Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

افتعال حرب تجارية مع أوروبا هي آخر ألاعيب جونسون لحرف الانتباه والخداع

تؤدي تعليقاته السخيفة دور الترويج لسياسته الخاصة كما تمحو في الوقت نفسه من "غوغل" أثر مخالفاته القانونية السابقة وتتلاعب بالمعلومات التي نراها عنه

بوريس جونسون يهدر ويتلعثم وكأنه يقوم بتقليد نفسه بشكل سيئ (غيتي)

بوريس جونسون هو واجهة حزب المحافظين، وهو يهدر ويتلعثم وكأنه يقوم بتقليد نفسه بشكل سيئ، لكن لا تدع شعره الذي يشبه الجبن البيضاء المشللة يخدعك، فهو جزء من أسلوبه الذي طورها بعناية لنفسه هو وأصدقائه المقربين.

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع فيديو "تيك توك" التي يبلغ طولها عشر ثوانٍ، إن القول الموجز الجذاب الذي يعلق في الذاكرة والشكل هما أكثر أهمية من المضمون. وبوصفه صحافياً ورئيس تحرير سابق، يدرك جونسون مدى أهمية جذب انتباه جمهور ما. هكذا كان شعار "أنجزوا بريكست" في حملته الانتخابية بمثابة [نسختها من إعلان] "أنا أحب ذلك" [واسع الانتشار]، إذ ترك بصمته في صدور الناس [حظي بمكانة أثيرة] بصورة أعمق مما يمكن لأي اقتراح مفصل للسياسات أن يفعل على الإطلاق.

ونظراً إلى خلو السياسة من الأفكار الجديدة، فكل ما بقي هو مباريات في الشخصية، في الوقت الذي يطغى فيه التأثير الكوميدي والترفيه على المبادئ. وهذا الفراغ مليء بانتهازيين مثل جونسون، ممن يغيرون مواقفهم السياسية اعتماداً على ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى تعزيز وضعهم الشخصي في أي وقت من الأوقات. ولذا، فعندما كان الحزب الاتحادي الديمقراطي يحتفظ بميزان القوى [واتخاذ القرار في شأن من تدعم ليحكم]، فإن جونسون حاول أن يسترضي الحزب الاتحادي الديمقراطي. أما حالياً هم أنصار "بريكست" من الجناح اليميني في حزب المحافظين الذين يبقونه في منصبه، ولذا فهو سيرقص على أنغامهم حتى تظهر أغنية مختلفة. والمفارقة أنه، في حين يمكن أن يكون قد ساعد على خلق هذه البيئة السياسية الخاوية، فهو أيضاً من نتاجها. وفي المجتمع المشهدي من الأفضل أن يكون المرء معروفاً ككاذب من أن يكون مجهولاً.

وبينما قد يكون من الصعب التخلص من سمعتك ككاذب، فإنك قد تستطيع أن تحسن مدى تقبل الناس لك وذلك من خلال تشتيت الانتباه والخداع. وإن صناعة "العلامة" [التجارية] الجيدة في التسويق في القرن الحادي والعشرين تشتمل على عملية SEO (تحسين محرك البحث) – أي التأثير في نتائج محرك البحث من أجل إبراز علامتك التجارية ضمن صدارة نتائج البحث في "غوغل"، لكن ذلك قد يعمل في الاتجاه الآخر، باعتبار أن العلامات التجارية تحاول غالباً أن تخفي نتائج البحث السلبية المتعلقة بها.

كانت الحافلة التي وعدت بـ350 مليون جنيه استرليني (نحو 429 مليون دولار) لخدمة الصحة الوطنية [حملة دعائية على حافلة زعمت أن بريطانيا ترسل 350 مليون جنيه استرليني إلى الاتحاد الأوروبي أسبوعياً ووعدت في حال "بريكست" بتحويل الأموال إلى هيئة خدمات الصحة الوطنية] عبارة عن كارثة بالنسبة إلى جونسون وللواء "بريكست". وبعد أشهر، وفيما بدا أنه محاولة على طريقة جونسون الكلاسيكية لتغيير الموضوع، أسهب في الحديث عن حبه للنماذج [المصغرة] الحافلات. وعلى امتداد السنوات القليلة التالية، كنت حين تكتب عبارة "حافلة بوريس جونسون" في خانة البحث في "غوغل"، تجد أمامك مجموعة كبيرة من المقالات عن نماذج الحافلات – وهذه النتائج كانت تدفن أي نتائج بحث تشير إلى جونسون وحافلة "بريكست".

وبعد أسبوع من اتهام جونسون بإقامة علاقة غرامية مع جينيفر أركوري العارضة الأميركية وبدفع مبالغ لها من المال العام، خرج بعبارة "نموذج لضبط النفس" [علماً بأن كلمة نموذج في الإنجليزية model تعني أيضاً عارضة أزياء] وذلك في مقابلة صحافية، وسرعان ما أدى ذلك إلى إعادة توجيه نتائج بحث "غوغل" بعيداً من علاقته الغرامية المزعومة مع العارضة إلى عبارة "نموذج لضبط النفس".

وعندما اتهم جونسون في الآونة الأخيرة بإقامة حفلة نبيذ وجبنة في 10 داونينغ ستريت، أجرى مقابلة غريبة ادعى فيها أنه حين كان يعمل من البيت فقد اعتاد على "قطع قطعة صغيرة من الجبن". والآن اكتب "جبنة بوريس جونسون" في "غوغل" وستحصل على إشارات إلى تلك المقابلة بدلاً من "بارتي غيت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن تعليقات جونسون السخيفة متعمدة الهدف منها هو خداع الناس في شأن قصده الحقيقي. وهي تؤدي دور الدعاية لعلامة بوريس جونسون التجارية، فيما يمحو في الوقت نفسه من "غوغل" [ذكر] مخالفاته القانونية السابقة ويتلاعب بالمعلومات التي نراها عنه.

وإذ يمكن للمسؤولين عن الدعاية في حزب المحافظين أن يكونوا قد تطوروا، فهم لا يزال بإمكانهم توسل الطرق التقليدية التي تم تجريبها واختبارها لتحويل الأنظار. عندما قامت تاتشر بغزو جزر الفوكلاند في عام 1982، كانت نسبة التضخم قد وصلت إلى تسعة في المئة فيما شعبيتها تدهورت، لكن بعد انتصار الفوكلاند، ومقتل 997 شخصاً، غدت تاتشر بطلة.

إن سمعة جونسون في أسوأ حالاتها الآن، ونحن في خضم أزمة تكلفة المعيشة مع تضخم بلغت نسبته تسعة في المئة. ومن خلال تغيير شروط معاهدة دولية ومحاولة تجاوزها عبر تشريع محلي، يحاول جونسون أن يستدرج الاتحاد الأوروبي إلى حرب تجارية. إن تشويه سمعة المملكة المتحدة الدولية من خلال خرق القانون الدولي وتوسيع هوة الانقسام في إيرلندا الشمالية، هما فعلان تدميريان ضروريان في سياق الصراع من أجل البقاء في السلطة.

ويمكن أن يسمح هذا لجونسون بإعادة تركيز الخطاب العام بحيث تصبح العقوبات الأوروبية هي المسؤولة عن التراجع الاقتصادي وأزمة تكلفة المعيشة في بريطانيا في مرحلة ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، باعتبار أن الدورة الإخبارية على امتداد الـ24 ساعة من شأنها أن تنسى سريعاً أنه كاذب. وسواء كان الأمر يتعلق بالمهاجرين، أو الناس الذين يعيشون على مساعدات الرعاية الاجتماعية أو الاتحاد الأوروبي، فالخطأ دائماً هو خطأ شخص آخر في بريطانيا بوريس الخارجة من الاتحاد الأوروبي.

إن محاولات حرف الأنظار الحديثة تشتمل [إعادة العمل بـ] وحدة القياسات الإمبراطورية على الكؤوس بحجم نصف ليتر، وحظراً للتدخين، وترحيل المهاجرين إلى رواندا. وكل هذا يقدم خدمة إلى صحف التابلويد الشعبية اليمينية التي تساعد عناوينها العريضة في توجيه السرد في وجهة بعيدة عن إخفاقات الحكومة في شأن المسائل الاقتصادية ونحو الحروب الثقافية التي ستفرق الشعب البريطاني وتشتت انتباهه.

وبينما يزداد الفقر، ويجري بيع طالبي اللجوء إلى رواندا، ويتم العبث بوسائل الإعلام المستقلة وحظر الاحتجاجات، يواصل جونسون تشبثه بمنصبه، محاصراً من قبل "مجموعة البحوث الأوروبية" [برلمانيون في حزب المحافظين من المشككين بالاتحاد الأوروبي]، الذين أسكرتهم رغبتهم بالعودة إلى إمبراطوية لم تكن موجودة أبداً وإلى "بريكست" الذي كان يمكن أن يتحقق. إنهم أيضاً قوميون كما أنهم من أقصى اليمين. أدخل [في الحكم] زعيماً يخرق القانون ويفعل أي شيء للاحتفاظ بسلطته، وسيكون لديك طاغية. لن تترسخ الفاشية عن طريق القوة، وإنما [ستفعل ذلك] من خلال فيديو فكاهي لبوريس جونسون على منصة "تيك توك".

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 18 يونيو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء