Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حتى متى يستطيع جونسون تجاهل معضلة بريكست الصارخة؟

أحدث دراسة صادرة عن مؤسسة "ريزوليوشن فاونديشن" في شأن الأجور في المملكة المتحدة تستشرف المستقبل، لكن ما هو بديهي أن طموحات رئيس الوزراء إلى اقتصاد ذي أجور مرتفعة ومهارات عالية ما زالت بعيدة من الواقع

ما وعد به جونسون من اقتصاد ذي أجور مرتفعة ومهارات عالية، يتطلب استثمارات لم تتحقق على أرض الواقع حتى الآن (رويترز)

توقع محللون في مؤسسة "ريزوليوشن فاونديشن"  Resolution Foundation (مركز أبحاث يعنى بتحسين مستوى المعيشة لذوي الدخل المنخفض إلى المتوسط في بريطانيا)، أن يكون عمال المملكة المتحدة مع حلول نهاية العقد الجاري، أكثر فقراً من حيث دخلهم السنوي بنحو 470 جنيهاً استرلينياً (578 دولاراً أميركياً)، وذلك نتيجة "بريكست" (الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي).

قد يكون رد الفعل من جانب كثير من الأشخاص، رفض هذه القراءة باعتبارها مجرد طفرة من مجموعة المخاوف الناشئة حديثاً. لكن في نهاية الأمر، إنه مجرد توقع آخر ونموذج أو تقدير، يمكن أن يثبت يوماً ما أنه كان خاطئاً.

إلا أن التحليل يستند إلى كم متزايد من البيانات المخيفة التي تراكمت منذ استفتاء عام 2016 (على مغادرة بريطانيا الكتلة الأوروبية)، وتأكدت أخيراً مع خروجنا فعلاً من الاتحاد الأوروبي قبل 18 شهراً.

هذا يعني أنه يمكننا أن نبدأ في فصل ما نعرفه عن تأثير الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي عما يتوقعه الاقتصاديون.

فما بتنا نعلمه أن الجنيه الاسترليني انخفض بشكل حاد بعد التصويت على المغادرة، ولم يستعد المستويات السابقة من العافية التي كان يتمتع بها. كما نعرف أن هذا الواقع يجعل استيراد السلع والبضائع أكثر كلفة على البريطانيين. ونعلم أيضاً أن الخروج من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي أدى إلى تفاقم مشكلة النقص في العمالة، على الرغم من أن مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي ليست السبب الوحيد لها. أما الإجراءات الروتينية الإضافية والإدارية والتعاملات البيروقراطية الأخرى، فقد سببت زيادة تكاليف الأعمال التجارية مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

إلا أن الجانب الأكثر إثارةً للقلق، يتمثل في توقف نمو الاستثمار في عام 2016، بحيث لم يعد قادراً على الإقلاع مرةً أخرى. فقد ظل يحقق ارتفاعاً بنسبة 1.7 في المئة كل سنة قبل التصويت، لكنه همد وبلغ متوسط 0.1 في المئة منذ ذلك الحين. قد لا يبدو هذا الرقم كبيراً، لكن من المرجح أن يحدث فارقاً تراكمياً كبيراً على مستوى ازدهار المملكة المتحدة في المستقبل.

ويعني التراجع في تدفق الأموال على الشركات والمصانع والمكاتب والمختبرات، استمرار المشكلة المزمنة في هذا البلد، المتمثلة في نقص الاستثمار وانخفاض الإنتاجية. من هنا فإن قدرتنا على إنتاج الأشياء بكفاءة، ستصبح أقل مما كانت عليه لولا ذلك. ومن المتوقع أن تكون مناطق شمال شرقي إنجلترا (وهي  الأكثر فقراً في بريطانيا) الأشد تضرراً نتيجة هذا الواقع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الاقتصاد ذو الأجور المرتفعة والمهارات العالية الذي وعد به رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، فيتطلب استثمارات لم تتحقق على أرض الواقع حتى الآن. ومن الواضح للغاية أن هذه المشكلة سببها خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ويبدو أنها ستستمر لسنوات مقبلة. وكما هي الحال في كثير من الأحيان، فإن الشركات تتوق إلى عامل اليقين، وإذا كان هناك من أمر واحد أكدته مقاربة الحكومة للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فهي حال عدم اليقين الدائمة.

في المقابل، يظهر الجدل الخلافي الأخير على "بروتوكول أيرلندا الشمالية"  Northern Ireland Protocol (يحكم قضايا الجمارك والهجرة على الحدود في الجزيرة ما بين أيرلندا وبريطانيا وأيرلندا الشمالية والاتحاد الأوروبي، لكن منذ بدء تنفيذه أثار خلافات بين لندن وبروكسل لأنه عطل التجارة بين بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية)، إننا بعيدون كثيراً من "إنجاز المغادرة البريطانية للاتحاد الأوروبي"، وأن بوريس جونسون يبدي استعداداً لخوض حرب مستمرة مع الكتلة الأوروبية. فتصوير بروكسل على أنها مصدر مشكلات بريطانيا ساعده بشكل جيد على الاحتفاظ بمنصبه، ويمكنه تالياً الاستمرار في ذلك. ويبدو أن تعرض ازدهار الاقتصاد البريطاني للاهتزاز على المدى الطويل، ليس في الواقع الراهن موضع قلق بالنسبة إلى الطاقم السياسي في المملكة المتحدة.

وعندما يمكن إجراء تقييم كامل لمدى دقة التوقعات التي وضعتها مؤسسة "ريزوليوشن فاونديشن" بحلول السنة 2030، سيكون رئيس الوزراء الراهن قد غادر لفترة طويلة منصبه في " 10 داونينغ ستريت". وحتى لو ثبتت دقتها، فلن يكون جونسون موجوداً كي يُحاسب.

ولتفادي وقوع مزيد من الأضرار التي قد تلحق بدخل الأسر في المملكة المتحدة، فإن المطلوب هو تقديم حجة قوية تدعو إلى بناء علاقات مقبولة مع أقرب جار لنا وأكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة. حجة بإمكانها إقناع البريطانيين الذين صوتوا لمصلحة مغادرة البلاد الاتحاد الأوروبي، بأنه لا يمكن تصويرها بعد الآن على نحو ساخر، على أنها تستهدف تقويض الاستفتاء.

يُشار إلى أن حزب "العمال " المعارض الذي يتزعمه السير كير ستارمر، كان قد طرح حتى الآن هذه المسألة، خوفاً من أن يخاطر بخسارة بعض ناخبيه التقليديين إلى الأبد. ومن الممكن أن يصبح من الأسهل تسويق هذه الحجة، إذا ما واصلت البيانات إثبات الضرر الذي تسبب به الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

لكن في الوقت الراهن، يملأ الفراغ القائم سياسيون يبدو أنهم على استعداد لتفضيل تقدمهم الشخصي على رفاه المواطنين الذين يخدمونهم. ونتيجةً لذلك، تظهر الأدلة على مر الأيام أننا سنكون جميعاً أكثر فقراً.

© The Independent

المزيد من تحلیل