Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أفسدت السياسة "الود" بين العرب والدراما التركية؟

ازدهار المنصات وتطور المسلسلات العربية وتقديم فورمات عالمية أنهى عصر الغراميات التركية بالمنطقة

لطالما شكلت المسلسلات السياسية ركناً أساسياً في دبلوماسية تركيا وبينها "المؤسس عثمان" (الحساب الرسمي لبطله بوراك أوزجيفيت على إنستغرام)

في صيف 2007 كان الجمهور العربي على موعد مع بدء موجة استمرت طويلاً من دراما القصور الفارهة وقصص الحب التي لا أول لها ولا آخر، ودوامات العلاقات المعقدة، والملابس الأنيقة، والأجواء ذات الطابع الأوروبي المطعم بتقاليد تغازل الثقافة العربية، إنها المسلسلات التركية التي غرق فيها المشاهد العربي لمدة 11 عاماً تقريباً قبل أن يأتي ربيع 2018 ويكتب قصة النهاية "المؤقتة"، وها هي بعد 15 عاماً بالتمام والكمال تعود على القنوات الفضائية الكبرى، لكن ما الذي تغير بين الزمنين؟

عودة الدراما التركية للشاشات العربية ذائعة الصيت وذات الشعبية بعد قطيعة دامت ما يقرب من أربع سنوات لم يقابل بالحفاوة المتوقعة، البعض يرى أن المسلسلات التي اختيرت للانطلاقة الثانية لم تكن بقدر المستوى، والأكثرية ترى أن موسم الانبهار انتهى والمشاهد العربي بات أكثر تطلباً فيما يتعلق بنوعيات القصص المقدمة له، خصوصاً وأننا نعيش عصر منصات المشاهدة المزدهرة.

بدائل متنوعة

مجموعة قنوات mbc كانت سباقة في حشد عدد كبير من المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة الشامية، حيث قدم أصوات شخصياتها مشاهير مثل مكسيم خليل وخالد القيش، وغيرهم من الذين باتوا ماركة مسجلة، ومن ثم سار على خطاها العديد من المحطات العربية، كما كانت المجموعة نفسها سباقة بإيقاف تلك الأعمال بعد التوترات السياسة في المنطقة العربية مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، ثم من جديد بشرت المتابعين بعودة الأعمال التركية لشاشاتها ومنصاتها بعد انفراج الأزمة.

لكن استقبال الجمهور لتلك الأعمال، وأبرزها "عشق منطق انتقام"، لم يكن مبهراً كما كان يتوقع الجميع، وإذا ما قورن الاحتفاء بالأعمال التركية التي انطلق عرضها مجدداً عبر القنوات في المنطقة قبل أسابيع، باستقبالهم لمسلسلات أخرى سواء عربية أو كورية أو إسبانية، سنجد الفجوة هائلة، وبالطبع الحالة هنا لا تشبه أبداً ما كان يحدث قبل سنوات، فمثلاً مسلسل "نور" بطولة سونغول أودان وكيفانتش تاتليتوغ شاهد حلقته الأخيرة عام 2008 نحو 85 مليون عربي، بحسب إحصاءات نشرت حينها، وتم تداولها على نطاق واسع، وللمفارقة فلم يحقق هذا العمل نجاحاً يذكر بين الجمهور التركي.

أيضاً حصد مسلسل "سنوات الضياع" نجاحاً فارقاً وشكل هوساً لدى الجمهور العربي وحظي أبطاله بشهرة كبيرة، وفيما بعد حصلت أعمال مثل "فاطمة، على مر الزمان، الزهرة البيضاء، العشق الممنوع، بائعة الورد، ويبقى الحب، حريم السلطان، الأوراق المتساقطة، طائر النمنمة، حب أعمى، نساء حائرات، العشق الأسود" على متابعة كبيرة عبر القنوات العربية، وأعيد عرضها مراراً بسبب الإقبال.

وفي أغلب الأوقات تدور الأحداث حول مناورات متصاعدة بين العائلات بسبب علاقات الحب المتشابكة، فهل قصص الحب المبالغ في رومانسيتها والأحداث شبه المحفوظة والمشاهد المتوقعة، التي لا تزال تحفل بها الدراما التركية حتى مع عصر تطبيقات المشاهدة، تسببت بشكل أو بآخر في هذا الاستقبال الفاتر؟

من ملأ الفراغ؟

الناقد الفني إيهاب التركي يرى أن المسلسلات التركية كانت تعوض غياب المحتوى الدرامي باقي أيام السنة بعد تخمة شهر رمضان، حيث كانت العادة في المحطات العربية هي عرض الأعمال المهمة فقط في رمضان، ثم إعادة بثها مراراً وتكراراً طوال باقي أشهر السنة، مما كان يصيب المشاهد بالملل، وهنا دخلت الدراما التركية لتملأ هذا الفراغ، لكن هذا الأمر لم يعد موجوداً، فمنصة مثل شاهد شغلت هذا الفراغ بمسلسلات جيدة ومختلفة ومتنوعة طوال العام، مشيراً إلى أن نقل الفورمات العالمية وتعريبها أيضاً أسهم في سحب البساط من تحت أقدام الأعمال التركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال التركي إنه في الفترة التي توقف فيها عروض المسلسلات التركية نقلت جهات الإنتاج قصص المسلسلات التركية بفورماتها لتستقطب فئات من الجمهور الذي كان لا يزال متعطشاً لهذا النمط من الحكايات، وخير مثال على ذلك مسلسل "عروس بيروت" بأجزائه المأخوذ عن "عروس إسطنبول"، وهو العمل الذي حقق نسبة مشاهدة عالية، وكذلك التوسع في الانفتاح لنقل فورمات مشوقة من ثقافات مختلفة مثل "منعطف خطر" الذي يقوم ببطولته باسل خياط.

