Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعرف ما هي الخطة الكبرى لبوتين ولماذا مآلها الفشل؟

الرئيس الروسي لم يأخذ في الاعتبار عدداً من العوامل الموضوعية حين خطط لحرب أوكرانيا

ليس من المعروف ما إذا كانت فترة ما بعد الحرب ستحل يوماً على الرئيس الروسي  (غيتي)

تستند سياسة بوتين في مجال ما بعد الاتحاد السوفياتي إلى هاجس بفكرة استعادة الإمبراطورية، في شكل أو في آخر، أي بفكرة إحياء العظمة السابقة التي تمتعت بها روسيا.

وفي سلوكه السياسي، يستطيع المرء متابعة سمات الديكتاتوريين الشموليين التقليديين الذين عاشوا في أزمنة مختلفة، وشعروا بحنين إلى أراض ضائعة. ويجب أن يضع المرء في اعتباره أن بوتين ضابط سابق في لجنة أمن الدولة (كي جي بي)، وأن الكي جي بي  والاتحاد السوفياتي لطالما حميا أمن النخبة السوفياتية وسلامة الدولة، وفشل في الحفاظ على سلامة الدولة.

نستطيع أن نقول إن الرئيس الحالي لروسيا يريد أن يخلده التاريخ باعتباره الشخص الذي استعاد روسيا، وأعاد تخيل الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي. ومع انهيار الاتحاد، أصبحت أوكرانيا ضحية بوتين الأهم إذ انفصلت عن الاتحاد.

كانت أوكرانيا هي التي تحولت إلى حجر عثرة، وفق بوتين، هي التي كانت يجب أن تتحد مع روسيا في المقام الأول، وعلى هذا الأساس كان من الضروري إحياء عظمة روسيا. وبسبب هذه الفكرة الإمبراطورية بدأت الحرب.

من الخطأ أن نعتبر أن بوتين بدأ الحرب ضد أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022. كانت القوات الروسية قد دخلت أوكرانيا في فبراير 2014. واستولت على شبه جزيرة القرم وحولتها إلى ما أصبح اليوم قاعدة عسكرية كبيرة. وجعلت البحر الأسود وبحر أزوف اثنين من أخطر البحار على كوكب الأرض. وشنت حرباً فظيعة ومغرضة بالتأكيد في دونباس، وهي كانت تقتل الأوكرانيين على مدى السنوات الثماني الماضية. ووفق الأمم المتحدة، حصد هذا النزاع أرواح أكثر من 13 ألف شخص.

وعلى هذا خطط بوتين للهجمات الحالية لفترة طويلة. فقد نقل منهجياً أكثر من 150 ألف جندي وأطناناً من المعدات العسكرية إلى حدود أوكرانيا. وبنى مستشفيات ميدانية، فأظهر بذلك نواياه طيلة الوقت. ونفت روسيا أنها كانت تستعد لحرب ما، وزعمت بدلاً من ذلك أن البلدان الغربية قوضت أمنها من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي نحو حدودها.

ومع ذلك، كان من الممكن بسهولة تجنب المرحلة الحالية من الحرب في شكلها الحالي. حتى تلك المشكلات التي كانت قائمة بين البلدين منذ عام 2014 (مثلاً، في ما يتصل بشبه جزيرة القرم ودونباس) كان من الممكن حلها بالكامل من دون أعمال عدائية مدمرة بهذا الحجم.

لكن من المؤسف أن العديد من الناس في مختلف أنحاء العالم يبدو أنهم يعتادون على هذه الحرب، على الأقل في ما يتعلق بتلقي المعلومات عنها.

إن سياسة بوتين الحالية، أي حربه ضد أوكرانيا، محكوم عليها بالهزيمة. وهذا الفشل الاستراتيجي الحتمي محدد سلفاً بعدد من العوامل الموضوعية التي لم يأخذها بوتين في الحسبان عند التخطيط لحرب أوكرانيا. كانت المعلومات التي استرشد بها آنذاك عتيقة جداً وزائفة وستخذل الرئيس الروسي.

أولاً، لم يكن بوتين يتوقع من أوكرانيا أن تقاوم بهذه الشراسة وهذا التماسك. بل على العكس من ذلك، توقع أن تسيطر روسيا بطريقة سريعة وغير دموية، أشبه بذلك الذي حدث، في رأيه، عام 2014 في شبه جزيرة القرم.

بيد أن هجوم بوتين الصاعق فشل. والفكرة المهمة هنا هي أن أوكرانيا تغيرت على مدى ثماني سنوات، بعد "ثورة الكرامة" التي شهدتها وقبل بداية الاحتلال الروسي.

فالشعب الأوكراني كان يُعد تقليدياً (وخطأً كما يتبين من الممارسة)، أنه ليس أمة واحدة، بل أمة مقسمة، أمة ممزقة في اتجاهات مختلفة جراء عوامل جغرافية وتاريخية ولغوية وإثنية وغير ذلك. ومحت الحرب هذه الفوارق. إن الأوكرانيين عام 2022 موحدون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والوحدة البارزة التي أظهرها الأوكرانيون أثناء دفاعهم عن ماريوبول وخاركوف وبوتشا وتشرنيغوف وكراماتورسك وأماكن أخرى حولتهم إلى أبطال في نظر العالم الحر بأسره. في خضم الحرب والوحشية، يتحول الأوكرانيون ويتحدون. لقد أصبح أكثر من ثلاثة أشهر من الدفاع المتواصل إنجازاً للملايين من الأوكرانيين. فشعب أوكرانيا يتمتع بالمرونة وسيستمر في الدفاع عن وطنه الأصلي إلى النهاية.

ثانياً، صدمت الوحدة بين ضفتي المحيط الأطلسي رئيس روسيا. من الأهمية بمكان لبوتين ألَّا يشكل الغرب أي وحدة. فالفصل مهم جداً له. ومع ذلك، توحد العالم، وتلاقى في تضامن، ونسق تنسيقاً مكثفاً لمشاركة أوكرانيا ككتلة واحدة، ولتقديم أي مساعدة ممكنة إلى أوكرانيا، ولتطوير استجابة واسعة وضخمة. وعلى هذا، فشل أيضاً هدف بوتين المتمثل في تقسيم المجتمع الدولي.

ونُفِّذت تدابير للترحيب بالأوكرانيين الذين فروا من النزاع المسلح، وشُرِع في تنفيذ برامج وآليات ضخمة للمعونة الإنسانية للحد من معاناة المشردين. ووفر الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء الحماية للملايين من اللاجئين الفارين من الحرب في أوكرانيا، ولا تزال ملتزمة بالترحيب بهم وتوفير الأمان لهم.

والاتحاد الأوروبي في الواقع على استعداد للاضطلاع بدور رئيسي في إعادة بناء أوكرانيا من أجل المستقبل.

وقُدِّمت المساعدة العسكرية أيضاً إلى أوكرانيا من أنحاء العالم كله. فالولايات المتحدة، فضلاً عن أكثر من 40 دولة حليفة وشريكة، تعمل على مدار الساعة للتعجيل بشحنات الأسلحة والمعدات، التي تشكل ضرورة أساسية للدفاع الأوكراني. وترسل بولندا وجمهورية تشيكيا أسلحة إضافية إلى أوكرانيا في وقت تناضل فيه ضد تجدد الهجوم الروسي في الأجزاء الشرقية من البلاد. ووقع الرئيس الأميركي جو بايدن قانون الإعارة، التأجير للدفاع عن الديمقراطية في أوكرانيا لعام 2022، الذي يخول الإدارة، خلال السنة المالية العاملة 2023، إعارة معدات عسكرية أو تأجيرها إلى أوكرانيا وغيرها من بلدان أوروبا الشرقية.

وفي الوقت نفسه، يتخذ الغرب إجراءات لمساءلة روسيا. نتيجة لتنسيق غير مسبوق لعقوبات عالمية، أزالت كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان مصارف روسية مختارة من نظام "سويفت" للمراسلة وفرضت إجراءات تقييدية على المصرف المركزي الروسي. وأعلنت الحكومة البريطانية عن تطبيق عقوبات جديدة على مصارف روسية وأفراد أثرياء روس. وبعدما بدأ بوتين حربه، بلغ الروبل أضعف مستوى له في التاريخ، وتراجعت سوق الأسهم الروسية. لقد فُرِضت عقوبات صارمة على مهندسي هذه الحرب، بما في ذلك بوتين نفسه.

في أحدث محاولة للاتحاد الأوروبي لمعاقبة روسيا على حرب أوكرانيا، يسعى إلى حظر واردات روسيا كلها من النفط التي يُؤتَى بها عن طريق البحر. وإلى جانب بلدان مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، طبق الاتحاد الأوروبي سلسلة من التدابير لإضعاف مجالات رئيسية في الاقتصاد الروسي، بما في ذلك قطاعي الطاقة والخدمات المالية.

ما زال بوتين يشع ثقة في أن كل شيء على ما يرام، وما زال في أسر أوهامه الخاصة في شأن ماهية أوكرانيا. وتواصل روسيا تبرير عدوانها العسكري بالادعاء الكاذب بالحاجة إلى وقف "إبادة جماعية" في أوكرانيا، على رغم عدم وجود أي دليل يشير إلى حدوث تلك الإبادة الجماعية.

ويعتبر ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروس، أن بلاده الحليف الوحيد لروسيا، وهذا موقع يخشى خسارته إلى حد كبير. ويرى لوكاشينكو أن بوتين يخسر الحرب، وأن السلطة تنجرف بعيداً. ولن يتمكن رئيس بيلاروس أبداً من العودة إلى النموذج السابق للعلاقات مع الغرب. ولهذا السبب سيستمر بوتين في دعم نظام لوكاشينكو في فترة ما بعد الحرب.

لكن أيام بوتين معدودة، وليس من المعروف ما إذا كانت فترة ما بعد الحرب ستحل يوماً على الرئيس الروسي.

© The Independent

المزيد من آراء