي لباسيل، وحصر تغيير الوزراء باثنين، هما الاقتصاد التي يتولاها السني أمين سلام وشؤون المهجرين العائدة للوزير عصام شرف الدين الحليف لباسيل، أصر عون على بقاء الوزيرين وطلب توسيع الحكومة إلى 30 وزيراً بإضافة ستة وزراء دولة يمثلون الأفرقاء السياسيين سبق لباسيل أن اعتبر أنهم "يحصنون الحكومة" سياسياً، لكن بشرط أن يسمي عون الوزراء المسيحيين الثلاثة، ما يؤدي إلى حصول الفريق الرئاسي على الثلث المعطل في الحكومة بحيث يتحكم باجتماعاتها وقراراتها "التيار الحر" في ظل الشغور الرئاسي.

تهويل على ميقاتي

من الوقائع التي سبقت تراشق الرئيسين أن مستشار عون للشؤون القانونية الوزير السابق سليم جريصاتي صاحب الاجتهاد بأن حكومة مستقيلة لا يمكنها أن تتولى سلطات الرئاسة إذا لم ينتخب رئيس جديد، استخدم قبل يومين عبارة أن "فراغاً لا يمكن أن يملأ فراغاً"، فرددها عون في الكلام الذي نسبه إليه رئيس الرابطة المارونية في اليوم التالي.

وترافق كلام جريصاتي مع تسريبات من أوساط "التيار الحر" اعتبرتها أوساط سياسية معارضة لتحالف عون - "حزب الله" تهويلاً على ميقاتي وسائر الأفرقاء بأن عون يتجه إلى سحب تكليف ميقاتي، بأن يطلب من البرلمان تسمية غيره (حاول ذلك مع الرئيس السابق سعد الحريري ولم يستجب المجلس النيابي).

وهو أمر مخالف للدستور حال بقائه في القصر الرئاسي بعد انتهاء ولايته منتصف ليل الـ30 من أكتوبر المقبل، إذا لم تكن هناك حكومة كاملة الصلاحية، لأن حكومة تصريف الأعمال "غير قادرة على ممارسة مسؤولياتها على نحو كامل"، كما قال عون نفسه، وهو أمر آخر مناقض للدستور.

على الرغم من نفيه أكثر من مرة نيته البقاء وإعلانه أن قراره مغادرة القصر الرئاسي، شملت التسريبات أن عون قد يتخطى الدستور بإعلانه منفرداً تكليف شخصية تؤلف الحكومة، الأمر الذي يخالف الدستور أيضاً، هذا فضلاً عن أي من الأفرقاء الآخرين، ومنهم "حزب الله" حليف عون وباسيل، ليس في وارد التناغم مع خطوة عدائية حيال ميقاتي، خشية تأجيج الحساسيات السنية - الشيعية، ولأن الحزب "مرتاح" لتعاطي رئيس الحكومة معه، إضافة إلى أن رئيس البرلمان نبيه بري ضد أي تنازلات كهذه لمصلحة التيار العوني.

رفض مسيحي

وفي وقت استغل باسيل تشديد حليفه "حزب الله" على ضرورة تشكيل الحكومة في مواقفه خلال الأسابيع القليلة الماضية، من أجل تفادي السجال حول دستورية تسلم حكومة تصريف الأعمال دفة الرئاسة. قالت مصادر سياسية مسيحية بارزة لـ"اندبندنت عربية" إن عون استفاد أيضاً من مناخ مسيحي حتى بين المعارضين له، يرفض استسهال الأفرقاء المسلمين في التركيبة الطائفية اللبنانية عدم انتخاب رئيس الجمهورية في موعده الدستوري، لأن هذا الأمر تكرر ثلاث مرات في العقدين الأخيرين، من أجل الدعوة إلى تأليف حكومة جديدة تتولى سلطات الرئاسة، تحت عنوان حفظ "الشراكة" الوطنية.

هذا المناخ المسيحي يشمل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، وهو مناخ يعارض تولي حكومة ميقاتي المستقيلة صلاحيات الرئاسة أيضاً ويأخذ على ميقاتي تريثه في التأليف بعد انقطاع اتصالاته برئيس الجمهورية لأكثر من 40 يوماً.

 

ويدعو هؤلاء إلى انتخاب رئيس الجمهورية في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن هذا المناخ يشمل بعض القوى المسيحية، ومنها حزب "القوات اللبنانية"، فإن الأخير يعتبر تسلم حكومة تصريف الأعمال سلطات الرئاسة سابقة دستورية.

هذه القوى تتهم "التيار الحر" بالتمهيد لتأخير الاستحقاق الرئاسي والإمساك بورقة السيطرة على الحكومة لضمان انتخاب رئيس موال له، امتداداً لعهد عون، أو رئيس يقبل بمطالبه ويحفظ له امتيازاته في السنوات الست التي سيمضيها في الحكم.

كما ترفض هذه القوى رئيساً حليفاً لباسيل، بالتالي لـ"حزب الله"، وتذكر بأن أول من تسبب بالشغور الرئاسي كان العماد عون نفسه في عام 1988 حين كان قائداً للجيش ومنع انتخاب غيره، حتى حصل اتفاق الطائف.

تدخل الخارج

يصعب تصور الخروج من الذروة التي بلغها التأزم الراهن، إذ تتجاذب الأوساط السياسية وجهتي نظر، الأولى ترى أن عض الأصابع في شأن تأليف الحكومة بين ميقاتي والثنائي عون - باسيل لا بد من أن يصل إلى نهاية فتتشكل حكومة كاملة الصلاحية قبل انتهاء ولاية عون، بعد أن يتم التأكد من صعوبة الاتفاق على الرئيس الجديد ضمن المهلة الدستورية لانتخابه، التي تمتد 60 يوماً بدءاً من الأول من سبتمبر.

ويراهن أصحاب وجهة النظر هذه على تدخل خارجي ضاغط يقود إلى قيام أية حكومة تفادياً لحصول فراغ مزدوج وفوضى دستورية، تفاقم الأزمة السياسية أكثر وسط توترات طائفية غير مضبوطة.

أما وجهة النظر الثانية فتشير إلى أن عون وباسيل يراهنان على أن يؤدي تأزم الوضع إلى تدخل خارجي يدعو إلى مؤتمر وطني خارج لبنان، على غرار مؤتمر الدوحة في مايو (أيار) 2008 إثر احتلال "حزب الله" العاصمة بيروت من أجل تسوية تؤدي إلى تعديلات دستورية كان باسيل طرحها من أجل استعادة الرئاسة الأولى بعض الصلاحيات التي نزعها منها اتفاق الطائف.

والرئيس عون سبق أن طلب من وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، حين زار بيروت لحضور مؤتمر وزراء الخارجية العرب في الأول من يوليو (تموز)، أن تبادر قطر إلى دعوة الأفرقاء اللبنانيين إلى مؤتمر حوار في الدوحة، وتردد في حينها بأن الوزير القطري أجابه بأن بلاده ترحب بأية مساعدة على التوافق بين اللبنانيين، وأن خطوة من هذا النوع تحتاج إلى توافق الأفرقاء المختلفين على دعوة كهذه.

المزيد من تقارير