على الرغم من خفوت صوت المعارك وضجيج المناورات، يبدو أن حراكاً انتظم على الساحة السياسية السودانية كان كثير منه خلف الكواليس، إذ تمت لقاءات متعددة في صمت جمعت كثيراً من الأفرقاء من القوى المدنية، ما يبشر بتفكيك الأزمة والاتفاق على إعلان سياسي ينظم العلاقات بين مختلف القوى، وآخر دستوري يعالج المسائل الدستورية وطبيعة أجهزة الانتقال.
أسابيع الانفراج
يقول مساعد رئيس حركة "جيش تحرير السودان"، نور الدائم محمد أحمد طه، إن "القوى السياسية بدأت تستشعر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في ظل التحديات التي تواجه البلاد، وهو ما يقف وراء التقدم المحرز في الاتصالات الجارية باتجاه الاتفاق على تفاصيل وإجراءات عملية الانتقال المدني الديمقراطي، بعد أن بلغ الوضع في البلاد درجة غير محتملة".
وتوقع طه أن "تشهد الأزمة انفراجاً خلال الأسابيع المقبلة قبل نهاية شهر أغسطس (آب) الحالي، إذا حققت الاتصالات الجارية خطوات متقدمة باتجاه خلق كتلة سياسية مدنية ديمقراطية موحدة لبلورة اتفاق سياسي وإعلان دستوري، بما في ذلك التوافق على رئيس مجلس الوزراء الذي سيقود الجهاز التنفيذي للمرحلة الانتقالية".
وأوضح القيادي بميثاق التوافق الوطني أن "الحوارات السياسية هدفت بشكل أساسي للبحث عن صيغة حوار سوداني - سوداني للاتفاق على الإعلان السياسي الذي يعالج القضايا والبرنامج السياسي المطلوب الاتفاق حوله، إلى جانب مستقبل العلاقات بين القوى السياسية والمكون العسكري وإعلان آخر دستوري لمعالجة القضايا الدستورية وعلاقات الأجهزة الانتقالية".
اتصالات مكوكية
وكشف طه عن أن "اتصالات داخلية مكثفة تمت مع المجلس المركزي للحرية والتغيير استمرت زهاء الأسبوعين، وتضمنت نقاشاً معمقاً حول مختلف القضايا"، مبيناً أن اللجنة المكونة من قادة التنظيمات المنضوية تحت تحالف الحرية والتغيير (ميثاق التوافق الوطني)، برئاسة رئيس حركة "جيش تحرير السودان"، أركو مني مناوي، أدارت اتصالات مكثفة مع مختلف القوى السياسية الوطنية، شملت حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني وتجمع المهنيين ولجان مقاومة ولاية الخرطوم.
وتابع، "اللقاءات شملت كلاً من قوى المجلس المركزي للحرية والتغيير، والمؤتمر الشعبي، والحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، وتخالف القوى الوطنية، برئاسة التجاني سيسي، باستثناء المؤتمر الوطني المحلول، كما أن لقاء آخراً منتظراً خلال اليومين المقبلين مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي"، مستدركاً، "الجميع متفق على الحكم المدني والنقاش حول وضعية الجيش خلال الفترة الانتقالية في إطار مهامه الدستورية والقانونية وحماية الأمن القومي والحفاظ على علمية الانتقال نفسها، وصولاً إلى الانتخابات".
وأشار قيادي "التوافق الوطني" إلى أنه بعد اكتمال وحدة الكتلة السياسية المدنية ستجلس مجتمعة إلى المكون العسكري لمناقشة قضايا ومطلوبات الفترة الانتقالية لتحقيق الانتقال الدستوري الكامل وفق ترتيبات دستورية يتفق عليها، سواء بتعديل الوثيقة الدستورية السابقة أو اعتماد الإعلان الدستوري الجديد، أو حتى التوافق على دستور انتقالي.
واستبعد طه أن يقدم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في ظل التقدم الذي يحققه الحوار والاتصالات السياسية، على إعلان حكومة لتصريف الأعمال، بخاصة بعد ظهور ضوء في آخر النفق يبشر بقرب الخروج من الأزمة السياسية الراهنة، عبر حل بدأت ملامحه تتشكل بوضوح، بقناعة أن الجميع الآن في ذات المركب وفي وضع يحتم عليهم جميعاً إيجاد مخرج يجنب السودان وشعبه أي مضاعفات إضافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبخصوص شكل الحكومة المتوقعة ما بعد انفراج الأزمة، أوضح طه أن كل الخيارات تظل مفتوحة للنقاش والاتفاق حولها، فهي إما حكومة تكنوقراط، لكن مع فترة انتقالية قصيرة لأن القوى السياسية لا تحبذ الانتظار بعيداً لفترة طويلة، بكل ما يفرزه قصر الفترة الانتقالية من مضاعفة للتحديات، أو حكومة حزبية بمشاركة القوى السياسية مع فترة انتقالية أطول، لافتاً إلى أن الحركات الموقعة على اتفاق السلام لم تتحول بعد إلى أحزاب سياسية، وأن على الأحزاب المركزية أن تتفهم وضعيتها في ما يخص المشاركة في الحكومة.
على صعيد متصل، كشف مصدر بـ"حزب الأمة القومي" عن لقاءات بين شقي الحرية والتغيير (التوافق الوطني والمجلس المركزي)، تضم الحزب أيضاً، يجري الترتيب لها، بعد أن أسفرت لقاءات ثنائية سابقة عن توحيد الرؤية حول مطلوبات المرحلة الانتقالية.
التوافق والمقاومة
من جهته، كشف الأمين العام لتحالف قوى الحرية والتغيير (ميثاق التوافق الوطني)، مبارك أردول، عن اجتماع التحالف مع لجان المقاومة بالخرطوم مساء الأحد 31 يوليو (تموز) الماضي، ضم عدداً من ممثلي مركزيات لجان المقاومة بولاية الخرطوم والكتل الثورية المختلفة.
ووصف أردول اللقاء بأنه من أهم اللقاءات التي عقدت على أمل خلق التوافق السياسي في البلاد. وأضاف، "استمعنا لهم بكل احترام في نقاش ساخن، أجبنا فيه عن أسئلتهم، وأوضحنا لهم الدور الذي يمكن أن نلعبه كشركاء سياسيين".
في الأثناء، تواترت تسريبات عن اعتزام الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إعلان حكومة تصريف أعمال خلال الفترة القليلة المقبلة، بعد فراغ تنفيذي تعيشه البلاد من دون رئيس وزراء قارب على عام كامل، ودفعت تلك التسريبات القيادي بقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) عضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي سليمان، إلى الإعلان عن ترتيبات من جانب القوى الثورية لتسمية حكومة ورئيس وزراء خلال أسبوعين لقطع الطريق أمام خطوة العسكريين المتوقعة.
وإزاء الجدل الواسع الذي أثارته تلك التصريحات، حسم المتحدث باسم المجلس المركزي للحرية والتغيير، وجدي صالح، قائلاً إن الحديث عن اختيار رئيس للوزراء أمر سابق لأوانه، منوهاً بأن التحالف لن يتصرف بمفرده، بل بالتوافق مع قوى الثورة، بعد الانتهاء من وضع مسودة لإعلان دستوري لتحديد هياكل السلطة الانتقالية وهي مطروحة للتشاور حولها.
على صعيد آخر، قال مدير شؤون منطقة شرق ووسط أفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية سايمون ماسترد، إن عدم التوصل إلى اتفاق سياسي يقود إلى تنصيب حكومة مدنية يؤدي إلى استمرار تدهور أوضاع السودان.