Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلاقات الإثيوبية - العربية في ضوء "تحديات المياه"

يقول مراقبون إن مفاوضات "سد النهضة" ستعود لكن يجب على أديس أبابا انتهاج سياسة جديدۃ بعد أن حققت غايتها

بقيت إثيوبيا إلى جانب الأمة العربية داعمة لقضاياها إلا في حالات نادرة بفعل تأثيرات دولية محسوبة (أ ف ب)

على الرغم مما يعتريها من تأثر في ظروف متغيرة تظل العلاقات الإثيوبية - العربية راسخة بحكم الجوار والتاريخ المشترك والمصالح المتبادلة. فهل يؤدي سد "النهضة" إلى جفاء في العلاقات بين الطرفين مستقبلاً؟

ظلت العلاقات الإثيوبية - العربية في تطور مستمر، ولم تؤثر عليها السياسة بتقلباتها، حيث بقيت إثيوبيا إلى جانب الأمة العربية داعمة لقضاياها، إلا في حالات نادرة بفعل تأثيرات دولية محسوبة.

رمزية العلاقة

يمثل السودان ومصر عنواناً حقيقياً لتوازن علاقات إثيوبيا مع الدول العربية لاعتبارات الثقل والانتماء اللذين يمثلهما البلدان، حيث احتفظت إثيوبيا بعلاقات ودية مع السودان نبتت من ظرف الواقع، وغذتها الأحداث في البلدين بمزيد من الرسوخ.

ففي حين كان السودان ملجأً للنزوح الإثيوبي في ظروف الحروب الأهلية الإثيوبية، مثلت إثيوبيا كذلك العمق القومي للسودان في مشكلة الجنوب، مساهمة في إحلال السلام والاستقرار، إلى جانب الدور الإيجابي المناصر للسودان في ظروف شتى.

أما مصر وإثيوبيا فترتبط علاقاتهما بعدد من العوامل المشتركة ضمن القدر الجغرافي للبلدين في تدفق مياه النيل من الهضبة الإثيوبية، إلى جانب إرث التعايش الإنساني الضارب بجذوره في تاريخ الحضارتين الفرعونية والحبشية، فضلاً عن ثوابت في علاقة البلدين ترجعها الحقائق إلى عهود قديمة، كأقدم علاقات أفريقية منذ مصر الفرعونية وحضارة كوش في أرض الحبشة وبلاد النوبة.

وكان لمصر دورها الفاعل في إثيوبيا ضمن نشاط الإمبراطورية العثمانية إلى جانب العلاقات الدينية التي ظلت تلعبها الكنيسة القبطية المصرية هناك، كما ازدادت أواصر الأخوة من خلال وحدة الهدف ضد الاستعمار إبان ولادة منظمة "الوحدة الأفريقية" في القرن الماضي.

القدر الجغرافي

على الرغم من المفاوضات المتعثرة في قضية سد النهضة الإثيوبي مع مصر والسودان لم تتأثر العلاقات الممتدة بين إثيوبيا ومعظم الدول العربية، التي تحتفظ بتواصل وثيق يتجاوز عرف الدبلوماسية إلى أبعاد أوسع من التواصل والتعاون والمصالح التجارية المتبادلة.

وتلخص العلاقة المائية على الرغم من الخطأ في وصفها بالسلبية مقولة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، "نحن شريكان في النهر الخالد الذي يفيض بالخير والبركة على شاطئيه". كما تأتي التصريحات الواضحة للرئيس عبدالفتاح السيسي، "إننا نتفهم التنمية، لكن في المقابل فإن المياه لا تعني بالنسبة لنا التنمية فقط، بل حياة أو موت لشعب".

