Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هايدغر هتلر وباوند موسوليني

"الإنسانية على بعد مجرد سوء تفاهم واحد أو سوء تقدير واحد، من إبادة نووية"

لطالما أدارت اللاعقلانية علاقات دول القارة الأوروبية، فوسِمت الحياة خلال القرن العشرين بحربين أوروبيتين كُبريين (أ ف ب)

لغط كبير يدور عند الحرب، ومن ذلك أن بشراً كثراً يعتبرون مَن يخوض الحرب بطلاً، يذود عن البشرية، وأنه الحق، فالتضحيات من لزوم ما يلزم، من أجل العدالة والمساواة. ومن هذا فإن بوتين، عند أولئك، يحارب ضد دولة القطب الواحد، ضد الإمبريالية وتعسفها، وإن كان طاغية فلم لا، يطغى لدحر نظام القطب الواحد. ومثل هكذا رأي وموقف ليس بجديد، بل أنه قديم بخاصة مع ظهور الدولة الحديثة، الدولة القومية، كما تصورها العقل الغربي منذ عصر الأنوار، الدولة التي هي العقل الكلي، حامي حمى القومية. فيذهب هيغل مثلاً إلى "أن الدولة هي اكتمال مسيرة الإله على الأرض، وهي الروح وقد وهبت نفسها التحقق الفعلي، في مسار تاريخ العالم، وهي قوة العقل المحقق لذاته"، فـ"الدولة هي الروح وقد تموضعت، وواجب الفرد الأسمى، هو أن يكون عضواً في الدولة".

العقلانية الأوروبية، أنتجت الدولة الحديثة، ووضعت العقد الاجتماعي، للعلاقة بين السلطة والمواطن في هذه الدولة، وعملت أن يكون ذلك ضمان السلم الاجتماعي. لكن ذلك لم يضمن ولم يكفل العلاقات بين الدول، فكأن هذه العلاقة ليست في إضبارات العقلانية. ولهذا فكأن ظهور هذه الدولة، اصطحب معه الخلل في العلاقات الدولية، بالتالي الاستعمار والتحارب لأجل المصالح والنفوذ.

من هذا فإن أوروبا في حروب متتالية، وأن علاقات دول القارة تديرها اللاعقلانية، التي وسمت الحياة خلال القرن العشرين بحربين أوروبيتين كُبريين، لا مثيل لهما في تاريخ البشرية، حيث مورست أساليب عنف لا بشري، تحت شعارات ومفاهيم ظلامية متعصبة، خالية من مفاهيم أطروحات عقلانية العقل الغربي. ومن هذا نجد أن العقل يسلم أمره، فواجب الفرد الأسمى هو أن يكون عضواً في الدولة، التي لحماية حدودها تتجاوز حدودها، فهي دولة قومية بروح إمبراطورية، هذا الخلل البنيوي، الذي يبرر الحرب ولا عقلانية العلاقات بين دول القارة، ومن ثم دول العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطالما أن الشيء بالشيء يذكر، فخلال الحرب الكبرى الثانية، تحول إلى بوق حرب، الشاعر الأميركي عزرا باوند، الذي يعد أُس الشعر الحر، والعلامة البارزة في الحداثة الشعرية. فلأجل خلاص العالم، عدّ الفاشية الإيطالية الطريقة، وأن موسوليني هو الرئيس القادر على إنجاز هذه المهمة التاريخية. وقد عمل من خلال إذاعات روما، لتوجيه نداءات وبيانات لمعاضدة دول المحور، ودعم الزعيمَين موسوليني وهتلر. ومكث في روما طوال سنوات الحرب، عاملاً من أجل انتصار الفاشية وموسوليني، وحث زملاءه الكتّاب والشعراء، للانضمام إلى بطل الحرب موسوليني، القادر على دحر دول الشر والمال، وهزيمة روزفلت وتشرشل.
ويعلق هاشم صالح "لقد ارتكب عزرا باوند، أكبر خطيئة في حياته، عندما اعتقد أن الدولة الفاشية، التي أسسها موسوليني في إيطاليا، هي تجسيد للدولة المدنية التي حلم بها كونفوشيوس. ودفع ثمن هذه الخطيئة باهظاً، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد حاكموه في عام 1945، واعتبروه مريضاً من الناحية العقلية، فسجنوه في مستشفى المجانين لمدة عشر سنوات أو أكثر. وعلى الرغم من هذه السقطة الأخلاقية الكبرى، فإن بعض النقاد، يجدون فيه واحداً من أهم شعراء الغرب في القرن العشرين، إن لم يكن أهمهم. فالكثيرون يضعونه من حيث المرتبة الشعرية، فوق ت. س. إليوت، وقليلون هم شعراء الحداثة، الذين كانوا يمتلكون طاقته الشعرية.     

