Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا يستقبل العرب مواليدهم

تتشابه أعراف المنطقة كثيراً ولم يعد جنس المولود يشكل فارقاً باستثناء بعض المجتمعات الريفية

للشعوب العربية عادات وتقاليد خاصة تستقبل بها المولود  (اندبندنت عربية – حسن حامد)

مثل كل شعوب العالم باختلاف عاداتها وتقاليدها وثقافاتها، تستقبل المجتمعات العربية المواليد بطقوس واحتفالات خاصة وبعض الطقوس لها جذور تاريخية ضاربة في حضارات المنطقة العربية. ومع اختلاف العادات والتقاليد في البلدان العربية وفقاً لثقافتها ووضعها الاقتصادي، أفرز هذا الاختلاف أنماطاً محددة للاحتفال وإقامة طقوس استقبال المواليد خلال تاريخها الحضاري ومراحل تطورها، ونسبة لوحدة الإقليم الجغرافي تكاد تتشابه بعض التفاصيل وتتباين تفاصيل أخرى. تتفق الدول العربية في إقامة العقيقة إما بتفريق لحومها على الأقارب والمعارف والجيران والمساكين أو إقامة وليمة يدعون إليها، وإطلاق البخور للاعتقاد بالحماية من العين والحسد والأرواح الشريرة.

كما تتفق بعض الدول العربية على طقوس دينية خاصة، فالمجتمعات الإسلامية تستقبل المولود بأداء الأذان بصوت مناسب في أذنه اليمنى فور ولادته وإقامة الصلاة في اليسرى، ثم يحلق شعر رأس المولود الذكر في اليوم السابع وهو يوم العقيقة ويتصدق بزنة شعره ذهباً، ويتم ختن الذكور في اليوم السابع غالباً ولكن بعض البلدان ترجئه إلى وقت آخر. أما في المجتمعات المسيحية، فيعمد الطفل بسكب الماء عليه أو تغطيسه جزئياً أو كلياً فيه ليتخلص من خطيئة آدم وحواء ويكون مسيحياً خالصاً، ويتم هذا غالباً عند اليوم 40 للذكر و80 للأنثى بإشراف كاهن في الكنيسة وهناك طقوس أخرى خاصة ببعض المذاهب الدينية.

كما تتشابه بعض الطقوس في السودان ومصر والمغرب، منها ما اندثر وما هو باق، خصوصاً في المناطق الريفية بإطلاق الزغاريد إعلاناً عن قدوم المولود، وهناك تعليق بعض التمائم التي يعتقد أنها تحمي المولود من العين والحسد والشر، وللغرض ذاته كان شائعاً لبس "الحجاب" (التميمة) في يد المولود وهو قطعة مصنوعة من جلد الحيوانات أو القماش تحوي ورقة مكتوب بداخلها آيات قرآنية بالحبر المصنوع يدوياً من بعض النباتات ويستعمل في مراكز تحفيظ القرآن.

وعلى الرغم من التغيير الكبير الذي طرأ على المجتمعات في الدول العربية من عدم التفريق بين استقبال المولود الذكر والأنثى، لا تزال بعض المجتمعات الريفية تنزعج إذا كان المولود أنثى وتحتفي بقدوم الذكر.

مولود الحفرة

كانت المرأة السودانية تفضل الولادة في المنزل ويعتمد ذلك على القابلة وهي مثل طبيب الأسرة، وتكون للعائلة قابلة معروفة لديهم تقدم خدماتها لكل سيداتها، ولا تكون الاستعانة بطبيب إلا إذا حدث طارئ أثناء الولادة، أو تعسرت فيهرع بها إلى المستشفى، لكن في معظم الأحوال كانت القابلة تمتلك حلولاً لغالبية مشكلات الولادة.

عندما كانت الولادة تتم بالحبل حتى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، كان المواليد يستقبلون في حفرة، وللتخلص من تلك الممارسة قدمت الآنسة مابيل أي ووصلت إلى السودان من الفيوم بمصر عام 1920 لبدء التدريب في مدرسة القابلات بمدينة أم درمان.

كتبت المدربة الإنجليزية "أي أم كندال" رئيسة الممرضات في المدرسة خلال الفترة من عام 1946 إلى 1955 مقالة أوضحت فيها أنها عانت لإقناع القابلات السودانيات كبيرات السن بضرورة الالتحاق بالمدرسة لتدريبهن على الطرق الصحية في عمليات التوليد، وسردت عملية الولادة البدائية والشاقة التي كانت تمارسها القابلات وأزهقت أرواح كثير من الأمهات والمواليد بأنها "تتم للمرأة وهي واقفة وممسكة بحبل متدل من عوارض خشبية، تساعدها قريباتها، وتكون القابلة جالسة على الأرض وهي تمد رجليها حول حفرة ينتظر أن يسقط فيها المولود".

رزق البحر

تحولت القابلة حليمة حماد من مهنة التمريض إلى القبالة إذ ورثت هذه المهنة عن جداتها، بيد أنهن امتهن "ولادة الحبل" بينما درست كورسات القبالة ونالت دبلوماً عالياً فيها وتمارس مهنتها في المستشفى والمنزل، وأوردت أن "استقبال المواليد تغير من الماضي إذ كان كثير من الآباء والأهل لا يرحبون بقدوم الأنثى ويصابون بخيبة أمل عند الإعلان عنها، بينما يحتفون احتفاء كبيراً بقدوم الذكر، فيهرع الأب فور سماع الإعلان عن جنس المولود ويجلب السكر والبن والذبيحة. وفي بعض الأحيان، كانت التعليقات تصل إلى درجة تحميل الأم الذنب في إنجاب أنثى، أما الآن فتغير الأمر كثيراً إذ إن الفرحة بالمولود واحدة ولا تختلف إذا كان ذكراً أو أنثى".

وأضافت "كانت مشيمة الذكر تلف في قماش أبيض وتدفن بالقرب من المسجد أو في الحقل لينشأ رجلاً صالحاً وعاملاً، بينما تلف مشيمة الأنثى في قماش أبيض وتوضع في المطبخ لتصبح امرأة متقنة لكل أعمال المطبخ عندما تكبر".

يذكر أنه في شرق السودان، بخاصة المناطق المتاخمة للساحل تلقى المشيمة في البحر الأحمر مع إيراد تمنيات للمولود الجديد برزق واسع مثل البحر، ويتم ذلك وسط أهازيج وأغان محددة، وفي المناطق البعيدة من الساحل تعلق المشيمة على شجرة معينة.

طوق النيل

وتواصل حماد "من طقوس الترحيب بالمواليد في السودان، كانت الجدة تقوم بغسل المولود بعد ولادته في ماء دافئ وسط أجواء احتفالية، أما الآن فتكون العملية بشكل مبسط، وبعد غسل الطفل يوضع الكحل الأثمد على عينيه نسبة للاعتقاد أنه يجلي البصر ويفرك حاجباه بالكحل لتكثيف نمو الشعر، ويدهن شعره بمسحوق المحلب ودهن الصندل، كما يستعمل زيت السمسم في دهن المولود من رأسه حتى أخمص قدميه للاعتقاد أنه يساعد على النوم العميق وتوفير تدفئة للجسم في ليالي الشتاء وترطيب في ليالي الصيف".

وعلقت حماد بأن "تجهيزات الولادة قديماً كانت لا تتجاوز حاجات النفساء والطفل الصحية مثل الصابون المعقم وزيت السمسم وأقمشة لتغطية المولود وملابس خاصة به تحاك يدوياً قبل فترة من ولادته، وهي ملابس محايدة لعدم معرفة جنس المولود، وفي بعض المناطق لم تكن للأم نفسها تجهيزات إذ كانت تحضر للولادة من الحقل أو المرعى. أما الآن، فتشهد تجهيزات استقبال المواليد كثيراً من البهرجة والترف بحسب جنس المولود وبألوان محددة، وتشمل زينة النفساء وتزيين سرير مولودها بأفخر التجهيزات وأمور ربما لا تكون ضرورية، خصوصاً في اليوم الأول للميلاد".

وأوردت "هناك طقوس في بعض قبائل شمال السودان أنه بعد الولادة تقوم القابلة بعمل طوق صغير من سيقان القمح المربوطة ببعضها بسعف خضر، ثم تضع على هذا الطوق قليلاً من حبوب الذرة وقطعة من قراصة القمح وسبع تمرات وبعض الكحل والعطر ثم تذهب نحو النيل برفقة النفساء بصحبتهما ثلاث نساء ويلقين بهذا الطوق في النيل يخاطبن به الملائكة كهدية لهم، ثم يقمن بضرب الماء بالعصا في شكل صليب وتضرب النفساء على صحن نحاسي حتى يصدر رنيناً".

