أعاد النائب العام الليبي الصديق الصور فتح التحقيق في واحد من أكثر الملفات الداخلية إثارة للجدل والحساسيات في السنوات الماضية، وهو المقابر الجماعية في ترهونة، جنوب طرابلس، بإعلانه التحقيق في 280 قضية تتعلق بالمقابر الجماعية المكتشفة حديثاً في المدينة، وإحالة 10 قضايا منها إلى القضاء، وتوجيه تهم القتل والتعذيب والخطف والإخفاء القسري والسطو المسلح والسرقة إلى 20 متهماً.
وبحسب تقارير محلية ودولية، فإن هذه المقابر تحوي جثت المئات من سكان مدينة ترهونة، قتلوا في فترة النزاعات المسلحة بين عامي 2014 و2020، وتعتبر ميليشيات "الكانيات" المحلية، وأربعة إخوة تولوا قيادتها، المتهمين الأوائل في ارتكاب هذه الجرائم.
رفض الاستخدام السياسي
وحذر الصور خلال مؤتمر صحافي عقده في طرابلس، من استغلال هذه القضية لأغراض سياسية وإعلامية. وقال إن "ما يعنينا بالدرجة الأولى هم أسر الضحايا المتابعون مع مكتب النائب العام، ولا يهمنا من يريد الاستفادة من القضية لخدمة أغراض سياسية أو إعلامية"، واصفاً ملف المقابر الجماعية في ترهونة بأنه "يحمل كل معاني الإبادة الجماعية".
وشدد النائب العام على "إعطاء الملف أهمية بالغة، وتكليف رئيس نيابة ومجموعة من الأعضاء لمباشرة التحقيق وسرعة إنهائه"، متحدثاً عن استخراج 259 جثة من 82 مقبرة في ترهونة وضواحيها، بينما جرى التعرف إلى هوية 120 جثة.
وتواجه ميليشيات "الكانيات" اتهامات بتصفية مئات من الأسرى، الذين وقعوا في قبضتها انتقاماً لمقتل آمرها محسن الكاني، وشقيقه عبد العظيم، ودفنهم في مقابر جماعية على أطراف المدينة في الفترة ما بين عامي 2014 و2020، وخصوصاً القياديين محمد وعبد الرحيم الكاني، اللذين قتلا لاحقاً أيضاً في ظروف مختلفة، حيث قتل عبد الرحيم في معارك ضد قوات الوفاق إبان الحرب على طرابلس عام 2018، بينما قتل شقيقه محمد في ضواحي بنغازي في يوليو (تموز) من العام الماضي.
مئات الجثث المدفونة
ومنذ عام 2020 فقط أعلنت السلطات الليبية والمنظمات الدولية اكتشاف أكثر من 27 مقبرة جماعية جديدة في ترهونة، آخرها، في مايو (أيار) الماضي عقب جولة للمبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز، التي تركت منصبها قبل أسابيع قليلة، في المدينة، وتضمنت زيارة مقبرتين جماعيتين، استخرج منهما بحسب البعثة 220 جثة بينهم 8 نساء و3 أطفال، إضافة لمركزي اعتقال احتجز فيهما عشرات الرجال والنساء بشكل تعسفي وتعرضوا فيهما للتعذيب الوحشي.
وأثناء لقائها أفراد عائلات الضحايا، قالت المستشارة الأممية "رأيت اليوم في ترهونة مقابر جماعية وزنزانات حبس انفرادي غير إنسانية، تعرض فيها مئات الضحايا للتعذيب والقتل، وليس ثمة ما يمكنني قوله يستطيع أن يعيد إليكم أحباءكم، لكن بوسعي أن أؤكد لكم أن الأمم المتحدة تدعم التحقيق في هذه الوقائع كي لا يفلت الجناة من العقاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتملك محكمة الجنايات الدولية المحكمة الجنائية الدولية تفويضاً من مجلس الأمن يغطي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير (شباط) 2011، ولديها صلاحية ملاحقة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم حرب في البلاد، أو يأمرون بها أو يساعدون فيها، أو يملكون مسؤولية قيادية عنها، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 (2011).
وتشير إحصاءات الهيئة العامة للبحث والتعرف إلى المفقودين الليبية إلى أنه ومنذ سيطرة ميليشيات الكاني المحلية، والمعروفة باسم "الكانيات"، على ترهونة في 2015، أبلغ عن اختفاء 338 شخصاً على الأقل من سكان البلدة.
وبحسب الهيئة أيضاً، "أفاد السكان بأن الميليشيات غالباً ما اختطفت واحتجزت وعذبت وقتلت وأخفت معارضيها أو المشتبه في معارضتهم. وقال البعض إن الميليشيات سلبت الممتلكات الخاصة وسرقت أموالهم".
مقابر أخرى
وعلى الرغم من أن المقابر التي تم اكتشافها في ترهونة حتى الآن تجاوزت 85 مقبرة جماعية، إلا أن بعثة تقصي الحقائق المكلفة من الأمم المتحدة، والتي زارت المدينة في بداية الشهر الماضي، كشفت عن أن "هناك مزيداً مما يمكن أن يكون مقابر جماعية سيجري التحقيق بشأنها في ما بعد، ويمكن أن تكون مئة مقبرة في مدينة ترهونة، التي تم العثور فيها بالفعل على مئات الجثث".
ويتضمن تقرير البعثة، الذي أحيل إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد أسبوع من الزيارة، تفاصيل قيام ميليشيات كان يديرها سبعة إخوة بإعدام وسجن مئات الأشخاص بين عامي 2016 و2020، واحتجازهم أحياناً في أبنية ضيقة تشبه الأفران وتسمى "الصناديق" وأضرمت فيها النار خلال عمليات الاستجواب.
وجاء في التقرير المكون من 51 صفحة، أن "من بين الضحايا معاقين ونساء وأطفالاً أيضاً".
وتوصلت البعثة، التي اعتمدت على شهادات سكان وزيارتين للموقع، إلى "أسس معقولة" تفيد بأن "ميليشيات الكانيات ارتكبت جرائم ضد الإنسانية"، وحددت أربعة من قادة هذه الجماعة شاركوا مباشرة في ارتكاب الجرائم.
وقالت إن "السلطات الليبية استخرجت 247 جثة من مواقع مقابر جماعية وفردية في منطقة ترهونة، وكان كثير من الجثث مكبلاً بالأغلال ومعصوب الأعين".
واستخدمت البعثة صوراً التقطت بالأقمار الاصطناعية تبين معالم تقلبات في التربة ضمن أدلة أخرى لتحديد ثلاثة مواقع دفن جديدة مرجحة. أضافت أنه "من الممكن أن تكون هناك مواقع أخرى كثيرة"، مشيرة إلى مقبرة قائمة تعرف باسم "مكب النفايات"، حيث تم فحص جزء صغير فقط من الموقع.
وجاء في التقرير "طبقاً لمعلومات مطلعين، ربما ما زال هناك ما يصل إلى مئة مقبرة جماعية لم يتم الكشف عنها بعد".
آخر المقابر المكتشفة
من جهتها، ما زالت الهيئة العامة للبحث والتعرف إلى المفقودين، التابعة لحكومة الوحدة في طرابلس، تواصل البحث عن مقابر جماعية محتملة في ترهونة، قادتها أكثر من مرة إلى مواقع جديدة لمقابر جماعية، كان آخرها استخراج 4 جثث من مقبرة "الداوون" وجثة واحدة من مقبرة "العوامر" في نهاية يوليو (تموز) الماضي.
كما استخرجت فرق إدارة البحث عن الرفات بالهيئة جثة قادتها إليها اعترافات أحد المقبوض عليهم في ضواحي المدينة، في الأسبوع الأول من شهر أغسطس (آب) الحالي.
وقالت الهيئة العامة للبحث والتعرف إلى المفقودين، إنها "أجرت تحاليل البصمة الوراثية ((DNA للجثث المستخرجة ومراجعة نتائج تحاليل البصمة الوراثية المتحصل عليها من إدارة المختبرات، مع المراجعة والتدقيق مع إدارات الرفات وقيد الأهالي والطب الشرعي، وتم التعرف إلى هوية جثتين بعد إجراء عملية المطابقة للنتائج".
وأضافت أنه "بعد هذا الكشف يصل عدد الحالات المتعرف إليها عن طريق مختبرات الهيئة العامة للبحث والتعرف إلى المفقودين إلى 154 حالة، وستتم إحالة تقرير المطابقة إلى مكتب النائب العام".