Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يصحح الحزب الثالث في أميركا مسار اليمين واليسار؟

يرى مراقبون أن الأميركيين باتوا مستعدين بالفعل لحزب جديد وسطي يقدم مرشحين أكثر اعتدالاً

قد يكون من المستحيل تخيل مرشح لحزب ثالث يشكل تحدياً في انتخابات الرئاسة 2024 (أ ف ب)

بينما يستعد الأميركيون لموسم انتخابي جديد وسط مجتمع يزداد انقساماً ذهب أعضاء من الحزب الديمقراطي والجمهوري، الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة، إلى تأسيس حزب سياسي وسطي جديد يحمل اسم "فوروورد - إلى الأمام".

ففي أواخر يوليو (تموز) الماضي تم الإعلان رسمياً عن تشكيل الحزب الجديد برئاسة المرشح الديمقراطي السابق للانتخابات التمهيدية أندرو يانغ، والحاكم السابق لولاية نيوجيرسي كريستين تود ويتمان، أملاً في أن يصبح الحزب بديلاً جذاباً للناخبين الذين باتوا غير راضين عن الحزبين الرئيسين المسيطرين على المشهد السياسي، وهو ما طرح تساؤلات في شأن مدى استعداد الأميركيين لحزب جديد على غرار حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، وهل يمكن لذلك الحزب تجميع الفرقاء وسط مناخ سياسي استقطابي بين اليمين واليسار؟

للرد على تلك التساؤلات تجدر الإشارة أولاً إلى بعض استطلاعات الرأي الموثوقة داخل الولايات المتحدة. فوفقاً لاستطلاع حديث صادر عن مركز "بيو" للأبحاث، فإن نسبة الناخبين الذين لديهم وجهة نظر غير موالية لكلا الحزبين السياسيين ارتفعت من ستة في المئة عام 1994 إلى 27 في المئة اليوم.

وعندما طلب من المستطلعين الرد على العبارة التي تقول "عادة ما أشعر أن هناك مرشحاً واحداً في الأقل يشاركني معظم آرائي"، لم يوافق 43 في المئة، مقارنة بـ36 في المئة ردوا على السؤال نفسه في استطلاع مماثل عام 2018.

وأعرب 38 في المئة عن تأييدهم الشديد تعليقاً على عبارة "أتمنى أن يكون هناك مزيد من الأحزاب السياسية للاختيار من بينها في هذا البلد"، ووفقاً لـ"المركز الأميركي" فإن هذه النسبة تشمل 48 في المئة من المستقلين، و38 في المئة من الديمقراطيين، وفقط 21 في المئة من الجمهوريين الذين شملهم الاستطلاع.

الحاجة إلى حزب وسطي

يتفق استطلاع "بيو" مع استطلاعات أخرى أجرتها مراكز بحثية موثوق بها بما فيها "غالوب"، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته "مؤسسة الأبحاث الأميركية"، أوائل العام الماضي، أن 62 في المئة من الناخبين يعتقدون أن الحزبين الرئيسين يقدمان أداء ضعيفاً لدرجة أن هناك حاجة إلى حزب بديل.

وبينما يقرون أنه قد يكون من المستحيل تخيل مرشح لحزب ثالث يشكل تحدياً في انتخابات الرئاسة 2024، تشير وسائل إعلام أميركية إلى أن المتفائلين يرون أن هناك فرصة للمجموعات الخارجية للتنافس في السباقات المحلية وبناء أساس متين يسمح لهم بزيادة تأثيرهم بمرور الوقت.

أظهر استطلاع رأي لجامعة "سوفولك" وصحيفة "يو أس أي توداي" أن 34 في المئة من الأميركيين يرون أن هناك حاجة إلى أحزاب جديدة متعددة لتمثيل وجهات نظر الأميركيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نتائج الاستطلاعات هذه تعكس استياء واضحاً بين الأميركيين حيال نظام الحزبين الذي يعتمد على الاستقطاب نحو الهويات الحزبية كمحدد رئيس لتفضيلات الناخبين، بحسب ويليام غالستون، أستاذ السياسات العامة ومدير "برنامج الدراسات الحكومية" لدى مركز "بروكينغز" للأبحاث في واشنطن.

ما يزيد من حال الاستياء هو ربما المرشحان المتوقعان للانتخابات الرئاسية 2024، التي من المرجح أن تتكرر بين جو بايدن الذي يسعي لولاية ثانية، ودونالد ترمب الذي يرفض الهزيمة في انتخابات 2020.

يقول غالستون إن الانتخابات المقبلة ربما تكون بين اثنين من أقل المرشحين شعبية في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، حتى داخل أحزابهم. ويشير إلى أنه وفقاً لأحدث استطلاعات للرأي فإن 43 في المئة من الديمقراطيين يرون أن بايدن لا ينبغي أن يترشح لولاية ثانية. ويقول 38 في المئة من الجمهوريين الشيء نفسه عن ترمب، فإذا كان عام 2024 هو إعادة لانتخابات 2020، فإن 58 في المئة من الناخبين يقولون إنهم "سيفكرون" في مرشح رئاسي "معتدل ومستقل".

يرجح غالستون أن الأميركيين باتوا مستعدين بالفعل لحزب ثالث وسطي يقدم مرشحين أكثر اعتدالاً. وهو ما يتفق معه برنارد تاماس، الأستاذ في جامعة ولاية "فالدوستا" في جورجيا ومؤلف كتاب "موت وولادة الأحزاب الثالثة الأميركية"، الذي يرى وفق تعليقات سابقة لإذاعة "صوت أميركا" أن الوقت مناسب جداً لحزب ثالث، و"السبب إلى حد كبير هو مستوى الاستقطاب في السياسة الأميركية، وبخاصة الحركة اليمينية من قبل الحزب الجمهوري".

تاريخ من الصعود والهبوط

على الرغم من اتفاق المراقبين على أن المشهد السياسي الأميركي مهيأ لظهور حزب جديد وسطي، فإنهم يقرون بأن تاريخ السياسة الأميركية شهد صعوداً قصير العمر ونجاحاً محدوداً في الانتخابات لمثل هذه الأحزاب بالنظر إلى التحديات الهائلة التي تواجهها، فالنظام الانتخابي القائم على الهيئة الانتخابية التي تستند إلى قاعدة أن "الفائز يربح كل شيء" يجعل من المستحيل للأحزاب الأخرى الاحتفاظ بأية سلطة حاكمة حقيقية.

وتقول صحف أميركية إنه إضافة إلى المزايا المالية التي تتمتع بها الأحزاب الرئيسة فإن الناخبين الساخطين ينتشرون بشكل متباين عبر الطيف الأيديولوجي، بحيث لا يمكن لأي حزب أن يمثل منفرداً جميع وجهات نظرهم المختلفة، فيما يستدعي الكاتب الأميركي ريتشارد شيندر، في مقاله بصحيفة "ذا هيل" مصطلح "القبلية السياسية"، ويشير إلى أن الرغبة البشرية في الانتماء تعوق نجاح ذلك الحزب الثالث. ويوضح أن استطلاعات الرأي تظهر أنه حتى المستقلين والمعتدلين يصفون أنفسهم عادة بالميل إلى حزب ما وفقاً لميولهم الأيديولوجية، ومن ثم تتحكم تلك الميول في النهاية باختياراتهم الانتخابية.

على سبيل المثال، صعد "الحزب الشعبوي" الذي دافع عن فقراء الفلاحين في تسعينيات القرن التاسع عشر وتفكك بحلول عام 1900، لكن خلال فترة وجيزة من ذلك استطاع الحزب أن يمثل تهديداً كافياً للديمقراطيين، لدرجة أن الأخير تبنى في النهاية بعضاً من مثل "الحزب الشعبوي".

وفي عام 1912 انقسم الجناح الأكثر تقدماً في الحزب الجمهوري، بقيادة الرئيس السابق تيدي روزفلت، عن الحزب الجمهوري لتشكيل "الحزب التقدمي". وذهب روزفلت لاقتناص حصة أكبر من أصوات منافسه الجمهوري ويليام تافت، لكن كليهما خسر أمام الديمقراطي وودرو ويلسون.

وفي حين أن الانقسام أضر بالجمهوريين في صناديق الاقتراع فإن هذه الخطوة دفعت في النهاية الحزب الجمهوري أكثر نحو الوسط. وربما تكون التجربة الأكثر نجاحاً هي للمرشح المستقل روس بيرو الذي حصل على ما يقرب من 19 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية عام 1992 في مواجهة الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش ومنافسه الديمقراطي بيل كلينتون الذي فاز بالرئاسة آنذاك.

العودة للوسط

مع ذلك يقول بعض المراقبين السياسيين إن تأثيرات الأحزاب الثالثة لا ينبغي الحكم عليها فقط من خلال فوزها في الانتخابات. ويرون أن هناك كثيراً من الأمثلة في التاريخ، فعندما حصل حزب ثالث على دعم كاف اضطر أحد الأحزاب الرئيسة إلى إجراء تحول جوهري في سياساته، ومن ثم ربما يكون لحزب ثالث وسطي تأثير مماثل اليوم من خلال إجبار الديمقراطيين أو الجمهوريين على تعديل نهجهم إذا كانوا يخشون أن يتخلى كثير من الناخبين عنهم.

يقول تاماس إن التأثير الرئيس لتلك الأحزاب الثالثة طالما كان إحداث اضطراب يؤدي إلى مزيد من الاعتدال داخل الأحزاب الرئيسة. ويضيف أنه يتعين على الحزب الثالث فرض "تصحيح مسار" على أحد الحزبين الرئيسين أو كليهما.

ويتوقع جوناه غولبيرغ، من معهد "أميركان إنتربرايز" والزميل لدى "المعهد الوطني للمراجعة" أن يتسبب وجود حزب ثالث يضم كثيراً من الجمهوريين المعتدلين في خسائر للجناح المؤيد لترمب داخل الحزب الجمهوري. ويعتقد أن وجود مرشح "غير ترمبي" يمكن أن يلعب دور المفسد في الانتخابات المقبلة لصالح الديمقراطيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل