Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد سنوات التصدير... هل نضبت حقول الغاز في مصر؟

جدل يفجر مواقع التواصل بعد ستة أعوام من إعلان الاكتفاء الذاتي... ومحللون يكشفون لـ"اندبندنت عربية" عن أسباب الاستيراد اعتباراً من مايو

تراجع إنتاج مصر من الغاز إلى 5.5 مليار قدم مكعب يومياً من 7.2 مليار في عام 2021 (غيتي)

ملخص

يرى أحد المحللين أن استيراد الغاز "حل سهل باهظ الكلفة" وينصح بتحفيز الأسر على الترشيد بدلاً من تخفيف الأحمال الإجباري

في صيف حارق يندي الجباه من نار لهيبه إلى مستوى دون الـ50 درجة مئوية، يضحي استيراد الغاز في البلد المصدر لغزاً محيراً، فيما لا تجد مصر بد من وقف تصديره بغية توفيره لتوليد الطاقة الكهربائية الأكثر استهلاكاً خلال فصل الصيف وتجنباً لتكرار مشهد الإظلام الجبري وقطع التيار تخفيفاً للأحمال على نحو أوسع مما هو واقع في الوقت الراهن، بخاصة بعد استئناف وزارة الكهرباء تطبيق خطة تخفيف الأحمال بدءاً من الساعة الـ11 صباحاً حتى الخامسة عصراً، وبحد أقصى ساعتين وربع الساعة اعتباراً من بعد شهر رمضان.

لكن أحدث ما يشي بتعمق التحدي الذي تواجهه البلاد كان إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، على لسان متحدثها حمدي عبدالعزيز، من أن بلاده ستتوقف عن تصدير الغاز اعتباراً من مايو (أيار) المقبل وطوال أشهر الصيف، من دون الإخلال بأي تعاقدات تصديرية، وهي التصريحات التي خلفت حالاً من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، في شأن خطط البلد الذي أعلن عزمه التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، واكتفى ذاتياً من الغاز بعدما توقف عن استيراده منذ عام 2018.

إيقاف صادرات الغاز

تصريحات عبدالعزيز الأخيرة جاءت لتماثل ما صرح به وزير البترول المصري طارق الملا في فبراير (شباط) الماضي، من أن بلاده تعتزم إيقاف صادرات من الغاز المسال خلال أشهر الصيف، تزامناً مع ارتفاع استهلاك السوق المحلية من الغاز، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، موضحاً أن وزارته تعمل على زيادة إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي خلال العام المالي المقبل، عبر عدد من المشاريع الجديدة التي يتوقع دخولها إلى الإنتاج، وزيادة استثمارات الأجانب في القطاع إلى ما بين 7 و8 مليارات دولار خلال العام المالي 2024-2025.

في حديثهم لـ"اندبندنت عربية"، يرى محللو النفط أن قرار وقف تصدير الغاز اعتباراً من الشهر المقبل، يأتي في سياق ذي صلة مباشرة بانخفاض إنتاج البلاد من الغاز، وقالوا إن ما شجع مصر على المضي في هذه الخطوة عدم وجود التزامات تصديرية وتعاقدية في الوقت الراهن، معربين عن اعتقادهم بقدرة القاهرة على لعب دور استراتيجي في تداول الطاقة من دون التخلي عن الخطط السابقة حول تحول البلاد إلى مركز إقليمي مؤثر.

مشكلات حقول الغاز

في البداية تحدث أستاذ هندسة الطاقة والبترول المصري رمضان أبو العلا، عن وجود علاقة وثيقة ما بين قرار وقف تصدير الغاز المصري وتراجع إنتاج البلاد بخاصة من حقل ظهر، وهو التراجع الذي يعزوه إلى مشكلات فنية أثرت بشكل ملحوظ في القدرة الإنتاجية، موضحاً أن سلطات بلاده المعنية بالملف ستلجأ في المقابل إلى استيراد الغاز اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية، وذلك للحيلولة دون تخفيف الأحمال بشكل كبير وإرضاء للمواطنين، وهو الخيار الذي لا يؤيده في الوقت الحالي، بالنظر إلى كلفته المرتفعة، واستنزافه لاحتياطات البلاد من النقد الأجنبي.

 

ويرى أبو العلا، أن مصر ليس لديها أي التزامات حالية تتعلق بتوريد الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما شجعها على اتخاذ خطوة وقف تصدير الغاز، وهو ما يفسر بقوله اضطرار الحكومة المصرية في الماضي، تخفيف الأحمال وقطع التيار الكهربي، للالتزام بالتعاقدات والتوريدات المتفق عليها، تجنباً للاشتراطات الجزائية.

حل سهل باهظ الكلفة

ويضيف الخبير البترولي المصري أن بلاده سلتجأ إلى الخيار الأسهل على رغم كلفته الباهظة، الذي كان بالإمكان اللجوء إلى غيره، كأن تحفز الأسر على تخفيف الأحمال ذاتياً وترشيد استهلاك الكهرباء بشكل يناسب حاجاتها، على أن تحصل الأسرة التي ترشد الاستهلاك بنحو 25 في المئة من الفاتورة المعتادة على خصم في رسوم الكهرباء، وهي الخطوة التي ستجعل الأسر شريكة في قرار الترشيد، وتخفيف الأحمال في الأوقات التي تراها أكثر ملاءمة لظروفها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعما إذا كانت مصر ستتخلى عن طموحها السابق بالتحول إلى مركز إقليمي للطاقة ولاعب رئيس في منتدى دول شرق المتوسط المنتجة للغاز إثر تلك التطورات، ينفي أستاذ هندسة الطاقة والبترول المصري، قائلاً إن بلاده تتمتع ببنى تحتية تؤهلها للعب هذا الدور الاستراتيجي، وأنه ليس بالضرورة أن تكون منتجاً للغاز، إذ يكفي أن تكون في المقابل متداولة له.

تراجع إنتاج مصر من الغاز

وبحسب تصريحات حديثة لوزير البترول المصري، يبلغ إنتاج مصر من الغاز الطبيعي حالياً نحو 5.5 مليار قدم مكعبة يومياً، وهي الأرقام التي تراجعت عند مقارناتها ببيانات سابقة حين سجل متوسط الإنتاج في عام 2023 حوالى 6.2 مليار قدم مكعبة، ومن 6.7 مليار في عام 2022، و7.2 مليار في عام 2021.

وتراجع إنتاج حقل ظهر الذي يمثل حوالى ثلث إنتاج مصر من الغاز، إلى ملياري قدم مكعبة يومياً من الذروة التي سجلها في عام 2019 عند 3 مليارات قدم مكعبة.

ترشيد مصري في الاستهلاك

أما وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال، فتحدث في لقاء مع "اندبندنت عربية" عن انخفاض إنتاج بلاده من الغاز، من مستوى 6 مليارات قدم مكعبة في عام 2011، قبل أن ينخفض هذا الإنتاج إلى 3.7 مليار قدم في عام 2017، ثم ارتفاعه من جديد إلى الذرة مع اكتشاف حقل ظهر، ثم تراجع إنتاج الغاز مع انخفاض الضغط الطبيعي للآبار من 10 إلى 15 في المئة سنوياً.

 

ويرى كمال أن مصر تتعامل برشادة مع إنتاج الغاز، وتعمل على تعويض هذا التراجع عبر جذب استثمارات واكتشاف حقول أخرى، أو حتى رفع كفاءة بعض الحقول القائمة، موضحاً أن سياسة الترشيد التي تتبعها بلاده تراعي عدم إرهاق الموازنة العامة للدولة بأعباء تدبير النقد الأجنبي، داعياً في الوقت ذاته إلى تبني سياسة التنويع في مزيج الطاقة، بدلاً من الاعتماد الرئيس على النفط والغاز بنسبة 93 في المئة، مما بإمكانه تجنيب البلاد انقطاعات التيار الكهربي.

زيادة جهود الاستكشاف

وفي مقالة له، يعتقد مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات ومقرها بروكسل ريكاردو فابياني، أن مصر ستكون بحاجة إلى زيادة جهودها الاستكشافية من الغاز على المدى الطويل، تزامناً مع التوسع في التحول نحو الطاقة المتجددة، مقراً بأن أي من المهمتين ليس سهلاً في ظل حاجة البلاد إلى الغاز، والتزاماتها بتصديره في الوقت ذاته، لكن محلل الطاقة في معهد أكسفورد، جوناثان ستيرن، يرد بأن الاكتشافات الأخرى ستجعل مصر في تأرجح بين كونها مصدراً للغاز ومستورداً له خلال السنوات المقبلة.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، رفعت الحكومة المصرية أسعار الكهرباء بنسب تراوحت ما بين ثمانية و21 في المئة، للاستهلاك المنزلي للمرة الأولى في 18 شهراً، وكانت أكبر نسبة زيادة على شرائح الاستهلاك المنخفض من صفر إلى 100 كيلو وات، إذ ارتفعت أسعار الشريحة من صفر إلى 50 كيلووات بنسبة 21 في المئة لتصل إلى 58 قرشاً (0.016 دولار)، والشريحة من 51 إلى 100 كيلووات بنحو 17 في المئة لتصل إلى 68 قرشاً (0.022 دولار). وكانت أدنى زيادة للشريحة من صفر إلى 200 كيلووات بنحو ثمانية في المئة لتسجل 83 قرشاً (0.026 دولار)، والشريحة من 351 كيلووات إلى 650 كيلووات بارتفاع بلغت نسبته تسعة في المئة لتبلغ 140 قرشاً (0.045 دولار).

ويعتمد إنتاج الكهرباء في البلاد على الغاز الطبيعي كمصدر رئيس بنسبة 79 في المئة، ويحصل القطاع على الغاز بسعر ثلاثة دولارات للمليون وحدة حرارية، مما يعني تضاعف كلفتها منذ مارس (آذار) 2022 من العام الماضي، وهي الفترة التي ارتفع فيها سعر صرف الدولار بنحو 50 في المئة أمام الجنيه.

وبعد اختفاء لانقطاعات التيار الكهربي في البلاد طوال ثماني سنوات، حل الظلام الموقت تخفيفاً لأحمال الشبكة القومية للكهرباء في مصر، في يوليو (تموز) من العام الماضي تزامناً مع موجة الحر، وتفاوتت معدلات قطع التيار بين المدن والقرى المصرية، لتتراوح ما بين 50 و60 دقيقة في المدن، بينما تزداد من ساعة ونصف ساعة حتى ثلاث ساعات في القرى، ووصلت إلى ست ساعات في بعض المحافظات.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز