Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأكثرية الناقصة بالمعسكرين في لبنان ترجح الفراغ الرئاسي؟

مراهنة على تسوية خارجية وفرنسا تستمزج بعض الأسماء

توقع عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية قبل انتهاء ولاية ميشال عون (دالاتي ونهرا)

تشهد الساحة السياسية اللبنانية كثيراً من الحركة حول الاستحقاق الرئاسي الذي يحل دستورياً بعد 21 يوماً، مع بدء المهلة القصوى لانتخاب الرئيس قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل، لكنها حركة بلا بركة حتى الآن لغياب الوضوح لدى معظم القوى السياسية والكتل النيابية التي ما زال يغلب عليها التشتت.

ومعظم الأوساط المتابعة لما يدور في الكواليس في هذا الشأن، يميل إلى توقع عدم انتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء ولاية عون، لأن التجارب السابقة كرست آفة الفراغ الرئاسي لمدة من الوقت يتفاوت طولها، ليصبح هذا الفراغ جزءاً من المناورات والضغوط على هوية الشخصية التي يفترض أن تتبوأ المنصب في هذه المرحلة الشديدة الحساسية من تاريخ لبنان، في ظل ما يتخبط به من أزمة اقتصادية خانقة خلفيتها سياسية في الدرجة الأولى.

اتصالات لم تنضج والتسوية الخارجية

حين يُسأل سياسيون لبنانيون فاعلون عمن يرجحون من المرشحين للرئاسة، يأتي الجواب "بعد بكير". فأي من الفرقاء لم يعلن حتى اللحظة عن مرشحه المفضل الذي يفترض أن يعمل مع الكتل النيابية من أجل تسويقه، على الرغم من الانطباع بأن هناك فرقاء لديهم تفضيلهم المعروف. فما من فريق مؤثر يكشف أوراقه قبل نضج الاتصالات ومعرفة الاتجاهات النهائية للكتل الرئيسة الوازنة في البرلمان، في وقت يعمل بعض هؤلاء الفرقاء على احتساب أصوات هذا أو ذاك من المرشحين المفترضين، ومدى القدرة على تأمين الأكثرية المطلقة لمصلحة المرشح الذي يتمنون إيصاله إلى سدة الرئاسة، بينما لا يعير فرقاء آخرون أهمية لمسألة تعداد الأصوات لاعتقادهم بأن اسم الرئيس يتم اختياره نتيجة تسوية خارجية في نهاية المطاف، فتقترع لمصلحته أكثرية الكتل النيابية انسجاماً مع تلك التسوية.

التعطيل والربط بالخارج

من أسباب الغموض في ما يمكن أن تؤول إليه الرئاسة اللبنانية أن لا آلية قانونية أو دستورية للترشح للمنصب الأول في الدولة. لكن الدستور ينص على أن الانتخاب يتم في الدورة الأولى بأكثرية الثلثين من الـ128 نائباً هم أعضاء البرلمان، ما يحتم نصاب الثلثين لانعقاده لهذا الغرض، على أن ينتخب بأكثرية النصف وواحد في الدورة الثانية. ومنذ عام 2005، بعد الانسحاب السوري من لبنان بات "حزب الله" يمارس لعبة الثلث المعطل مع حلفائه فيحول دون انعقاد المجلس النيابي إلا بعد أن يضمن حصول المرشح الذي يؤيده على تلك الأكثرية، ومعظم الرؤساء اللبنانيين تم اختيارهم من دون أن يعلنوا ترشحهم رسمياً أو أن يعلنوا برنامجاً سياسياً واضحاً، بل عبر اتصالات وتوافقات مع الفرقاء السياسيين وبين هؤلاء الفرقاء.

ويذهب بعضهم إلى ربط مصير الرئاسة اللبنانية بنتائج مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فيؤهل البلد لاستغلال الثروة الغازية والنفطية في البحر. والرئيس المقبل يفترض أن يكون قادراً على إدارة تلك المرحلة، لأن تسوية ما ستقود إلى نجاح تلك المفاوضات إذا انتهت إلى النتائج الإيجابية كما يروج بعض الأوساط اللبنانية المشاركة في المفاوضات التي يقودها الجانب الأميركي.

سواء صح هذا الربط أم لم يصح، فإن الحديث عن دور الخارج في اختيار الرئيس شمل تسريبات عن أن فرنسا هي أكثر الدول اهتماماً بالاستحقاق، بينما عديد من الدول التي تتابع شؤون لبنان غير مهتمة. وبعضها يرى أنه طالما بقي البلد تحت نفوذ "حزب الله" لا حاجة إلى الاهتمام في انتظار نشوء معادلة إقليمية- محلية تؤدي إلى تراجع هذا النفوذ، وأن يترجَم ذلك عبر القوى السياسية اللبنانية.

أسماء تتشاور حولها باريس

يتحدث الوسط السياسي عن أن باريس تشاور على أعلى المستويات دولاً أخرى حول بضعة أسماء، إضافة إلى الأسماء المعروفة المتداولة منذ أشهر، أي سليمان فرنجية الحليف لـ"حزب الله" ودمشق وعلى علاقة جيدة مع موسكو، وقائد الجيش العماد جوزيف عون الذي يعتبر الوسط السياسي أنه على علاقة جيدة مع واشنطن نظراً إلى الدعم الذي تقدمه للجيش، فيما يرى متصلون بالجانب الأميركي أن هذا لا يعني أنها تفضله للرئاسة. كما أن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله قال في خطاب له في نهاية يوليو (تموز) إن ليس لدى حزبه مرشحاً للرئاسة وإنه في انتظار اكتمال الترشيحات ليختار من بينها الاسم الأنسب، مشيراً إلى أن لا مرشح للحزب بل هو سيختار من يدعم من المرشحين. لكنه دعا في التاسع من أغسطس (آب) إلى تشكيل حكومة "كاملة الصلاحيات لتتحمل المسؤوليات إذا لم يتم الاستحقاق الرئاسي أو إذا تم"، أي إنه لم يستبعد بهذا الكلام حصول فراغ رئاسي بانتهاء ولاية عون، كي تتولى حكومة أصيلة صلاحيات الرئاسة بدل حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي.

من الأسماء التي نسب إلى باريس أنها استمزجت دولاً أخرى في شأنها المصرفي سمير عساف المقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون، وزير المال السابق في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2008 ، وجهاد أزعور الذي يشغل حالياً منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود. وأفاد مصدر سياسي بارز بأن الجانب الفرنسي استمزج رأي قوى سياسية منها "حزب الله"، بوزير الداخلية السابق في حكومة الرئيس سعد الحريري في عام 2009-2010 المحامي زياد بارود المعروف بصلته بمنظمات المجتمع المدني.

المواصفات الرئاسية وتوزع الكتل

لم يسجل نشاط ملحوظ لأي من الأسماء الأربعة المذكورة مع الكتل النيابية، والزعامات اللبنانية لمحاولة تزكية ترشيحها. لكن هناك أسماء أخرى مطروحة من داخل البرلمان من المستقلين مثل النائب الصناعي نعمت فرام، والنائب ميشال معوض وهو منافس تقليدي لفرنجية في منطقة زغرتا في شمال لبنان. طرح الأسماء المذكورة يدل على أن البحث جار على رئيس لا انتماء سياسياً فاقعاً له لعله يتمكن من جمع عديد من الكتل لتأييده، فبعض القوى السياسية تحدث عن مواصفات رئيس حيادي ووسطي قادر على نسج علاقة مع معظم الفرقاء. والواضح من الأسماء المذكورة أن من المواصفات الرئيسة تمتعه بسمعة النزاهة ليتمكن من قيادة الإصلاحات التي يركز عليها المجتمع الدولي كشرط لتقديم الدعم المالي لانتشال البلد من أزمته. ويتضح من هوية الأسماء أن المرشحين الأقطاب باتوا خارج السباق، لا سيما رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، نظراً إلى الخصومة مع "حزب الله"، ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي يدرك أن لا حظوظ له بفعل المعارك التي خاضها طوال رئاسة عون مع معظم الفرقاء باستثناء "حزب الله".

من عوامل الغموض أيضاً أن ميزان القوى في البرلمان غير مستقر على أكثرية واضحة نتيجة ما أفرزته الانتخابات النيابية في مايو (أيار) الماضي من توزع للكتل النيابية. فهناك ست كتل رئيسة كبيرة أو متوسطة العدد، ثلاث منها تتألف من "حزب الله" وحلفائه، والثلاث الأخريات يجري وصفها بـ"السيادية" المعارضة للحزب، وخمس كتل صغيرة من ثلاثة أو خمسة نواب، تتوزع على الفريقين الرئيسين.

توصيف جعجع وتموضع جنبلاط

 التوصيف الذي قدمه جعجع قبل يومين لتوزع الكتل يختصر الحسابات في شأن الرئاسة إذ قال "مجلس النواب شقان، الأول مع محور الممانعة أي السلطة الموجودة من 61 نائباً وهؤلاء أعطوا أحسن ما يمكنهم إعطاؤه (حكموا في عهد عون) وهو الوضع الحالي الذي نعيشه اليوم، وهناك الشق الثاني المكوّن من النواب الـ67 الآخرين (القوى السيادية والتغييريين). فنحن بحاجة إلى رئيس بعكس الموجود". وكرر جعجع ما ينادي به منذ أسابيع بضرورة التنسيق بين كتل السياديين والتغييريين والمستقلين التي تشكل الأكثرية للاتفاق على اسم واحد في مقابل المرشح المفترض لـ"حزب الله"، منتقداً صفة "الوسطي" التي يتحدث عنها بعضهم للرئيس العتيد، قاصداً ضرورة أن يكون موقفه واضحاً بمعارضة نفوذ "حزب الله" وحلفائه مثل فرنجية، خصوصاً أنه سبق أن أبدى استعداده لتأييد قائد الجيش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مقابل موقف جعجع برزت ملامح "تصدع" في الجبهة النيابية التي تتألف من السياديين والتغييريين، بإعلان رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط أنه سيخوض حواراً مع "حزب الله" ويلتقي قياديين منه، رافضاً حياد لبنان الذي ينادي به جعجع والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي. وهو ما اعتبره المراقبون تمهيداً لتموضع سياسي جديد، فيما وصف بعض المقربين من "الاشتراكي" موقفه بأنه مناورة تسبق حسم موقفه باستدراج العروض من المرشحين للرئاسة والفرقاء الذين يدعمونهم حول موقعه المستقبلي في العهد الرئاسي الجديد. كما أن بعض أوساط رئيس "الاشتراكي" تحدث عن احتياط جنبلاط لإمكان حصول اتفاق أميركي إيراني على النووي مع تجديد مفاوضات فيينا، وسط حديث عن التوصل إلى تفاهم على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برضى "حزب الله"، ما ينعكس على التموضعات الداخلية في لبنان. كما أن المواقف الأخيرة لجنبلاط لم تخلُ من الانتقادات المبطنة لجعجع. واعتبر أن على رئيس الجمهورية المقبل وضع برنامج مع "حزب الله" لاستيعاب "سلاحه ضمن منظومة دفاعية".

الأكثريات الناقصة

في مقابل موقفي جعجع وجنبلاط بدأ قسم من كتلة النواب التغييريين الـ13 وبعض المستقلين عقد اجتماعات تنسيقية للتفاهم على التعاون في البرلمان، فالتقى 16 نائباً من هؤلاء ضموا نواب حزب "الكتائب" (أربعة) وثلاث كتل صغيرة، ينتظر أن يصل عددهم إلى 25 نائباً، في ظل تباين بين النواب في كتلة التغييريين الذين تغيب منهم ستة، على أمل أن ينسحب التنسيق بينهم على الاستحقاق الرئاسي. فبعض النواب التغييريين يتحفظ على التعاون مع بعض القوى التقليدية ويفضل الإبقاء على استقلالية كتلتهم عن أي كتل أخرى.

لكن كل تلك التحركات تكرس الانطباع حول عدم وضوح موازين القوى في شأن الرئاسة، على الأقل بالنسبة إلى الأكثرية الجديدة في البرلمان التي تتوزع مواقف مكوناتها على حسابات سياسية متعارضة، فيما الـ61 نائباً الحلفاء لـ"حزب الله" ليسوا حتى الآن على موقف واحد، خصوصاً أن كتلة "التيار الوطني الحر" برئاسة باسيل تتجه بأكثر أعضائها (18 نائباً) الموالين لباسيل إلى عدم تأييد فرنجية إذا حسم "حزب الله" دعمه له. فالمعلومات في هذا الصدد تشير إلى أن باسيل طالب فرنجية عبر وسطاء بضمانات حول تحقيق جملة مطالب له في العهد الرئاسي المقبل تتعلق بالمواقع الإدارية العليا، لم يقبل الأخير الالتزام بها. فإذا كان ضمان انتخاب مرشح الحزب يحتاج إلى اجتذاب أربعة أو خمسة  نواب من الأكثرية المفترضة لإكمال عدد الذين سيقترعون له، فإن بقاء "التيار الحر" على معارضته لفرنجية إذا لم ينجح "حزب الله" في ثنيه عن موقفه سيكون متعذراً أيضاً. وهذا ما يجعل الأكثرية ناقصة في المعسكرين.

المزيد من تقارير