تجمع كل التحليلات والتقارير من المؤسسات وشركات الاستشارات والبنوك الاستثمارية الكبرى على أن القارة الأوروبية مقبلة على أشهر في غاية الصعوبة وسط ارتفاع معدلات التضخم نتيجة زيادة أسعار الطاقة، الغاز الطبيعي والكهرباء تحديداً، وأسعار الغذاء.
مع تباطؤ النمو الاقتصادي في دول أوروبا وزيادة احتمال دخولها في مرحلة ركود تزيد التوقعات بانهيار "التضامن" الأوروبي المتمثل في كون تلك الدول أعضاء بالاتحاد الأوروبي، كما يشير تقرير صدر هذا الأسبوع عن وحدة تحليل المعلومات في "إيكونوميست انتليجنس يونيت".
ويتوقع التقرير وعنوانه "منتصف شتاء سيئ لأوروبا" أن تواصل روسيا استخدام الغاز الطبيعي كسلاح في صراعها مع أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات على موسكو، بالتالي سيؤدي ذلك إلى استمرار نقص إمدادات الطاقة وارتفاع الأسعار وانكماش الاقتصاد.
ويقدر التقرير ألا تزيد إمدادات الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا عن المستوى الحالي عند 20 في المئة فقط، بل إن هناك احتمالاً أن تقلل موسكو كميات الغاز أكثر في الأشهر المقبلة حين يزيد الطلب على الطاقة في أوروبا مع دخول فصل الشتاء، ويخلص التقرير إلى أنه على الرغم من جهود خفض الاستهلاك بنسبة 15 في المئة كما قرر الاتحاد الأوروبي، ومحاولات الحصول على الغاز الطبيعي من مصادر أخرى إلا أن ذلك لن يكون كافياً على المدى القصير لحل مشكلة أن بعض الدول الأوروبية لن تستطيع توفير حاجاتها من الغاز.
التحسب للأسوأ
يتباين تأثير أزمة نقص الطاقة والتدهور الاقتصادي من دولة إلى أخرى، ومن شأن ذلك أن يهدد وحدة الدول الأوروبية كما يحذر التقرير، ويعتمد ذلك على عوامل عدة تتسم كلها بالضبابية والشكوك، منها...
مدى برودة فصل الشتاء، بغض النظر عن درجات الحرارة فإن المخزون من الغاز لدى أوروبا لا يزيد على ثلثي طاقته وهو في حدود 79 مليار متر مكعب، ومتوسط استهلاكها من الغاز منذ أكثر من ثماني سنوات ما بين 130 مليار متر مكعب و148 مليار متر مكعب، بالتالي ففي حال برودة الشتاء تعاني بعض الدول الأوروبية نقصاً حاداً في الغاز.
مدى التضامن الأوروبي، يمكن لهذا التضامن التدهور بشدة ليس فقط في الالتزام بخفض الاستهلاك بنسبة 15 في المئة كما قرر الاتحاد الأوروبي، وهو قرار تضمن أيضاً استثناءات كثيرة، بل سينهار التضامن في ما يتعلق بتشارك الغاز المتوفر مع الدول الأخرى الأكثر تضرراً من نقص الطاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القدرة على التعويض، سيتأثر الطلب الأوروبي على الغاز بمدى فاعلية جهود التعويض والاستبدال، فبعض الشركات الألمانية تعمل على الاستعاضة عن الغاز واستبداله بالنفط أو الكهرباء في عمليات تشغيل مصانعها، أو حتى استيراد مدخلات الإنتاج التي تطلب كثافة استخدام للطاقة من الخارج، لكن حتى الآن لا يعرف مدى فاعلية ذلك.
القطاعات المتضررة، تعني جهود الشركات لتقليل الطلب على الغاز إلى توفير قدر منه هذا الشتاء، إلا أن بعض الدول لن يكون أمامها سوى وقف بعض النشاط الصناعي لتوفير الطاقة اللازمة لاستهلاك المنازل.
ويشكك التقرير في أن تؤدي الإجراءات المتخذة حتى الآن إلى التخفيف من صدمة الأزمة في أوروبا مع حلول منتصف الشتاء المقبل، فبحسب التقرير لا يتوفر في السوق ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال للبيع الفوري لسد الحاجات الأوروبية، كما أن إعادة تطوير منافذ أوروبية لاستقبال الغاز الطبيعي المسال، أو إنشاء شبكة خطوط أنابيب جديدة سيحتاج إلى وقت.
أضرار أولية وجانبية
من الدول التي ستعاني مخاطر مزدوجة المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، ليس فقط بسبب نقص الغاز وعدم قدرتها على توفير حاجاتها منه، بل أيضاً بسبب تقنين استهلاك الغاز في ألمانيا، فنتيجة اعتماد اقتصاد تلك الدول على المنتجات الألمانية ستعاني نقص منتجات المصانع الألمانية، وتعتمد الدول الثلاث بشكل شبه كامل على واردات الغاز من روسيا، وفي حال توقف تلك الإمدادات لن يكون سهلاً توفير الغاز الطبيعي أو الغاز الطبيعي المسال من الدول الأوروبية الأخرى مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا، وسيضرب ذلك مسألة التضامن الأوروبي في مقتل.
وبشكل عام ستتضرر القطاعات الصناعية أكثر في أغلب الدول الأوروبية، ما يعني تراجع عائدات الشركات وانهيار أرباحها، وستكون أول الصناعات المتضررة صناعة المعادن والكيماويات التي تعتمد على تشغيل أفران مصانعها بالغاز.
أما الدول التي ستعاني الآثار الجانبية لنقص الطاقة في الاقتصاد بشكل عام، فتأتي في مقدمتها ألمانيا وإيطاليا والنمسا، وبالفعل بدأت تظهر آثار ذلك في الأرقام والبيانات الصادرة أخيراً التي تشير إلى تباطؤ شديد في النمو الاقتصادي، وخفضت وحدة تحليل المعلومات بالفعل توقعاتها للنمو الاقتصادي في تلك الدول ما بين 2 و3 في المئة خلال العام المقبل 2023.
أما بقية الدول الأوروبية مثل بلغاريا ودول البلطيق فستعاني الأمرين ارتفاع الأسعار والآثار الجانبية نتيجة التراجع في الدول الأخرى، وعلى سبيل المثال خفضت وحدة الإيكونوميست توقعاتها للنمو الاقتصادي في بلد كإسبانيا بما يصل إلى 1.5 في المئة.
وفي النهاية يتوقع التقرير أن يدخل الاقتصاد الأوروبي في ركود بحلول الربع الأخير من هذا العام أو الربع الأول من العام المقبل 2023، ومما سيزيد عمق الركود في أوروبا المناخ العالمي العام المتراجع من تشديد السياسة النقدية في أميركا إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وارتفاع معدلات القلق لدى المستثمرين في الأسواق بشكل عام.