Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موجة الحر تكبد أوروبا خسائر اقتصادية مع إعلان الطوارئ

زيادة في استهلاك الطاقة والمياه مع تراجع إنتاجية العاملين

تهدد موجة الطقس الحار التي تشهدها أوروبا وبريطانيا إمدادات المواد الكيماوية للشركات والمصانع الإنجليزية التي تعتمد بشدة على تلك الشحنات بسبب انخفاض منسوب المياه في نهر الراين، حيث تبحر السفن الناقلة لتلك الواردات من ألمانيا إلى هولندا ثم الشواطئ المواجهة لبريطانيا لنقلها بحراً.

وتنقل غالبية المنتجات الألمانية من مناطق إنتاجها في ألمانيا عبر نهر الراين للتصدير من الموانئ الهولندية، كما تنتقل الواردات الألمانية الآتية بحراً في اتجاه معاكس بالنهر، لكن موجة الحرارة الشديدة منذ يونيو (حزيران) الماضي أدت إلى انخفاض منسوب المياه في النهر بحيث لم تعُد سفن البضائع قادرة على الإبحار فيه.

ومع توقع استمرار الموجة الحارة خلال الأسابيع المقبلة، تبحث الشركات المصدرة والمستوردة عن بدائل للنقل لكنها غالباً أكثر كلفة وتستهلك وقتاً أطول. وحذرت الشركات البريطانية من احتمال النقص الشديد في المواد الكيماوية التي تستوردها من أوروبا بسبب الموجة الحارة، بالتالي نقص كثير من السلع والبضائع من أرفف منافذ البيع في المملكة المتحدة.

ويتم الآن وضع خطط طوارئ للنقل بالشاحنات أو السكك الحديدية، لكن ذلك سيعني مزيداً من التعطيل للصناعات البريطانية التي تستخدم الكيماويات المستوردة من أوروبا. ونقلت صحيفة "صنداي تلغراف" عن تيم دوغيت، رئيس رابطة شركات الكيماويات، قوله "الوسيلة الأمثل لنقل الكيماويات هي عبر نهر الراين. وأي تضرر لسلسلة التوريد تلك سيكون له أثر ممتد في قطاعات كثيرة".

خطط طوارئ

لكن خطط الطوارئ لنقل المواد الكيماوية وغيرها من مدخلات الإنتاج التي توردها أوروبا إلى المملكة المتحدة تواجه مشكلة في بدائل النقل، إذ يرفض وزير النقل البريطاني تمديد السماح باستخدام عدد من طائرات الركاب لنقل حمولات شحن في كبائن المسافرين، أي استخدامها مؤقتاً للشحن الجوي بدلاً من نقل الركاب. وحذرت الشركة المالكة لمطارَي إكسيتر وبورنموث في رسالة للوزير من أن نسبة 25 في المئة من طاقة الشحن الجوي البريطاني ستختفي إذا لم يتم تمديد فترة السماح.

أما في حالة مثل المواد الكيماوية، التي تنتجها شركة "بي إيه أس إف" الألمانية، فإن هناك قيوداً على شحنها جواً بالأساس، بالتالي لن تكون هناك بدائل سريعة لنهر الراين الذي تجف مياهه بسبب الجو الحار. وتُعدّ مشكلة شركات الكيماويات البريطانية مجرد مثال على الأضرار الاقتصادية الناجمة عن موجة الحرارة الشديدة التي تضرب أوروبا وإنجلترا حيث تتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية، ووصلت في بعض مناطق فرنسا وإسبانيا والبرتغال إلى نحو 45 درجة مئوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول خبراء الأرصاد إن موجة الحرارة الحالية ربما تفوق الموجة السابقة التي ضربت أوروبا عام 2018 وأدت إلى خسائر اقتصادية كبيرة. وعلى الرغم من أن بعض الدول أعدت خطط طوارئ لمواجهة احتمالات ارتفاع درجات الحرارة منذ ذلك الحين قبل أربعة أعوام، إلا أن الزيادة في درجات الحرارة تأتي أكبر من سابقتها. وارتفعت أصوات أنصار البيئة والناشطين في مجال مواجهة التلوث المناخي، محذرين أن العالم لا يبذل ما يكفي من جهد لوقف الانبعاثات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، الذي يعتبره كثيرون السبب وراء هذا الارتفاع الشديد في درجات الحرارة في نصف الكرة الأرضية الشمالي.

وتتكسر خطط الطوارئ تلك على واقع عودة كثير من دول أوروبا لاستخدام الفحم في محطات توليد الطاقة بسبب أزمة النفط والغاز التي تفاقمت مع الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. ويُعدّ الفحم أكثر تلويثاً للبيئة، إذ ينتج حرقه كميات من ثاني أكسيد الكربون أكثر من النفط والغاز.

 

لا تقتصر الأضرار الاقتصادية لموجة الحر الشديد على تهديد سلاسل الامداد، وإنما هناك خسائر مباشرة أيضاً. فالحرائق الشاسعة في الغابات ومناطق الزراعة بفرنسا وإسبانيا والبرتغال أدت إلى عشرات الإصابات في إسبانيا وإجلاء الآلاف من بلداتهم بالدول الثلاث. وكل ذلك يكلف السلطات المحلية كثيراً من موازناتها، وكذلك موازنات الحكومات الوطنية في باريس ومدريد ولشبونة.

فقد أتت النيران التي نتجت من ارتفاع درجات حرارة الجو على أكثر من 17 ألف فدان في فرنسا وتم ترحيل أكثر من 10 آلاف شخص من أماكن سكنهم بعيداً من النيران. وفي إسبانيا، بلغت مساحة الأراضي التي التهمت النيران مزروعاتها حتى الآن نحو 10 آلاف فدان، وفي البرتغال أتت نيران الحرائق على نحو 7 آلاف فدان. وإضافة إلى الخسائر المباشرة نتيجة حرائق الغابات والمساحات المزروعة تلك، هناك كلفة إجلاء السكان وإعاشتهم في غير مواطنهم.

 

ومع ارتفاع درجات الحرارة في بعض مناطق أوروبا إلى 40 درجة مئوية الشهر الماضي، تضررت المحاصيل الموسمية بشدة. ويتوقع أن يشهد إنتاج القمح الفرنسي انخفاضاً هذا الموسم بنسبة 7 في المئة. وفرنسا هي أكبر منتج للقمح في أوروبا ورابع أكبر مصدر للقمح في العالم، كما يرجح تراجع المحصول في بريطانيا بنسبة 12 في المئة، وإيطاليا بنسبة 13 في المئة بسبب نقص المياه والجفاف المصاحب لموجة الحر.

وتشير تقديرات أولية إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وحالات الجفاف سيؤديان إلى انخفاض إنتاج الذرة في إيطاليا هذا الموسم بنسبة 30 في المئة، وإسبانيا بنسبة 16 في المئة، كما يتوقع أن يتراجع إنتاج موسم الزيتون في إيطاليا ما بين 20 و30 في المئة بسبب الجفاف.

الإنتاجية والاقتصاد عموماً

على الرغم من أن درجات الحرارة العالية تنشط بعض القطاعات، مثل مبيعات التجزئة فيتشجع المستهلكون على الخروج للتسوق، بالتالي يزيد الإنفاق الاستهلاكي، إلا أن الأثر النهائي في الاقتصاد ككل يكون سلباً، كما خلصت دراسات عدة نشرت ملخصاتها صحيفة "صنداي تايمز".

ففي دراسة أجرتها ساندرا باتن، الباحثة في بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، تبيّن أن زيادة درجة الحرارة عن معدلاتها درجة مئوية واحدة تؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.01 في المئة. ويمكن لذلك الارتفاع المطّرد أن يكون أثره واضحاً بشدة في النمو الاقتصادي خلال بضعة أعوام.

وفي دراسة أجراها الباحثون في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة عام 2015، أثبتوا أن معدل النمو في الاقتصاد يكون بأفضل حالاته في ظل درجات حرارة في المتوسط عند 13 درجة مئوية، ويتراجع النمو الاقتصادي بوتيرة متزايدة مع ارتفاع درجات الحرارة عن هذا المتوسط. ومعروف أن متوسط درجات الحرارة أثناء العام عموماً في بريطانيا يكون عند تسع درجات مئوية.

وتشير دراسات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي إلى أن كل زيادة في درجة حرارة الجو بدرجة فهرنهايت واحدة تعني انخفاض الناتج الاقتصادي بما بين 0.15 و0.25 في المئة، ذلك لأن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تراجع إنتاجية العامل، إضافة إلى أن الليالي شديدة الحرارة تنال من قدرة الجسم البشري على الراحة السليمة، بالتالي لا تؤثر حرارة الجو سلباً في الإنتاجية فحسب، بل أيضاً في القدرة على اتخاذ القرارات السليمة.

اقرأ المزيد