وأردفت "لا تكون حالات ميلاد طفل جديد سعيدة على الدوام، بل هناك حالات مأساوية مثل ولادة طفل ميت أو به بعض التشوهات الخلقية، ولأننا تعودنا على التحلي برباطة الجأش والتماسك، فلا نخبر الأم مباشرة مراعاة لحالها النفسية في هذه اللحظات ويتم إخبارها إما بواسطة الطبيب أو أهلها بعد تقبلهم الخبر واستيعابه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"حق اللبن"

تتشابه في الدول العربية لحظات انتظار مغادرة النفساء ومولودها المستشفى ليتوجه الزوار لرؤيتهما والتهنئة ولتقديم الهدايا إلى المولود، وفي السودان تذبح بعد وصولهما مباشرة الذبائح ويكرم المهنئون باللحم المشوي على الجمر و"المرارة" وهي بعض أحشاء الخروف تؤكل نيئة، كما تقدم لهم التحلية التقليدية المرتبطة بهذه المناسبة وهي عصيدة التمر بالسمن البلدي ومشروب "مديدة" الحلبة بالحليب. وفي اليوم السابع، تقام العقيقة وتتزين النفساء بكامل زينتها وتضع الحناء على أكفها وأرجلها.

كما تتشابه مدة مكوث النفساء في المنزل وهي 40 يوماً، تتناول فيها وجبات خاصة عدة في اليوم، تتكون بمعظمها من حساء اللحم والخضراوات وعصيدة التمر ومشروب الحلبة بالحليب، ويعتقد أنها تمد المرأة بالصحة وتدر حليب الأم لإرضاع الطفل، وخلال 40 يوماً، يكون هناك زوار للمولود وأمه يأتون بالمشروبات التقليدية الدافئة مثل الحلبة والنشا وغيرها.

بينما تتلقى النفساء في السودان هدايا مالية يضعها المهنئون تحت وسادتها أثناء وداعها، يطلق عليها "حق اللبن"، ويقدم للمولود إن كانت أنثى قرط من الذهب من جدتها أو أمها أو من سميت باسمه، وكانت تسمية المواليد على أجدادهم وجداتهم أو أقربائهم المؤثرين في العائلة تيمناً بهم شائعاً في السودان، لكن الآن تلاشت هذه العادة إلا عند بعض الأسر، وأصبح الناس يتبارون في اختيار أسماء حديثة ونادرة لمواليدهم.

 وفي اليوم الأربعين من ولادة المولود، تكون هناك احتفالية مسائية بهذه المناسبة تجتمع خلالها سيدات العائلة والصديقات، ويصنع طبق الأرز بالحليب وبليلة السبع حبوب وهي مكونة من الذرة والقمح والدخن والحمص واللوبياء البيضاء والسوداء وحبة الرشاد، وهي خاصة بهذا اليوم وكانت سائدة في المجتمع القديم كرمز للخير والنماء، إضافة إلى الحلويات والشاي بالحليب، ويستمر الاحتفال إلى ما بعد صلاة العشاء وتتلقى السيدات هدايا رمزية، تسمى "الفال"، عبارة عن علبة صغيرة تحتوي على قارورة عطر زيت الصندل وبخور وحلوى وعلكة، وعادة توزيع الفال تكون متبعة أيضاً في الأعراس خلال طقس "الجرتق".

سر الرقم سبعة

أما في مصر، فإضافة إلى الطقوس المشتركة بين الدول العربية لاستقبال المواليد مثل العقيقة والاحتفالات المختلفة، فإنه يلاحظ طغيان الرقم سبعة على الاحتفال باستقبال المواليد في مصر، وهو كما أوردت الهيئة العامة للاستعلامات في باب التراث والفولكلور أن الرقم سبعة مثل الاحتفال بالمولود في اليوم السابع (السبوع)، له جذر تاريخي منذ العهود القديمة وذكرت الهيئة أنه "في مصر القديمة كانت نسبة وفاة المواليد في أيامه الأولى سائدة، والمولود صاحب الحظ في الحياة يعيش حتى اليوم السابع ويتم الاحتفال به بحيث يعتقد أنه طفل بكامل الصحة والعافية ويستحق الاحتفال به واختارته الآلهة للحياة".

 وأضافت الهيئة، "في هذا اليوم تقوم جدة المولود بغسله، وفي المناطق الريفية تحضر مياه النيل لهذا الغرض، ويدعى الأقارب والجيران إلى العقيقة وتقدم الهدايا للمولود، وهناك كيس الحلوى الخاص بهذا اليوم ويحتوي على شمعة وحلويات ومكسرات وورقة باسم المولود".

ومن العادات المصرية الشهيرة، ذكرت الهيئة أن هناك "استعمال الغربال المستخدم في تنقية الحبوب من الشوائب، إذ تخطو النفساء سبع مرات على الطفل وهو في الغربال اعتقاداً بإبعاد الشر عنه، كما يدق هون النحاس وتردد بعض الأهازيج في أذن الطفل تنص على طاعة الوالدين واتباع الصفات الحميدة ويرش الملح على الطفل سبع مرات لمنع الحسد والشر". وعن زفة المولود التي يتم فيها إشعال سبع شمعات، أعادت الهيئة هذا الطقس إلى أنه "كان رمزاً للملائكة السبعة، فكانت الربة حتحور (أم النور) تمثل الشمس بسبعة طرق ومن هنا جاء طقس الشمعات السبع، فنور الشمع الأقرب تعبيراً عن نور الشمس".

 وتتابع "كما توضع صينية تحتوي على سبعة أنواع من الحبوب كالرز والفاصولياء والقمح بالقرب من المولود قبل يوم من الاحتفال، ثم ترش هذه الحبوب خلال الاحتفال على الرضيع في فراشه وهذا يدل على أن الرخاء والخير سيرافقه في المستقبل".

"تحنيك" المولود

 ومن ضمن التجهيزات المعروفة لاستقبال المولود، يشترى في دول الخليج العربي، إضافة إلى جهاز للمولود يحتوي على سرير وملابس خاصة به، "القماط" وهو قطعة قماش يلف بها المولود لمدة ثلاثة أشهر حتى ينمو جسمه معتدلاً. وهناك طقس آخر خاص بالمنطقة أنه عند الولادة يتم "تحنيك" المولود أي فرك تمرة ووضع جزء بسيط منها في فم المولود وتحريكه يميناً ويساراً لتقوية عضلات الفم، وكما في بعض الدول العربية يتبع أيضاً تكحيل العين بالكحل الأثمد. وكان في ما مضى يحتفل بختان الذكور، أما الآن فتتم العملية في المستشفى من دون صخب كما الحال عند معظم المجتمعات العربية، وعندما يمشي الطفل يرتدي ما يسمى "السبوحة" وهي جلباب أبيض للولد وملونة للبنت.

 وفي بلاد الشام، لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، تتشابه طقوس المواليد ومنها غسل المولود بالماء والملح للاعتقاد بأنها تشد جسده وتعقمه، وأحياناً يضاف الريحان ليعطي رائحة عطرية جميلة ويلبس "الديارة" وهي قطعة قماش تحاك خصيصاً له، ثم يلف بقماش يسمى "القندامة" ويوضع الكحل على عيني الطفل، وكذلك الحال في العراق حيث تقدم  المهنئات قطعاً من الذهب توضع على غطاء الطفل الذي يظل يستقبل هذا النوع من الهدايا طيلة أربعين يوماً.

إعلان بالزغاريد

الباحث في التاريخ والتراث المغربي إدريس الشنوفي يصف طقوس استقبال المواليد في المغرب بأن "ما يميز المغرب عن الدول العربية في مناسبات استقبال المواليد أن عدد الزغاريد هي وسيلة للإعلان عن جنس المولود، فإن أطلقت زغرودة واحدة فالمولود أنثى وإن أطلقت ثلاث زغاريد فإن جنس المولود ذكر".

أضاف، "مثل معظم الدول العربية تقام في اليوم السابع العقيقة، أما الطقس الخاص بالمجتمع المغربي، ففي هذا اليوم تذهب النفساء إلى منطقة الحمام بمرافقة عدد من السيدات، وبعدها يتم تخضيب أيديها وأرجلها بالحناء وتهدى لصاحبة الحمام هدية عبارة عن قالب سكر يسمى ’البياض‘، وبعد عودتهن يتم اختيار اسم المولود عن طريق القرعة، ثم يأتي فقيه المنطقة ليقرأ القرآن لمباركة المولود".

يوضح الشنوفي أن "تزيين الثياب في المغرب خلال فترة الولادة متشابه إلى حد ما، ولكن تختلف في بعض المناطق بأن تغطي النفساء رأسها بغطاء من اللون الأسود، ويلبس المولود ثياباً سوداء ويزين رأسه بتميمة من العقيق الأسود للاعتقاد بأنها تطرد الأرواح الشريرة والحسد، وبعد أن يكمل الطفل شهره الأول تعلق قطعة من العقيق الأحمر في معصمه"، ويتابع "وكذلك في بعض المناطق المغربية تجهز مبخرة من الفخار، وتكتب آيات قرآنية عليها ويقرأ عليها فقيه المنطقة آيات من القرآن، ثم يتم محوها بالماء لتشرب منها أم المولود لجلب البركة".

المزيد من منوعات