إقحام الرسائل السياسية

كان من الملاحظ أنه خلال الأربع سنوات الماضية، بخاصة في أول عامين، كان الجمهور العربي يبحث بقوة عن المسلسلات التركية التي تعرضها الشاشات المحلية هناك، وكانت هناك مئات المجموعات وقنوات الهواة عبر "يوتيوب" التي تتيح الحلقات الجديدة من مسلسلات مثل "موسم الكرز، عاصمة عبد الحميد، قيامة أرطغرل" مترجمة، حيث كان يتبادل محبو تلك الأعمال الروابط، ويتناقشون في الأحداث، فقد كان هناك ترحيب كبير بدراما تركت أثراً وأصبح لها جماهير من بلدان عربية مختلفة.

وبخلاف القصص العاطفية، كان هناك أيضاً ترويج ملحوظ للأعمال التركية ذات الطابع السياسي، مثل "المؤسس عثمان"، حيث صادفت تلك الأعمال حينها هوى لدى فئة من المتعاطفين والمروجين للمشروع التركي، الذين كانوا يتغزلون بالتاريخ "العثماني"، فالأعمال الفنية طريقة لطالما تستخدمها تركيا للترويج لنفسها سياسياً وسياحياً ودبلوماسيا، وفي أوقات كثيرة بشكل مباشر يتخاصم مع طبيعة العمل الفني بشكل عام.

 

وعلى الأغلب فالرسالة السياسية من هيمنة الدراما التركية أمر سبب ضيقاً لقطاعات كبيرة من الجمهور العربي، بالتالي يرى الناقد محمد عبد الرحمن أن الشق السياسي لا يزال مؤثراً على المتلقي، الأمر الذي قلص بدوره شعبية هذه النوعية من الأعمال، ولم يعد المسلسل التركي له الوقع نفسه على المشاهدين مثلما كان من قبل.

وقال عبد الرحمن "من الأسباب الأساسية لخفوت جماهيرية تلك المسلسلات أيضاً تطور الدراما العربية اللافت خلال السنوات العشر الأخيرة، بالتالي المشاهد متشبع بأعمال ذات جودة فنية عالية منتشرة عبر منصات مثل (نتفليكس) وشاهد وغيرها، لكن من الوارد أن يعود عمل ما بالدراما التركية للواجهة إذا كان يحمل اختلافاً وتميزاً".

يتفق معه الناقد إيهاب التركي في كون العلاقات السياسية بين المنطقة العربية وتركيا لا تزال عاملاً مؤثراً في استقبال المواد الفنية الآتية من هناك، لافتاً إلى أن تلك المسلسلات لم تعد مدللة مثلاً كانت في السابق، ونافياً أن يتغير هذا الوضع قريباً، لأن جهات الإنتاج العربية أصبحت منافساً قوياً للغاية.

دراما تدور حول نفسها

في فترة اختفاء الأعمال التركية من على الشاشات العربية صعدت المنصات بقوة، ووجد الجمهور خريطة متنوعة وخيارات شاسعة، واحتلت دراما كورية وهندية وإسبانية وإيطالية وفرنسية، وبالطبع أميركية وإنجليزية قائمة التفضيلات، إضافة إلى المسلسلات العربية ذات الجودة التي شهدت طفرة في مستواها أخيراً.

وقبل سنوات كانت أسماء مثل "نور ومهند وسمر ولميس ويحيى وكريم فاطمة وسليم وإيزل ومراد وأسيل" تمثل هوساً لدى الجماهير العربية، حيث أطلق كثير من معجبي هؤلاء الأبطال أسماءهم على أطفالهم تيمناً بهم، والآن لم يعد لتلك الأسماء الأثر نفسه واختفت دلالتها بغياب تلك الأعمال عن دائرة المنافسة.

مع تراجع مستوى المحتوى الفني التركي، في غالبيته على الأقل، وعدم تطوره مقارنة بما تنتجه جهات إنتاجية عالمية أخرى تقدم بدائل تحظى بشعبية وتقدير، فلم يبق فقط سوى بعض الاهتمام بنجوم ومشاهير الدراما التركية، الذين يتابع الجمهور أخبارهم الشخصية ويهتم بحضورهم الأنشطة الفنية التي تقام في العالم العربي، بينما لم يعد للمسلسلات نفسها وقصصها اهتمام كبير كما كان في السابق.

المزيد من فنون