أما الفيلسوف الألماني هايدغر، فيلسوف الكينونة، بكتابه الأشهر"الكينونة والزمان"، فقد انبرى لفلسفة حرب ألمانيا، وأستعين هنا بما أوردته الباحثة الإنجليزية سارة بكويل عن نازية هايدغر، بما لا لبس فيه، فتقول "يمكننا التماس كيف كان هايدغر يتحدث ويفكر، أثناء تلك الفترة، من خلال قراءة خطابه الافتتاحي الذي ألقاه، عند تسلمه منصب رئيس جامعة فرايبورغ، على مجلس الجامعة وأعضاء الحزب النازي، في قاعة مزدانة بلافتات النازية، يوم 27 مايو (أيار) 1933. فمعظم ما قاله يعكس خط الحزب، فهو يتحدث عن ضرورة أن يستبدل الطلبة الألمان ما يسمى الحرية الأكاديمية القديمة، بأشكال جديدة من خدمة العمل والعسكرية والمعرفة. ولكنه يضيف لمسات هايدغرية مميزة، كما حدث عندما شرح خدمة المعرفة قائلاً إنها ستجعل الطلبة يضعون وجودهم العيني، موضع الخطر الأقصى في غمرة الكينونة الطاغية. فكما يواجه الشعب الألماني مسألة جوهرية لوجوده العيني، على الطلبة أيضاً إلزام أنفسهم، بمسألة بسيطة وجوهرية وسط غمرة العالم التاريخي الروحي للشعب". وأضافت الباحثة الإنجليزية "هكذا استعمل هايدغر خطابه ليحاكي بشكل هزلي، فكرتين رئيستين، من أعمق أفكار الفلسفة الوجودية: المسألة الذاتية والحرية. وقد شدد على تلك المسألة المزعومة ثانيةً في خطاب آخر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، هذه المرة عند التزامه بإعلان دعم أدولف هتلر والدولة القومية الاشتراكية. كما وضع أيضاً من تلقاء نفسه، خططاً تعليمية حماسية، وتطوع باستضافة معسكرات الصيف لأعضاء هيئة التدريس والطلبة في كوخه في توتناوبرغ. وهي معسكرات مصممة للجمع بين التدريب البدني ومناقشات السيمينار: مخيم تدريب فلسفي نازي".

لقد ساهم الشاعر والفيلسوف، في حرب عظمى لا مثيل لها قبل وبعد، هذه الحرب التي أنهاها تطور علمي فادح في مجال الذرة، وأعقبها تحقق سلم "توازن الرعب". واليوم صرح أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، أن "الإنسانية على بعد مجرد سوء تفاهم واحد، أو سوء تقدير واحد، من إبادة نووية"، مستشهداً بالحرب الدائرة في أوكرانيا، والتهديدات النووية في آسيا والشرق الأوسط، إضافةً إلى العديد من العوامل الأخرى. وأطلق غوتيريش تحذيره المفزع، لدى افتتاح اجتماع رفيع المستوى، طال تأجيله، لمراجعة المعاهدة التاريخية، التي مضى على إبرامها 50 عاماً، والتي تهدف لمنع انتشار الأسلحة النووية، والتحول إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية في نهاية الأمر.               

المزيد من تحلیل