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، "يمكن أن يكون سد النهضة الإثيوبي الكبير مصدراً للتعاون بين دولنا الثلاث، وأبعد". فالواقع الذي أوجد سد النهضة هو الذي يقود إلى ترسيخ السلام الإقليمي بحسابات القسمة الجغرافية والعرف الإنساني. فعند تقديم التعاون والمصالح المشتركة والابتعاد عن الانفراد بقضية تمثل عصب الحياة يمكن التوصل إلى حل "يربح فيه الجميع"، وهي المقولة التي ظلت إثيوبيا تتمسك بها في وصفها للاتفاق المنشود بين الأطراف الثلاثة، الأمر الذي ما زالت تعتري طريقه عقبات.

هل تعود مفاوضات سد "النهضة" بين الدول الثلاث وفق استراتيجية جديدة للحوار تفضي إلى نتائج إيجابية؟ وهل تنهج إثيوبيا سياسة جديدۃ خلال المرحلة المقبلة وقد حققت غاياتها في القرار والتصرف الفردي فيما تراه من حق وطني؟ وهل تؤثر قضية السد في مسار العلاقات العربية - الإثيوبية؟

تأمين التخوفات

يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان ومدير معهد الدراسات الاستراتيجية صلاح الدين عبدالرحمن الدومة أن "المرحلة المقبلة في قضية سد النهضة ينبغي أن تنظر إلى المصالح الكلية الجامعة بين العرب والأفارقة، وأن يشكل فيها الاستقرار والسلام في منطقة القرن الأفريقي أولوية قصوى لكل الأطراف".

ويضيف أن "الدبلوماسية الإثيوبية ينبغي عليها أن تأخذ في الاعتبار هذه المصالح الكلية بشيء من العقلانية، بحكم أن إثيوبيا جزء لا يتجزأ من واقع عربي وإسلامي فرضه التاريخ والثقافة والتداخلات الجغرافية والاجتماعية، كما أن المصالح مرتبطة هنا وهناك، سواء في إثيوبيا أو العالم العربي"، مؤكداً أن "ما يضر بإثيوبيا قطعاً لا ينفع العرب، والعكس كذلك، وسد النهضة أيده السودان ومصر كحق طبيعي لتنمية إثيوبيا ومدها بما تحتاج إليه من طاقة كهربائية هي في حاجة إليها، وما سلم به كل من السودان ومصر في الحق الإثيوبي ينبغي أن يقابله تسليم من طرف إثيوبيا كذلك بتأمين تخوفات المصب باتفاق قانوني ينظر للمصالح الإثيوبية والعربية مجتمعة".

ويشير الدومة إلى أن "تدفقات المياه، وأنشطة السدود والاتفاقات المبرمة بين كثير من بلدان العالم في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية تجارب لا تختلف ظروفها عن واقع (سد النهضة)، وهي تسند إلى القانون، والتعاون في قضية المياه كحق إنساني حيوي. والعالم يتنبأ بقلة المياه السطحية (الأنهار والبحيرات) مستقبلاً، ويحذر من تأثر ما يقدر بـ1.9 مليار شخص بندرة المياه بحلول عام 2050 وفق تقارير الجهات المتخصصة في الأمم المتحدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول مدير المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد إن "العلاقات الإثيوبية - العربية جزء لا يتجزأ من العلاقات الأفريقية – العربية، فإذا كانت القاهرة مقر جامعة الدول العربية، فإن أديس أبابا مقر الاتحاد الأفريقي، ولا يغيب عن الذهن أن ثلثي العرب أفارقة".

ويضيف، "هناك رصيد من العلاقات التاريخية بين إثيوبيا والعالم العربي يتمثل في التجارة بين الجزيرة العربية ومملكة الحبشة، وصاحب هذه العلاقات الاقتصادية علاقات ثقافية ودينية". ويؤكد، "لا أعتقد أن قضية (سد النهضة) ستؤثر في مسار العلاقات العربية - الإثيوبية سلباً، فالسد مشروع تنموي اقتصادي إقليمي يسهم في تعزيز التنمية بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان إلى جانب الدول العربية الأخرى"، مضيفاً، "في رأيي أن السد يوثق العلاقة بين إثيوبيا والأمة العربية بما يخلقه من أطر تعاون وتنمية ومفهوم جديد للأمن القومي لكل من إثيوبيا ومصر والسودان، متمثلاً في الأمن المائي الإقليمي العام بحكم أن النيل هو نهر إقليمي، الأمر الذي يفرض على كل دوله حتمية التعاون والتكامل الإقليمي لحماية الأمن الكلي".

الركيزة الأولى

الباحثة الإماراتية في الشأن الأفريقي أمينة العريمي تقول، "ترتبط الحبشة في الذهن العربي عامة بحقبة الإسلام الأولى وهجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار النجاشي، وهو ما يفسر الرؤية العربية الإيجابية لإثيوبيا حتى اليوم، وبحكم تخصصي في العلاقات الخليجية - الأفريقية أرى أن العلاقات الإثيوبية - الخليجية متطورة نظراً إلى أهمية إثيوبيا الاستراتيجية كقائدة في منطقة القرن والشرق الأفريقي".

وتضيف العريمي، "صحيح أن العلاقات الإثيوبية - العربية يطغى عليها الجانب الاقتصادي والاستثماري أكثر، لكن الجانب السياسي بات له دوره في الوقت الراهن، بخاصة بعد تفاعل قضية السد، فدول القرن الأفريقي كانت وستظل الركيزة الأولى للتوجه الاستراتيجي العربي نحو القارة الأفريقية برمتها، والامتداد الفعلي للأمن القومي الخليجي والعربي، بالتالي على جميع الدول نبذ الخلافات والاستعداد للمرحلة المقبلة، وبناءً على كل ما تقدم أقترح على دول الخليج العربي المساعدة في العمل على حل خلافات (سد النهضة) للوصول إلى توقيع اتفاق ثلاثي بين إثيوبيا والسودان ومصر تضمن حق الأولى في التنمية من دون المساس بحق مصر المائي وضمان الحقوق السودانية".

وتتابع، "أما في ما يتعلق باحتمالية جفاء العلاقات العربية - الإثيوبية بسبب السد، فلا أرى أن ذلك ممكن، لأن الدول العربية وجدت حتى منذ بداية الملء الأول أن العلاقات بين الثلاثي السودان وإثيوبيا ومصر مستمرة، ولم تشهد قطيعة، وقد نجحت الدبلوماسية الإثيوبية في الاحتفاظ بعلاقات مستقرة ومتميزة مع الدول العربية، وإن كان الذهن الشعبي الإثيوبي بمن فيهم النخب الفكرية يفرقون في رؤيتهم بين عرب الخليج والعرب في باقي الدول الأخرى".

النفع المتبادل  

تقول الصحافية المصرية المتخصصة في الشأن الأفريقي روضة علي عبدالغفار، "يجب أن نؤكد أن العلاقات الإثيوبية - العربية متجذرة ولها أبعاد تاريخية وجغرافية ودينية، فموقع إثيوبيا الجيوسياسي والروابط الثقافية والاقتصادية جعل علاقتها مع الدول العربية فريدة من نوعها. وقد مرت العلاقات بفترات مضطربة، أبرزها عندما دعمت حكومات عربية، مثل مصر وسوريا والعراق، العملية الانفصالية في إريتريا، مما انعكس سلباً على العلاقات بين إثيوبيا والعرب.

وتضيف، "أما قضية السد فمختلفة، وأرى أنها لن تؤجج خلافات بين إثيوبيا والمنطقة العربية، بل ستبقى القضية بين أطرافها الثلاثة، حتى إن إحالتها إلى جامعة الدول العربية لم تنجح، وتنحت الجامعة عن الوساطة بين الأطراف المعنية".

وعن مدى الترابط بين الطرفين العربي والإثيوبي تقول، "هناك أبعاد كثيرة للشراكة والتعاون، و(سد النهضة) ينبغي أن يكون بداية طريق بين إثيوبيا والعالم العربي، بعد التوصل إلى حل قانوني للقضية من شأنه أن يعود بالنفع المتبادل على شعوب المنطقة على المدى البعيد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير