Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عرائس بحر بريطانيا الحقيقيات

تتزايد أعداد النساء اللاتي يرتدين أزياء ميرسونا ويخضن الأمواج. وثمة رجال يفعلون الأمر نفسه

هذا اللقاء غير المتوقع لمجموعة من عرائس البحر يشكل أكثر من مجرد تنفيس احتجاجي (بول دايل/اندبندنت)

إن عرائس البحر، أولئك الحوريات ذوات الصدور الأنثوية والأذيال السمكية، هن نتاج حكايات الفولكلور والأساطير، وقد لا يكون مألوفاً حضورهن على ضفاف موسم الإجازات الصيفية، لكن في وقت سابق من هذا الشهر، فيما احتفل البريطانيون باليوبيل الذهبي [لتبوُّء الملكة إليزابيث الثانية عرش بريطانيا]، ظهر سرب من عرائس البحر على السواحل الجنوبية لإنجلترا.

فقد تجمع مئات الأشخاص في "تينسايد ليدو"، بـمنطقة "بلايموث"، في 2 يونيو (حزيران)، للمشاركة في محاولة تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر حشد ممن يرتدون زي عرائس البحر. تكون الحشد بمعظمه من النساء، بيد أنه ضم أيضاً رجالاً وأطفالاً. وارتدى المشاركون فيه أذيالاً سمكية ومايوهات بيكيني من الأصداف، كي يؤلفوا مشهداً لخمس دقائق بغية تصويرهم، فيما ارتدى الندل أزياء قراصنة وراحوا يحرسون الحدث. وقد أحصت القيمة على هذه المناسبة، بولين باركر (المعروفة بلقب بولين الحورية) وجود 377 مشاركاً هذه المرة، مقابل 300 في المرة السابقة. وتنتظر بولين الآن أن تعلن إدارة "كتاب غينيس للأرقام القياسية" رسمياً عن الرقم القياسي الجديد الذي تحقق خلال الحدث الذي نظمته.

على أن هذا اللقاء البحري الذي يحاكي القصص [الخيالية] كان أكثر من مجرد طقس شكلي. ففي كل أنحاء بريطانيا اليوم، ثمة عدد متزايد من الناس، معظمهم نساء، يخترن للخوض في الأمواج دور الـ"ميرسونا"، أي ارتداء زي عروسة البحر التي تعتبرها الأسطورة نصف امرأة ونصف سمكة. ويمثل ارتداء زي عروسة البحر لبعض تلك النساء المشاركات في الحدث المذكور، وجهةً وموقفاً في الحياة. واحدة من النساء الـ377 اللاتي شاركن في الحدث الذي نظمته بولين باركر هي "عروسة بحر بلايموث مايفلاور" الشهيرة، لكن حين قابلتها للمرة الأولى بـ"ثيابها المدنية" [العادية] وهي تتطوع في نادي "ويتلاي بيغ" الاجتماعي المحلي، قدمت نفسها على أنها "بيكي ألن".

وقد نشأت ربيكا ألن (أي "بيكي")، عمرها 32 سنة، في بلدة صغيرة في "كينغسبريدج" التي تصفها بأنها مكان "معطوب" تعرضت فيه للتهميش، حيث قيل لها حين كانت تعيش هناك بأنها لا تنفع لشيء. وكذلك قد يصف العاملون في مجال الشؤون الاجتماعية تلك البلدة بأنها مكان عدائي. وتشير بيكي إلى أنها في مرحلة ما، "أخبرت المدرسة والعمال الاجتماعيين والشرطة بما تتعرض له، لكن لم يظهر أحد من هؤلاء أي اهتمام أو يبدي أي دعم. لقد خذلني تماماً هذا النظام".

وحين كانت بيكي طفلة أولعت بقصة "عروسة البحر الصغيرة" The Little Mermaid، والبحر عموماً. وقد علمت نفسها السباحة عبر "كثير من المحاولات والأخطاء" وكادت تغرق في إحدى المرات. وتعترف بأنها عبر اللجوء إلى مخيلتها ربما سعت إلى الهرب من واقع طفولتها المرير. إن والدة بيكي كانت أيضاً ضحية عنف منزلي، وقد خبرت علاقات عدة مع أزواج عنيفين وخطيرين. وجاءت كل واحدة من تلك العلاقات أسوأ من تلك التي سبقتها، بيد أن الأمور بلغت منحى خطيراً حين انتقلت العائلة إلى "بلايموث" وكانت بيكي التاسعة من العمر. وقد تعرضت بيكي آنذاك للتنمر والإهانة على يد أمها، وللنبذ من قبل زملائها في المدرسة، ما أفقدها القدرة على التحمل، فغادرت المنزل. كانت في عمر الثانية عشرة. ولجأت على مدى أعوام آنذاك إلى كنبات الجلوس في بيوت الأصدقاء وشوارع الليل الباردة، إلى أن حصلت أخيراً على شقة في "ويتلاي"، تشبه قوقعة وسط الغابة وتطل على شمال بلايموث. "حينما انتقلت إلى هناك، كان أول ما فكرت به أنه مكان رائع بالفعل". وكانت الشقة قريبة من البحر بما يكفي كي تكون ملاذاً مثالياً لعروس بحر أسطورية.

ونظراً إلى الإعاقة الجسدية التي تعانيها بيكي، راحت معاناتها تزداد من ناحية الحركة والتنقل، ثم وصف لها العلاج المائي. وبدأت تسبح باستمرار على نحو منتظم، فتشعر باسترخاء أطراف جسمها وانسيالبها في المياه. وبحسب رأيها، "لقد مثل ذلك نوعاً من العلاج بالنسبة إليَّ من الناحيتين الجسدية والعاطفية". على أنها أبقت الأمر بينها وبين نفسها في البداية، لكن مع تحسن قدرتها على الحركة ازدادت ثقتها بنفسها كمؤدية وشعرت بأنها تغدو أقوى في المحيط الأخضر الواسع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التقت بيكي عن طريق الصدفة بفتاة تعمل عروسة بحر محترفة. وأخبرتها تلك الصديقة الجديدة عن وجود جمعية "ميرفولك بريطانيا" Merfolk UK التي تشكل فوجاً وطنياً يضم عرائس وعرسان بحر محترفين وهواة. وإلى اليوم، ما زالت ملامح بيكي تشرق حينما تتذكر الشعور الذي انتابها إذ علمت بوجود أسطورة عرائس البحر كثقافة موازية [غير تقليدية] تنتشر "تحت الأرض" [بعيداً عن الأنظار]، بالأحرى تحت الماء، في بريطانيا. وتعلق على ذلك الأمر، "قلت في نفسي، يا إلهي، هؤلاء من أبحث عنهم. إنهم هنا".

على أن المثير للاهتمام هنا هو أن فكرة عرائس البحر، أو المخلوقات التي هي نصف امرأة ونصف سمكة وفق الأسطورة، ظهرت ضمن القصص الفولكلورية في جميع أنحاء العالم. ويمتد ذلك من أساطير اليونان القديمة التي تحدثت عن "حوريات" يحملن مشطاً ومرآة، والحكايات السلافية عن عرائس بحر الـ"روسالكا" اللاتي يغوين البحارة ويودين بهم إلى الهلاك، إلى النساء اللاتي لهن أذيال سمكية في فنون بلاد ما بين النهرين، وصولاً إلى قصة هانس كريستيان أندرسون السوداوية "عروسة البحر الصغيرة". إن تلك الحكايات تمثل ظاهرة عالمية تعود إلى بدايات الحياة في مناطق حول محيطات وبحار العالم الأساسية. وترد نظريات عدة أصل هذه الحكايات إلى البحارة السكارى المحرومين من الجنس على متن سفن كل طواقمها رجال. وقد أسقط هؤلاء البحارة على عجول البحر تخيلاتهم المحملة بأصداء ما كان يسمى "نظرية القرد المائي" التي رأت أن البشر أيضاً تطوروا وارتقوا في المحيطات. وقد جرى (وفق تلك التخيلات) تصور عرائس البحار على أنهن جميلات لكنهن طماعات مخادعات، ينذرن بالشؤم وحوادث غرق السفن، إلا أن حكاياتهن استفادت في السنوات الأخيرة من معالجات وتحسينات أدخلتها عليها شركة "ديزني".

في المقابل، بالنسبة إلى جيسيكا بينينغتون التي أطلقت "ميرفولك بريطانيا"، تكمن جاذبية ارتداء زي عرائس البحر في "عدم وجود قواعد ثابتة وصارمة تجاههن، نظراً إلى اعتبارهن مخلوقات أسطورية. إنه أمر متاح وباهر ويمكن ممارسته في أي مكان".

في هذا الإطار، يستخدم بعض المنضوين في "ميرفولك" نسخة "ديزني" من حكاية عرائس البحر مصدراً لإلهامهم، فيكثرون من الأزهار والأصداف (في الأزياء التي يعتمدونها). إحدى السيدات الكبيرات الحجم [البدينات]، وفق جيسيكا، تتزيا بهيئة "عروسة البحر أوركا" [من وحي اسم لفيلم سينمائي عن حوت قاتل] لأنها تسبح في مياه اسكتلندا "حيث البرد قارس". تبلغ جيسيكا الـ31 من عمرها. وقد ولدت في "إسيكس" وتعمل في القطاع المالي. وربما لا تكون هذه الفتاة من نمط عرائس البحر الذي تألفونه. وبحسب كلماتها، "أحببت عرائس البحر على الدوام. وكنت طوال الوقت، على ما أذكر، مهجوسة بها وبكل ما يرتبط بالبحر، إلا أنها كانت في الصدارة". حينما بلغت جيسيكا سن الـ25، تعرفت بمحض الصدفة على فرقة تمارس الغطس الحر وتقدم فصلاً دراسياً إضافياً يتعدى الغطس، إذ يشمل التدريب على الـ"ميرمايدنغ" [أي حرفة عروسة البحر]. ويلقن الفصل المذكور المشاركين به على الأداء، وارتداء الأذيال السمكية واتخاذ وضعيات للتصوير والظهور بمظهر رائق ولذيذ. وبحسب جيسيكا، "استرعى ذلك انتباهي فعلاً. لم أضيع دقيقة واحدة. ومن خلال هذا التدريب تعرفت على أشخاص كثيرين مثلي ممن لديهم نفس الحب والشغف تجاه عرائس البحر. وحينما أنهيت الفصل الدراسي، حصلت على ذيلي (السمكي) الأول".

بيد أن تحقيق ذاك الشغف ومتابعة السير به كانا صعبين. فهناك كثير من التدابير المتعلقة بالسلامة ينبغي اتباعها في حالة السباحة بذيل يفرض قيوداً على الحركة، وفق ما تشرح جيسيكا. وتوضح أنه "لا يمكن للمرء ببساطة أن يرتدي هذا الذيل في المسبح المحلي حيث يسبح. كنت شديدة الحماسة لارتداء ذيلي الجديد، لكن لم يكن هناك مكان أذهب إليه". فتوجهت جيسيكا إلى وسائط التواصل الاجتماعي للحصول على نصائح. ووقعت بالصدفة على مجموعة سرية من الأشخاص المتحمسين لقصص عرائس البحر. ووفق رأيها، "لقد أعطاني ذلك الأمر فكرة إطلاق [ميرفولك بريطانيا]، كي تضم أولئك الأشخاص". وفي عام 2017 عقدت "ميرفولك بريطانيا" اجتماعها السنوي الأول الذي غدا أبرز حدث في الرزنامة البحرية في المملكة المتحدة.

إن جيسيكا شديدة الاهتمام بحياتها المهنية. وغالباً ما تكون منهمكة بعملها، لذا فإن الأداء بهيئة عروسة بحر يمثل "هرباً من قسوة الواقع الذي نعيش فيه. وهو يعيد لي قليلاً من سحر الطفولة الذي نفقده عادةً حينما نكبر. يرى كثيرون أن عرائس البحر ليست بالضرورة مخلوقات محببة. إنها جميلة، لكنها مخادعة. وثمة أنماط كثيرة منها. إن كان هناك شخص غير واثق تماماً من نفسه يمكنه تبني شخصية عروسة بحر فيشعر بثقة أكبر، فكأنه استمد جرعة إضافية من الطاقة".

في المقابل، يشكل أداء دور عرائس بحر بالنسبة إلى أشخاص كثر آخرين، مهنة وهروباً على حد سواء. ثمة نساء من مختلف أنحاء بريطانيا يتقاضين اليوم أجوراً للسباحة في أحواض السمك المغلقة أو للظهور في مناسبات تنظمها شركات أو في حفلات أطفال. تعتمد بيكي، مثلاً، باستمرار ذيلاً سمكياً متقن الصنع ومكياجاً متلألئاً وباقي لوازم الحوريات. وتذهب إلى البحر أو إلى المسبح المحلي في منطقة سكنها حين تسمح إدارة البركة بذلك. وهناك تؤدي بيكي عروضاً لجمع المال من أجل دعم مشاريع اجتماعية في منطقتها، أو تكتفي بقضاء وقت ممتع برفقة أصدقائها عشاق عرائس البحر.

على نحو مماثل، تمكنت بولين خلال احتفالات اليوبيل الذهبي [لجلوس الملكة إليزابيث الثانية على العرش] من جمع أكثر من 300 صديقة (وصديق) من مرتدي أذيال عرائس البحر بغية كسر الرقم القياسي العالمي. وقد شكل ذلك شهادة على تصاعد شعبية هذه الثقافة في بريطانيا. سبق لبولين البالغة من العمر 58 سنة أن عملت في "لويد بنك" طوال 40 سنة قبل أن تقرر التقاعد فجأة العام الماضي، كي يغدو عالمها اليوم "مملوءاً بعرائس البحر والدببة القطبية والبطاريق والسباحة". خلال سنين مراهقتها، كانت بولين على الدوام سباحة ماهرة تشارك في المسابقات وتؤدي في عروض الباليه المائي، وقد تمكنت من عبور القناة (الإنجليزية) "أكثر من مرة". إلا أنها قبل نحو سبع سنوات سئمت من "الأمور الجدية". "لماذا لا أقوم بعمل أكثر مرحاً ويفسح مجالاً أكبر للهرب. فكرت بذلك في داخلي. وهكذا اشتريت ذيل عروسة بحر. بالأحرى، صار لي ذيل حورية. فهذا برأيي شيء طريف يمتهنه المرء".

بدأت بولين تنزل إلى المياه مرتدية ذيلها. وقد راقتها التعليقات التي راحت تتلقاها من رواد الشواطئ. "إنه (الذيل) يرسم البسمة على وجوه الجميع. وبفضل خبرتي في السباحة الإيقاعية المتزامنة، تمكنت من أداء جميع المهارات والاستدارة في المياه والغوص ورفع ذيلي في الهواء إلى الأعلى. ورحت أحظى بردود فعل جميلة جداً من الناس، خصوصاً الصغار. إنهم لم يعرفوا كيف يمكنهم مكافأتي. اليوم، ثمة قطاع كامل نشأ حول هذه الظاهرة، لكن حينما بدأت، كان الأمر محصوراً بالمرح والتسلية". بات ذلك القطاع البحري راهناً أكبر من أن تستوعبه مسابح بلايموث. وقد باتت بولين ترتدي ذيلها في أمكنة بعيدة تصل أحياناً إلى توركواي، فتسبح حول المراكب كي تسأل من على متنها إن كان لديهم شمبانيا لها. وفي الآونة الأخيرة، زارت "جزر سيلي"، لأن ثمة حانة هناك اسمها "ذا ميرمايد" (عروسة البحر). وتصف ذلك الأمر، "تربطني علاقة صداقة مع صاحب (الحانة)، لذا ذهبنا وقدمنا عرض عرائس بحر قبالة حانة [ذا ميرمايد]، وكان الأمر مسلياً جداً".

ماذا يتضمن عمل الـ"ميرمايدنغ" [أداء دور عروسة البحر]؟ تجيب بولين عن ذلك بأنه يشمل "ارتداء الذيل السمكي بالدرجة الأولى، وكل الأكسسوارات الأخرى. هناك أكسسوارات عدة لازمة كي نصبح عرائس بحر. إنهم يحبون الظهور بمظهر فاتن، وحين يبتل الشعر قد تتراجع تلك الفتنة، لذا لدي مجموعة من قطع الشعر المستعار الملائمة لعرائس البحر، وطبعاً أزياء لأعلى الجسم وبعض الزينة القماشية اللامعة واللآلئ". وتضيف، "أخرج إلى البحر وأسبح، وأراقب إن كان أشخاص ممن يمكن التفاعل معهم". أسألها إن كانت تحاول الإيقاع بالبحارة ومراوغتهم كي يلقوا مصيرهم المشؤوم. تجيب مصححة، "أنت تتكلم عن الحوريات. لقد كن طيوراً، ثم تحولن عرائس بحر في مرحلة ما ضمن سياق الأسطورة. إنها عروسة بحر طيبة. أجول وأسعد الناس ولا أخادعهم وأوقع بهم كي يلقوا مصيرهم على الصخور". وكعروسة بحر، فإن اسمها ببساطة هو "أوشن" [محيط].

ووفق بولين، تكمن جاذبية أداء دور عروسة البحر في المرح الغريب الأطوار الذي يتضمنه ذاك الدور. "أعشق أن أكون في البحر بأية حال، لذا أحب السباحة على سجيتي وأحب أن أكون وسط الطبيعة مهما كانت حالة الطقس، فقد أسبح وسط الأمواج العاتية لكن ارتداء زي عروسة البحر ليس سوى هروب صادق [من الواقع]".

في هذا الإطار، تبدو حماسة بولين آسرة، إذ تقود مجموعة من السباحين في بلايموث، تضم أفراداً من ديفون وكورنوال. وتشير إلى وجود 30 ألف عضو، والعدد في بلايموث لوحدها يبلغ ثلاثة آلاف ويستمر في التزايد طوال الوقت.

في السياق عينه، تعرف بلايموث للبعض بأنها "مدينة المحيط" في بريطانيا، و"موطن عشاق عرائس البحر" بالنسبة إلى المهتمين بتلك الأجواء، إذ إن هذه البلدة البحرية، بتاريخها القديم المرتبط بالبحر وشواطئها الذهبية ومنتجعاتها الشهيرة بنمط للمسابح من نوع الـ"آرديكو" [فن للديكور يعتمد على الإبهار الجريء والأشكال الهندسية المتعرجة واستخدام مواد صناعية كالبلاستيك]. وقد غدت اليوم نقطة جذب للأشخاص الذين يرتدون زي عرائس البحر. وتحكي بولين عن بلايموث مشيرة إلى "أنها في الحقيقة مركز للسباحة المتحررة وسط الطبيعة. هنالك مواقع رائعة للسباحة مع سهولة الوصول إلى كورنوال وساحل ديفون الجنوبي".

والآن هناك في بلايموث مجموعة ثابتة مؤلفة من 30 عروسة بحر ممن يحظون بالاهتمام ليس لمجرد فتنتهن الذائعة الصيت، بل أيضاً بسبب معاركهن في مواجهة إدارات المسابح المحلية. وتشرح بيكي ذلك مشيرة إلى أن "زعانفي ليست مسموحة عموماً، بسبب حجمها". وتضطر بيكي إلى الانتقال من بلايموث إلى تشادلاي أو آيفيبريدج كي تعرض ذيلها، أو كي تسبح في المحيط.

في السياق نفسه، نهضت بيكي ضمن مسابقة "ملكة جمال عرائس البحر" في بريطانيا، بتمثيل مدينتها المتبناة (بلايموث)، وكانت أول متسابقة من بلايموث. وللذين يتساءلون عما تعنيه مسابقة "ملكة جمال عرائس البحر" تشرح بيكي الأمر، "إنها ببساطة مثل أي مسابقة جمال، إذ يقدم المشتركون وصلة استعراضية تحت المياه، ثم يخوضون مسابقة سباحة في البحيرة كي يظهر من بإمكانه حبس نفسه لمدة أطول، بعدها طبعاً يأتي دور عرض أزياء السباحة. وتتضمن الجوائز عدداً من الهدايا على غرار ذيل جديد، وعقد لمدة سنة مع وكالة "هاير أي ميرمايد يو كي" Hire a Mermaid UK، ورحلة إلى مصر لتمثيل بريطانيا في مسابقة ملكة جمال الكون لعرائس البحر.

لقد غدا فريق عرائس البحر الذي تنتمي إليه بيكي، عائلتها الجديدة بعد أن كانت تؤدي استعراضاً بذيل عروسة بحر. وساعدها الفريق على أن تجد مكاناً لها في بلدتها الجديدة (بلايموث). ففي سنة 2017، صادف أن شاهدت بيبا كوبر، المسؤولة عن قسم التنمية في الفريق، عروسة بحر ترتدي ذيلاً سمكياً كبيراً من النايلون (بيكي) وترتجف قرب حوض للمياه الساخنة خارج مقهى "بوركيس كافيه". وبعد مرور سنتين ظهرت بيكي في اجتماع للفريق. كانت مفعمة بالحماسة تجاه منطقتها المتبناة وللنضال من أجل القضايا البيئية عموماً. اليوم بات الناس يدنون منها في تلك المنطقة ويسألونها إن كانت فعلاً عروسة بحر بلايموث. وتستفيد بيكي من تلك المناسبة للشروع في أحاديث مع الناس وإخبارهم عن نشاطاتها الاجتماعية، ثم أنها أطلقت فريقاً لفنون السيرك، وتتطوع في أنشطة بنوك الطعام، وتساعد بانتظام في رفع القمامة والمناسبات الفنية. وخلال جائحة "كوفيد"، على الرغم مما عانته في صحتها النفسية والجسدية بعد خضوعها لعملية ثانية، تطوعت بيكي لتوزيع حصص الطعام والأدوية على البيوت. ووفق كلماتها، "لقد غدت ويتلاي بلدتي وشغفي. وتجعلني هويتي كعروسة بحر أبذل مزيداً من الجهد، وذاك ساعدني كثيراً في عملي".

ووفق بيكي، إن ما يميز فريق عرائس البحر يتمثل في انفتاحه تجاه كل الناس مهما كانت خلفياتهم. وقد أسعد بيكي كثيراً وجود عدد كبير من عرائس البحر ذوات الإعاقات الجسدية ممن يقدمن عروضاً في بريطانيا. تضيف، "إنهن في منتهى الكرم، هذا الفريق انتشلني، وساعدني ودعمني".

من جهة أخرى، جذبت بيكي أعضاء جدداً كثيرين إلى كنف فريق عرائس البحر، والذين ازدادوا ثقة بأنفسهم وباشروا في تدريب غيرهم. هناك أناس من كل الأصناف والشخصيات في عالم عرائس البحر. وبحسب بيكي، "نحن أفراد متنوعون ومن مختلف الأشكال والأحجام والألوان، ولكل ذيله الخاص".

وكخلاصة، تلخص بيكي ماذا يعني لها أن تكون عروسة بحر، معتبرة "إنه تحقيق حلم الطفولة". واستطراداً، إن ابنتها التي تبلغ اليوم عمر السادسة "مسلوبة العقل [مبهورة] تماماً" بعمل أمها وتنتظر بفارغ الصبر حصولها على ذيل سمكي خاص بها. كذلك تحظى بيكي بدعم مطلق من ابنيها وشريكها. ويتمثل أكثر ما يحمسها تجاه مجتمع محبي عرائس البحر بروح التسامح التي تسود بين أفراده. ووفق كلمات بيكي، "مهما خبر المرء في حياته من مشكلات، يمكنه أن يتأكد من أن هناك عروسة بحر إلى جانبه تخبره أنه يمكنه أن يفعل هذا الشيء. هيا، لا تتوقف عن السباحة".

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 20 يونيو 2022  

© The Independent

المزيد من منوعات