Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشعب البريطاني يستحق أن يقول رأيه حول دور بلاده في أوكرانيا

إذا كانت المملكة المتحدة ستنخرط في حرب أوروبية، أليس هناك آراء أخرى علينا سماعها في البرلمان أو في المجالات العامة؟

المملكة المتحدة كانت من أوائل الدول التي قدمت مساعدات عسكرية لأوكرانيا (أ ف ب)

دعونا نبدأ من العنوان الرئيس الذي تقدمت به الحكومة البريطانية ورئيس وزرائها: "المملكة المتحدة ستقدم مليار جنيه استرليني إضافية (نحو 1.25 مليار دولار أميركي) من المساعدات العسكرية لمساندة أوكرانيا". على ماذا سيتم إنفاق هذه الأموال؟

هذه الأموال ستنفق على "زيادة الإمكانات العسكرية الأوكرانية بما يتضمن أنظمة دفاع جوي متطورة، ومعدات جديدة تساعد على شن الحرب الإلكترونية الحديثة، إضافة إلى تزويد الجنود الأوكران بحقيبة معدات طبية". وكم سيكون مجموع تكلفة كل ذلك على وجه التحديد؟

"إن التمويل الجديد سيرفع مجموع حجم المساعدات العسكرية المقدمة إلى أوكرانيا إلى نحو 2.3 مليار جنيه استرليني (نحو 2.8 مليار دولار أميركي) ــ تضاف هذه إلى 1.5 مليار جنيه استرليني كانت المملكة المتحدة قد قدمتها على شكل مساعدات إنسانية واقتصادية ضمن جهودها دعم أوكرانيا".

نحن جميعاً متفقون هنا بالتأكيد أن هذا الجهد هو من دون أدنى شك العمل الصائب المتوجب علينا القيام به. فأوكرانيا كانت وما زالت ضحية اجتياح وحشي وغير شرعي من قبل روسيا. إن الأوكرانيين يقاتلون بشجاعة منقطعة النظير من أجل بقائهم كدولة في مواجهة عدو أكثر عدة وعدداً. بالطبع، على الدول الغربية أن تساعد الأوكرانيين المنضوين تحت قيادة قائدهم الملهم والشجاع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وبالطبع على المملكة المتحدة كواحدة من أغنى الدول في العالم ألا تكتفي بمجرد المساعدة، ولكن عليها أن تلعب دوراً رائداً في حشد مثل هذا الدعم. يجب ألا ننسى هنا ما يردده الأوكرانيون أن أمنهم هو أيضاً من أمننا.

ولكن هل هذا هو ما تقوم به المملكة المتحدة بالفعل، وإذا  اعتبرنا أنها فعلاً تقوم بذلك ــ وأننا قد تعمقنا في النظام الدفاعي الأوكراني ــ فلماذا لا نرى أي دلالة ولو صغيرة جداً على نقاش وطني [حول هذه المسألة]؟ إذا أصبحت المملكة المتحدة شريكاً في حرب أوروبية، وهي إلى حد كبير قريبة من ذلك، أليس هناك من وجهات نظر مختلفة علينا أن نسمعها في البرلمان أو في المجال العام؟ ففي النهاية، فإن كثيراً من الأسئلة تبقى معلقة حول [الجدوى] من الحرب أو السلم.

إذاً، كيف تتصرف المملكة المتحدة تحديداً؟ في مجال تقديم المساعدات العسكرية، فإن مبلغ المليار جنيه استرليني التقريبي الذي أعلن عن تقديمه في [قمة الناتو في] مدريد، قد ضاعف من قيمة كل ما كانت بريطانيا قد التزمت بتوفيره في السابق. إن المجموع يشكل، بحسب ما يقال، ثاني أكبر حزمة مساعدات مقدمة إلى أوكرانيا بعد أن تعهدت الولايات المتحدة الأميركية دفعه، لكن ذلك يحل ثانياً بنسبة بعيدة وبعيدة جداً [مقارنة بحجم ما قدمته الولايات المتحدة]. فالكونغرس الأميركي كان قد صادق على دفع مساعدات تبلغ قيمتها أربعين مليار دولار أميركي (33 مليار جنيه استرليني) ــ أي ما نسبته عشرة أضعاف ما قدمته بريطانيا ــ وإن لم يكن واضحاً تماماً كم من هذه الأموال قد أنفقت أصلاً أو أنها ستنفق [قريباً].

ما يمكن قوله في هذا السياق، هو، ومن وجهة نظر الشعور الذاتي بالامتنان على الأقل، فإن المملكة المتحدة قد نجحت في الحصول على عائدات سخية نسبة لحجم ما استثمرته. وفيما يتسم تباهي بوريس جونسون الأخير بأن "الأسلحة التي وفرتها المملكة المتحدة والمعدات والتدريب قد نجحت في إحداث تغيير للأفضل في المنظومة الدفاعية الأوكرانية" بعنصر المبالغة، فإن المملكة المتحدة كانت بالفعل من أولى الدول التي قدمت مساعدات عسكرية وخص زيلينسكي المملكة المتحدة الإشارة بإيفائها بوعودها ــ بعكس، كما يفهم ضمناً، ما فعله آخرون. وعليه، فهذا يعتبر نصراً دبلوماسياً إضافياً.

ربما من المنطقي أن نستنتج أيضاً، أنه بالنسبة إلى المملكة المتحدة ــ كما هو الوضع بالنسبة إلى الولايات المتحدة ــ فإن المساعدة العسكرية التي يتم تقديمها لا تقتصر وفق ما أعلن عنه. فالدولتان تقومان بمشاركة أوكرانيا معلوماتهما الاستخباراتية: ونحن على دراية بذلك لأن الأوكران يؤكدون ذلك، و(وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز) فإن الولايات المتحدة لديها أيضاً عملاء استخبارات وقوات خاصة على الأرض في أوكرانيا ــ تماماً كما أنه وبلا شك، لدى المملكة المتحدة أيضاً ــ وكل هذا الدعم غير المعلن يمكنه أن يكون ذا قيمة مماثلة إن لم تكن أكبر من قيمة العتاد الحربي الذي يطالب زيلينسكي بشكل متكرر وصريح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في موازاة كل ما سبق، إن ثمن الدفاع عن أوكرانيا يتعدى ما يمكن حتى للولايات المتحدة أن تعد بتقديمه. فخلال كلمته التي ألقاها أمام زعماء حلف الأطلسي في قمتهم في مدريد، قدر الرئيس الأوكراني زيلينسكي التكلفة الشهرية (للحرب) بنحو خمسة مليارات دولار أميركي، وهو ما يجعل من الأربعين مليار دولار أميركي التي وعدت الولايات المتحدة بتقديمها، ناهيك بالمليار جنيه استرليني الإضافية التي وعدت المملكة المتحدة بتقديمها، كلها مجرد نقطة في مياه المحيط مقارنة بما [هو مطلوب فعلياً] لتلبية احتياجات الحكومة الأوكرانية. ولا يمكن لكل ما أنفق حتى اليوم أو الوعد في تقديمه من قبل المملكة المتحدة اعتباره عبئاً كبيراً جداً على ميزانية المملكة المتحدة ككل. إن قيمة ما تم تقديمه حتى الآن هو مؤشر على التضامن مع أوكرانيا بقدر ما هو دعم لقدرات أوكرانيا الدفاعية.

حتى لو عملنا على تدوير الأرقام صعوداً إلى أربعة مليارات جنيه استرليني (نحو 4.85 مليار دولار) فإن الإنفاق المباشر للمملكة المتحدة على أوكرانيا منذ فبراير (شباط الماضي) هو جزء صغير جداً من مبلغ (230 مليار جنيه استرليني) أنفقته حكومة جونسون العام الماضي على قطاع الصحة وحده مثلاً. ومع المشاعر المتعاطفة مع أوكرانيا في البرلمان كما على المستوى الوطني إلى حد كبير، فإن حجم الإنفاق ليس محل جدل حتى الآن. ومن المحتمل أن تبقى الأمور كذلك، فيما الناس منشغلون بارتفاع نسب التضخم، وزيادة أسعار المحروقات، وتكاليف النقل وغيرها، كل ذلك وهم ما زالوا مقتنعين بترك الأمور المتعلقة بأوكرانيا تسير من دون أي معارضة، لكن هذا الهدوء في التعاطي مع الحد الذي وصل إليه الانخراط البريطاني في أوكرانيا ربما لن يستمر أو أنه يجب ألا يستمر. 

إن التراجع في التغطيات الإعلامية [للشأن الأوكراني في بريطانيا]، والغياب شبه الكامل لأي آراء تعكس وجهة نظر الجانب الروسي، ربما أدى ذلك بدوره إلى إغفال الحقيقة المرة أن روسيا تسيطر على المزيد من الأراضي، ربما ببطء، وأيضاً بشكل غير متقن، لكنها تسيطر على مزيد من الأراضي. أوكرانيا من جانبها تعترف أنه قد تم إلحاق خسائر فادحة في صفوف قواتها، وهذا بدوره قد بدأ يطرح أسئلة حساسة للغاية: عند أي نقطة قد تكون من مصلحة الدولة الأوكرانية أن تبدأ الحديث عن السلام؟

في الولايات المتحدة الأميركية وفي بعض دول القارة الأوروبية هذا السؤال يزداد قوة ويتحول إلى جدال مفتوح حول "السلام" ــ وبشكل بارز الحاجة إلى المحافظة على حياة الناس من الموت ــ ومبدأ إحقاق "العدالة" التي تتراوح بين مواقف تقول بضرورة هزيمة روسيا، وصولاً إلى أنه يجب ألا يسمح لروسيا في الاستفادة من عدوانها.

القمم التي تتابعت خلال الآونة الأخيرة حافظت على إجماعها العلني على ضرورة دعم أوكرانيا. لقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن موافقته على قبول ترشيح أوكرانيا لعضويته، واعتمدت مجموعة الدول السبع الكبار بياناً خاصاً تتعهد فيه "التزام ثابت... يستمر طالما استدعت الحاجة"، كما أعلن حلف الأطلسي موافقته على قبول انضمام كل من فنلندا والسويد إلى الحلف، بالتزامن مع الإعلان عن زيادة كبيرة في عديد قواته التي سينشرها الحلف على "خطوط المواجهة" لدوله الأعضاء، لكن هذا الإجماع العلني يخفي انتشار آراء وبعض الانقسامات القاسية بعضها داخل الإدارة الأميركية، وبين ما يعرف بأوروبا "القديمة" و"الجديدة" فيما التزم بوريس جونسون بوقوف المملكة المتحدة إلى جانب الصقور الداعين إلى تحقيق "العدالة".

لكن المعضلة تكمن هنا: ماذا سيفعل دعاة تحقيق "العدالة" عندما يأتي وقت يقرر فيه الرئيس زيلينسكي، أنه من أجل إنقاذ بلده، ليس لديه خيار سوى السعي من أجل تحقيق السلام. وإذا  جاء ذلك الوقت، هل سيمكنه إقناع مواطنيه، ونحو 80 في المئة منهم كانوا قد قالوا أخيراً في استطلاع للرأي إنهم يؤيدون تحقيق العدالة على حساب السلام، مبدين إصرارهم أن أوكرانيا عليها مواصلة القتال لأنها ــ كما يؤمنون ــ هي قادرة وستتمكن من تحقيق النصر في النهاية.  

وهناك من هم في الولايات المتحدة، ومن ضمنهم جنرالات متقاعدون، يجادلون بأنه على حلف الأطلسي أن يدخل هذه الحرب كحلف وأن يواجه روسيا بشكل مباشر (وقيادة الناتو فضلت حتى الآن عدم القيام بذلك)، ولكن هناك أيضاً من يجادلون بأنه ليس على الولايات المتحدة دعم قضية خاسرة. جدل مشابه لذلك يدور في جميع أرجاء أوروبا ــ ما عدا، وبوضوح، في المملكة المتحدة. وسيكون النقاش هنا، لو بدأ، الأكثر حدة.

استطلاع الآراء ذاته والذي أظهر أن الأوكرانيين عارضوا بشدة وقف الحرب الآن، أظهر تفضيلاً فرنسياً وألمانياً وإيطالياً أكبر "للسلام" بدلاً من "العدالة"، فيما اختار البولنديون العكس بنفس النسب. في المقابل، في المملكة المتحدة كان المعسكران متساويين تقريباً ــ حيث دعا 22 في المئة من المستطلعين إلى اعتماد نهج السلام، فيما فضل 21 في المئة تحقيق "العدالة" فيما بلغت نسبة المتأرجحين في آرائهم 39 في المئة، وهي النسبة الأكبر من أي منطقة أخرى.

هذه ليست المرة الأولى التي قد يكون فيها الحافز من أجل إجراء نقاش فعلي حول مبدأ مهم في مجلس العموم البريطاني، إن لم يكن في الحيز الشعبي الأوسع، مدفوعاً بتفاصيل صغيرة نسبياً. فلدى سؤال الحكومة عن مصدر تمويل حزمة المساعدات الإضافية بمليار جنيه استرليني لأوكرانيا، جاء الجواب الصريح – بشكل مفاجئ - من الحكومة التي قالت إن الحزمة شملت في جزء منها أموال لم يتم صرفها في اعتمادات مخصصة لكل من اسكتلندا وويلز.

تلك اعتمادات مالية صغيرة، وهي جزء من مبالغ صغير نسبياً، معدة لمساعدة دولة شجاعة تسعى إلى الدفاع عن نفسها في مواجهة [جار] متنمر، ولكن عندما نرى أن الأسعار ترتفع بشكل كبير وتتعاظم قوائم الانتظار لدخول المستشفيات [البريطانية]، قد تطرح كل من اسكتلندا وويلز السؤال المنطقي وهو لماذا لم تصل إليهم تلك الاعتمادات [بدلاً من إرسالها إلى أوكرانيا]، ولكن مرة أخرى إنها الأحاديث التي كان حرياً بنا بدأها قبل أسابيع حول ماهية خطر التمسك بسياسة أن "على روسيا أن تخسر الحرب" في أوكرانيا، وكلما بدأنا مثل ذلك النقاش في وقت مبكر لكان ذلك أفضل.

نُشر في "اندبندنت" بتاريخ 1 يوليو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء