Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعلان إثيوبيا اكتمال الملء الثالث لسد النهضة يرفع مستوى الأزمة المائية

جاء غداة تدشين التوربين الثاني لإنتاج الكهرباء وآبي أحمد: مستوى المياه في الخزان وصل إلى 600 متر

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يعلن اكتمال الملء الثالث لسد النهضة (وكالة الأنباء الإثيوبية فانا)

بعد يوم من بدء تشغيل التوربين الثاني لسد النهضة الإثيوبي المثير للجدل، مضت إثيوبيا في ما تصفه دولتا المصب بـ"خطوات أحادية غير مقبولة"، إذ أعلنت اكتمال المرحلة الثالثة من ملء خزان السد الذي تبنيه على النيل الأزرق، في خطوة قد تزيد من تعميق الأزمة المائية بين البلدان الثلاثة، التي لم تحقق فيها الجهود الدبلوماسية طويلة الأمد أي اختراق يذكر طوال السنوات الماضية.

وبينما لا تزال القاهرة تتحسس خياراتها، مع "التزام" المسارات الدبلوماسية والتفاوضية كسبيل لحل الأزمة، والتمسك بالاحتجاج على الخطوات الإثيوبية، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في خطاب تلفزيوني، الجمعة 12 أغسطس (آب)، من موقع السد شمال غربي البلاد، "ما ترونه خلفي هو الملء الثالث مكتملاً".

وفيما قالت الرئيسة الإثيوبية ساهل ورق زودي إن "سد النهضة هو انعكاس لصورة إثيوبيا المنتصرة، وإن الانتهاء الناجح من الجولة الثالثة لملء المياه سيفتح لأديس أبابا باب الدبلوماسية للتعاون أكثر مع دول حوض النيل"، ذكر آبي أحمد في رد مبطن على انتقادات مصر والسودان، أن "النيل هبة أغدقها الله علينا كي ينتفع منها الإثيوبيون"، منتقداً "الذين لا يتحملون المسؤوليات المنوطة بهم".

اكتمال الملء الثالث

بحسب ما أعلنه رئيس الوزراء الإثيوبي فإن عملية الملء الثالث لخزان السد اكتملت، وبات مستوى المياه في الخزان يصل إلى 600 متر، أي أكثر بـ25 متراً مما كان عليه في ختام المرحلة الثانية من التعبئة في الفترة عينها من العام الماضي.

وقال آبي أحمد، في كلمته التي حضرها كبار مسؤولي الدولة في موقع المشروع، وكان واقفاً على منصة بينما تندفع كمية مياه ضخمة من مقدمة السد، إنه "عندما شرعت بلاده في بناء سد على النيل، قالت منذ البداية إنها لا تريد أن تجعل النهر ملكاً لها فقط"، وتابع بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية "فانا"، "ها نحن نقف مع الحقيقة وبنينا بأنفسنا، موفين بوعدنا، من دون الإضرار بأحد، مبروك لجميع أبناء النيل، لأننا تمكنا من إكمال الجولة الثالثة من ملء المياه في سد النهضة في الوقت المحدد"، على حد وصفه.

وتؤكد مصر والسودان أن السد الكبير الذي يعد الأضخم في أفريقيا، سيضر بإمداداتهما من الموارد المائية، وتشدد القاهرة في أكثر من مناسبة بأن السد سيؤثر في حصتها من مياه نهر النيل، الذي تعتمد عليه بنسبة 97 في المئة في أمور الري ومياه الشرب، مما يهدد أمنها القومي.

وفي نهاية يوليو (تموز) الماضي، احتجت القاهرة لدى مجلس الأمن الدولي في خطاب "شديد اللهجة" على خطط إثيوبيا لمواصلة ملء سد النهضة "أحادياً" خلال موسم الأمطار منذ 2020 من دون اتفاق مع الدول الثلاث المعنية بالموضوع، معتبرة الأمر "خرقاً للقانون الدولي واتفاق إعلان المبادئ الموقع بين البلدان الثلاثة عام 2015"، لترد أديس أبابا عبر سفيرها لدى الأمم المتحدة تاي أتسكي سيلاسي أمدي بخطاب مقابل، أصرت فيه على أنها ليست ملزمة قانوناً بمشاركة التفاصيل الفنية للسد مع الجانب المصري، وأن بناء السد وملأه عمليتان متزامنتان وفق "إعلان المبادئ"، معتبراً أن أي طرح عكس ذلك هو "مجرد محاولة لتحدي هذا الإعلان، كما يتعارض مع تصميم السد وهندسته"، وهو الأمر الذي وصفه بعض المتابعين بـ"حرب البيانات" المتزامن لكل عملية ملء للسد.

حصة مصر

وكان لافتاً في الخطاب المصري الذي بعثه وزير خارجيتها سامح شكري لمجلس الأمن، تأكيد "احتفاظ القاهرة بحقها الشرعي المكفول في ميثاق الأمم المتحدة باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان وحماية أمنها القومي، بما في ذلك إزاء أي أخطار قد تتسبب بها مستقبلاً الإجراءات الأحادية الإثيوبية"، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال لقائه بطلاب الكلية الحربية، صباح السبت الماضي السادس من أغسطس الجاري، بأن "حصة مصر من مياه النيل أمانة في عنقه ولن يمسها أحد"، مضيفاً أن "موقف القاهرة في ملف السد ثابت ولن يتغير، وأن بلاده اتخذت المسارات الدبلوماسية في هذه الأزمة وحاولت أن تتحلى بالصبر وخطوات التفاوض".

وفي مايو (أيار) الماضي، دانت وزارة الخارجية السودانية التصريحات التي أدلى بها مدير مشروع سد النهضة الإثيوبي كفلي هوارو عن عزم بلاده الشروع في عملية الملء الثالث لسد النهضة، منتقدة ما سمته "عدم اكتراث المسؤول الإثيوبي بالأضرار المحتملة على الجانب السوداني، على الرغم من اعترافه باحتمال تأثر كل من السودان ومصر بعملية الملء الثالث".

وفي ضوء تلك التطورات المتلاحقة أوضح مصدر مصري رفيع المستوى، أن "القاهرة التي تدرس خياراتها بعناية وحساسية دقيقة في التعاطي مع أزمة سد النهضة، لا تزال ترى حتى اللحظة في الخيارات الدبلوماسية والتفاوضية الحل الأمثل لتجنب تفاقم الأزمة وخروجها عن السيطرة مع أديس أبابا"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "محاولات وساطة دولية شهدتها الأزمة في الأسابيع والأشهر الأخيرة لا تزال قيد التطور قد تحدث اختراقاً في جدار الخلافات الصلب في مواقف أطرافها".

وقبل أيام اختتم المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر جولته الإقليمية التي شملت كلاً من مصر والإمارات وإثيوبيا، وبحسب الخارجية الأميركية فإن جولة هامر التي استمرت حتى الأول من أغسطس الجاري، هدفت "إلى تقديم دعم الولايات المتحدة الأميركية الرامي إلى التوصل إلى حل دبلوماسي للمسائل ذات الصلة بسد النهضة الإثيوبي، بما يحقق مصالح جميع الأطراف ويسهم في مزيد من السلام والاستقرار في المنطقة".

التوربين الثاني

في الأثناء، أعطى أمس الخميس آبي أحمد الضوء الأخضر لتشغيل توربين ثان من بين 13 مقررة على سد النهضة الكبير الذي من المرتقب أن يضاعف كمية الكهرباء التي تنتجها إثيوبيا، "ذات الأهمية البالغة لدعم تنميتها الاقتصادية"، في المقابل طلبت السودان ومصر مراراً من إثيوبيا وقف عملياتها لملء السد، وأكدتا أن السد الذي تقدر تكلفته بنحو أربعة مليارات دولار أميركي، وبطاقة معلنة تزيد على 5000 ميغاواط وبقدرة استيعاب تقدر بـ74 مليار متر مكعب، سيضر بإمداداتهما من الموارد المائية.

ووفق ما صدر من تصريحات رسمية، من المقرر أن يبدأ توليد الطاقة الكهربائية من التوربين الجديد بمقدار 270 ميغاواط تضاف إلى إنتاجية الوحدة التي بدأت بتوليد 375 ميغاواط من الكهرباء في فبراير (شباط) الماضي.

وفي معرض تدشين عمل التوربين الثاني، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي مصر والسودان إلى الحوار والتفاوض باعتبارهما الحل الأمثل للعمل في ما يفيد الأطراف جميعاً بشأن ملف سد النهضة، وقال أحمد خلال كلمته بمناسبة تشغيل التوربين الثاني إن بلاده أوضحت أكثر من مرة لدولتي المصب عدم نية بلاده إلحاق ضرر بهما، وأشار إلى أنه تم تشغيل التوربين الثاني بعد تخزين 22 مليار متر مكعب من المياه في عملية الملء الثالث، ومع ذلك لم يحدث أي انخفاض للمياه تجاه دول المصب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوقفت المفاوضات بين الأطراف الثلاثة منذ آخر اجتماع شهدته العاصمة الكونغولية كينشاسا في أبريل (نيسان) 2021، ولم يسفر عن تقدم نحو حل الأزمة، وحينها رفضت إثيوبيا المقترح الذي تقدم به السودان وأيدته مصر بتطوير العملية التفاوضية عبر رباعية دولية، تقودها الكونغو الديمقراطية التي كانت تترأس الاتحاد الأفريقي العام الماضي، لتشمل كلاً من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتمسكت بوساطة الاتحاد الأفريقي من دون أطراف أخرى.

ماذا بعد؟

بحسب مراقبين تنذر "الخطوات الأحادية" من الجانب الإثيوبي في التعاطي مع تطورات أزمة سد النهضة بمخاطر تصعيد، قد تصل إلى مستويات غير مسبوقة مع القاهرة، التي لطالما تشدد على عدم "التهاون مع المساس بحصتها المائية" البالغة 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً.

ويقول معتصم عبدالقادر الحسن مدير المركز الأفريقي للاستشارات إن "الخطوات المتلاحقة لإثيوبيا في شأن سد النهضة لا تعطي الحقيقة الكاملة في إبراز حقائق السد، لا سيما في مدى اكتمال تشييده، والتبعات السلبية على دولتي المصب مصر والسودان".

ويضيف "قد يكون الظرف السياسي الداخلي في إثيوبيا هو المحرك الرئيس لتلك السياسية، إذ يبدو أن حكومة آبي أحمد تسعى لتجاوز التحديات الداخلية عبر حشد الإثيوبيين وراءها، وتحقيق وحدة صف هي في أمس الحاجة إليها نتيجة الظروف الحالية التي تمر بها، من بينها البحث عن تحقيق سلام مع عديد من الجهات المعارضة وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

ويتابع الحسن "التشغيل لكلا التوربينين لا يعتبر إنجازاً، وذلك لضعف ما هو متوقع من إنتاج كهربائي حسب توقعات الخبراء، والهدف من ورائه رفع الحالة المعنوية، وتحسين صورة الحكومة الإثيوبية بخاصة في ظل الظروف الحالية".

من جهته، يقول إبراهيم المنشاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه "على الرغم من حرص القاهرة على الالتزام بالمسار التفاوضي والسياسي في التعاطي مع الأزمة حتى الوقت الراهن، إلا أن التصرفات الأحادية المستمرة من الجانب الإثيوبي قد تصل بالأزمة إلى مستويات غير مسبوقة"، موضحاً لـ"اندبندنت عربية"، "لحسن الحظ أن الملء الثالث هذا العام للسد تزامن مع موسم وفير من الأمطار على الهضبة الإثيوبية، وهو ما انعكس في عدم التسبب بضرر واضح للأمن المائي المصري، إلا أن الارتكان لمثل هذا الاحتمال في كل مرة لن يكون مؤكداً في ظل التغيرات المناخية التي تعانيها غالبية دول العالم، وكذلك خلال سنوات الجفاف وقلة الأمطار".

وكان لافتاً قبل يومين، تحذير القاهرة في رسالة بعثها وزير الري محمد عبدالعاطي لمجلس الأمن، من وجود شقوق تمتد في الواجهة الخرسانية للسد الفرعي المرتبط بسد النهضة الإثيوبي، مؤكدة أن هذا الأمر مثير للجزع بشكل خاص بسبب "فشل إثيوبيا" في الامتثال لواجب إجراء دراسات الأثر البيئي والاجتماعي الاقتصادي المطلوبة.

وقال عبدالعاطي في الرسالة التي خصصت للحديث في شأن القرار الانفرادي لإثيوبيا بالملء الثالث لسد النهضة، إن قرار إثيوبيا استئناف ملء سد النهضة في موسم الأمطار الحالي، والوصول بمستوى المياه إلى 600 متر في قسم التدفق السفلي للسد، يأتي في غياب اتفاق بين البلدان الثلاثة على القواعد المنظمة لملء وتشغيل سد النهضة، ويتجاهل بذلك تجاهلاً تاماً بيان رئيس مجلس الأمن الصادر في سبتمبر 2021، ويشكل خرقاً مادياً متكرراً لاتفاق إعلان المبادئ لعام 2015.

وكانت مصر أعلنت تلقيها رسالة من إثيوبيا، يوم الـ26 من يوليو (تموز) الماضي، تفيد باستمرار أديس أبابا في ملء خزان سد النهضة خلال موسم الفيضان الجاري، وهو الملء الثالث الذي تنفذه إثيوبيا من دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان في شأن السد.

واستبعد الرئيس المصري في أكثر من مناسبة الحل العسكري للتعامل مع أزمة السد، إلا أنه قال في مارس (آذار) 2021 إن مياه مصر "خط أحمر، وإن الحصول على نقطة مياه واحدة يعني دخول المنطقة في حال عدم استقرار لا يتخيلها أحد"، وأضاف "لا أحد يتصور أن بإمكانه البقاء بعيداً من قدرتنا".

المزيد من دوليات