Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح سلاح العقوبات الصيني في "خنق" تايوان؟

تداعيات الصراع بين أكبر اقتصادين سيضر بجنوب شرقي آسيا والعالم ويزيد من اضطراب الأسواق

شهدت الأسواق المالية حول العالم اضطراباً شديداً هذا الأسبوع بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب في الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايبي عاصمة تايوان، الجزيرة الصينية التي تتمتع بالحكم الذاتي. وكان الاضطراب أشد في الأسواق الآسيوية تحسباً لتصعيد في الصراع بين الولايات المتحدة والصين على خلفية الزيارة، التي تعد الأولى لمسؤول أميركي منتخب إلى تايوان منذ ربع قرن. وذلك منذ زيارة رئيس مجلس النواب اليميني السابق نيويت غينغريتش تايبي عام 1997.

واعتبر ذلك مؤشراً أولياً على تبعات تصاعد الصراع بين واشنطن وبكين على الاقتصاد العالمي ككل وعلى منطقة جنوب شرقي آسيا بخاصة، حيث عادت معظم مراكز البحوث وشركات الاستشارات إلى دراساتها السابقة حول تأثير أي حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد العالمي في كافة المجالات، وذلك لتحديث نتائج تلك الدراسات التي وضعت مع بدء فرض العقوبات التجارية بين البلدين قبل سنوات على ضوء التطورات الأخيرة والمحتملة.

وعلى رغم قلة احتمال العمل العسكري الصيني لاستعادة تايوان تماماً إلى "الوطن الأم"، إلا أن زيارة بيلوسي ذكرت العالم بما حدث في عامي 1995 و1996 عندما أطلقت الصين صواريخ في البحر بالقرب من الموانئ التايوانية، وأرسل الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة. بعد تلك الحادثة، زار غينغريتش كلاً من تايوان والصين في العام التالي، وأخبر بكين بأن الولايات المتحدة ستدافع عن الجزيرة، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".

فرض عقوبات

قبل عدة سنوات، وفي إطار ما وصفت بأنها حرب تجارية بين أكبر اقتصاد في العالم في أميركا وثاني أكبر اقتصاد في العالم في الصين، قدر الاقتصاديون أن تصعيد فرض العقوبات المتبادلة يمكن أن يضر بالنمو الاقتصادي العالمي بما بين 0.5 في المئة إلى 1 في المئة. وذلك حين شدد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب العقوبات الاقتصادية على الصين في إطار حماية الاقتصاد الأميركي ومنع إغراق الصينيين للسوق الأميركية.

ونتيجة زيارة نانسي بيلوسي، التي اعتبرتها الصين استفزازاً لها، اتخذت الصين سلسلة من الإجراءات غير المسبوقة ضد تايوان. من إجراء الجيش الصيني مناورات عسكرية كثيفة حول الجزيرة إلى فرض عقوبات اقتصادية على السلع الزراعية التايوانية وصادرات الرمال الصينية إلى تايوان.

وفي مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ" قال جود بلانشيت، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "بالنسبة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ، يشكل هذا موقفاً حرجاً حقاً بدءاً من الآن وحتى المؤتمر العشرين للحزب الذي يعقد هذا العام. فهو في الحقيقة لا يستطيع تحمل أن ينظر إليه على أنه ضعيف. لهذا السبب يوجد قلق كبير بشأن ما يمكن أن تؤول إليه الأمور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل هبوط بيلوسي في تايوان، حظرت الصين واردات المواد الغذائية من أكثر من 100 مورد تايواني. وأوقفت وزارة التجارة الصينية الأربعاء صادرات الرمال الطبيعية إلى تايوان. وأضاف مسؤولو الجمارك، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ"، إجراءات مقاطعة لبعض واردات الأسماك والفاكهة من تايوان. كذلك تم حظر المؤسسات والشركات والأفراد الصينيين من التعامل مع الشركات التايوانية، بما في ذلك "سبيد تيك إنيرجي" و"هاويب تكنولوجي" بحسب ما ذكرت محطة تلفزيون "سي سي تي في" التي تديرها الدولة في الصين.

خطورة التصعيد

وتعد الصين الشريك التجاري الأكبر لتايوان، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية 328.3 مليار دولار العام الماضي، مما أعطى بكين ميزة استراتيجية لتايوان في تجارتها الخارجية. لكن التصعيد في المنطقة لن يكون قاصراً على الصين وتايوان فحسب بل يطاول بقية مناطق العالم، على الأقل اقتصادياً وتجارياً بالتحديد.

وفور زيارة بيلوسي إلى تايبي، أعلنت بكين عن ست مناطق حظر تطوق من خلالها تايوان وذلك لتسهيل التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية من الخميس إلى الأحد. ويتصل بعض هذه المناطق بالمياه الإقليمية للجزيرة، مما يهدد بتعطيل حركة الطيران والشحن في مضيق تايوان، الذي يُعَدّ أحد أكثر طرق التجارة ازدحاماً في العالم.

ومن شأن ذلك، وإن كان الهدف خنق تايوان تجارياً واقتصادياً، أن يعطل التجارة مع بقية دول العالم بخاصة في آسيا. كما أن حظر الصين التعامل مع شركات التكنولوجيا التايوانية يعني حرمان الاقتصاد الصيني من أحد المصادر الرئيسية لأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية التي تدخل في أغلب الصناعات الآن. ولن يؤثر ذلك فقط في الصين، بل في شركات التكنولوجيا الكبرى الأميركية والغربية التي توجد مصانعها في الصين. كما أن تلك الشركات ستواجه خسائر نتيجة اضطراب طرق الشحن البحري حول تايوان، والتي تستخدمها في نقل منتجاتها من الصين إلى أسواق العالم.

وإذا كانت الصين اعتمدت على سلاح العقوبات، كما تفعل أميركا والغرب مع روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن ذلك يزيد من تعقيد مشكلات الاقتصاد العالمي الكبرى بالفعل الآن، كما كتب كبير الاقتصاديين في شركة "شرودرز" كيث ويد على موقع الشركة. وحذر ويد من تأثير ذلك في الاقتصاد العالمي المتباطئ بالفعل ما يعزز احتمالات الركود.

جنوب شرقي آسيا

على رغم احتمالات تضرر الاقتصاد العالمي ككل وأغلب المناطق والدول حول العالم، إلا أن دول منطقة جنوب شرقي آسيا تظل في "بؤرة العاصفة"، كما وصفها موقع "نيكي آسيا". ففي إطار محاولات الولايات المتحدة، ومنذ أكثر من عشر سنوات، مواجهة الصعود الصيني اقتصادياً واستراتيجياً تسعى واشنطن لتعزيز علاقتها مع دول رابطة جنوب شرقي آسيا "آسيان" التي تعد سوقاً تجارية مهمة للصين وكذلك منطقة نفوذ استراتيجي.

مع ذلك، ظلت الصين، ومنذ عام 2009، الشريك التجاري الأكبر لدول منطقة آسيان، حيث التجارة بين الجانبين أضعاف التجارة بين دول آسيان والولايات المتحدة. ففي العام الماضي 2021 بلغ حجم تجارة الصين مع دول آسيان أكثر من 878 مليار دولار. بينما كان حجم التجارة بين الولايات المتحدة ودول آسيان في أحدث سنة متوافرة 2019 عند 295 مليار دولار.

وتوقع موقع "نيكي آسيا" أن تكون دول جنوب شرقي آسيا المتضرر الأكبر من تصعيد الصراع بين بكين وواشنطن، حتى لو اقتصر التصعيد على العقوبات والحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.