توالت ردود الفعل اليمنية إزاء حادثة اغتيال القيادي العسكري الرفيع، عبد الرزاق البقماء، على يد مسلحين مجهولين، مساء أمس الجمعة، في عقر دار الحكومة بمحافظة مأرب (شرق البلاد) في اختراق أمني طاول أحد أبرز رجالات الشرعية المعروف بمواقفه المناهضة للمشروع الحوثي المدعوم من إيران.
وعُثر أمس على البقماء الذي تولى أخيراً منصب قائد اللواء الأول في قوات "اليمن السعيد" التابعة للجيش الحكومي المتمركزة في محافظة مأرب مقتولاً داخل سيارته بعيد دقائق من تلقيه اتصالاً من شخص مجهول طلب منه مقابلته، الأمر الذي عدّه مراقبون انكشافاً فادحاً لرجالات الشرعية الذين قضى كثير منهم أخيراً بطرق مشابهة.
الاتصال القاتل
عن تفاصيل الحادثة قال مصدر من أقارب البقماء لـ"اندبندنت عربية"، إنهم عثروا على القيادي مقتولاً داخل سيارته في خط فرعي، شمال منطقة الراكة بمديرية الوداي (شمال شرق مدينة مأرب)، المركز الإداري للمحافظة الاستراتيجية التي تحمل الاسم ذاته.
وأوضح أن البقماء تلقى اتصالاً من شخص ما، وطلب منه مقابلته، وانطلق منفرداً بسيارته الخاصة للقائه الذي بدا أنه مهم، بعد أن رفض عرض حراسته مرافقته.
وينقل المصدر عن أحد المزارعين الذي كان شاهد عيان للحادثة بقوله إن سيارة القيادي العسكري سلكت طريقاً فرعياً فيما كانت سيارة "تويوتا"، نوع "فورشنر"، تتبعه، وعندما توازيا باشرته بإطلاق النار بواسطة مسدس كاتم للصوت قبل أن تتمكن من الفرار.
وعن الجهة التي تقف خلف الحادثة قال المصدر، إن "الجهاز الأمني ممثلاً بالبحث الجنائي ما زال يباشر مهامه لجمع الأدلة والكشف عن الجُناة، ولكننا لا نستبعد مطلقاً أن تكون ميليشيات الحوثي خلف الجريمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وُلد البقماء في مديرية حريب بمحافظة مأرب في عام 1980، وأكمل تعليمه الجامعي في السعودية متخصصاً في العلوم الشرعية على يد كبار العلماء حتى نيله شهادة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وعُرف بمقارعته الدائمة لميليشيات الحوثي، ونزعته ضد "عنف وطائفية الجماعة المدعومة من إيران التي تتخذ من نهج الولاية لآل البيت سبيلاً لحكم اليمن بالقوة"، ولهذا اعتاد على وصفهم بـ"السلالية والكهنوتية".
كما عُرف عنه التقريب الدائم بين مكونات الشرعية اليمنية في مقارعة الحوثيين الذين يسيطرون على عدد من محافظات الشمال اليمني من بينها العاصمة صنعاء عقب انقلابهم في عام 2014، ولهذا تولى أخيراً مهمة الإشراف على تأسيس ألوية قوات اليمن السعيد في مأرب وعين قائداً للواء الأول فيها.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادثة، والتزمت ميليشيا الحوثي الصمت حول العملية فيما قالت قناة "المسيرة" الناطقة باسمها، إن "البقماء قُتل بظروف غامضة في مأرب".
تحقيق حكومي
وفي أول رد فعل رسمي، وجّه عضو مجلس القيادة الرئاسي، سلطان العرادة، الأجهزة الأمنية بمحافظة مأرب بسرعة استكمال التحقيقات في الحادثة، معتبراً "رحيل البقماء خسارة كبيرة للوطن ولمأرب ومقاومتها ووجهائها من المصلحين والدعاة، الذي كان له دور فعال في مواجهة ميليشيات الحوثي الانقلابية منذ البداية".
كما نعاه وزير الأوقاف والإرشاد محمد شبيبة، الذي قال في منشور له على صفحته في "فيسبوك"، " لقد أجرى الله على يديك خيراً كثيراً، وكنت غيثاً في بلادك ومغيثاً، سهلاً ليّناً، تألف وتُؤلف".
محاولات سابقة
نظراً إلى الدور البارز الذي خاضه مع بالقول والفعل العسكري خلال الفترة الماضية، تؤكد الأحداث أن البقماء كان على رأس قائمة الاستهدافات التي يرجح معظم المراقبين أن الحوثيين من يقف خلفها. إذ سبق وتعرض لمحاولة اغتيال في عام 2020، بعبوة ناسفة انفجرت أثناء مروره بشوارع مدينة مأرب، وكشفت الأجهزة الأمنية في ذلك الوقت عن أنها تمكنت من القبض على خلية حوثية متورطة في تلك العملية التي حاولت النيل منه.
كلمة وموقف
في صفحته على "فيسبوك"، كتب عديد من المقالات وأصدر سلسلة كتيبات حول "نشأة الحوثيين وطائفيتهم وجرائمهم وانتهاكاتهم"، وكان أبرز ما كتبه بعنوان "الموروث الجمهوري لا السلالي الكهنوتي الإمامي"، تحدث فيه بإسهاب عن نشأة الجماعة متطرقاً لسلسلة من الحوادث التي تسببوا بها.
وقبل عدة أشهر برز اسمه مجدداً في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، كقائد مؤسس لما عُرف بـ"ألوية اليمن السعيد"، وتعيينه قائداً للواء الأول كقوات ستتولى مهام تحرير المحافظات الشمالية الخاضعة لسيطرة الحوثيين تحت لواء الشرعية اليمنية وبدعم من التحالف العربي.
وفي أحد منشوراته الأخيرة على "فيسبوك" تحدث عن هذه القوات ونشأتها، وقال إن "ألوية اليمن السعيد، جزء من الجيش الوطني ومكملة ورديف للجيش، والاسم لا يعني إلا مزيداً من التعاون والتعاضد بين أبناء اليمن لتحرير اليمن من عصابة الكهنوت الحوثي البغيض، وندعو الجميع إلى جمع الكلمة، وتوحيد الصف، والتراص في خندق واحد، ونقدر من قاوم الحوثي ولو ساعة من نهار".
وتشهد المناطق التابعة للحكومة الشرعية بين حين وآخر عديداً من عمليات الاغتيال التي زادت وتيرتها منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل (نيسان) الماضي، بواسطة سيارات أو طائرات مسيّرة مفخخة تطاول قادة عسكريين في القوات الحكومية وصحافيين، فيما اتهمت الحكومة الحوثيين بالوقوف خلفها.