موجة من السخط الشعبي تجتاح المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي بعدما فرضت الأخيرة قبيل أيام جرعة سعرية جديدة على المواطنين في صنعاء وغيرها، أو كما يسميها اليمنيين الذين احتجوا على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"رفع الجرعات".
وأعلنت سلطة الميليشيات المدعومة من إيران مطلع الأسبوع الحالي زيادة في الأسعار عبر شركة النفط الخاضعة لسيطرتها ورفعت المشتقات النفطية في ظل وضع اقتصادي وإنساني صعب يعانيه ملايين اليمنيين بسبب الحرب التي أشعلتها بانقلابها على السلطة في العام 2014 وقطعها رواتب الموظفين، إذ دفعت بالسكان إلى حافة المجاعة التي صنفت كأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وجاء إعلان الحوثي تزامناً مع تدفق السفن إلى ميناء الحديدة تنفيذاً لبنود الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة التي لطالما بررت الميليشيات الحوثية إجراءاتها برفع الزيادة في المشتقات النفطية خلال السنوات الماضية، بحجة عدم السماح بإدخال السفن إلى الميناء الخاضع لسيطرتها وتتقاضى منه ملايين الدولارات بحسب اتهام حكومي سابق.
العالم السبب
وكانت شركة النفط التابعة للحوثيين أعلنت هذا الأسبوع رفع أسعار البنزين في مناطق سيطرتها على شمال اليمن وغربه 27.27 في المئة، وسط انتهاء أزمة وقود حادة شهدتها المناطق الواقعة تحت حكمها.
وقال مدير الشركة عمار الأضرعي لـ "رويترز" إنه بموجب القرار الذي بدأ سريانه الأحد الماضي يرتفع سعر جالون البنزين سعة 20 لتراً في المحطات الحكومية إلى 12600 ريال (23 دولاراً)، أي بواقع 625 ريالاً للتر الواحد من 9900 ريال، (18 دولاراً)، بزيادة 2700 ريال (خمسة دولارات) للجالون.
وأرجع أسباب ارتفاع كلفة الوقود إلى زيادة الأسعار عالمياً 33 في المئة على خلفية الأزمة في أوكرانيا.
وأكد أنه تم احتساب الكلفة الفعلية وفقاً للمتغيرات في مؤشرات البورصة العالمية، قائلاً إنه "نظراً إلى التغير الإيجابي في أسعار الصرف فستتم إعادة النظر في الكلفة كل 10 أيام".
وكانت شركة النفط بصنعاء رفعت في العاشر من مارس (آذار) أسعار البنزين التجاري في المحطات التابعة للقطاع الخاص.
مرارة العيد
وتجاوزت نسبة الزيادة التي أقرتها الميليشيات الحوثية في أسعار الوقود 20 في المئة من القيمة الإجمالية لأسعار المشتقات النفطية في المناطق المحررة، في وقت أعلنت فيه أنها احتسبت سعر الكلفة فقط.
ومن شأن تلك الزيادة السعرية أن تفاقم تدهور الأوضاع المعيشية الصعبة أصلاً لنحو 10 ملايين يمني داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها في صنعاء والمناطق المجاورة، وعززه استمرار قطعها رواتب موظفي الدولة للعام السادس على التوالي، وسط انعدام فرص العمل في القطاع الخاص، في حين أحكمت قبضة الجبايات والضرائب التي تفرضها على المواطنين والقطاعات المنتجة كافة.
وتأتي الزيادة الحوثية في أسعار المشتقات النفطية تزامناً مع حلول عيد الأضحى المبارك وزيادة الطلب على المشتقات النفطية واستعدادات الأهالي لشراء الأضاحي والملابس الجديدة للقادرين، إلا أن تلك الزيادة ستنعكس بدورها على الأسعار بمضاعفتها كما تجري العادة، فالزيادة في أجور النقل تنعكس بالضرورة على أسعار السلع المختلفة.
تعويم البيض
ونتيجةً لذلك، ارتفعت أسعار الدواجن والبيض في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات نتيجة فرض مزيد من الضرائب والإتاوات واحتكار الموردين.
وقال سكان محليون في صنعاء إن سعر البيضة الواحدة ارتفع في عدد من البقالات التجارية بنسبة 30 في المئة.
وقالت جمعية حماية المستهلك إن تصاعد أسعار البيض في السوق اليمنية وصل إلى أسعار تنافس العقيق اليمني بسوق المزاد من دون ضوابط أو إجراءات لكبح جماح هذا الصعود الذي حرم المستهلك تناول وجبة البيض.
وتابعت الجمعية في بيان لها، "الكل يعرف أن أسعار الأعلاف وبعض المستلزمات ارتفعت بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن الكلفة ليست بهذه النسبة التي وصلت إليها في اليمن". وأضافت، "نحن الآن في فصل الصيف ولا تحتاج مزارع الدواجن إلى تدفئة والطلب قليل نتيجة الإجازة المدرسية، لكن السبب الرئيس على المستهلك اليمني هو الاحتكار لعدد من شركات الأعلاف، ومستلزمات الإنتاج لا تتجاوز عدد أصابع اليد في ظل موت سريري لقانون المنافسة ومنع الاحتكار، وأيضاً غياب دور اللجنة الزراعية العليا في معالجة هذا الارتفاع".
واختتمت متسائلةً عمن "سينقذ المستهلك من هذا الغول المتوحش في الأسعار؟ وهل غابت أجهزة الدولة وتلاشت؟".
وخلال عام واحد فرضت السلطات الحوثية خمس جرع سعرية للمشتقات النفطية في العاصمة صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها، وذلك خلال الفترة من منتصف 2021 وحتى الشهر الحالي.
الدجاج بدلاً من الأضحية
ويذكر أن الأهالي في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران لجأوا عند حلول عيد الأضحى إلى شراء الدواجن بديلاً عن الأضاحي جراء الغلاء الفاحش في أسعارها، إذ وصل سعر رأس الأضحية من الضأن لنحو 300 ألف ريال (550 دولاراً)، في حين بلغ سعر الأضحية من الأبقار 1.5 مليون ريال (2550 دولاراً) في سابقة سعرية غير معهودة، مما دفع معظم الأهالي إلى الإحجام عن التضحية التي لم يتركوها في السابق قط.
رفض إلكتروني
وإزاء ذلك أطلق ناشطون وإعلاميون حملة إلكترونية واسعة حملت هاشتاق "جرعة حوثية قبل العيد" و"الحوثي يجرع الشعب"، سخروا فيها من الإعلان الحوثي الذي أرجع إجراءاته السعرية إلى ما وصفه بـ "موجة الغلاء العالمي"، متهمين الميليشيات بنهب اليمنيين.
وتداول مغردون مقاطع فيديو لزعيم الحوثيين الذي كان يتحدث عن الظلم في رفع الأسعار وضرورة دفع الرواتب، وفي تغريدة له قال المحامي فيصل المجيدي إن من أكبر المنظمات الإرهابية في العالم التي تملك اقتصاداً موازياً للدول هي الحوثية، في تفسيره للجرعة الحوثية الخاصة بالمشتقات النفطية.
وأضاف أن الميليشيات استولت على الاحتياط النقدي الذي يصل إلى 5 مليارات دولار، كما أنها نهبت 2 تريليون ريال يمني، إضافة إلى مليارات الدولارات التي تأتي سنوياً كمساعدات وفوارق رسوم النفط والبيع في السوق السوداء، مضافاً إليها الدعم الإيراني المتواصل.
وينفي الحوثي التهم الموجهة إليه من جانب المحسوبين على الحكومة الشرعية، محملاً الأخيرة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلد المنكوب.
بين الجوع والرفاه
في المقابل، قال الناشط السياسي أحمد الصالح إن الحوثي حاصر صنعاء وأسقط الدولة ومؤسساتها تحت مبرر الجرعة السعرية في النفط. وأضاف، "واليوم يجرع الشعب ويضيق عليه في معيشته ويزج بالأطفال إلى الموت، بينما رموز الحركة وأقاربهم يتمتعون بحياة الرفاهية والأمان من دون اكتراث للشعب ومعاناته".
قصص مهولة
وتعليقاً على القرار الحوثي بزيادة الأسعار قال المحامي والسياسي محمد المسوري إن الحاجة ملحة في توحيد الصف الجمهوري بين الإعلاميين والناشطين والساسة وكل الرافضين للميليشيات الحوثية والمشروع الإيراني.
ودعا المسوري إلى تكاتف الجميع "يداً بيد لنصرة شعبنا المظلوم الذي يتعرض للظلم والاستبداد ولجرعات قاصمة"، مضيفاً "أتمنى تجاوب الجميع وفتح صفحة جديدة".
من جهتها، قالت الناشطة هديل الموفق إن القصص التي تأتي من المناطق الخاضعة للميليشيات تهتز لها الجبال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت، "هناك قصص مهولة من الإهانة والذل والفقر والجوع تحت حكم الحوثي لا يتم تداولها عبر وسائل الإعلام، ولم يعد هناك وجود لأي طبقة وسطى في اليمن، فقط حشود وحشود من المطحونين والجوعى".
إلى ذلك، تحدث قطاع واسع من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن أن الإجراءات الحوثية وإن قوبلت بغليان شعبي صامت إلا أنها توافر الشروط الكافية لرفض شعبي قد ينفجر في أية لحظة.
ترحيب سعودي بتثبيت الهدنة
في غضون ذلك، رحبت السعودية الخميس 7 يوليو (تموز)، باتفاق تثبيت الهدنة في اليمن، مؤكدة أهمية فتح المعابر الإنسانية في تعز عقب أسابيع من المحادثات بين الحكومة الشرعية والحوثيين في الأردن برعاية أممية، أخفقت في التوصل إلى اتفاق يقضي بفتح الطرقات من وإلى المحافظ ذات الكثافة السكانية.
وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً ثمنت فيه جهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن السيد هانس غروندبرغ في تعزيز الالتزام بالهدنة الحالية التي ترعاها الأمم المتحدة، وذلك تماشياً مع مبادرة السعودية المعلنة في مارس 2021 لإنهاء الأزمة في اليمن والوصول إلى حل سياسي شامل، مشددةً على موقفها الراسخ والداعم لكل ما يضمن أمن واستقرار الجمهورية اليمنية، ويحقق تطلعات الشعب اليمنى الشقيق، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الرسمية (واس).
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ الأربعاء (6 يوليو) توافق ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين على تثبيت الهدنة وتجميد الأنشطة العسكرية خلال أيام عيد الأضحى المبارك، تتويجاً لنقاشات رعاها مكتبه في العاصمة الأردنية عمّان.
وفي بيان لمكتب المبعوث، فقد أوضح أنه "في إطار الاحتفاء بعيد الأضحى المبارك، يوافق ضباط الارتباط الممثلون للأطراف في لجنة التنسيق العسكري على تثبيت الهدنة الحالية من خلال تجديد التزامهم بوقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه، وتجميد الأنشطة العسكرية في الميدان".
وأكد البيان أن الأطراف اتفقت على العمل من خلال لجنة التنسيق العسكرية وغرفة التنسيق المشتركة من أجل تعزيز جهودهم الرامية إلى بناء الثقة والمساعدة في إيجاد بيئة مواتية للحوار وتحسين الوضع للمدنيين اليمنيين.
تهدئة إعلامية
وفي مسعى أممي إلى تثبيت الاتفاق اُتخذ قرار بالتهدئة تضمن اتفاق الأطراف، وفقاً لبيان غروندبرغ، في المحافظة على الخطاب المعتدل في البيانات العامة والتصريحات الإعلامية وإظهار العناية والحرص على حماية سلامة وصحة المدنيين من أطفال ونساء ورجال، وكذلك سلامة البنى التحتية الحيوية الداعمة لحياة المدنيين وسبل عيشهم.
كما اتفق ممثلو الطرفين على الاستمرار في النقاشات التي تركز على منع أو الحد من حركة القوات والمعدات العسكرية وسبل ممارسة السيطرة العملياتية الفعالة للتأكد من فهم جميع القوات المسؤوليات المناطة بها في الهدنة والامتثال إليها.